molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: تربية الأولاد (1) - عبد الله بن راضي المعيدي / حائل الأربعاء 25 يوليو - 6:15:20 | |
|
تربية الأولاد (1)
عبد الله بن راضي المعيدي / حائل
الخطبة الأولى أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ [التحريم: 6]. روى ابن جريرٍ عن ابن عباس قال في معنى الآية: (اعملوا بطاعة الله، واتّقوا معاصي الله، ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فذلكم وِقايتهم من النار)، وعن علي قال في معناها: (علّموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدِّبوهم). فالآية تدل على أنه مطلوب من الإنسان أن يعمل بما يُبعده ويُبعد أهله من النار. عباد الله، إنّ مهمة تربية الأولاد مهمّة عظيمة، يجب على الآباء أن يحسبوا لها حسابها ويُعِدوا العُدة لمواجهتها، خصوصا في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن، واشتدت غربة الدين، وكثُرت فيه دواعي الفساد، حتى صار الأب مع أولاده بمثابة راعي الغنم في أرض السِباع الضارية، إن غفل عنها أكلتها الذئاب. إن عناية الإسلام بتربية الأولاد واستصلاحهم تبدو واضحةً في حثِّ الشرع للرجل أن يختار الزوجة الصالحة ذات الدين والأخلاق الفاضلة؛ لأنها بمنزلة التُربة التي تُلقى فيها البذور، ولأنها إذا كانت صالحة صارت عونًا للأب على تربية الأولاد، كما أنه يشرع للزوج عند اتصاله بزوجته أن يدعو فيقول: ((بسم الله، اللهم جنّبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا))، فإذا رُزق مولودًا استُحبّ له أن يؤذِّن في أُذُنِه اليمنى ويُقيم في أُذُنِه اليسرى، كما وردت بذلك الأحاديث عن النبي . والحكمة في ذلك والله أعلم ليكون أول ما يسمع المولود كلمات الأذان، ولتكون دعوة المولود إلى دين الإسلام سابقة على دعوة الشيطان. ويختار الأب لولده الاسم الحسن، فقد أمر بتحسين الأسماء. ثم يَختنه بإزالة القُلفة؛ لما في إزالتها من التحسين والتنظف. والختان من أظهر الشعائر التي يفرق بها بين المسلم والنصراني، وهو من خصال الفطرة. ويعقّ عنه بأن يذبح عن الذكر شاتين وعن الجارية شاة، والحكمة في ذلك أنها قربانٌ يتقرب به إلى الله عن المولود في أول خروجه إلى الدنيا، وهي أيضا فدية يفدي بها المولود، كما فدى الله إسماعيل بالكبش، كل ذلك مما يدل على الاعتناء بالمولود. عباد الله، كما أن للأب حقًا على ولده فللولد حقٌ على أبيه؛ قال بعض العلماء: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، وقد الله تعالى: يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء: 11]، وقال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء: 31]، وقال النبي : ((اعدلوا بين أولادكم)). فوصية الله للآباء بالأولاد سابقة على وصية الأولاد بآبائهم؛ فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاءهم الفساد بسبب إهمال الآباء لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسنَنِه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينفعوا أنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا، ولذا لما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبتِ، إنك عققتني صغيرًا فعققتك كبيرًا، وأضعتني وليدًا فأضعتك شيخًا. فالطفل ينشأ على ما عوّده المربي، فيجب على وليه أن يُجنِّبه مجالس اللهو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء، ويُجنّبه الخيانة والكذب والكسل والبطالة والدعة والراحة؛ فإن الكسل والبطالة لهما عواقب سيئة ومغبة وندم، وللتعب والجدّ عواقب حميدة. وعلى الوالد أيضا أن يُجنِّب ولده الشهوات الضارة، فإنّ تمكينه منها يفسده فسادًا يصعب إصلاحه، فبعض الآباء يُغدق على ولده العطاء، ويمدّه بالمال الذي يتمكن به من شهواته، ويزعم أنه يكرمه بذلك وهو قد أهانه، ويزعم أنه قد رحمه وهو قد ظلمه. وكذلك يجب على الوالد أن يمنع ولده من قرناء السوء ومخالطة أهل الفساد. وبعض الناس لا يربي ولده إلا التربية الحيوانية فيأتي له بالطعام والشراب وال+وة، ويترك تربيته على الدين والأخلاق الفاضلة، فلا يعلمه ما ينفعه ولا يهتم بأمر دينه، فلا ينفذ أمر الرسول فيه حيث يقول: ((مُرُوا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)). أيها الآباء، إن الرسول حمّلكم بهذا الحديث مسؤولية أولادكم، وأمركم بتربيتهم على الصلوات، علموهم كيف يتطهرون وكيف يصلون، واسلكوا معهم مسلك التدرج بهم حسب أعمارهم وتحملهم، أولاً بالأمر في سنّ السابعة، ثم بالضرب في سنّ العاشرة، كما أمركم أن تباعدوهم عن أسباب الفساد الخُلُقي، فتفرقوا بينهم في مراقدهم، فلا ينام بعضهم إلى جانب بعض خشية الوقوع في المحذور؛ فصرتم مسؤولين عنهم حتى في مراقدهم، كما أنكم مسؤولون عنهم في حال يقظتهم. أيها الآباء، أنتم مسؤولون عن توجيه أولادكم الوجهة الصالحة.
الخطبة الثانية أيها الآباء، ادعوا الله أن يصلح أولادكم، كما دعا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم: 53]، وقال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ [الصافات: 100]، وقال: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم: 40]، وقال هو وإسماعيل: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة: 128]، وكما دعا +ريا عليه السلام حيث قال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران: 38]. هذه دعوات الأنبياء لأولادهم فاقتدوا بهم في ذلك. أيها الآباء، إن الولد الصالح ينفع والده حيًا وميتًا، قال : ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد يدعو له)). إن الأولاد إما أن يكونوا نعمة على والديهم أو نقمة عليهم، ولذلك أسبابٌ أهمها التربية، كما أن الوالد قد يكون سببًا لسعادة الولد أو شقاوته، قال تعالى: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الكهف: 82]، وقال: :((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه))، فليكن ذلك منكم على بال. أيها الآباء، إنكم تحرصون أشدّ الحرص على ذهاب أولادكم للمدارس بدافع الطمع الدنيوي، ولا ترضون بتخلفهم عنها يومًا واحدًا؛ فما بالكم لا تهتمون بحضورهم في المساجد وهو خير وأبقى؟! إن حضورهم إلى المساجد يفيدهم آدابًا حسنة وأخلاقًا فاضلة ومحبة للخير وبُعدًا عن الشر، حضورهم إلى المساجد ينشّئهم على الطاعة ومخالطة الصالحين، وفيه مصالح كثيرة، فلِمَ لا تهتمون به؟! لماذا تتركون أولادكم في أوقات الصلوات يجوبون الشوارع والطرقات أو يختفون في البيوت ولا يقيمون للصلاة وزنًا؟! هل كانت المدرسة أهمّ عندكم من المسجد؟! وهل كانت الدراسة أعظم من الصلاة؟! هل الدنيا أحب إليكم من الآخرة؟! أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ [التوبة: 38]. فاتقوا الله ـ أيها المؤمنون ـ لعلكم تفلحون. إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، وقد قال : ((من صلى عليّ مرة صلّى الله عليه بها عشرا)). اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين، وعن بقيه أصحابه أجمعين، وعنا معهم بعفوك وفضلك يا أرحم الراحمين...
| |
|