molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: خطر الغيبة - عبد الله بن فهد السلوم / بريدة الأحد 5 أغسطس - 11:21:32 | |
|
خطر الغيبة
عبد الله بن فهد السلوم / بريدة
الخطبة الأولى عباد الله: أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل وإتباع أوامره وإجتناب نواهيه، قال الله تعالى: ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم .
أيها المسلمون: إن من الظواهر الخطيرة الطوام والآفات الكبيرة في مجالسنا: الغيبة، والمقصود بها ذكرك أخاك بما يكره في النيل من عرضه، والكلام من خلفه بما لايرضاه في بدنه أو نسبه أو في خلقه أو فعله أو قوله أو في دينه أو دنياه أو في ثوبه وداره ودابته، قال : ((أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله اعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقوله؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد أغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته)) رواه مسلم، قال الحسن رحمه الله: ذكر الغير ثلاثة: الغيبة والبهتان والإفك، وكل في كتاب الله، فالغيبة: أن تقول ما فيه، والبهتان: أن تقول ما ليس فيه، والإفك: أن تقول ما بلغك.
واعلموا عباد الله أن الطعن في الناس وذمهم وإنتقاصهم إعتداء على حقوقهم وإنتهاك في أعراضهم وإدخال الغم والحزن على قلوبهم، وسبب للضغينة والحقد والتفكك، وزوال لروابط الإيمان التي يجب أن تتحقق بين المسلمين، بحيث يحب بعضهم بعضاً وينصر بعضهم بعضاً، ويدافع بعضهم عن بعض، لقوله تعالى: إنما المؤمنون إخوة .
ولقد عظم الله حرمة المسلم وصانها ليبقى المسلم كريماً موفور العزة ومصون العرض قال : ((كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)) [رواه مسلم]. وقال : ((لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تفاحشوا ولا تدابروا ولا يغتب بعضكم بعضاً، وكونوا عباد الله إخواناً)) [رواه مسلم].
واسمعوا أيها المسلمون إلى الجزاء العظيم لمن وقع في عرض أخيه قال أنس: قال رسول الله : ((مررت ليلة أسري بي على أقوام يخمشون وجوههم بأظافيرهم، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم)) [رواه حمد بإسناد صحيح].
عباد الله: وليست الغيبة مقصورة على القول باللسان فقط بل تشمل التعريف بالإشارة والإيماء والغمز واللمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم المقصود، فهو داخل في الغيبة، وهو حرام.
أيها المسلمون: إن وقوع المسلم في مسبة أخيه المسلم والإنتقاض منه وذكره بما يكره خيانة عليه وإعتداء على حقه يقول النبي : ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف رحله)).
وهذا اللسان الذي وهبنا الله إياه فهو نعمة أو نقمة، فهو نعمة إن استعملناه في الخير كالذكر وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول الحق، وهو نقمة إذا استعملناه في الغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور والبهتان والفحش واللغو والباطل، فما أخطر الكلام وما أعظم شأنه عند الله ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد أي ملك يرقبه وهو حاضر يقول النبي : ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب)) [متفق عليه].
عباد الله: إنك ترى الرجل الصالح المحافظ على صلاته وصيامه والمسارع إلى الخيرات المجتنب للمنكرات والمكروهات تراه فيعجبك حاله وإستقامته، ولكنك تراه يغري في أعراض إخوانه المسلمين وينتقصهم ويذكرهم بما يسؤوهم لا يرعى حرمتهم، ولا يتورع عن ذكر معايبهم مع أنه يتورع عن المحرمات والمكروهات الظاهرة ويتمعن لها ويتعجب من فاعليها، ولكنه لم ينتبه لنفسه وما يقع فيه من كبائر الذنوب العظيمة التي هي أعظم من كثير من المنكرات الظاهرة، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لادرهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام و+اة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن انتهت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)) [رواه مسلم].
ألا ما أعظم المصيبة وأكبر الندامة والخزي والحسرة حين يرى المسلم أن حسناته يوم القيامة قد أخذت منه نعم أعماله وصلاته وصومه و+اته وحجته، تؤخذ منه، ويصبح صفراً كأنه لم يعملها، أعماله التي كان يركض في الحياة من أجلها يأخذها منه الناس الذين ظلمهم وتكلم فيهم وأغتابهم وأعتدى عليهم، قال النبي : ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) [متفق عليه]. ويقول : ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) اللهم تب علينا، اللهم احفظ ألسنتنا وأبصارنا وأسماعنا وبطوننا وفروجنا عما لا يرضيك، واستعملها في مراضيك يا أرحم الراحمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك لك تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.
أيها المسلمون: إن الغيبة كبيرة من كبائر الذنوب، وإثمها عظيم، وخطرها كبير، وهي ظلم واعتداء، فلماذا تساهلنا فيها وعمرت مجالسنا بها، وأعتادتها ألسنتنا وتجرأنا عليها مستسهلين لأمرها، ماضين فيها بلا خوف من الله ولا حياء، فما السبب في وقوع الكثير منا في الغيبة؟
إن هناك أسباباً كثيرة منها قلة الناصح والمذكر والقدوة في مجالسنا الذي يرد عن عرض المسلم إذا تحدث أحد فيه بما يكره يقول النبي : ((من ذب عن عرض أخيه بالغيب كان حقاً على الله أن يعتقه من النار)) [رواه أحمد].
