molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: جريمة السرقة - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الإثنين 26 ديسمبر - 6:59:48 | |
|
جريمة السرقة
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، إنَّ الله أمر العبادَ بطلَبِ الرّزق وحثَّهم على ذلك فقال: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [العنكبوت:17]، وقالَ جلّ جلاله: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك:15]. فأَمَر العبدَ بطلب الرزق والسّعيِ في تحقيقه، قالَ تعالى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه [المزمل:20]، فانظر إلى هذا الاقترانِ: هذا يضرِب في سبيلِ الله، وذا يضرِب في طلبِ الرزق، إذًا فطلَب الرِّزق جهادٌ عندما تحسن النية ويحسن القصد. وقد أحلَّ الله للمسلمِين البيعَ فقال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]، ورغَّب في عمَل الإنسان بنفسه، سئِل : أيُّ ال+بِ أفضل؟ قال: ((عمَلُ الرجل بيدِه وكلُّ بيعٍ مبرور))[1]، حرَّم على المسلم سؤالَ الناس ورغَّب المسلم في القناعةِ بما أعطاه الله، وقال: ((لا تزال المسألةُ بوجهِ أحدكم حتى يلقَى الله وليس في وجهِه مزعةُ لحم))[2]، ورغَّب في الاكتسابِ فقال: ((لأن يأخذَ أحدكم حبلَه فيحتطب فيبيعه خيرٌ له من أن يسألَ الناسَ أعطوه أم منعوه))[3]، وحرّم على المسلِم المكاسبَ الخَبيثةَ وأرشدَه إلى المكاسب الطيّبة، فقال محرّمًا على المسلم أكلَ مال الغير: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء:29]، وقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51].
أيّها المسلم، وجاءَ في السّنّةِ في دعائِه في دُبُر الصّلاة: ((اللّهمّ إني أعوذ بكَ من الهمِّ والحزنِ ومِن البُخل والجُبن ومن العَجزِ وال+َل ومن غلَبة الدين وقهرِ الرجال))[4]. فاستعاذَ بالله من العجزِ وهو ترك العمَل مع القدرةِ عليه وتعطيل الإنسانِ قواه وإخلادهِ للكَسَل والخمول وترقّبه ما بأيدِي الناس أو السّعي في الأمور التي لا تليقُ بالمسلِم.
أيها المسلم، وفي الإسلام دعوةٌ للمسلم لاحترامِ أموالِ الآخرين وحِفظِها وصيانتِها وأنّ هذا من الضروريّات التي دعا الإسلام إليها، فأموالُ المسلمين حرامٌ التعدِّي عليها إتلافًا اغتصابًا سَرِقة غشًّا وخِيانة.
أيّها المسلم، ولأجلِ هذا حرِّمَت سرقةُ أموال المسلمين، وجُعِلت السرقة كبيرةً من كبائر الذنوب جريمةً من الجرائم الأخلاقيّة التي لا يتَّصف بها ذو دينٍ صحيح واستقامةٍ على الخير؛ ذلكم ـ أيّها المسلم ـ أنَّ السرقة خلُقٌ ذميم، خلُق رذيل، خلُقٌ يملِي أنّ هذا السارقَ لا قَدرَ له ولا قيمة، ذَلكم أنّ هذا السارقَ عضوٌ أشلّ في مجتمعه، لا يعوَّل عليه ولا يطمأَنّ إليه، ولا يركَن إليه، لماذا؟ لأنّ هذا شخصٌ مجرِم عطَّل القُوَى التي منَحَه الله إياها، منحه الله السمعَ والبصر والعقلَ، ويسَّر له الأمورَ، لكنّه لم يرضَ بهذا، بل سخَّر حواسَّه وقواه في أمور رديئة رَذيلة.
إنَّ السارقَ قد ارتكب خُلقًا سيّئًا، ضعُفت نفسه عن العمل، ضَعفت نفسه عن الإنتاج، ضعُفت نفسه عن التنافسِ في سبُل الخير، وإنما لَجَأ إلى هذه الطّرُق الملتَوِية يعرِّض فيها دينَه، ويعرِّض فيها حياتَه وسمعتَه، ويغامِر وربّما وقع في الفخّ فقُضِي عليه فخَسِر دنياه وآخرَتَه، وإن نال منَ السرقة ما نال، فمال الحرامِ هو سحتٌ وظلم وعدوان، يجعَل قلبَه دائمًا يلهَث، لا يقنَع بالحلال ولا يطمئنّ إليه، بل لو خيِّر هذا بين مَكسب الحلالِ والحرام لكان الحرامُ عنده أحسنَ وألذَّ من الحلال؛ لأنَّ فطرتَه قد انتكسَت وانع+ت والعياذ بالله، أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8].
