molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التحذير من مسابقة الإمام- عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الخميس 22 ديسمبر - 5:22:58 | |
|
التحذير من مسابقة الإمام
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله حق التقوى.
عباد الله، شرعَ الله لأداء الصلوات الخمس الجماعةَ، وجعلَ هذه الجماعةَ تأتمّ بإمامٍ واحد. هذا الإمامُ هو الذي يؤمُّهم في الصلاة، أُمِروا باتباع إمامهم، ونُهوا عن مسابقة إمامهم. هذا الإمام هو الذي يؤدِّي أركانَ الصلاة، فكلّ ركنٍ يؤدِّيه يؤدِّيه المأمومون بعده، فأمِروا بالاقتداء به، لأن في المسابقة اختلافاً عليه، فإذا سابقه المأمومون لم تكن لإمامتِه مكانة، والواجب أن يكون هذا الإمام قدوةً لهم يؤدّون الأفعال بعدما يؤدِّيها الإمام، هكذا دلَّت سنَّة رسول الله .
أيها المسلم، فمِن الخطأ العظيم ما يقع فيه بعض المصلين ـ هدانا الله وإياهم ـ من مسابقتهم لإمامهم، إمَّا أن يسبقوه فيركعوا قبله، أو يرفعوا قبله، أو يسجُدوا قبله، وإما أن يوافقوه، فيكون ركوعهم وسجودهم ورفعهم من الركوع والسجود مع إمامهم. والسنة دلَّت على أنَّ أفعال المأموم تتأخَّر بعد فعل الإمام، وأن لا يفعل المأموم شيئًا حتى يفعله إمامُه، فلا يسابق الإمام، ولا يوافقه في الأفعال، وإنَّما تكون أفعالُه بعد أفعال إمامه، بهذا أرشد النبي أصحابَه، فعنه أنه قال: ((إني إمامكم، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود [ولا بالقيام] ولا بالانصراف))[1]، هكذا أرشد المأمومين وراءه أن لا يسابقوه، فلا يركعوا ولا يرفعوا ولا يسجدوا ولا يرفعوا من السجود ولا ينصرفوا من الصلاة إلا بعدما يفعله الإمام، وقال : ((إنما جُعل الإمام ليؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتَّى يركع، وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد))[2].
أيها المسلم، فتدبر قوله : ((إنما جُعل الإمام ليؤتمَّ به))، فحقيقةُ الائتمام به أن لا تفعل شيئاً قبل فعله، فإنك إن فعلتَ قبل فعله لم تكن مؤتمًّا به، ثم تأمَّل قولَه : ((فلا تختلفوا عليه))، فإنك إن سابقته أو وافقته كنتَ مختلفًا عليه، فإذا كانت أفعالُك بعد أفعاله فهذه السنة التي يتحقَّق بها حقيقةُ الإمام وحقيقة الائتمام به. ونبينا أدَّب أصحابه بهذا الأدب العظيم، قال البراء بن عا+: كنا نصلِّي مع رسول الله ، فإذا خرّ ساجداً لم نسجد حتى يقع النبي ساجداً، ثم نقع سجوداً بعده[3].
أيها المسلم، ونبينا تهدَّد وتوعَّد من سابق إمامَه بأعظم وعيد، فقال فيما صحَّ عنه: ((أما يخشى الذي يرفع رأسَه قبلَ الإمام أن يحوِّل الله رأسَه رأسَ حمار أو يجعلَ صورتَه صورةَ حمار؟!)) هذا في المتفق عليه[4]، وعيدٌ لهذا المسابق أن الله توعده بأن يحوِّل رأسَه أو كامل صورته على أسوء حال؛ لأنه خالف الشرع، ولم يأتمَّ بالإمام، وإنما سابق إمامَه، فكان بذلك مخالفاً لشريعة محمد .
أيها المسلم، أنت وراءَ إمامك، لا انقطاع لصلاتك إلا بعد تسليم إمامك، إذاً فتلك المسابقة ماذا تستفيدُ منها سوى الانقياد لوساوس إبليس؟! وإلا فليس لك منها أيُّ منفعة، ولهذا رأى بعضُ الصحابة رجلاً يسابق إمامَه فقال له: (يا هذا، لا وحدك صلَّيتَ، ولا بإمامك اقتديتَ)[5]، لأنك لو صليتَ وحدك وكنت إمامَ نفسك هذا أهونُ من أن تصليَ وراء إمامٍ أنت مؤتمّ به ظاهرًا، وأنت مؤتمٌّ به في الصورة الظاهرة، ولكن الحقيقة أنت مخالفٌ له، فركوعك أو سجودك أو رفع رأسك من ركوع أو سجود قبل الإمام ينافي ائتمامَك به، فأنت لم تصلِّ وحدك، ولم تقتدِ بإمامك، أنت مذبذَب في هذا، فاتتك صلاتك وحُرمت الخيرَ بهذا الفعل الشنيع.
أيها المسلم، إن تعمُّدَ مسابقة الإمام يُبطل الصلاة بلا إشكال، تعمُّد مسابقة الإمام بأن يقع الركوع قبله، أو الرفع من الركوع قبله، أو السجود قبله، أو الرفع من السجود قبله، من تعمد هذا فصلاته باطلة؛ لأنه خالف سنةَ محمد .
