molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: جريمة الانتحار – شكر نعمة المطر - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الجمعة 23 ديسمبر - 5:08:53 | |
|
جريمة الانتحار – شكر نعمة المطر
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله، اتّقوا ربَّكم بفعل أوامره واجتنابِ نواهيه وتصديقِ أخباره، فذاك خُلق أهلِ النّهى.
أيّها المسلم، اتّق الله في سنّة نبيّك، فاقبَلها واسمَع وأطِع لها، فإنّ طاعةَ الرسول هي طاعة الله، مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ [النساء: 80]، وَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ [الحشر: 7].
لا تقدِّم على سنّته قولَ قائلٍ أو رأيَ ذي رأي أو هوَى صاحِب هوى، أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَـٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ [الجاثية: 23].
عظِّم حرماتِ الله بامتثالِ الأوامر واجتناب النواهي.
أيّها المسلم، إنّ من تعظيم حرماتِ الله تعظيمَ الدّماء المعصومة، فقتلُ المسلم جريمة نكراء، كبيرةٌ من كبائر الذنوب، مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًا [المائدة: 32]، وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: 93]، وقال: وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحًا [الفرقان: 68-70] الآية، ويقول جلّ وعلا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا [النساء: 92] أي: ليس له أن يتعمّد قتلَه، فذاك من كبائرِ الذنوب، وفي الحديث الصحيح: ((اجتنِبوا السّبعَ الموبقات)) فذكر الشركَ والسحرَ وقتلَ النفس[1]، و((لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنّفس، والتّارك لدينه المفارق للجماعة))[2]، و((من قتل معاهَدًا لم يرَح رائحة الجنة))[3].
أيّها المسلم، إنّ من أعظم النّفوس حرمةً عند الله نفسَك التي بين جنبيك، فنفسك أمانةٌ في عنقِك، لا تتعدّى عليها، ولا تعرض لها بسوء، فأنتَ مسؤول عنها، فيجِب المحافظة على النّفس، ومحاولةُ قتل النفس من كبائر الذنوب، سببٌ للعذاب يومَ القيامة وسخطِ الله وعضبِه، قال الله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء: 29]، فنهانا عن قتلِ أنفسنا لأنّه تعالى بنا رحيم، ولذا وجَب على المسلم الصبرُ على البلاء، وحرم عليه الاستعجال بقتل نفسِه، بل نُهي عن تمنّي الموت، وأُمر بالصّبر والاحتساب.
أيّها المسلم، إنّ سنّة نبيّك بيّنت عِظم قتلِ الإنسان نفسَه، وأنّ قتل الإنسان نفسَه كبيرة من كبائر الذنوب، تُوعِّد عليها بالنار يومَ القيامة، ففي الصحيح أنّه قال: ((من قتل نفسَه بشيء في الدّنيا عُذِّب به يومَ القيامة))[4]، أي: يكون عذابُه بذلك النّوع الذي أزهَق به نفسَه، وفي الصحيح أيضًا أنّه قال: ((من تردّى من جبل فقتل نفسَه فهو في نار جهنّم يتردّى فيها خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا، ومن احتسَى سُمًّا فقتل نفسَه فسمُّه في يده يحتسيه في نارِ جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسَه بحديدةٍ فحديدته في يدِه يجأ بها بطنَه يوم القيامة في نار جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا))[5]، ويقول : ((الذي يطعَن نفسَه يطعنها في نار جهنّم، والذي يقتحِمها ـ أي: النار ـ يقتحهما يومَ القيامة، والذي يخنق نفسَه يخنقها في النار يوم القيامة))[6].