أيّها المسلم، الدّاعي للسّرقةِ ليس قِلاًّ في العمل، ولا أنَّ ميادينَ العمل استغرَقَت الكلَّ، لكن هذا جُرم سيّئ وخلُق خبيث، تربَّى عليه بعضُ أولئك، فنشَؤوا من صِغَرهم على هذا الخلُق الرذيل، فما استطَاعوا التخلّصَ منه ولا الصّبرَ عنه، أعاذنا الله وإيّاكم مِن البلاء.
إنها يدٌ خبيثة تمتدّ إلى أموال الناس، تُروّع الآمنين، وتأكل أموالَ الناس ظلمًا وعدوانًا، وربما زيَّنت له نفسُه الخبيثة أن يتوسَّل إلى جريمتِه بسفكِ الدماء والعياذ بالله وقتلِ الأبرياء ونحوِ ذلك مما يترتَّب على هذا البلاءِ، ذلك أنّه قد يواجَه بمن لا يمكِّنه من فعلِه، فليجَأ إلى القتل والعياذ بالله، فيرتكِب الآثام بعد الآثام، وإنَّ السيئة لتدعو إلى السّيّئة مثلها؛ ولهذا جعل الله عقوبةَ السارقِ قطعَ يدِه عقوبةً له على هذا الظلمِ، هذه اليدُ التي لو جُنِي عليها لكانَ وجب فيها نصفُ الدّية، إذًا فإذا سرقَت وخانت هانَت وحُكِم بقطعها وبَتر ذلك العضوِ حتى يراه الآخرون، فيعتبِروا ويتَّعظوا ويعلَموا أنّ هذا مآل السارقين وجزاؤهم في الدنيا، وما عندَ الله لهم من العقوبةِ إن لم يتوبوا أضعافُ ذلك، قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38]، فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا حكمٌ من الله وعقوبةٌ رادعة؛ لتكون مانعةً لهؤلاء وغيرهم، فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا، فتُقطَع يده اليمنى، وإن عاد فاليُسرى، وهكذا حتى يسلَم الناس من شرِّه وبلائه، جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
هذا الحكمُ الشّرعيّ متى طبَّقه المسلِمون وحافظوا عليه فإنهم يضمَنون حِفظَ الأموال واستقرارَ الأمن وقوّتَه؛ لأنّ الأمةَ لا يمكن أن يستقرَّ لها قرار إلا بتنفيذِ أحكام الله، فحدودُ الله التي شرعَها ربّ العالمين رادِعة لأهل الإجرام ومُوقِفة لهم عند حدِّهم وحاجِزة بينهم وبين الاستمرار في رذائِلهم وقبائحهم. حدودُ الله قدَّرها العليم الخبير، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]. ومحمّد سيِّد الأولين والآخرين طبَّق هذا الحكمَ ونفَّذ هذا الحكمَ طاعةً لله وتحكيمًا لشرعه وردعًا لمن تسوّل له نفسُه الإقدامَ على هذه الجريمة، ففِي عهد المصطفَى سرِق من صفوان بنِ أميّة رداؤه من تحت رأسِه، فأتى بالسّارِق للنبيّ ، وكانت قيمةُ هذا الرداء لا تجاوِز عشرين درهمًا، فأمر النبيُّ بقطع يدِ ذلك السارِق، فقال صفوان: يا رسول الله، تقطَع يده في رداء! هو له، قال: ((هلاّ قبل أن تأتِيَني به))، فأمَر بقَطع يدِه [5].
