molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الشكر - عبد الله بن فهد السلوم / بريدة الأحد 5 أغسطس - 8:07:44 | |
|
الشكر
عبد الله بن فهد السلوم / بريدة
الخطبة الأولى عباد الله: كم لله علينا من نعمة، وكم لله علينا من فضل ومنة، وكم هي ألطاف الله ورحمته فينا، فيد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، وخزائنه سبحانه وبركاته لا تعد ولا تحصى، قال : قال الله عز وجل: ((يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)) [رواه مسلم].
أيها المسلمون: إن الشكر ضرورة شرعية وعبادة لله من أعظم القربات والطاعات فيحتاج المسلم إلى:
الأول: الشكر والاعتراف باللسان والنطق بها وذكرها ونسبتها إلى الله وما بكم من نعمة فمن الله .
الثاني: الإعتقاد بالقلب والصدق في ذلك بأن الله هو مسدي النعم وواهبها.
الثالث: استعمال النعم في طاعة الله وبذلها فيما يرضيه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((على كل مسلم صدقة قالوا: فإن لم يجد قال: فيعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق. قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قالوا: فإن لم يفعل قال: فليأمر بالمعروف قالوا: فإن لم يفعل ، قال : فليمسك عن الشر فإنه صدقة)) [رواه البخاري ومسلم].
وخرج مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: ((خلق الله ابن آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن ذكر الله وحمد الله وهلل الله وسبح لله وعزل حجراً عن طريق المسلمين أو عزل شوكة أو عزل عظماً أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامي أمسى من يومه وقد زحزح نفسه من النار)) [رواه مسلم]. فيحتاج كل عظم منها إلى صدقة يتصدق ابن آدم عنه ليكون ذلك شكراً لهذه النعمة قال تعالى: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون وقال سبحانه وتعالى: ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين قال مجاهد: (هذه نعم من الله متظاهرة يقررك بها كيما تشكر) وعن يونس بن عبيد أن رجلاً شكا إليه ضيق حاله فقال له يونس: (أيسرك أن لك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم؟ قال: لا قال فبيدك مائة ألف درهم قال: لا، قال: فرجليك قال: لا، قال: فذكره نعم الله عليه، فقال يونس: أرى عندك مئتين ألوفاً وأنت تشكو الحاجة).
وعن بكر المزني قال: يا إبن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك ، كم من نعمة الله في عرق ساكن، لوشاء الله أن يحركه حركه، فأزعج صاحبه.
فهذه النعم مما يسأل الإنسان عن شكرها يوم القيامة ويطالب بها كما قال تعالى: ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم وخرج الترمذي وابن حبان من حديث أبي هريرة عن النبي قال: ((إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم فيقال له: ألم نصلح لك جسمك ونرويك من الماء البارد)) وعن وهيب بن منبه بإسناده قال عَبَدالله عابد خمسين عاماً فأوحى الله عز وجل: إني قد غفرت لك. قال: يا رب وما تغفر لي ولم أذنب، فأذن الله عز وجل لعرق في عنقه فضرب عليه، فلم ينم ولم يصل، ثم سكن وقام، فأتاه ملك فشكا إليه ما لقي من ضربات العرق، فقال الملك: إن ربك عز وجل يقول : عبادتك خمسين سنة لم تعدل سكون ذلك العرق.
فالله سبحانه هو صاحب الفضل أولاً وآخراً فهو الذي يمن بالنعمة ويهبها ثم يمن على من يشاء بالشكر والحمد.
إذا كان شكري نعمة الله نعمة علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف أقوم الدهر في بعض حقه وأن طالت الأيام واتصل العمر
فهو سبحانه يبذل نعمة لعباده ويطلب منهم الثناء بها وذكرها والحمد عليها، وهو غير محتاج إلى شكرهم لكنه يحب ذلك من عباده.
والغفلة عن النعم لها أسباب منها: الجهل بعظيم النعمة التي تعم الخلق، فالجاهل لا يعد الهواء والصحة مثلاً نعمة لأن نعمة ويصم غيره، فإذا ابتلي أحد بشيء سلب منه ثم عادت إليه الصحة أعتبر ذلك نعمة يشكر الله عليها، وهذا غاية الجهل لأنه جعل الشكر موقوفاً على سلب النعمة ثم ردها، لأن النعم في جميع الأحوال اولى بالشكر، فلا ترى البصير يشكر صحة البصر إلا إذا عمى، فمثل هذا مثل عبد السوء يضرب دائماً، فإذا ترك ضربه ساعة شكر واعتبر ذلك منّة، وإن ترك ضربه أصلاً غلبه البطر وترك الشكر.
