الصلاة.. الصلاة.. الصلاة (02)
الشيخ عبدالرحمن العتيبي
إقامة الصلاة أداء لفريضة قد فرضها الله جل وعلا، ومظهر من مظاهر العبودية لله، والقيام بها رجاحة في عقل مؤديها، لأنه يسير في ركاب المسلمين، ويرجو الثواب والنجاة يوم الدين، والصلاة مثقلة لميزان الحسنات، مكفرة للسيئات وسيحاسب عليها من مات، فمن أحسن القيام بها فيبشر بالجنات ومن ضيعها تمنى العودة للدنيا للقيام بها، ولكن هيهات هيهات فقد انتهى الأمر وطويت الصفحات، ولن ينفعه في ذلك اليوم صراخ وآهات، لأنه قد أعطي فيما مضى اتساعاً من الأوقات، قال تعالى }وَهُمْ يَصْطَرًخُونَ فًيهَا رَبَّنَا أَخْرًجْنَا نَعْمَلْ صَالًحاً غَيْرَ الَّذًي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمًّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فًيهً مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذًيرُ فَذُوقُوا فَمَا لًلظَّالًمًينَ مًن نَّصًير) (فاطر: 37).
الصلاة أول ما يحاسب عليه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر» (رواه الترمذي وقال حديث حسن).
فالحساب هو مصير كل مكلف، فأعماله محصاة عليه وسيُسأل عنها، قال تعالى }وقالوا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحداً) (الكهف).
فمن قام بالأعمال المكلف بها فله الرضا من الله، وله النعيم المقيم الخالي من المنغصات، ومن لم يعمل بما كلف به ونسي ربه فالنار مأواه وبئس المصير، قال تعالى }وَقًيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسًيتُمْ لًقَاء يَوْمًكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مًّن نَّاصًرًينَ ذَلًكُم بًأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتً اللَّهً هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مًنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (الجاثية 35ـ34).
ومن فسدت أعماله وهجر ما امر به فسوف يدعو بالويل والثبور ويتمنى أنه لم يقرأ أعماله في كتابه، قال تعالى )وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه).
فإذا كانت الصلاة أول ما يحاسب عليه من الأعمال فحري بالمكلف أن يعتني بشأنها ويجعلها شغله الشاغل، وتكون ذات أهمية بالغة في حياته، ولا تحدثه نفسه بتركها او التهاون فيها بأي حال من الأحوال، فيبدأ يومه بالصلاة فيصلي الفجر، ويختم يومه بالصلاة فيصلي العشاء ليكون على صلة دائمة بربه ومولاه.
ترك الصلاة كفر
عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» (رواه مسلم).
قال العلامة عبد العزيز بن بازـ رحمه اللهـ (ومن مات من المكلفين وهو لا يصلي فهو كافر، لقوله صلى الله عليه وسلم «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح من حديث بريدة رضي الله عنه، وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رحمه الله تعالى: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة، والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة، وهذا فيمن تركها +لاً ولم يجحد وجوبها فهو كافر مرتد عن الإسلام عند جميع أهل العلم). أ هـ (فتاوى ابن باز جزء 3 ص 106).
ونحن نرى أن المسلم يأنف من أن يوصف بالكفر، فعليه أن يخشى عما يوقعه في الكفر قولاً أو عملاً، ويجب عليه ألا يتلفظ بما يوجب الكفر من جحود لفرائض الإسلام كالصلاة، وألا يستهزئ بشيء من شعائر الإسلام، ويجب تجنب ما يوجب الكفر من المعتقدات الفاسدة كمن يعتقد أن غير الله يعلم الغيب، أو من يستغيث بالأموات ويناديهم بأسمائهم معتقداً نفعهم له، وكما أن المسلم لا يرضى بأن يوصف بالكفر، فلا يجوز له أن ينعت أحداً من المسلمين بهذا الوصف حتى يثبت لديه بالدليل القطعي أن هذا الشخص خرج من دائرة الإسلام، ومن يتهم أخيه المسلم بالكفر لأدنى شبهة، فهو على خطر عظيم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه» [رواه البخاري ومسلم]، ولأجل ذلك يتحرز من اتهام المسلمين بالكفر، فمن ادعى أنه يصلي يصدق، وحساب الناس على الله، والقول بكفر تارك الصلاة مأثور عن الصحابة، قال ابن حزم: «وقد جاء عن عمرو عبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد، ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالف». أ هـ
ومما يروى عن عمر رضي الله عنه قوله: لا حظ في الإسلام لمن ضيع الصلاة، والإضاعة منها الترك، قال الشوكاني في تفسيره في فتح القدير في معنى قوله تعالى }أضاعوا الصلاة) قال الأكثر ذلك أنهم أخروها عن وقتها، وقيل لم يأتوا بها على الوجه المشروع، والظاهر أن من أخر الصلاة عن وقتها أو ترك فرضاً من فروضها، أو شرطا من شروطها، أو ركناً من أركانها فقد أضاعها ويدخل في الإضاعة تركها بالمرة أو جحدها دخولا أوليا وقيل أنها نزلت في قوم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يأتون في آخر الزمان، وعن ابن مسعود رضي الله عنه ليس إضاعتها تركها، ولكن إضاعتها إذا لم يصلها لوقتها. أ.هـ
وقد توعد الله هذا الصنف من الناس بأشد العقوبة قال تعالى (فسوف يلقون غيا) أي شرا وخيبة وخسران وقيل الغي اسم لوادي في جهنم، ومن ترك الصلاة وأعرض عن ذكر الله فهو في نكد من العيش وعقوبات متتالية، قال تعالى }ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) قال ابن رجب رحمه الله «أهل المعاصي والإعراض عن الله، فإن الله يعجل لهم في الدنيا من انموذج عقوبات جهنم ما يعرف أيضا بالتجربة والذوق، فلا تسأل عما هم فيه من ضيق الصدر وحرجه ونكده، وهذا من نفحات الجحيم لهم، ثم ينتقلون بعد هذه الدار إلى أشد من ذلك وأضيق، ولذلك يضيق على أحدهم قبره حتى تختلف فيه اضلاعه ويفتح له باب إلى النار فيأتيه من سمومها». أ هـ
وما نريده من سياق هذه العقوبات التي تحصل للعاصي، هو زجر وتهديد من تهاون في أداء الصلاة ممن هم في سن التكليف ذكورا وأناثا، لعل ذلك يوجد يقظة في نفوسهم ويولد عزيمة صادقة تدفعهم إلى القيام إلى الصلاة والاهتمام بعبادة ربهم التي خلقوا لأجلها ولكي ينعموا بثمرات الطاعة من راحة للنفس، وانشراح للصدر وطيب للعيش في الدنيا، وفي الآخرة نجاة من النار وفوز بالجنة في سرور ونعيم دائم نسأل الله الكريم من فضله.