وامرأةٌ من بني مخزوم كانت تستعير المتاعَ وتجحده، وفي بعض الروايات أنها تسرِق، فأمر النبيُّ بقطع يدِها، فهمَّ قريشًا أمرُها وقالوا: من يكلِّم فيها رسولَ الله ؟ فما رأَوا إلاّ أسامة، رأَوا أسامة حِبَّ النبيّ وابن حبّه مولاه وابن مولاه، فكلَّموه أن يشفعَ ليسقِط هذا الحدَّ حتى لا تفتَضِح القبيلة بأن قطِعَت يدُ امرأةٍ من نسائهم، فلمّا كلَّمه غضِب على أسامة وقال: ((أتشفَع في حدٍّ من حدود الله؟!)) ثمّ خطَب النّاس فقال: ((إنما أهلَكَ مَن كان قبلَكم أنهم إذا سرقَ فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرقَ فيهم الضعيف أقاموا الحدَّ عليه، وايم الله لو أنَّ فاطمة بنتَ محمّد قد سرقَت لقطعتُ يدَها))، ثم أمَر بها فقُطعت يدُها [6].
هذا الحكمُ الشّرعيّ عندما ينفِّذه المسلمون طاعةً لله يجِدون لذّةَ ذلك وراحةَ الأمّة وسلامتَها. حدودُ الله عدلٌ وخَير، وحدود الله مصلَحَة للحاضِرِ والمستقبل، وحدود الله عدلٌ لا ظلمَ فيها، وعندما يلمِزُ أعداء الإسلامِ أحكامَ الشريعة ويعدّونها إذلالاً للإنسانيّة كما يزعمون إنهم بهذا يريدون الفوضيَّاتِ بكلِّ أنواعِها، ويريدون أن تعيشَ الأمّة فوضى لا قدَّر الله. إنَّ حدودَ الله عدل ولا جَورَ فيها، يَدٌ كانت ذا شرفٍ وقيمة، لكن لما زلَّت وهانت قطِعَت بمقدارِ رُبعِ دينار، فكان في شرعِ رسول الله أنَّ اليدَ تقطَع إذا سرَقَت رُبعَ دينار أي: ما يعادل ريالَين أو نحو ذلك؛ لأنَّ النظر ليس لقلَّة المسروقِ أو كثرتِه، النظرُ أنها جريمة يجِب استِئصالها من أفراد المجتمع والقضاءُ عليها، وفي الحديث: ((لعَنَ الله السارق يسرِق الحبل فتقطَع يدُه، ولعن الله السارقَ يسرِق البيضةَ فتُقطع يده))[7]، وقَطَع أمير المؤمنين عثمان بنُ عفان رضي الله عنه يدَ سارِقٍ سرَق أترُجّة قوِّمَت بربعِ دينار فقطَع يدَه فيها[8].
هكَذا جاءت شريعةُ الإسلام لترسِيَ دعائمَ الأمن والاستقرار، وتقضي على الفساد، وتوجِّهَ المجتمع إلى الجدِّ في الطلب الرّزق والبُعد عن المسالك الخبيثةِ والطّرُق السّيّئة.
أيّها المسلِم، إنّك ترى السُّرّاق ومروِّجِي المخدِّرات وأمثالَهم، تراهم عالةً على أمّتهم، عالة على مجتَمَعهم وأسَرِهم، أناس جعلوا همَّهم طلبَ المادّة بالطّرق الملتوِية السيّئة، فما هي إلا أنهم يقضُونَ على حياتهم، وما ينالونه من تلكَ الأموال لا يجعل الله فيها بركةً، بل هي أموالٌ خاسِرة وأموال ذاهِبة، مهما جمَعوها فلا بدّ أن يسلِّطَ الله عليها ما يفرِّقها ويعود أرباُبها فقراءَ وأذلاّء في الدنيا والآخرة.
أيّها المسلم، إنّ محمَّدًا أقام الحدودَ في مجتَمَعِه، وهي الحدود الصالِحة لكلِّ مجتمع إلى أن تقومَ الساعة، فلا يقِي المسلمين شرَّ السّرَّاق والأراذل إلا حدودُ الله إذا أقيمَت على أولئك ورُدِعوا بهذا الحدِّ الشّرعيّ؛ ليرَى الناس هذا مقطوعَ اليدِ اليمنى بينهم، ما سبَبُ هذا؟ قيل: إنه سرق، ويتحدَّث الناس عن جريمته، فإنها رادِعة لمن تسوِّل له نفسُه الفسادَ والإفساد.
