molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: القلوب (2) - عبد الله بن عبد الرحمن الشهري / الطائف الأحد 29 يوليو - 5:24:04 | |
|
القلوب (2)
عبد الله بن عبد الرحمن الشهري / الطائف
الخطبة الأولى أيها الناس، اتقوا الله, فهي وصيةُ الله إليكم, وهي خيرُ لباسٍ في الدنيا, وخيرُ زادٍ إلى الآخرة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. فإنها أمانة يجب أن نقوم بحقّها، وكثيرًا ما يشتكي المسلم منها ومن قسوتها ويقول: أريد أن أُعالجه، كيف أُليِّنُهُ؟ كيف أُرقِّقُهُ؟ كيف أجعله عامرًا بذكر الله؟ هو محل معرفة الله ومحبته وخشيته وخوفه ورجائه، ومحل النية التي بها تصلح الأعمال وتقبل، أو ترد وتبطل، قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). هذه القلوب ـ يا عباد الله ـ لا بد لها من تعاهد ومراعاة، وإعمار ومداواة، هذه القلوب التي إذا صدأت بكثرة الذنوب وتواليها عليها صار صاحبُها بعيدًا عن الله عاملاً بالمعاصي، فإذا قُبض على هذه الحال كانت المصيبة العظيمة. فكيف نعالج قلوبَنا؟ كيف نداوي هذه القلوب ونُرققها؟ إن العلاجات الإسلامية وهذه الأمور الشرعية التي جاءت في هذا الباب مُتعدّدة، وهناك علاجٌ مهم جدًا للقلوب نريد أن نلقي عليه المزيد من الاهتمام، ونُحيطه بكثير من الرعاية، ألا وهو المساجد، فما هي العلاقة بين القلب وبين المسجد؟ وكيف يكون المسجد طريقًا لإصلاح القلب؟ أيها المسلمون، إن نبيّنا قد ذكر في السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجل قلبه معلق بالمساجد))، فهناك علاقة إسلامية قوية بين القلب والمسجد، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور: 36، 37]، هذه البقاع الأرضية التي تُنظِّرها الأنوار السماوية، وترفُّ عليها الملائكة بأجنحتها، هذه أفضل البقاع عند الله، أماكن المنافسة في الخيرات، أماكن اجتماع المؤمنين وأداء العبادات ونزول الملائكة والرحمات، هذه الأماكن التي تُغسل فيها القلوب وينجلي صدؤُها، هذه الأماكن التي يجتمع المؤمنون فيها معًا طاعة لله عز وجل والرؤوس تتساوى مع الأجساد القائمة لله تعالى ركوعًا وسجودًا وقيامًا وخضوعًا. عباد الله، إن هذه الدعوة الكريمة التي تنطلق من هذه البيوت تكبيرًا لله عز وجل، إنها كفيلة فعلاً بأن تُوقظ القلوب النائمة، وأن تُعيد القلوب الغافلة إلى رُشدها، عندما يكون قلب المؤمن سراجًا في المسجد وقنديلاً فيه معلّق، عندما يكون معلقًا في هذا المكان يحصل له من الطُمأنينة والسكينة ما الله به عليم، قلبه معلق في المسجد، شبّه القلب بالقنديل والقنديل ملازم للمسجد، فهذا رجل كثير الملازمة للمسجد لا يخرج منه حتى يعود إليه، أو التعليق بشدة الحُب، فهذا قلب معلّق بالمسجد، إنه يُحبه حبًا جمًا، معلق بالمساجد من حبِّها أو من طول ملازمتها معنيان جليلان، ذكرهما العلماء في هذه المسألة. هنا السموات تبدو قُرب طالبهـا هنا الرحـاب فضـاء حين يُلتمس هنـا الطهارة تحيـا في أماكنهـا لا الطِّيب يبلى ولا الأصداء تندرسُ فإذًا ملازمة المساجد وكثرة الذهاب إليها وإعمارها بطاعة الله عز وجل علاجٌ عظيم لنا في قلوبنا، إنه فعلاً دواءٌ لمن يبحث عن الدواء ويشتكي من الداء، وقلوبنا فيها أدواء وشهوات وشبهات، إن نبينا من حُبه للمسجد لما مرِض مرَض الموت أمر أن يُخرج به يُهادى بين رجلين من أهله، تقول عائشة: كأني أنظر رجليه تخُطان من الوجع، تخُطان لأنه لم يكن يقدر على رفعهما من الأرض. يا عبد الله، إذا خرجت إلى المسجد فأنت في ضمان الله عز وجل، أنت في حفظه وأنت في رعايته، إنك إذا خرجت إلى المسجد متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجرُك كأجر الحاج المُحرم كما جاء عند أبي داود في الحديث الحسن. أيها المسلمون، قيام نصف ليلة ليس شيئًا سهلاً، لكنه يُدرك بصلاة العشاء جماعة في المسجد، وإحياء الليل كلِّه في الصلاة هو أمر صعب وشاق، لكنه يُدرك بصلاة الفجر جماعة في المسجد، إذا أدركت التكبيرة الأولى في صلاة الجماعة في المسجد، فكيف تكون مُدركًا لها؟ أولاً: أن تكون قائمًا في الصف حين يُكبِّر الإمام تكبيرة الإحرام، وثانيًا: أن تُكبِّر معه مباشرة، وعند ذاك تُدرك تكبيرة الإحرام، وقد جرّب بعض الناس ذاك فوجد فيه من النعيم العظيم والسكينة والهداية شيئًا كبيرًا. أيها الإخوة، لما قال بعض السلف: "إننا في نعيم لو يعلم عنه الملوك لجالدونا عليه بالسيوف"، إنهم كانوا يقصدون تلك الطمأنينة والسكينة والراحة النفسية التي كانوا يجدونها في مثل بيوت الله عز وجل، في مثل هذه الشعيرة العظيمة وهي إتيان بيوت الله تعالى، ولذلك لم يكونوا مستعدين للتنازل عنها إطلاقًا، التنازل عن النعيم والسرور والانشراح الذي وجدوه في المساجد، ولذلك قيل لسعيد بن المسيِّب رحمه الله وقد اشتكى عينه مرةً: لو خرجت إلى العقيق ـ مكان خارج المدينة ـ فنظرت إلى الخضرة لعل النظر إلى الخضرة يعالج عينك، فقال: فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح؟! كيف أصنع بفوات صلاة العشاء والفجر مع الجماعة؟! ولذلك ما نُودي للصلاة أربعين سنة إلا وسعيد بن المسيِّب في المسجد. ولما تزوج الحارث بن حسان رحمه الله امرأة في ليلة من الليالي فحضر صلاة الفجر مع الجماعة، قيل له: أتخرج وإنما بنيت في أهلك الليلة؟! فقال: والله، إن امرأة تمنعني من صلاة الفجر في جمعٍ لامرأة سوء، لا يمكن أن أقبل بها. فهو إذًا يُدرك صلاة الفجر حتى في صبيحة عُرسه في جماعة، (والله، لقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يُهادى بين رجلين حتى يُقام في الصف)، وقد نُقل عن عدد من السلف أنهم كانوا يُؤتى بهم إلى المساجد محمولين، هذا التعليق للقلب بالمساجد والحرص على ذلك يؤدّي إلى أن يلقى الإنسانُ ربّه وهو عنه راضٍ، وقد حضرت المنيّة جماعة من السلف وهم في المساجد لكثرة تعلُّقهم بها. عباد الله، إن الملَك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد، فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخلَ بها منزلَه، هذا حديث صحيح موقوف جاء عن أحد الصحابة، وهذا يدل على شرف أول من يذهب إلى المسجد، وهذا تكريم من الله تعالى للعُبّاد، وهناك تشريف من الله تعالى للذين يأتون إلى بيته، ليس للذين يأتون إلى المسجد فقط بل حتى العودة منه، وتقعد الملائكة على أبواب المساجد في يوم الجمعة تكتب أسماء الناس، الأول والثاني والثالث وهكذا حتى إذا خرج الإمام رُفعت الصحف، هذا التكريم من الله تعالى لهؤلاء المرتادين دليل على شرفهم عنده، وليُبشر هؤلاء المشّائين في الظُلَم في العشاء والفجر إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة، وانتظار صلاة بعد صلاة في المسجد كتابٌ في عليين، وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ[المطففين: 19-21]، وقدوم إلى الصف الأول وتنافسٌ عليه، ولو يعلمون ما فيه من الأجر لاقترعوا قرعة أيهم يفوز بمكان في الصف الأول. إن هذا الخروج طهارةً قلبية وبدنية وإخلاصًا لله إلى المساجد له آثار كبيرة، هذه المساجد بيوت المتقين، هذه المساجد التي كان الصالحون يؤدبون أولادهم بحضورها، كان صالح بن كيسان رحمه الله يؤدب ولد أمير المؤمنين ويتعاهده في صلاة الجماعة، فأبطأ الولد يومًا عن الصلاة، فقال له: ما حبسك؟ هذه المحاسبة وليس الإهمال والتفريط، وليس الذين يضيّعون محاسبة الأولاد حتى عن الوقت كلّه، وليس فقط عن صلاة الجماعة في المسجد، قال: ما حبسك؟ قال: كانت مُرجِّلتي تُسكّن شعري، قال: بلغ من تسكين شعرك أن تُؤثره على الصلاة؟! فأخبر أباه ولم يزل يُكلِّمه حتى حلق شعره، تأديبًا له على تفويته لصلاة الجماعة من أجل ترجيل شعره، فكيف بمن يرى أبناءه يتخلفون عن صلاة الجماعة أو لا يحضرونها وهم منشغلون بمتابعة القنوات الفضائية أو مشتغلون بملهيات أخرى ثم لا يكلمهم أو يؤدبهم؟! إنه بحق قد ضيع الأمانة. ولقد كان بعض السلف يسجد سجدة بعد المغرب في صلاة نافلة فلا يرفع منها إلا عند أذان العشاء، كما حصل ذلك لسفيان الثوري رحمه الله، وانظر لحماد بن سلمة فقد مات وهو في صلاة في المسجد، وهكذا أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله، وهكذا كان عُباد السلف يصبرون على العبادة، يأتون إلى المسجد في كل وقت وحين، ولا يمكن أن يُضحُّوا بخمس وعشرين درجة، وإذا كان اشتياق الإنسان إلى المسجد عظيمًا دلّ ذلك على شدة الإيمان في القلب. ينبغي علينا ـ عباد الله ـ أن نكون دائمًا في هذا العلاج، وأهل التربية يتحدّثون باستمرار عن أسباب جلاء القلب وأنواع التربية الإيمانية، فلنعلم أنّ في هذا المسجد معدن عظيم، فليُقم الإنسان عليه، سيجد بلا شك ارتفاع الإيمان وزيادته وصلاح القلب وانشراحه. فهلُمّ إلى هذه العبادة المباركة، إتيان المساجد لأجل إصلاح القلوب ورِفعة الدرجات، والقرب من الله سبحانه وتعالى، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل بيوته، ومن عمَّرها بالطاعات، وممن أتوها إخلاصًا له سبحانه وتعالى.
