molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الأحد 8 يناير - 4:07:58 | |
|
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن المؤمنَ حقًا يتَّقي الله فيما عُهد إليه من عمل، فيؤدِّي أمانةَ العمل محسنًا للأداء، مخلصًا لله، يرجو بذلك ثوابَ الله ويخاف عقابَه، يعلم حقًا أنَّ أمانة العمل أمانةٌ عظيمة ومسؤولية جسيمة، إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأمَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب:72]، ويعلم حقًا أن الخيانة في العمل خيانةٌ لله ورسوله، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَـٰنَـٰتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].
ثم المسلمُ عندما يؤدِّي أمانةَ العمل لا يرجو من الناس ثناءً، ولا يؤمِّل منهم عطاءً، ولا يرتقبُ منهم مديحًا، ولكنه يؤديه أمانة اؤتُمن عليها، فهو يؤدِّيه طاعةً لله، لا يؤمِّل ثناءَ من يثني، ولا يطمع في عطاء من يُعطي، ولا يجامل هذا، ويميل مع هذا، ولكن أمامه أمانة، أمانةٌ اللهُ سائله عنها. إذًا فهو يراقب اللهَ قبلَ كل شيء، ويتقي الله قبل كل شيء، عملٌ اؤتُمن على أدائه سيؤديه بصدقٍ وإخلاص، يحسن في العمل ويبتغي بذلك وجهَ الله، يؤدِّي هذا العمل لكلِّ أحد، بمعنى أنَّه لا يسرع في تنفيذ [حوائج] بعض الناس وتأخير حاجات بعض الناس، أمامَه من يراجعه، هم عنده سواء بالنسبة إلى أداء العمل، فهو يؤدِّي ما يؤدِّي عن طاعةٍ لله، لا تراه يجامل هذا فينجز أمرَه، ويؤخِّر هذا فيماطِل به، يجامل من يظنّ أنَّ في مجاملته تحقيقًا لمآربه ومقاصده المادية، ويماطلُ من يماطل لعلمه أنّه لا يؤثِّر في أمره شيئًا، ولا ينفعه أن أدَّى إليه عملَه. فالعمل يجامل بأدائه؛ فمن يرجو منه منفعةً أو يؤمّل في جانبه مصلحةً، أو يرجو طمعًا ماديًا فإنه يسرعُ بإنجاز العمل وأدائه على الوجه الأكمل، ومن ليس كذلك ماطل به وأخَّر أمرَه، وقابله بوجهٍ مكفهرٍّ ولسان بذيء واحتقار وعدم مبالاة.
أيها المسلم، إن المؤمنَ حقًا يترفَّع عن هذه الرذائل، ويسمو بنفسه عن هذه النقائص، ويتقي الله في أعماله كلِّها، إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَـجَرْتَ ٱلْقَوِىُّ ٱلأمِينُ [القصص:26]، القويُّ في الأداء، الأمين على ذلك، قويٌّ في التنفيذ، أمين في العمل، ليس بخائن ولا مرتشٍ ولا مخادع، ولكن مؤمن صادق، يؤدّي عمله على الوجه المرضي.
أيها المسلم، هذا خلق المؤمن، وتلك سيرةُ المؤمن الطيّب، يؤدّي عملَه طاعةً لله، يرجو بذلك ما عند الله من الثواب. النبي يقول: ((الخازن الأمين الذي يؤدّي ما أمِر به طيبةً بذلك نفسه أحدُ المتصدِّقَين))[1]، فجعل من يؤدِّي العملَ عن طيب نفس من غير خداع ولا انتقاص للواجب، جعله من جملة المتصدِّقين والمحسنين.
أيها المسلم، إن الإسلامَ أوجبَ على المسلم الصدقَ والأمانة في العمل، وحرَّم عليه المماطلةَ في ذلك، وجعل ذلك من كبائر الذنوب.
أيها المسلم، اؤتُمِنت على عملٍ فأدِّه وقتًا وأداء، واتق الله في ذلك، واحذر ـ أخي المسلم ـ أن تستغلّ وظيفتَك وتستغِلّ مكانَك بأن تجعلَ ذلك سببًا لجذب المال لك والثراء من خلال أداء العمل، فتحابي وتجامل لأجل أن تنال مطامعَ مادية في عملك، فذلك المكسب م+بٌ خبيث، وأخذٌ للمال بغير حق، والله يقول: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَـٰطِلِ [النساء:29]، ويقول جل جلاله: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُم بِٱلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].