أسأل الله أن يعيذَنا وإيّاكم من شرِّ أنفسنا، وأن يصلِح أقوالنا وأعمالنا، وأن يهديَ ضالَّ المسلمين ويثبِّت مطيعَهم ويرزقَ الجميع التمسّك بالحقِّ والهدى.
أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرّحيم.
[1] مدار هذا الحديث على وائل بن داود واختلف عليه فيه: فأخرجه أحمد (3/466)، والطبراني في الكبير (22/197)، والحاكم (2158)، والبيهقي في الكبرى (5/236) وفي الشعب (1226) عن شريك عن وائل عن جميع بن عمير عن خاله أبي بردة، قال البيهقي: "هكذا رواه شريك بن عبد الله القاضي وغلط فيه في موضعين، أحدهما: في قوله: جميع بن عمير وإنما هو سعيد بن عمير، والآخر: في وصله وإنما رواه غيره عن وائل مرسلا". وأخرجه أحمد (4/141)، والبزار (3731)، والطبراني في الكبير (4/276)، والحاكم (2160)، والبيهقي في الشعب (1229) عن المسعودي عن وائل عن عباية عن رافع بن خديج، ونقل البيهقي عن الإمام أحمد قوله: "رواه المسعودي عن وائل فغلط في إسناده". وأخرجه البزار (3798) عن شريك عن وائل عن جميع بن عمير عن عمه البراء، والمحفوظ عن شريك ما تقدم. وأخرجه البيهقي في الشعب (1226) وفي الكبرى (5/263) عن الثوري عن وائل عن سعيد بن عمير عن عمه البراء، وصححه الحاكم (2159)، لكن المحفوظ عن الثوري الإرسال كما سيأتي. وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (4/554) عن أبي معاوية، والبيهقي في الشعب (1225) عن الثوري كلاهما عن سعيد بن عمير مرسلا، قال البيهقي في الكبرى (5/263): "هذا هو المحفوظ مرسلا"، ونقل في الشعب عن البخاري قوله: "أسنده بعضهم وهو خطأ"، وقال أبو حاتم كما في العلل لابنه (2/443): "المرسل أشبه". وللحديث شاهد عن ابن عمر، أخرجه الطبراني في الأوسط (2140)، قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/391): "هذا حديث باطل، وقدامة ليس بقوي"، وقال المنذري في الترغيب (2/334): "رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات"، وقال الحافظ في التلخيص (3/3): "رجاله لا بأس بهم". وفي الباب أيضا عن علي، أخرجه ابن عدي في الكامل (2/65)، قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/390): "هذا الحديث بهذا الإسناد باطل، بهلول ذاهب الحديث".
[2] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: من سأل الناس تكثرًا (1475)، ومسلم في ال+اة، باب: كراهة المسألة للناس (1040) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
[3] أخرجه البخاري في الزكاة (1470، 1480)، ومسلم في ال+اة، باب: كراهة المسألة للناس (1042) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[4] أخرج أبو داود في الصلاة (1555) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة فقال: ((يا أبا أمامة ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟!)) قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: ((أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟)) قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن)) الحديث، قال المنذري: "في إسناده غسان بن عوف وهو بصري وقد ضعف"، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1141).
[5] أخرجه مالك في الحدود (1579)، وأحمد (6/465، 466)، وأبو داود في الحدود (4394)، والنسائي في قطع السارق (4879، 4883، 4884)، وابن ماجه في الحدود (2595) عن صفوان رضي الله عنه، وحسنه ابن حجر في موافقة الخبر الخبر (1/495)، وصححه الألباني في الإرواء (2317).
[6] أخرجه البخاري في المغازي (4304)، ومسلم في الحدود (1688) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[7] أخرجه البخاري في الحدود (6783، 6799)، ومسلم في الحدود (1697) من حديث أبي هريرة رضي الله عنها.
[8] رواه مالك في الحدود (1574).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدّين.