الخطبة الثانية إن الإنسان إذا قدم بيت الله لا يعدم خيرًا؛ من فريضة يؤديها، أو نافلة كتحية المسجد يركعها، أو انتظار صلاة يكون في أجر الصلاة، أو ذكر ودعاء مُجاب بين الأذان والإقامة، أو ملائكة تُصلي عليه في مجلسه وتدعو له، ودعاء الملَك المطهّر من الذنوب ليس كدعاء المذنبين، وأخ صالح يلقاه، فلو أردت الصالحين أين تجدهم؟ المكان الأول لوجود الصالحين والأخيار هي المساجد. أيها الإخوة، إن الإتيان إلى المساجد ـ والله ـ يزيد الإنسان أجرًا وشرفًا، فينبغي أن نحرص عليه، وأن نواظب على هذا الإتيان، وأن نفكر دائمًا في الأجر المترتب على الإتيان، كل خطوة ترفع درجة وتمحو سيئة وتزيدك حسنة، والحسنات تُضاعف عند الله، كان السلف يستحبُّون مقاربة الخطى في المشي إلى المساجد لزيادة الحسنات، وبسكينة ووقار، لا يُشبكنّ بين أصابعه وهو ذاهب إلى المسجد؛ لأن النبي نهى عن هذا، وهو يُنافي الخشوع، ومن جاء إلى المسجد فهو في صلاة، فينبغي أن يكون في تؤدة وسكينة. وإن مما يؤسف له أن نرى عزوفًا كثيرًا من بعض المسلمين عن الإتيان إلى المساجد، والبعض الآخر إذا دخل المسجد كأنه دخل إلى السجن ويريد أن يخرج منه بأسرع وقت، والبعض الآخر يستنكر على من يُطيل الجلوس في المسجد، وكأن المسجد ليس محلاً للعبادة، ولكن تقرُّ العين عندما نرى أولئك الرجال الذين لا يفارقون المساجد، فهم من صلاة إلى ذكر لله إلى تلاوة للقرآن إلى جلوس فيه للعبادة. أيها الكرام، الراجون دخول دار السلام، لقد قسم العلماء ـ رحمهم الله ـ القلوب إلى ثلاثة أقسام: أحدها: قلب سليم صحيح ليس به أدنى علة، وهو القلب الذي ينفع صاحبه عند ربه، وينجيه من عذابه، وهو قلب المؤمن قال الله تعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 88، 89]. هو قلب أهل الإيمان والتقوى، المطيعين لله ورسوله، الذين قدموا محبة الله على محبة ما سواه، قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. وثانيها: قلب ميت، وهو الذي لا حياة فيه، وهو قلب أهل الكفر والنفاق الذين لم يدخل قلوبهم الإيمان، ولم يرد الله بهم خيرًا، أعرضوا عن الله وعن رسوله، واتبعوا الشيطان والهوى، فلا هادي لهم بعد الله، ولا منجي لهم من عذاب الجحيم، أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ. وثالثها: قلب مريض، له حياة وبه علة، قال الله تعالى: فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ، وهو الذي ابْتُلي بأمراض الشهوات والشبهات، يتنازعه المرض والسلامة، فهو لِمَا غلب عليه منهما، فتجده ميّالاً إلى الشهوات، لا يغض بصره عن عورة، ولا يخفض يده عن مال ليس له، ولا يكفّ لسانه عن غيبة ونميمة وعن أكل لحوم الناس، ولا يغلق سمعه عمّا حرم الله من آلات اللهو ونحوها، بل وأشد من ذلك أن لا يقوم بما أمره الله به ورسوله من أداء الطاعات، وتجد في قلبه الشبه التي تشككه في ربه ودينه ونبيه وفي إخوانه المسلمين من حوله.
| |
|