أيّها المسلم، قتلُ النّفس سببٌ لسوء الخاتمةِ وورودِ النّار والعياذ بالله. في عهد النبيّ رجلٌ غازٍ مع النبيّ لا يدَع للمشركين شاذّة ولا فاذّة إلاّ قضى عليها، فقال النبيّ : ((هو في النّار))، فقال بعض الصحابة: إن يكن هذا في النّار فمن يدخلُ الجنة؟! لِما رأى من شجاعتهِ ودفاعِه، فلمّا آلمته الجِراح أخذ سهمًا من كنانتِه فانتحر وقتلَ نفسه، فجاء الرجل إلى النبيّ يعدو وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّك رسول الله؛ الذي قلتَ: إنّه في النار قد صدَق الله حديثَك، قد أخذ سهمًا من كنانتِه فانتحر[7]. وفيهِ أيضًا أنّ رجلاً أصابته جراح، فجزع فأخذ سكّينًا فحزَّ بها يدَه فلم يرقأ الدّم حتى مات، فقال الله: ((بادرَني عبدي بنفسِه قد حرّمت عليه الجنّة))[8].
أيّها المسلم، هذه أحاديثُ صحيحة صريحة تبيِّن لك جريمةَ قتل النّفس، وأنّها خطيرة عظيمة، تدلّ على ضَعفٍ في الإيمان وقلّة في الصبر، وعلى فسادٍ في العقل وسوءٍ التصوّر والعياذ بالله.
أيّها المسلم، بأيّ حقٍّ تقتل نفسَك؟! وعلى أيّ دليل تعتمد؟! وبأيّ سلطان تلقى الله يومَ القيامة؟!
احذَر ـ أخي ـ أن تكونَ فريسةً للأعداء، يقضون بك أهواءَهم وينفِّذون بك أغراضَهم. هل حاسبتَ نفسَك عند الإقدام على هذه الجريمةِ وهي قتل النفس، الانتحار، تفجير النّفس؟! هل سألتَ نفسك: لماذا فعلت؟ ولمصلحة من تَفعل؟
إنّك تقدِم على أمرٍ خطير فيه إنهاءٌ لحياتِك، فهل تكون حياتك حياةَ شقاء وتختِم حياتك بسوء الفعل وتلقى الله بهذه الخاتمةِ السيّئة؟! قد قتلتَ نفسك، فعصيتَ ربّك، وخالفت هديَ نبيّك، وضربتَ به عرضَ الحائط.
أيّها المسلم الذي يخاف الله ويرجوه، إيّاك أن تنخدعَ بالشعاراتِ الزّائفة، إيّاك أن يستدرجَك الشيطان وتمضيَ في الهوى وتصمّ أذنَك عن سماعِ الحقّ وعن العملِ به، وتنخدعَ بآراء الضّالين وآراء المفسِدين والذين يقضون بك أغراضَهم وهم لم يفعلوا شيئًا، إنّما يريدونك ضحيّة لهذه الجريمةِ النّكراء دونَ تأمّل وتعقّل.
تعقّل في نفسك، واحذَر الاندفاع والحمَاس بلا دليلٍ والشعاراتِ الزّائفة والانقيادَ إلى الهوى، تأدّب بآداب نبيّك الذي أمرك بأن تحافظَ على نفسك، ونهاك عن الإقدام على هذه الجريمة.
أيّها المسلم، هل تريد أن تلقى ربَّك وقد ختِم لك بسوء في يومٍ يتبرّأ منك القريب، يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّهِ وَأَبِيهِ وَصَـٰحِبَتِهُ وَبَنِيهِ لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: 34-37].
حياةٌ متّعك الله بها فاستغِلَّها إلى أن يأتيَك الأجلُ المكتوب، واحذَر أن تكونَ سببًا لإزهاق نفسِك تحت أيّ ظرفٍ ما، فالذين يرَون الانتحارَ وقتلَ الإنسان نفسَه يرونَه شجاعةً إنّ هؤلاء هم الجُبناء حقًّا، الشجاعةُ الحقّة هي الثبات على الحقّ، الثبات على المبدَأ السليم، الدعوة إلى الخير، ((ليس الشديد بالصُّرَعة، إنّما الشديد الذي يملِك نفسَه عند الغضب))[9].