أمّا بَعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، حدودُ الله جامِعة بين أمرَين: رَدع للمجرمين وإيقاف لهم عند حدِّهم حتى يرتَدِعوا ويعلَموا أنّه لا مَناصَ مِن تنفيذِ حدودِ الله، فتدعُو إلى ارتداع المجرمين وإمساكِهم عن شرّهم، وثاني ذلك أنَّ الحدودَ طُهرة لمن أقيمَت عَليه، تمحِّصه وتطهِّره من جريمته، ولذا قال الله في السّارق: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:39]. إذًا السارق ظالم، أكَل مالاً بغير حقّ، وأخذ ما لا يستحقّ، وعطَّل قواه التي لو وجَّهها لكان صانعًا عامِلاً منتجًا، لكنّ الرذيلةَ في قلبه هبطت به إلى الحضيضِ، فجَعلته يرتقب أموال الناس فيسرِقها والعياذ بالله.
جيء بسارقٍ للنبيّ فقال له: ((ما إخالك سرقتَ))، قال: بلى سرقتُ، فردَّدها عليه ثلاثَ مرّات، ثم قطع يده، ثم أُتي به فقال: استغفِر لي، قال: ((اللّهمّ اغفِر له))، فدعا له[1]. وفي بعض الألفاظ عن عائشةَ في قصّة المرأة التي قطِعَت يدُها قالت: كانت تأتيني فتشكو إلى حاجتَها فأرفعها لرسول الله فيقضِي حاجتها[2]، ولما حسُنَت توبَتُها قال النبيّ لعائشة: ((أخبرِيها بأنَّ يدَها أمامها في الجنّة))[3]؛ لأنَّ من تاب من ظلمه وتابَ من جُرمه فإنَّ الله يتوب عليه ويبدِّل سيئاتِه حسنات، لكن البلاءُ الاستمرار على الجرائمِ وعدَم الإقلاع عنها والاعتياضِ بها عن المكاسب الشريفةِ والمكاسب الطيبة مكاسبِ ذوِي الهمَم العالية الذين لا يرضَونَ بالدّنايا، ولكن يزاحمون في ميادين العمل، فينتِجون ويحقِّقون خيرًا لهم ولأسَرهم، أمّا السّرَّاق وأمثالهم فهم والعياذ بالله يلهَثون كلَّ ساعةٍ، لا يملأ قلوبَهم شيئ، ولا يقنِعهم شيء؛ لأنهم والعياذ بالله سلَكوا مسالكَ خطيرة ومسالِك خبيثة، نسأل الله أن يعافيَنا وسائرَ المسلمين من كلِّ بلاء.
وإذا كانت هذه [في] سرقَة الأموال الخاصّة فكَذَلك سرقةُ أموال العامة فإنها غلّ، يقول الله جلّ وعلا: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:161].
فالحذَر الحذرَ ـ أيها المسلم ـ من كل مكسبٍ سيّئ، رَبُّوا شبابكم من صِغَرهم، وعوِّدهم على المروءة والشهامة، وجنِّبوهم طريقَ الرّذيلة، وأَغنوهم بما يكفّهم عن هذه الرذيلةِ، ولا تقِرّوهم على خطأ في هذا الباب، خذُوا على أيديهم، ووجِّهوهم التوجيهَ السّليم، فإن نشؤوا على العفّة وسموّ الهمّة نشؤوا نشأةً صالحة، وإن نشؤوا على هذه الرذائل سيطَرَت هذه الأمور على قلوبهم وأفكارهم، فأعيَاكم أن تخلِّصوهم منها، فربّوا الصّغار على الخيرِ، وحذِّروهم من ال+َل، ولا تدَعوهم في البيوت نومًا في النّهار وسهرًا في الليل وفضائيّات تدرِّب على كلِّ بلاء، خذوا على أيديهم ووجِّهوهم لعلَّ الله أن ينشِئهم على الخير والصلاح، فإنَّ العملَ شرَف للإنسان، والطّرُق الرذيلة هوان لابن آدم، عافانا الله وإيّاكم من ذلك.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على محمّد بن عبد الله كما أمَرَكم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولِك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن خلفائه الراشدين...
[1] رواه أحمد (5/293)، وأبو داود في الحدود (4380)، والنسائي في قطع السارق (4877)، وابن ماجه في الحدود (2597)، والدارمي في الحدود (2303) عن أبي أمية المخزومي رضي الله عنه نحوه، وضعفه الألباني في الإرواء (2426).
[2] تقدم حديث عائشة هذا، أخرجه البخاري في المغازي (4304)، ومسلم في الحدود (1688) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[3] ينظر من أخرجه.
| |
|