molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حفظ الأيمان - عبد الله الشرقاوي / الدار البيضاء الأحد 22 يوليو - 4:52:27 | |
|
حفظ الأيمان
عبد الله الشرقاوي / الدار البيضاء
الخطبة الأولى أما بعد:
أيها الأخوة والأخوات في الإسلام: يقول الله عز وجل: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. في هذه الآيات يخبرنا الحق سبحانه عن الذين يتعاملون مع الناس بالحلف والأيمان الفاجرة ليحصلوا على الأثمان الزهيدة القليلة من عروض هذه الحياة الدنيا الفانية الزائلة، إنهم لا خلاق لهم في الآخرة أي لا نصيب لهم فيها ولا حظ لهم فيها، ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة أي لا يكلمهم كلام لطف ولين، ولا ينظر إليهم بعين الرحمة ولا ي+يهم أي لا يطهرهم من الذنوب بل يأمر بهم إلى النار ولهم عذاب أليم.
أيها المسلمون: إن شأن اليمين عند الله عظيم، وخطر التساهل بها جسيم، فليست اليمين مجرد كلمة تمر على اللسان، ولكنها عند الله عهد وميثاق، يجب على المسلم أن يقف عند حده ويوفيه حق قدره. فقد قال : ((من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض فليس من الله)). قال الله تعالى: واحفظوا أيمانكم. قال ابن عباس : (يريد: لا تحلفوا) فيكون معنى الآية هو النهي عن الحلف، فلا ينبغي للمسلم أن يكون متسرعاً في اليمين إلا عند الحاجة. فإن كثرة الحلف تدل على الاستخفاف بالمحلوف به وعدم تعظيمه وتوقيره.
واعلموا رحمكم الله أن كثرة الحلف من صفات الكفار والمنافقين قال تعالى في صفات الكفار: ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم. فنهى سبحانه عن طاعة الحلاف، وهو من يكثر الحلف، وقال عن المنافقين: ويحلفون على الكذب وهم يعلمون وقال عنهم: اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون، أي جعلوا الحلف وقاية يتوقون بها ما يكرهون ويخدعون بها المؤمنين، ومن قبلهم حلف إبليس اللعين لآدم وزوجه ليخدعها باليمين قال تعالى عن إبليس وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور أي أقسم لهما إنه يريد لهما النصح والمصلحة فدلاهما بغرور أي خدعهما بذلك القسم وأوقعهما في المعصية.
أيها المسلمون: إن من الاستخفاف باليمين أن تصبح وسيلة لترويج السلع قال : ((الحلف منفقة للسلع ممحقة للكسب)) رواه البخاري ومسلم. ومعناه أن يحلف صاحب السلعة إنه أعطى فيها كذا وكذا أو أنه اشتراه بكذا وكذا، وهو كذاب في ذلك، وإنما يريد التغرير بالمشتري ليصدقه بموجب الحلف، فيكون الحالف عاصياً لله عز وجل وآخذاً للزيادة بغير حق فيعاقبه الله تبارك وتعالى بذهاب البركة من +به وربما بمحق الله له ماله كله.
وروى الطبراني بسند صحيح أن النبي قال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه)) ومعنى جعل الله بضاعته أي جعل الحلف بالله وسيلة لترويج بضاعته وسلعته، فيكثر من الأيمان الكاذبة ليخدع الناس فيشتروا منه اعتماداً على يمينه الكاذبة، فكان جزاؤه إعراض الله عنه يوم القيامة فلا يكلمه ولا ي+يه وله عذاب أليم.
وفي هذا الحديث نرى أن الرسول قد قرن الحالف بالله كذباً بالزاني والمتكبر مما يدل على عظيم جريمته نعوذ بالله من غضبه وعقابه.
أيها المسلمون: وقد يتساءل بعض الناس أو كثير منهم بالإيمان في حال الخصومات والتقاضي فيحلف الخصم لي+ب القضية وينقلب على خصمه بالباطل، دون مبالاة بحرمة اليمين وبالجرأة على رب العالمين وقد ورد وعد شديد لمن يتصف بهذه الخصلة الذميمة فقال سبحانه في الآية السابقة إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولهم عذاب أليم. وروى الإمام أحمد والنسائي إن رجلاً من كندة يقال له امرؤ القيس خاصم رجلآ من حضرموت إلى رسول الله فقضى على الحضرمي بالبينة فلم يكن له بينة فقضى على امرئ القيس باليمين فقال الحضرمي أمكنته من اليمين يا رسول الله ذهبت ورب الكعبة أرضي فقال النبي : ((من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أحد لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان)) وقرأ : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً الآية.