دخل ابن السماك على هارون الرشيد في عظة فبكى ثم دعا بماء في قدح فقال: يا أمير المؤمنين لو مُنعت هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها، أكنت تفديها بها؟ قال: نعم، قال: فأشرب رياً بارك الله فيك. فلما شرب قال له: يا أمير المؤمنين أرأيت لو منعت إخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفتدي ذلك؟ قال: نعم. فقال له: عما تصنع بشيء شربة ماء خير منه؟.
فمن نعم الله علينا الخُلُق فإن ما من عبد إلا ويرى في غيره عيوباً يكرهها وأخلاقاً يذمها ويرى نفسه برئياً منها، فينبغي أن يشكر الله تعالى على ذلك حيث أحسن خلقه وابتلى غيره، ومن نعم الله أنه مامن أحد إلا وهو يعرف من مواطن أمور نفسه وخفاياها الكثير من القبائح، ولو كشف الغطاء عنه واطلع عليه أحد من الخلق لأفتضح، فكيف لو أطلع الناس جميعهم عليها، فلم لا نشكر الله بستره الجميل على مساوينا حيث أظهر الجميل وستر القبيح، فاحمد الله يا عبد الله فأنت تسبح في نعم الله، وأشكره أن جعلك مؤمناً لا كافراً، وحياً لا جماداً، وإنساناً لا بهيماً، وذكر لا انثى، وصحيحاً لا مريضاً، وسليما لا معيباً، قال : ((انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)) [رواه مسلم]. إن من فتش عن نفسه وما خصه الله به وجد الله تعالى عليه نعماً كثيرة لاسيما من خص بالإيمان والقرآن والسنة ثم الفراغ والصحة والأمن وغيرها.
عباد الله: اعلموا أن الشكر على درجتين إحداهما شكر واجب، وهو أن يأتي بالواجبات ويجتنب المحرمات، فهذا لابد منه، عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله : ((يصبح على كل سلامي أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتا الضحى يركعهما)) [رواه مسلم]. فما من عظم ولا عرق ولا عصب إلا وعليه أثر صنع الله عز وجل فيجب على العبد الشكر على ذلك والحمد لله.
الدرجة الثانية: الشكر المستحب وهو أن يعمل العبد بعد أداء الفرائض واجتناب المحارم بنوافل الطاعات، وهذه درجة السابقين المقربين، فهذا رسول الله كان يجتهد في الصلاة ويقوم حتى تتفطر قدماه، فإذا قيل له: لم تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) [رواه مسلم].
اللهم اجعلنا ممن إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر، وإذا ظلم غفر، وإذا ظلم ذكر فاستغفر، اللهم أعطيتنا نعمك ونحن بكل شر، وأصبحنا وأمسينا بكل خير نسألك شكرها لا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك إله الصالحين ورب العالمين والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية الحمد لله الكريم المنان صاحب الجود والفضل والإمتنان واسع العطاء والإحسان الذي بحر جوده لا ينفد، وجميل هباته لا تنقضي، الذي وسعت رحمته كل شيء، فسبحانه من إله كريم منان لطيف وهاب رؤوف رحيم ودود يحب شكر عباده وتوبتهم وطاعتهم، وهو الغني الحميد.
ذكر ابن ابي الدنيا أن داود عليه السلام قال: يا رب ما أدنى نعمك علي فأوحى الله إليه: يا داود تنفس. فتنفس. قال: هذا أدنى نعمي عليك. وعن أبن عباس قال قال : ((إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم)) وفي الصحيح أن النبي قال: ((لن ينجي أحد منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله. قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)).
عباد الله: إن أعمال العبد لا توافى نعمة واحدة من نعم الله عليه. إن ابن آدم بين نعمة وذنب، ولا تصح النعمة إلا بالحمد والشكر ولا يصلح الذنب إلا بالتوبة والإستغفار، قال عبدالعزيز بن أبي داود: رأيت في يد محمد بن واسع قرصة، فكأنه رأى ما شق علي منها فقال لي: أتدري ماذا الله علي في هذه القرصة من نعمة حين لم يجعلها في حدقي ولا طرف لساني ولا على طرف ذكري فهانت علي قرصته، قال إبن القيم رحمه الله: (لله تبارك وتعالى على عبده نوعان من الحقوق لا ينفك عنهما أحدهما: أمره ونهيه اللذان هما يحصن حقه عليه، والثاني شكر نعمة التي أنعم بها عليه. وقال رحمه الله: وأما شهود النعمة فإنه لا يدع له رؤية حسنة من حسناته أصلاً، ولو عمل أعمال الثقلين، ولا يزال مزرياً على نفسه ذاماً لها، وما أقربه من الرحمة إذا أعطي هذين المهتدين حقهما (مشهد النعمة ومشهد القيام بالواجب وترك المحرم) ولله الميقات.
