molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإنابة - عبد الله بن فهد السلوم / بريدة الأحد 5 أغسطس - 5:05:59 | |
|
الإنابة
عبد الله بن فهد السلوم / بريدة
الخطبة الأولى أيها الناس: اتقوا ربكم وأطيعوه وتوبوا إليه من ذنوبكم واستغفروه وأنيبوا إليه راجعين من المعصية إلى الطاعة ومن الغفلة إلى الذكر ومن الكذب إلى الصدق ومن الدعاوى والكلام إلى الحق والعمل الصالح وارجعوا إلى ربكم من تعظيم هذه الدنيا وإيثارها وهمومها وأكدارها إلى إيثار الدار الآخرة ورجاء ما عند الله وإلى الإستعداد ليوم الممات وإلى تذكر يوم القيامة يوم الحسرات والويلات يوم الصدق يوم ينكشف المغطى وتظهر الحقائق وتشهد الجوارح يوم نقف بين يدي الملك العظيم الذي لاتخفى عليه خافية يومئذ تعرضون لاتخفى منكم خافية ، يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر .
أيها الإخوة حديثنا اليوم إن شاء الله عن التوبة والإنابة، فالتوبة هي الرجوع إلى الله بترك الذنوب والمعاصي والإقلاع عنها والعزم على عدم العودة إليها والندم على مافات وإرجاع الحقوق إلى الناس بصدق وعزيمة سعياً لطلب مرضاة الله من مال أو ظلم أو عرض قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار وقال النبي : ((من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه)) [مسلم]، والله عز وجل يحب التوابين الصادقين ويفرح بتوبتهم أعظم الفرح ويبدل سيئاتهم حسنات، قال النبي : ((لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة)).
أيها الإخوة: قال ابن القيم رحمه الله: (ولما كان التائب قد رجع إلى الله بالاعتذار والإقلاع عن معصيته كان من تتمة ذلك رجوعه إليه بالاجتهاد والنصح في طاعته كما قال تعالى: إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحا فلا تنفع توبة وبطالة فلا بد من توبة وعمل صالح، أي لابد من ترك لما يكره الله وفعل لما يحب الله ولابد من تخل عن معصيته وتحل بطاعته، فالإنابة هي الرجوع إلى الله بالإسراع إلى مرضاته والتقدم إلى محابه في كل وقت، والإنابة تتضمن أربعة أمور: محبته والخضوع له والإقبال عليه والإعراض عما سواه فلا يستحق إسم المنيب إلا من جمع هذه الأربع، قال تعالى: وأنيبوا إلى ربكم وقال عن خليله إبراهيم إن إبراهيم لحليم أواه منيب - والرجوع إلى الله يستقيم بثلاثة أشياء: بالخروج من التبعات والتوجع للعثرات واستدراك الفائتات، والمقصود بالخروج من التبعات هو التوبة من الذنوب التي بين العبد وبين الله وأداء الحقوق للخلق – والمقصود بالتوجع للعثرات أي يتوجع القلب وينصرع ويتألم إذا عصى ربه وتجاوز أمره وأن يتوجع كذلك لعثرة أخيه المؤمن إذا عثر حتى كأنه هو الذي عثر ولايشمت به فهو دليل على رقة قلبه وإنابته، والمقصود بإستدراك الفائتات هو المسارعة إلى الطاعة والتقرب إلى الله بكل ما يرضيه وتدارك العمر بالصالحات قبل فوات الأوان، أيها الإخوة والرجوع إلى الله يستقيم ويصلح بالخلاص من لذة الذنب بحيث يعود مكانها التوجع والألم لذكر الذنب والتفكر فيه, ويستقيم الرجوع إلى الله بترك الإستهانة بأهل الغفلة والخوف عليهم مع فتح باب الرجاء للنفس, فترجوا الرحمة لنفسك وتخشى على أهل الغفلة النقمة، والصحيح أن ترجوا لهم الرحمة وتخشى على نفسك النقمة ويستقيم الرجوع إلى الله في الاستقصاء في رؤية علل العمل والتفتيش عن حظوظ النفس فيه وتمييز حق الرب من حظ النفس, قال ابن القيم رحمه الله: (فكم في النفوس من علل وأغراض وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون لله خالصة وتمنع أن تصل إليه) وإن العبد ليعمل العمل حيث لايراه أحد وهو غير خالص لله ويعمل العمل والعيون قد استدارت عليه وهو خالص لوجه الله، ثم قال رحمه الله: (فبين العمل وبين القلب مسافة فيها قطاع تمنع وصول العمل إلى القلب فيكون الرجل كثير العمل وما وصل إلى قلبه منه محبة ولاخوف ولارجاء ولازهد في الدنيا ولارغبة في الآخرة ولانور يفرق به بين أولياء الله وأعدائه وبين الحق والباطل ولاقوة في أمره فلو وصل أثر الأعمال إلى القلب لاستنار وأشرق) ثم بين القلب وبين الرب مسافة عليها قطاع تمنع وصول العمل إليه من كبر وإعجاب ورياء وسمعة وإدلال ورؤية العمل ونسيان المنة من الله وعلل خفية ومن رحمة الله تعالى أن ستر تلك العلل على أكثر العابدين إذ لو رأوها لوقعوا فيما هو أشد منها من اليأس والقنوط والإستحسار وفتور الهمة.
