الصلاة.. الصلاة.. الصلاة (05)
الشيخ عبدالرحمن العتيبي
من ثمرات أداء الصلاة أنها تكون سبباً لحجب المصلي عن المعاصي المخزية في الدنيا والآخرة فالصلاة تورث كره المعصية والنفرة منها، فالمصلي لا يألف المعصية ولا يستمتع بها، وإن وقع فيها بغلبة من الهوى، والنفس الأمارة بالسوء، فسريعا ما تسعفه صلاته التي يحافظ على أدائها بأن يتوب إلى الله ويستغفر ويرجع إلى طاعة ربه، تاركاً لتلك المعصية التي تخل بعبوديته لربه جل وعلا، وتكون الصلاة مكفرة لما وقع فيه من صغائر الذنوب، والمحافظة على الصلاة يوجد دافع قوي إلى توبة صادقة من جميع الذنوب صغائرها وكبائرها، بما يؤدي إلى طهر نفس المصلي، وخلو صحائف أعماله من السيئات، قال تعالى (اتْلُ مَا أُوحًيَ إًلَيْكَ مًنَ الْكًتَابً وَأَقًمً الصلاة إًنَّ الصلاة تَنْهَى عَنً الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرً) (العنكبوت- 45)، قال ابن سعدي رحمه الله: «(وأقم الصلاة) من باب عطفه الخاص على العام لفضل الصلاة وشرفها، وآثارها الجميلة وهي (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) فالفحشاء كل ما استعظم واستفحش من المعاصي التي تشتهيها النفوس والمنكر كل معصية تنكرها العقول والفطر، ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها، وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تنعدم رغبته في الشر، فبالضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر فهذا من اعظم مقاصد الصلاة وثمراتها، وثمَّ في الصلاة مقصود أعظم من هذا وأكبر وهو ما اشتملت عليه من ذكر الله بالقلب واللسان والبدن فإن الله تعالى إنما خلق العباد لعبادته وأفضل عبادة تقع منهم الصلاة وفيها من عبوديات الجوارح كلها ما ليس في غيرها» أ هـ.
فإذا كانت الصلاة سببا في الابتعاد عن المعاصي فأنعم بها من عبادة يجب القيام بها والمحافظة على أدائها في جميع الأوقات، فالوقوع في المعاصي سبب للحرمان من دخول الجنة، والمعصية عاقبة مقترفها النار إن لم يغفر الله له ورب العالمين لا يستهان بمعصيته فهو شديد العقاب، وهو لا يستحق أن يُعصى سبحانه وبحمده، فهو المنعم الخالق المستحق للعبادة وحده لا شريك له
فوا عجباً كيف يُعصى الإله
أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه الواحد
وإذا كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فلنحافظ عليها فرادى وجماعات وفي العلن والخلوات مبتغين بذلك مرضاة رب السماوات.
هجر تارك الصلاة
محبة أهل الإيمان والصلاح واجب يفرضه الإسلام وفي المقابل يجب بُغض من لا يؤدي فرائض الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله» (رواه أحمد والطبراني).
ولنا أسوة حسنة في نبي الله إبراهيمـ عليه السلامـ فإنه قد عادى قومه عندما خالفوا أمر الله ولم يعبدوه حق عبادته، قال تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَة حَسَنَة فًي إًبْرَاهًيمَ وَالَّذًينَ مَعَهُ إًذْ قَالُوا لًقَوْمًهًمْ إًنَّا بُرءاء مًنكُمْ وَمًمَّا تَعْبُدُونَ مًن دُونً اللَّهً كَفَرْنَا بًكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمًنُوا بًاللَّهً وَحْدَهُ) (الممتحنة- 4).