عباد الله: كم لله علينا من نعمة يجب علينا أن نؤدي شكرها، إن القلوب غافلة عن شكر نعم الله، وعلاجها بأن تتأمل وتستحضر أصناف نعم الله عز وجل الظاهرة والباطنة وفي أنفسكم أفلا تبصرون وأن نشاهد المرض والمشتكين ثم نتأمل ما نحن فيه من صحة وسلامة ونشاهد الجناة الذين يقتلون وتقطع أيديهم وأرجلهم وهم يعذبون، فتشكر الله على سلامته من تلك العقوبات وأن نحضر إلى المقابر فنعلم أن أحب الأشياء إلى الموتى أن يردوا إلى الدنيا، ليتدارك من عصا عصيانه وليزيد في الطاعة من أطاع، فإن يوم القيامة يوم التغابن، فإن من شاهد المقابر وعلم أحب الأشياء إليهم صرف بقية عمره في طاعة الله وشكره في الإمهال، فيصرف العمر في ما خلق من أجله قال الله تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون .
أيها المسلمون: إن الشكر ليس هو كلمة تقال باللسان وكفى لا ، وإنما لا بد أن يستقيم العبد على طاعة الله وينتهي عن معصيته، فأين الغارق في شهواته المحرمة عن الشكر لربه يمده بالنعم والصحة في بدنه وسمعه وبصره ويديه ورجليه وعقله ومأكله ومشربه وقوته، وفي كل حركة من حركاته وسكنة من سكناته، وفي كل خلية من خلايا جسمه ونبضة من نبضات عروقه وقطرات دمه وراحته النفسية ومقته وسروره، فكيف من كان هذا حاله من فقره لربه وحاجته لمولاه وأنه الضعيف الحقير المسكين الذي لايتحمل أدنى مرض ولا أقل مصيبة، فكيف يبارز به بالمعاصي والمنكرات، وكيف يغفل عن نفسه وما بها من منن الله، وكيف يضحك ويلهو وهو يعرض نفسه لوعيد الله وأليم عقابه، وكيف يمتد في الخطايا ويسعى إليها عالماً بها يتقوى بنعم الله على الظلم والمعصية والبغي والعدوان، وكيف يغفل عن نعمة اللسان ويقول فيه الزور والغيبة والنميمة وقول السوء، وكيف ينسى نعمة اليدين ويستعملها في الحرام ويمس بها الحرام، وكيف لا يتذكر المعوقين وهو يمشي برجلين لكل ما يريد صحيحاً، يسعى برجليه إلى المنكر، وكيف نلهو عن الحبيبتين: العينين وتنظر بهما إلى الصور والأفلام وما حرم الله، وكيف لا نتذكر الأصم الذي لا يسمع ولا يعلم أحوال الناس في هذه الحياة ثم نستمع بالأذنين إلى الغناء وفاحش القول وعورات المسلمين.
وتذكر مثل ذلك أيها المسلم في كل نعمة فيك وكل جارحة وهبها الله أياك تذكر جيداً أنه ما نجى إلا من حاسب نفسه وعرف قدر نعمة الله عليه وتذكر أنه لن يحاسب أحد عن أحد وتذكر أن الأماني لا تفيد شيئاً إلا إذا أتبعناها بالعمل. رأى الحسن رحمه الله رجلاً يتبختر في مشيته فقال: لله في كل عضو منه نعمة.
اللهم لا تجعلنا ممن يتقوى بنعمتك على معصيتك.
أيها المسلمون: إنها غفلة كبيرة عن أداء شكر الله على نعمه، قال أبو حازم: كل نعمة لا تقرب من الله بلية. لنتذكر العظيمتين الجنة والنار فلا ندري إلى أيتهما نصير، قال موسى عليه الصلاة والسلام يوم الطور: ((يارب إن أنا صليت فمن قبلك، وإن أنا تصدقت فمن قبلك، وإن أنا بلغت رسالتك فمن قبلك، فكيف أشكرك؟ قال: الآن شكرتني)) عن عبدالله بن غنام قال عن النبي أنه قال حين يصبح: ((اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فلقد أدى شكر ذلك اليوم، ومن قالها حين يمسي أدى شكر تلك الليلة))، ذكر إبن أبي الدنيا أن محارب به وثار كان يقوم بالليل ويرفع صوته أحياناً: أنا الصغير الذي ربيته فلك الحمد، وأنا الضعيف الذي قويته فلك الحمد، وأنا الفقير الذي أغنيته فلك الحمد وأنا الصعلوك الذي مولته فلك الحمد وأنا . . . وأنا العاري الذي +وته فلك الحمد، وأنا الغائب الذي رددته فلك الحمد، وأنا الراجل الذي حملته فلك الحمد، وأنا المريض الذي شفيته فلك الحمد، وأنا السائل الذي أعطيته فلك الحمد، وأنا الداعي الذي أجبته فلك الحمد، ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً، وقال الشاعر:
قليل الحياء لمولاه ما عشق في الحشاء ولولاه ما جنت عليه المراضع
| |
|