أيها الإخوة ويستقيم الرجوع إلى الله باليأس من عملك ومعاينة اضطرارك واستشعار لطف الله وإحسانه اللهم ارزقنا الإنابة إليك.
الخطبة الثانية الحمد لله العليم الخبير السميع البصير يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لايع+ عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولاحبة في ظلمات الأرض ولارطب ولايابس إلا في كتاب مبين، والله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيظ الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى والمعيشة الضنك في الدنيا وفي القبر، فإن من أعرض عن ذكر ربه فله من ضيق الصدر ونكد العيش وكثرة الخوف وشدة الحرص والتعب على الدنيا والتحسر على فواتها فقلوب العصاة والغافلين في جحيم قبل الجحيم الأكبر وقلوب الأبرار في نعيم قبل النعيم الأكبر، إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم قال ابن عباس: إن للحسنة نوراً في القلب وضياءً في الوجه وقوة في البدن وزيادةَ في الرزق ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمةً في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق.
أيها الإخوة وحقيقة الإنابة إلى الله أن يفتقر العبد لربه جل جلاله وأن يذل وينكسر ويخضع بين يديه وأن يستكثر ما منَّ به ربه عليه من الخير وإنه لايستحق منه قليلاً ولاكثيراً وأن يستحضر العبد أن رحمة ربه هي التي اقتضت اعترافه بنعم الله واقتضت استقلاله طاعاته لربه ورآها من أقل ما ينبغي لربه والمنيب هو من يستكثر قليل معاصيه وذنوبه وينكسر قلبه إذا ذكر تلك الذنوب، قال ابن القيم: فما أقرب أن يجبر الله قلب العبد المكسور وما أدنى الرحمة والرزق منه وذرة من هذا ونفس منه أحب إلى الله من طاعات أمثال الجبال من المدلين بأعمالهم وعلومهم وأحوالهم، وأحب القلوب إلى الله قلب تمكنت منه هذه الكسرة وملكته هذه الذلة فهو ناكس الرأس بين يدي ربه لايرفع رأسه إليه حياءً وخجلاً من الله فإذا سجد القلب لله هذه السجدة العظمى سجدت معه جميع الجوارح وعنا الوجه حينئذ للحي القيوم وخشع الصوت وذل العبد واستكان وخضع واضعاً خده على عتبة العبودية ناظراً بقلبه إلى ربه ووليه نظر الذليل إلى العزيز الرحيم فلا يرى إلا متملقاً لربه خاضعاً له ذليلاً منكسراً مستعطفاً له يسأله عطفه ورحمته يترضى ربه ليس له هم إلا استرضاءه واستعطافه ويقول: كيف أغضب من حياتي في رضاه؟ وكيف أعدل عمن سعادتي وفلاحي وفوزي في قربه وحبه وذكره؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من أراد العبادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية، قال ابن القيم: والقصد أن هذه الذلة والكسرة الخاصة تدخله على الله وترمه على طريق الجنة فيفتح له منها باب لايفتح له من غير هذه الطريق وإن كانت طرق الأعمال والطاعات تفتح للعبد أبواباً من الجنة، لكن الذي يفتح منها من طريق الذل والإن+ار والافتقار وازدراء النفس ورؤيتها بعين الضعف والعجز والعيب والنقص والذم بحيث يشاهدها ضيعة وعجزاً وتفريطاً