هؤلاء الذين يفجِّرون أنفسَهم ويقتلون أنفسَهم قد عجَّلوا بأنفسهم إلى النّار والعياذ بالله، عصَوا ربَّهم وخالفوا سنّةَ نبيّهم وأطاعوا الأهواءَ والآراء الباطلةَ والدّعوات الكاذبةَ الخادعة التي لا تنبني على أصلٍ، ولكنها خِداع ومكر، أحسنوا الظنَّ بأعدائهم، وظنّوا أنّ هذا العملَ شريف، ولعمرو الله إنّه من الأعمال الفاجرةِ الظالمة.
فالعبد ما دام في الحياةِ فإنّه يستقيم ويعمَل عملاً صالحًا ويرجو أن يوفَّق لتوبةٍ نصوح في ساعةٍ ما من عمره، فيلقى الله على حُسن حال، فإنّ العبد يعمَل بعمل أهل النّار حتى ما يكون بينه وبينَها إلا ذراع، فيسبِق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنّة فيدخلها، وربّما عمل بعمل أهل الجنة حتّى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.
فاستقِم على الطاعةِ والهدى، وحافِظ على نفسك، والزَم الطريق المستقيم. والدعوةُ إلى الخير والإصلاح لا تكون بتفجيرِ النفوس، لا تكون بقتلِ الإنسان نفسَه، فتلك لم تحقِّق لأهلها خيرًا ولم تجلِب لهم خيرًا، إنّما هي من دُعاة الباطل، إنّما هي من آراء الضّالين الذين يزجّون بشباب الأمّة في أمورٍ ومتاهات لا يعرِفون نتائجها.
فليتّق المسلم ربَّه، وليمسِك لسانَه عن الباطل، ولا يعين ذا جهلٍ على جهله، وإنّما ينصَح ويوجِّه ويدعو إلى الخير.
أسأل الله أن يحفظنا وإيّاكم بالإسلام، وأن يعيذنا من شرّ أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا ومِن دعاة الضلالة ومن أئمّة الضلال الذين يصدّون النّاس عن سبيلِ الله ويغوونهم ويوقِعونهم في الباطل، عياذًا بالله من سوءِ الخاتمة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في الوصايا (2767)، ومسلم في الإيمان (89) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في الوصايا (6878)، ومسلم في القسامة (1676) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
[3] أخرجه البخاري في الجزية (3166) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[4] أخرجه البخاري في الأدب (6105)، ومسلم في الإيمان (110) عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه.
[5] أخرجه البخاري في الطب (5778)، ومسلم في الإيمان (109) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[6] أخرجه البخاري في الجنائز (1369) عن أبي هريرة رضي الله عنه وليس فيه ذكر التقحم، وإنما هو عند أحمد (2/435)، وهو في السلسلة الصحيحة (3421).
[7] أخرجه البخاري في الجهاد (2898)، ومسلم في الإيمان (112) عن سهل بن سعد رضي الله عنه بنحوه.
[8] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3463) واللفظ له، ومسلم في الإيمان (113) عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه.
[9] أخرجه البخاري في الأدب (6114)، ومسلم في البر (2609) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، نعمُ الله عظيمة وآلاؤه جسيمة، ومِن نعمه علينا هطولُ هذه الأمطار العظيمة النافعة التي أحيى الله بها الأرضَ بعد موتها، وأعاد للنفوس النشاطَ والقوّة، والحمد لله على فضلِه.
نعمةٌ من نعم الله تحتاج منّا إلى شكر الله عليها والقيام بما أوجبَ الله وأن يُعلمَ أنّ هذا فضل من الله تفضّل به علينا، يقول الله جلّ وعلا: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى: 28]، ويقول: وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء: 30]، ويقول: وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الروم: 49، 50].
فسبحانَ القادرِ على كلّ شيء، سبحانَ من إذا قال للشّيء: كن فيكون، بينما النّاس يرَون جدبَ الأرض وقلّة المياه أو غورَها في بعض الأماكن إذا هم بهذا الغيثِ المبارك، يملأ أوديتَهم، ويشاهدونه وقد اهتزّت الأرض وربَت من هذا الخيرِ العظيم، وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحج: 5، 6].