أيها المسلم، إن مسابقةَ الإمام مِن تلاعب الشيطان بابن آدم، ذلك المسلم الذي يدخل في الصلاة ثم تغلب عليه الوساوس والأوهام، فربما ركع ورفع قبل إمامه من دون أن يتصوَّر هذا الخطأ، ولهذا جاء في الحديث: ((الذي يرفع رأسه قبل الإمام ناصيته بيد شيطان، يرفعه ويخفضُه))[6]، لأن هذا الإنسان غافل عن صلاته، دخل الصلاةَ والقلبُ غافل يجول في الدنيا هنا وهناك، فلذا لا تراه يتقيَّد بأفعال الإمام، وإنما القلب في غفلة وصدودٍ عن حضور الصلاة.
فليتق المسلم ربَّه، وليحافظْ على متابعة الإمام، وليحذر تلك المسابقة، فإنها تفسد صلاتَه، وتخلّ عليه صلاتَه، فاتقوا الله في صلاتكم معشر المسلمين، والزموا أدبَ السنة في ذلك لعلكم تفلحون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ [الحشر:7].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه مسلم في الصلاة (426) من حديث أنس رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في الأذان (722)، ومسلم في الصلاة (414) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[3] أخرجه البخاري في الأذان (690، 747، 811)، ومسلم في الصلاة (474).
[4] أخرجه البخاري في الأذان (691)، ومسلم في الصلاة (427) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[5] ذكره الإمام أحمد في كتاب الصلاة، وانظر: المغني لابن قدامة (1/310)، وهذا الصحابي هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[6] أخرجه البزار، والطبراني في الأوسط (7692) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسن إسناده المنذري في الترغيب (1/197)، والهيثمي في المجمع (2/78). وأخرجه مالك في الموطأ (209)، وعبد الرزاق في المصنف كما في الفتح موقوفا على أبي هريرة، وهو المحفوظ كما رجحه أبو حاتم كما في علل ابنه (1/83)، وابن عبد البر في التمهيد (13/59)، والحافظ في الفتح (2/183). والحديث ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (1657).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن مسابقةَ الإمام مصيبةٌ على المسلم في صلاته، دالةٌ على غفلةِ قلبه وقلة إقباله على عبادة الله، فليتق المسلم ربه، وليكن حاضرَ القلب في صلاته، متدبِّراً متعقلاً.
الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله صلى في مسجدٍ ما من المساجد فلمَّا رأى من الجماعة مسابقةَ الإمام كتب رسالةً في هذا الموضوع، وأطال الكلامَ في هذا، ومما جاء في كلامه رحمه الله قوله مناشدا المصلِّي: "أيها المسلم، تخرُج من بيتك في الظلماء، قاصداً المسجد، وتخرج في الرمضاء قاصداً المسجد، وتتعرَّض لكل الأمور، ولكنك ـ يا عبد الله ـ تحضر المسجدَ وتقف وراء الإمام فتسابق الإمام في ركوعك أو سجودك، وتخرج من صلاتك وما استفدت شيئاً"[1]. كلُّ هذا حرصٌ منه رحمه الله على تحذير المسلم من مسابقة الإمام، وما في المسابقة من الأضرار والمفاسد الدالة على غفلة القلب وإعراضه وعدم تدبّره أمرَ صلاته.
فلنتق الله في صلاتنا، ولنحرص على إتمامها قدرَ الإمكان، ولنستعذ بالله من الشيطان، ولا ننقدْ لوساوسه وأوهامه، فإنَّ عدوَّ الله إبليس ساعٍ في إفساد عبادة العبد المسلم ما وجد لذلك سبيلاً، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من وساوسه.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن من سابق الإمامَ بتكبيرة الإحرام بأنْ كبَّر للإحرام قبل أن يكبِّر الإمام تُعتَبر تلك الصلاة صلاةَ منفرد، ولو اقتدى بالإمام فيها لكانت صلاته باطلة؛ لأن تكبيرة الإحرام هي الركن الذي يدخل به المسلم في صلاته كما قال في الصلاة: ((مفتاحها الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم))[2]، فلو كبَّر مأمومٌ للإحرام قبل أن يكبِّر الإمام لقلنا: إنك لم تقتد به أصلاً؛ لأن تكبيرَك قبل تكبيره يجعل صلاتَك غيرَ صحيحة إن جعلت نفسك مأموماً فإن صلاتك غير صحيحة، حيث دخلتَ في الصلاة قبل دخول الإمام فيها فلا تعتبر لك صلاة.
فلنتق الله ـ معشر المسلمين ـ في صلاتنا، ولنحرص على إكمالها وإتمامها، فإن من حافظ عليها بكل ما تعينه الكلمة من معنى فاز بالخير العظيم، وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ [المؤمنون:9-11].
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على نبيكم محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...
[1] انظر هذه الرسالة في طبقات الحنابلة (1/348-380) لأبي يعلى، وقد طبعت مفردة.
[2] أخرجه أحمد (1/123، 129)، وأبو داود في الطهارة وفي الصلاة (61، 618)، والترمذي في الطهارة (3)، وابن ماجه في الطهارة (275) من حديث علي رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن"، وصححه القرطبي في تفسيره (1/175)، وحسنه النووي في الخلاصة، ورمز السيوطي لحسنه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (55، 577). وللحديث شواهد كثيرة.
| |
|