وروى الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله قال: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة. فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله قال: وإن كان قضيباً من أرك)). وروى البخاري في صحيحه أن أعرابياً جاء إلى النبي فقال يا رسول الله .. الكبائر؟ قال: ((الإشراك بالله، قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس قلت: وما اليمين الغموس؟ قال النبي: يقطع مال امرئ مسلم – يعني بيمين هو فيها – كاذباً)).
عباد الله: ومن الأيمان المحرمة الحلف بغير الله لأن الحلف بغير الله شرك. قال : ((من حلف بغير الله فقد كفر وأشرك)) رواه الترمذي. وصححه الحاكم. وقال في الحديث المتفق عليه: ((من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)). وقال: ((من حلف بالأمانة فليس منا)) رواه أبو داود بسند صحيح.
فالحلف بغير الله شر ولأن الحلف بالشيء تعظيم له. والتعظيم الذي هو من هذا النوع هو حق لله تعالى وحده والحلف بغير الله من اتخاذ الأنداد مع الله قال سبحانه: فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون قال ابن عباس هو أن تقول: وحياتك، وحياتها، وقد كثر في هذا الزمان من يحلف بالشرف أو بالنبي أو بالأمانة أو بالملح أو بالطعام أو بالدم أو بالأخوة أو بالجنة أو بالنار أو بالشمس وبالقمر أو بالنجوم أو بال بالقباب أو بالأشجار أو بالأحجار، وكل هذا مما نهى عنه رسول الله فيجب على كل من صدر منه شيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، ولا يحلف إلا بالله عز وجل ليسلم من الشرك قال عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً). وذلك لأن الحلف بالله على كذب محرم ومعصية يرجى لصاحبها التوبة لكن الحلف بغير الله أشد تحريماً لكونه شركاً أو يوصل إليه وسيئة الكذب دون سيئة الشرك. روى الأئمة أن رسول الله قال: ((لا تحلفوا باللات، ومن حلف باللات فليقل لا إله إلا الله)). روى أبو الشيخ أن رسول الله قال: ((أربع ليس لهن كفارة: الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت مؤمن ويمين صابرة يقطع بها مالاً بغير حق)).
نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين.
الخطبة الثانية أما بعد:
عباد الله: لقد قسم العلماء اليمين إلى ثلاثة أقسام، وهي يمين اللغو، اليمين المنعقدة، واليمين الغموس، فأما يمين اللغو فهي الحلف من غير قصد اليمين، وقال الإمام مالك رحمه الله ومن اللغو أن يحلف على شيء يظن صدقه فيظهر خلافه فهو من باب الخطأ ولا كفارة فيها لقوله سبحانه: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان.
واليمين المنعقدة هي اليمين التي يقصدها الحالف ويصر عليها فهي يمين متعمدة مقصودة وليست لغواً يجرى على اللسان وتجب الكفارة فيها، وهي المذكورة في قوله تعالى: فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو +وتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم.
وأما اليمين الغموس فهي اليمين التي يقصد بها الحالف اليمين باسم الله تعالى وهو كاذب، ولا كفارة فيها ويجب فيها التوبة وسميت بالغموس لأن صاحبها ينغمس بها في الإثم العظيم أو في جهنم والعياذ بالله.
ومن الأيمان المنهي عنها اليمين التي يحلف بها المسلم ليمتنع بها من فعل الخير، قال تعالى: ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم. أي لا تحلفوا أن لا تصلوا قراباتكم وتتصدقوا على المساكين والمحتاجين، وإذا حلف المسلم على ألا يفعل الخير فإنه شرع له أن ينقض يمينه ويفعل ما حلف على تركه ويكفر عن يمينه قال تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم. أي لا تجعلوا أيمانكم بالله مانعة لكم من البر وصلة الرحم إذا حلفتم مع تركها، وذلك بأن يُدعى أحدكم إلى صلة رحم أو عمل بر فيمتنع ويقول: حلفت ألا أفعله وتكون اليمين مانعة له من فعل الخير، بل يكفر عن يمينه، ويفعل الخير وفي الصحيحين أن النبي قال: ((إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت يميني)) وإذا حلف على ترك مباح كلبس ثوب أو ركوب دابة أو أكل طعام وغير ذلك فإنه يخير من الاستمرار في يمينه أو الحنث والتكفير عن يمينه. قال الله عز وجل: قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم أي شرعها بالكفارة المبينة في سورة المائدة.
فاتقوا الله معشر المؤمنين وابتعدوا عن كثرة الحلف في البيع والشراء وفي معاملاتكم كلها. وليتق الله الآباء والأمهات الذين يحلفون بالله كذباً أمام أطفالهم فقد سمعتم الآيات والأحاديث الواردة في هذا الموضوع التي توعدت الحالفين بغير الله حتى أوصلتهم قريباً من مرتبة الشرك والعياذ بالله.
فاتقوا الله واسمعوا ربكم ماذا يقول لكم: ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون.
| |
|