ومن الأسباب أن يشفى المغتاب غيظه بسبب غضبه على من وقع فيه فيذكر مساويه، ومنها موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء في المجلس ومداهنتهم، ويرى أنه لو أنكر عليهم لأستهزؤا منه وأستثقلوه، فيريد مجاملتهم.
ومنها أن يريد المغتاب أن يبرئ نفسه من عيب نسب إليه فيذكر الذي فعله، ومنها إرادة الفخر والمباهاة ورفعة النفس تنقيص غيره وإظهار فضل نفسه.
ومنها الحسد لمن أثني عليه فيريد زوال تلك النعمة عنه فيقدح فيه لينقص من قدره حسداً له.
ومن الأسباب اللعب والمزاح والضحك والإستهزاء بذكر عيوب الآخرين لإضحاك الناس تكبراً وعجباً.
أيها المسلمون: ويجمع هذه الأسباب من أولها إلى آخرها قلة الخوف من الله وعدم إستشعار مراقبة الله، وهو سبحانه لا تخفى عليه خافية، وفي كثير من الأحيان يقع الكثير في الغيبة باسم الخير والنصيحة، فيلبسها الشيطان عليهم ويغريهم بها، فتارة تكون الغيبة بصفة التعجب مما فعل فلان، وكيف حصل ذلك منه، فيذكر إسمه فيقع في الغيبة، وتارة تكون الغيبة بإظهار الرحمة والشفقة، فيظهر المغتاب الهم والحزن على ما فعل فلان، ويقول: هو مسكين قد آلمني أمره وما ابتلي به، وتارة تكون بإظهار الغضب له مما وقع فيه فلان من المنكر فيذكر إسمه.
والواجب على المسلم أن ينصح أخاه المسلم بينه وبينه، وأن يذكر المنكر الذي وقع دون ذكر إسم الفاعل حتى تتحقق المصلحة بالتحذير من المنكر دون الوقوع في الغيبة.
عباد الله: ما النجاة؟ وكيف الخلاص من هذه الآفة العظيمة المتصلة في حياتنا؟ عن عطية بن عامر رضي الله عنه ((قلت يا رسول الله: ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكِ على خطيئتك)) [رواه الترمذ بإسناد وحسنه]. وقال النبي : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) [متفق عليه]. وقال سفيان بن عبدالله: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال: ((قل ربي الله ثم استقم، قلت: يارسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: هذا)) [الترمذي وقال حسن صحيح]. وليتذكر المسلم الواقع في الغيبة أن العبد يدخل النار إذا رجحت كفة سيئاته على كفة حسناته، وربما تنقل إليه سيئة واحدة ممن اغتابه، فيحصل بها الرجحان فيدخل النار.
وليتذكر المسلم أنه لا يرضى أن تذكر عيوبه وزلاته، فكذلك غيره لا يرضى ذلك، فكيف يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه.
لسانك لا تذكر به عورة أمرئ فكلك عورات وللناس ألسن
وأما من أساء إليك فغضبت من إساءته، فإساءته إليك لا تبيح عرضه والوقوع في غيبته قال النبي : ((من كظم غيظاً وهو يقدر على أن يمضيه دعاه الله تعالى يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء)).
وليتذكر المسلم أن موافقة الناس ومجاراتهم وإرضاءهم في مقابل سخط الله أنه من السفه وضعف الإيمان، لأن من أرضى الناس بسخط الله يسخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، وأما الاستهزاء بأخيك المسلم والوقوع في غيبته، فعلى المستهزئ أن يتذكر الحسرة والندامة والخزي يوم القيامة بين يدي الله أمام الخلائق يوم تحمل سيئات من استهزأت فيه عليك، ثم تساق إلى النار فإن هذا التذكر رادع إن شاء الله عن إخزاء أخيك وإستهزائك فيه.
أيها المسلمون: واعلموا أن الإستماع إلى الغيبة محرم لا يجوز، والواجب على من سمع الغيبة أن يردها وينكر على قائلها، فإن عجز أو لم يقبل منه فارق ذلك المجلس وتركه، وإذا سمعوا اللغوا أعرضوا عنه ، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً وقال النبي : ((درهم من ربا يأكله رجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية)) ومع ذلك فإن من أربى الربا الإستطالة في أعراض المسلمين، قال النبي : ((من أربى الربا الإستطالة في عرض المسلم بغير حق))، قال تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ، وقال النبي : ((لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الحلجاء من الشاة القرناء)) [رواه سلم].
أيها المسلمون: التوبة التوبة، والبدار البدار ما دمنا في دار المهلة والسعة، ونستطيع الخلاص من حقوق الناس، فنذهب إليهم ونسألهم ونطلب منهم العفو والصفح وندعو لهم ونستغفر لهم ونذكرهم بخير لنخلص أنفسنا من حقوق الآخرين، قال : ((من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)) [رواه البخاري].
| |
|