أيها المسلم، ولأجل هذا حرَّم رسول الله الرشوةَ، لعن باذلَها، ولعن آخذَها، ولعن الواسطةَ بين الباذل والآخذ، تحذيرًا للمسلمين من شرّها، وإبعادًا لهم من ضررها، وحمايةً لدينهم، وحماية لأموالهم، وحماية للمجتمع عمومًا، ففي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي قال: ((لعن الله الراشي والمرتشي))[2]، واللعن حقيقتُه الطردُ والإبعاد من رحمة الله، فجعل باذلَ الرشوة ملعونًا، وجعل آخذَها ملعونًا، ويُروى في بعض الألفاظ: ((ولعن الله الرائش))[3] أي: من كان واسطةً بين الاثنين.
لماذا لُعِن أولئك واستحقوا لعنة الله؟ لأيِّ سبب؟ إنَّ سببه الرشوة. لأجل ماذا؟ لأنَّ الباذل لها في الغالب إنما يبذلها ليقلبَ بها الحقائق، ليجعلَ الحقّ باطلاً والباطل حقًا، إنما بذلها ليتوصَّل بها إلى أخذ مال بغير حق، إنما بذلها ليغيِّر بها فكرَ من يدفعها إليه، ويستميله إليه، ويغيّر فطرته، ويجرّه إلى الرذيلة. ما أرخصَ المالَ إلا ليأخذَ به أكثرَ منه، ما بذلَ الرشوةَ إلا لتكون سببًا لاستحواذه على حقوق الناس، وليتوسَّل بها إلى ظلم الناس، إن لم يظلمهم في أموالهم ظلمَهم بتأخّر حقوقهم وإرجاء حقوقهم؛ لأن هذا المرتشي إذا أخذَ المال تغيّر أمره، واستمالت الرشوةُ قلبَه، فجعل ينظر إلى من يعطيه، فأيّ يدٍ تعطيه مالَ معها، ومن لا يعطيه لا يقيم له وزنًا. والآخذ لها لُعن لأنها سببٌ لتعطيل مصالح الأمة وقلب الحقائق، فكان أولئك ملعونين. والواسطة بينهما ملعون، هو أعان على الإثم والعدوان.
أيها المسلم، إنَّ الرشوةَ داءٌ خطير ومرض عضال، وفساد يسري في مجتمعات المسلمين، فيحدث شرًا وبلاء. إنَّ الباذلَ لها أعان على الإثم والعدوان، وإن الآخذ لها ساهم في تنفيذ هذا العدوان وهذا الشر والبلاء.
إن المسلمَ يتقي الله في مكاسبه كلّها، ولا يظنّ مجردَ كثرة المال هي الغاية، فكم من مال كثير نزع الله البركةَ منه، فلا يوفَّق آخذُه إلى خير في دنياه ولا آخرته، مع ما يناله من العذاب يوم القيامة.
إن المسلمين سواءٌ أمام من وُكل العمل إليه، فليتق اللهَ في الأمة، وليتق الله في مصالحها العامة والخاصة، ليتّق الله فيها تقوىً تحميه عن هذه الرذيلة.
إن الباذلَ للرشوة يبذلها أحيانًا ليُتغاضى عنه فيما أخذه مما ينفِّذه من مشاريع الأمة، وفيما يقوم به من المهمّات، فيبذل الرشوةَ لعل الآخذَ يتغاضَى عنه، ويتجاهل أخطاءه ونقصَه، فيقدم عنه تقريرًا وافيًا كاملاً، والله يعلم أنه مبنيٌّ على الكذب والباطل.
فالآخذ والدافع كلاهما شرّ على الأمة، ولا سيما ـ والعياذ بالله ـ إن دفعها ليظلم بها العباد، ووافقه المرتشي ليظلم بها العباد، ويظلمون أمةَ الإسلام، وربما قُدِّم من ليس بثقة، وأخِّر من [هو ثقة]، وضاعت المصالح أمام الراشي وأمام المرتشي.