وذنباً وخطيئة نوع آخر وفتح آخر والسالك بهذا الطريق غريب في الناس وهم في واد وهو في واد آخر وهي شمس طريق الطير يسبق النائم فيها على فراشه فيصبح وقد قطع الطريق، واسمعوا أيها الإخوة إلى هذا المثل وتدبروه، تصور أن رجلاً كان في رعاية أبيه يغذوه بأطيب الطعام والشراب واللباس ويربيه أحسن التربية ويرقيه على درجات الكمال وهو القيم بمصالحه كلها فبعثه أبوه في حاجة له فخرج عليه في طريقه عدو فأسره وكتفه وشده وثاقاً ثم ذهب به إلى بلاد الأعداء فسامه سوء العذاب وعامله بضد ما كان أبوه يعامله به، فهو يتذكر تربية والده وإحسانه إليه فتهيج من قلبه الحسرات كلما رأى حاله ويتذكر ما كان عليه وكل ما كان فيه فبينما هو في أسره وعدوه يريد نحره في آخر الأمر إذ حانت منه التفاتة إلى نحو ديار أبيه فرأى أباه قريباً منه فسعى إليه وألقى نفسه عليه وانطرح بين يديه يستغيث يا أبتاه يا أبتاه انظر إلى ولدك وماهو فيه ودموعه تستبق على خديه فاعتنقه أبوه والتزمه بالأحضان وعدوه في طلبه حتى وقف على رأسه وهو ممسك بأبيه فهل تقول إن والده يسلمه إلى عدوه ويخلي بينه وبينه، فما الظن بمن هو أرحم بعبده من الولد بولده ومن الوالدة بولدها إذا فر العبد إلى ربه وهرب من عدوه إليه وألقى بنفسه طريحاً ببابه يمرغ خده في ثرى أعتابه باكياً بين يديه ضارعاً يرجوه منيباً يسأله معترفاً نادماً شاكياً حاله وضياعه وتفريطه يريد النجاة من عداوة النفس والشيطان والهوى وقرين السوء، يقول: يارب يارب أرحم من لا راحم له سواك ولا ناصر له سواك ولا مأوى له سواك ولا مغيث له سواك، مسكينك وفقيرك وسائلك ومؤملك وراجيك وداعيك لا ملجأ له منك إلا إليك أنت معاذه وبك ملاذه، أيها الإخوة فمن كانت هذه حاله حال الإعترف والصدق مع ربه فهو يشهد مشهد العبودية والمحبة والشوق إلى لقاء ربه والابتهاج والفرح والسرور فتقر عينه ويسكن إليه قلبه وتطمئن جوارحه وتخمد نيران شهواته ويستولي ذكر الله على لسانه وقلبه فتصير خطرات المحبة مكان خطرات المعصية وتصير حركات اللسان والجوارح بالطاعات مكان حركاته بالمعاصي قد امتلاً قلبه من محبة ربه فتدبر أيها المسلم أي إحساس أعظم من أن يبارز العبد ربه بالمعاصي وهو يمده بالنعم ويعامله بألطافه ويسبل عليه ستره ويحفظه في نومه ويقظته ويجري فيه النفس والحياة وفي عروقه الدم ويحول بينه وبين أعدائه المترقبين والله يحفظه ويحوطه ويرعاه ويسخر له مافي السموات ومافي الأرض وقد وعده بالجنان والرضوان إن هو استقام وأصلح ما بينه وبينه قال النبي : قال الله تعالى: ((أنا الجواد الكريم عبيدي يبيتون يبارزونني بالعظائم وأنا أكلؤهم في مضاجعهم وأحرسهم على فرشهم، من أقبل إلي تلقيته من بعيد ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد أهل طاعتي وأهل كرامتي وأهل معصيتي لأأقنطهم من رحمتي إن تابوا إليَ فأناجيهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب)) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن ياتيكم العذاب ثم لا تنصرون.
| |
|