وأسباب الخلاف والهجر بين الناس تحصل على أمور دنيوية وتافهة، فكيف لا نختلف على أمور مخلّة بأركان الإسلام ويجب أن يكون هناك فرقان بين المطيع لربه والمقصر في حق الله فالمطيع يحب ويقرب، والمتهاون في طاعة الله ينصح فإن لم يستجب يبغض ولا يصاحب، ومن ترك الصلاة فقد ترك ركناً عظيماً من أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، قال تعالى (فَإًن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإًخْوَانُكُمْ فًي الدًّينً) (التوبة- 11)، ومن ترك الصلاة فإنه يدعى بالحكمة واللين والكلمة الطيبة، ويعمل الداعي على ترغيبه في أداء الصلاة وعمل أي حوافز أو بذل المساعدة مما يعينه على أداء الصلاة ويعمل الداعي على ترهيبه من ترك الصلاة، ويساهم في إزالة العقبات التي تمنعه من إقامة الصلاة، ويبين له ثمرة القيام بالصلاة من نيل رضا الله والفوز بجنته، ويحذره من عاقبة ترك الصلاة من تعاسة في الدنيا، والوعيد بالنار في الآخرة، وكل ذلك بأسلوب المشفق الناصح حتى يسري التأثير بإذن الله إلى ذلك المتهاون، وإن كان التارك للصلاة له ولي فيجب على وليه وعظه وتبصيره بخطورة ما هو عليه، فإن كان يستطيع إجباره على أداء الصلاة فيلزمه إجباره حتى يتوب ويعتاد أداء الصلاة وتسهل عليه فيما بعد، ويستعمل ما هو أصلح للمدعو من الحكمة والرفق أو القوة والعقوبة فالمطلوب هو إظهار الإنكار على تارك الصلاة، وليعلم بعدم الرضا بما هو عليه من تهاون في الصلاة وتارك الصلاة يجب على المسلم ألا يتخذه صاحبا ولا صديقا يأنس لمجالسته وإنما يخالطه بحسب المصلحة من بيع وشراء وعمل يجميع بينهما ولما سئل العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله عن مصاحبة من لا يصلي أجاب: لا يجوز للمسلم أن يصاحب مثل هذا الشخص الذي يترك الصلاة بل يجب عليه أن ينصحه وينكر عليه عمله السيئ فإن تاب وإلا هجره ولم يتخذه صاحبا، وقد سئل رحمه الله السؤال التالي:
¼ لي صديق عزيز لكن هذا الصديق لا يصلي وقد نصحته فلم يقبل مني، فهل أصله أم لا؟
ـ هذا الرجل وأمثاله يجب بغضه في الله ومعاداته فيه حتى يتوب، لأن ترك الصلاة كفر، فالواجب عليك أن تبغضه في الله وتهجره حتى يتوب إلى الله سبحانه والواجب على ولاة أمور المسلمين استتابة من عرف بترك الصلاة، فإن تاب وإلا قتل لقول الله عز وجل (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا ال+اة فخلوا سبيلهم) فدل ذلك على أن من لم يصل لا يخلى سبيله، ونسأل الله أن يرد صاحبك إلى التوبة، وأن يهديه سواء السبيل. أ هـ (فتاوى إسلامية ج1 ص367).
ويجب الإنكار على تارك الصلاة ومن يخالطه ولا ينكر عليه فهو على خطر عظيم قال تعالى (لُعًنَ الَّذًينَ كَفَرُواْ مًن بَنًي إًسْرَائًيلَ عَلَى لًسَانً دَاوُودَ وَعًيسَى ابْنً مَرْيَمَ ذَلًكَ بًمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَر فَعَلُوهُ لَبًئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (المائدة- 78).
وترك الصلاة من المعاصي التي لا يسكت على فعل صاحبها قال شيخ الإسلام: وتنبغي الإشاعة عنه بتركها حتى يصلي ولا ينبغي السلام عليه ولا إجابة دعوته. أ هـ
ومن أضاع الصلاة فهو لما سواها أضيع نسأل الله الهداية لضال المسلمين، ومن بين ونصح وأنكر ولم يصاحب هذا الصنف من الناس فقد نال اجر الدعوة إلى الله فإن استجاب تارك الصلاة فقد رشد وإن لم يستجب فقد برئت ذمة الداعي، وتارك الصلاة يبوء بإثمه لوحده، وهو مستحق لما يلحقه من نكد في حياته وسخط الله وأليم عقابه جراء سوء عمله نسأل الله السلامة والعافية.