إنها سحتٌ وبلاء ونار على آخذها، إنها تأتي بصور شتى وألوان مختلفة، لكن حقيقتها يعلمها الله أنها دفع مال للظلم، وأخذ مال ليُعان على الظلم والفساد.
فليتق المسلم ربه، وليتذكَّر قولَ الله تعالى: لَوْلاَ يَنْهَـٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلأحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة:63]، والسحتُ كلُّ مالٍ أخِذ بغير حق، وكلّ م+ب بغير سبب شرعي فهو سحت، وهو من أخلاق اليهود: سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42].
فالمؤمن يتقي الله، ويرجو من الله البركةَ فيما أُعطي، ففيما بارك الله الخير للقلب والبدن جميعًا.
أيها المسلم، يقول نبينا : ((من استأمنَّاه منكم على عمل، فرزقناه عليه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول))[4]، والله يقول: وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ [آل عمران:161].
إن ضعفَ الإيمان وحبَّ الثراء العاجل والاغترار بهذه الدنيا يحمل ضعفاءَ الإيمان ضعفاء النفوس إلى أن يعلِّقوا آمالاً بمن ينجزون له الأعمال، يعلِّقون آمالاً بهم، فهم لا يحملهم على أداء العمل إلا أن يرَوا ما يوضع في أيديهم، فإن أُعطُوا أنجَزوا، وإلا تماطلوا وتهاونوا وتكاسلوا، ووضعوا العراقيل أمام كلّ حقٍّ يجب أن يؤدّوه.
فليتق المسلم ربه، وليحاسب نفسه في هذه الدنيا قبل أن يلقى الله وقد تحمَّل الأوزار والآثام، وصار ذلك المال الذي أخذه حطبًا يتأجَّج عليه في نار جهنم، فليتَّق المسلم ربه، وليراقبه في كل تصرّفاته والله يقول: يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلأعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ [غافر:19]، قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ [آل عمران:29].
بالرشوة يُحكم على من ليس ثقة بأنّه ثقة، وبالرشوة يُحكم على الفاجر بأنه أتقى الناس، وبالرشوة تُظلم الأمة في مصالحها العامة والخاصة، ولا يرضى بذلك مسلم يخاف الله ويتقيه، وهو ينظر إلى آثارها وأضرارها ومساوئها.
فنسأل الله أن يوفّق الجميعَ لما يرضيه، وأن يعصمنا وإياكم من المكاسب الخبيثة، وأن يرزقنا وإياكم الصدقَ في الأقوال والأعمال.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في الإجارة (2260)، ومسلم في ال+اة (1023) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
[2] أخرجه أبو داود في الأقضية (3580)، وكذا أحمد (2/164)، والترمذي في الأحكام (1337)، وابن ماجه في الأحكام (2313) وابن الجارود (586)، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (5077)، والحاكم (4/102-103)، ووافقه الذهبي، وصححه الحافظ في الفتح (5/221)، والألباني في تخريج أحاديث المشكاة (3753).
[3] أخرجه بهذا اللفظ أحمد (5/279)، وابن أبي شيبة (6/549، 587)، والطبراني في الكبير (1415)، وأبو يعلى (6715)، والطحاوي في شرح المشكل (5655) من حديث ثوبان رضي الله عنه، قال المنذري في الترغيب: "رواه الإمام أحمد والبزار والطبراني، وفيه أبو الخطاب لا يعرف"، وقال الهيثمي في المجمع (4/498-499): "وهو مجهول"، وذلك لأنه لم يرو عنه إلا ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1344).
[4] أخرجه أبو داود في الخراج (2943) من حديث بريدة رضي الله عنه، وصححه ابن خزيمة (2369)، والحاكم (1/563)، وأقره الذهبي، وقال الشوكاني في النيل (4/232): "رجاله ثقات"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (779).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، شرع الله لعباده الشفاعةَ، وأن يشفع المسلم لأخيه بجاهه إن أمكنه ذلك: مَّن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً سَيّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء مُّقِيتًا [النساء:85]، وفي الحديث: كان رسول الله إذا جاءه صاحبُ حاجة قال: ((اشفعوا تؤجَروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء))[1].