كان نبيّكم يقول: ((اخرُجوا بنا إلى هذا القريبِ عهدٍ بربّه))[1]، فهو قريب عهد بربّه، ينظر إلى هذا الماءِ المبارك، فيزداد فرحًا وسرورًا.
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان: 48]، فهو ماءٌ مبارك، وماءٌ طهور، وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا [النبأ: 14-16]، ومنّ الله علينا بقوله: أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ [الواقعة: 68، 69].
فاشكروا الله على نعمائِه، واستعينوا بذلك على طاعتِه، يقول : ((عجب ربّك من قنوطِ عبادِه وقرب غِيَره، ينظر إليكم أَزِلين قنِطين، فيظلّ يضحك، يعلم أنّ فرجَكم قريب))[2].
فسبحانَ القادر على كلّ شيء، سبحانّ المتفضّل والمنعِم والمعطي، لا مانعَ لما أعطى، ولا معطيَ لما منع، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82].
فلا إله إلا الله، ما أعظمَ فرجَه، وما أعظم فضله وإحسانَه، فعلينا أن نستعينَ بهذه النّعم في إرضاءِ مَن أنعم بها وتفضّل، في الحديث: ((يقول الله: أنا والجنّ [والإنس] في نبَأ عظيم، أخلقُ ويُعبَد غيري، وأرزق ويشكَر سواي، خيري إليهم نازلٌ وشرّهم إليّ صاعد، أتودّدُهم بالنّعم ويتباعَدون عنّي بالمعصية))[3].
فاشكروا اللهَ على نعمتِه، وقيّدوها بشكر الله والثناءِ على الله والاعتراف له بالفضلِ وأن تكون سببًا لعلاج القلوبِ واستقامة الحال، فلِلّه الفضلُ والمنّة أوّلاً وآخرًا، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7].
فقابِلوا نعمَ الله بشكرِها، وقابلوها بالثناءِ عليه، وقابلوها بالقيام بما أوجَب، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [الملك: 30]، إنّما يأتي به الله القادر عليه، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ [النمل: 62].
فاحمَدوا الله على نعمائه، واشكروه على فضله وإحسانِه، واسألوه المزيدَ من كرمِه وجوده، واستعينوا بما أنعَم عليكم على مرضاتِه عنكم.
نسأل الله شكرَ نعمتِه وحسنَ عبادتِه وأن يجعلَنا من الشّاكرين الذاكرين، إنّه على كلّ شيء قدير.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتُها، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النّار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على نبيّكم محمّد كما أمركم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...
[1] أخرج مسلم في الاستسقاء (898)، وأحمد (3/133، 267) واللفظ له عن أنس رضي الله عنه قال: أصابنا مطر ونحن مع رسول الله ، فخرج رسول الله فحسر ثوبه حتى أصابه، فقلنا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ قال: ((إنه حديث عهد بربه)).
[2] ذكره بهذا اللفظ ابن تيمية في المجموع (3/139) وحسنه. وأخرج شطره الأول أحمد (4/11، 12)، وابن ماجه في المقدمة (181) عن أبي رزين لقيط بن عامر رضي الله عنه، وأورده الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه (31). وأما شطره الثاني فأخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/286)، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (4/13) عن لقيط بن عامر رضي الله عنه أيضا، وصححه الحاكم (8683)، وأخرجاه أيضا والطبراني في الكبير (19/212) عن عاصم بن لقيط مرسلا، قال الهيثمي في المجمع (10/340): "رواه عبد الله والطبراني بنحوه، وأحد طريقي عبد الله إسنادها متّصل ورجالها ثقات، والإسناد الآخر وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط إن لقيطا"، وضعفه الألباني في ظلال الجنة (636).
[3] ذكره بنحوه ابن القيم في مدارج السالكين (1/194)، وروى بعضه الطبراني في مسند الشاميين (974)، والبيهقي في الشعب (4/134) عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2371).
| |
|