فالمسلم عندما يشفعُ لأخيه ليفرِّج همَّه ويزيل غمَّه ويرفعَ كربته ويحققَ له ما يريده من الخير، عندما يتصوَّر حاجة أخيه، وقد يكون هذا الأخ عاجزًا عن أن يدافع عن نفسه، قاصرًا أيضًا بالبيان، قليلَ الحيلة، فهو يقف معه موقفَ الأخ من أخيه المسلم، يقضي حاجتَه، يفرِّج همّه وغمَّه، ويحقّق له أملَه، لماذا؟ لأنه أخوه المسلم في ذات الله، والله يقول: وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [التوبة:71]، ومحمد يقول: ((لا يؤمن أحدُكم حتّى يحبَّ لأخيه ما يحبه لنفسه))[2].
هكذا الإسلام، ولكن ضعفاء النفوس لا يمكن أن ينفَعوا أحدًا إلا بمصلحةٍ لهم، إن أُعطُوا ذلَّلوا الصعاب، وسعوا جهدهم، وتعاونوا مع فئة مجرمة لتحقيق مصلحةٍ وحقٍّ للمسلم، لكنها بمصلحة مادية تعود عليهم، ولولا هذه المادة ما يمكن أن يسعَوا في رفع مظلمة، ولا إبلاغ شفاعة، ولا قضاء حاجة، [فإنما] يسعون لمصالح أنفسهم الذاتية، ثم هم عصابةٌ مجرمة يتعاون البعض مع البعض، خيوطٌ لا تستطيع الوصولَ إليها؛ لأنها مبنية على خُبث وسوء طوية، فهم لا يتحرّكون لمصلحة أحد، وإنما يتحرَّكون في إطار المصالح المادية التي تعود عليهم، هؤلاء آثمون، وما أخَذوا من هذا المال فإنه سحتٌ ولو كان لتحقيق حقٍّ لمسلم، إذِ الواجب السعي في حاجة المسلمين لله، يقول في عداد الصدقة: ((يصبح على كلِّ سُلامى من الناس كلَّ يوم صدقة))، إلى أن قال: ((وتعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعَه صدقة))[3].
إذًا فقضاءُ حاجات المسلم الذي قصُر بيانُه وقلَّ تصرفه وحيلته وعجز عن تحقيق مراده، شفاعتُك له ووقوفُك معه اجعلها قربةً تتقرب بها إلى الله، وفي الحديث: ((من فرَّج عن مسلمٍ كربة من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة))[4]، ولكن العصابة المجرمة لا ترضى الخير، وإنما تساوِم حتى على مصالح الناس، ولهذا مسروق رحمه الله شفع عند زياد في مظلمةٍ لمسلم، فأراد المظلوم أن يكافئه به، فقال: لا، سمعت ابن مسعود يقول: (من سعى في دفع مظلمةٍ عن أخيه فأهدى له هدية فأخذها فقد أتى بابًا من أبواب الربا)[5].
إذًا فقضاؤُك حاجةَ أخيك المسلم اجعلها عملاً صالحًا تتقرّب به إلى الله، لا تنتظر يعطيك أو لا يعطيك، انظُر إلى من ترجو الثوابَ منه، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَـٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّـٰهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان:9-11].
أيها المسلم، فالسعيُ في قضاء حاجات المسلمين يكون عبادةً وطاعة لله، لا يرجو بها من المخلوق جزاءً، وإنما يرجو بها الثوابَ من ربّ العالمين، ويا عُظمَ ذلك الثواب لمن قصدَ وجهَ الله والدارَ الآخرة.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على محمد ، كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...
[1] أخرجه البخاري في ال+اة (1432)، ومسلم في البر (2627) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في الإيمان (13)، ومسلم في الإيمان (45) من حديث أنس رضي الله عنه.
[3] أخرجه البخاري في الجهاد (2891، 2989)، ومسلم في ال+اة (1009) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[4] أخرجه البخاري في المظالم (2442)، ومسلم في البر (2580) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وليس فيه: ((من كرب الدنيا)).
[5] روى نحو هذا سعيد بن منصور في السنن (741)، والبيهقي في الشعب (5504).
| |
|