molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التحذير من ظلم العمال - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الإثنين 26 ديسمبر - 6:33:36 | |
|
التحذير من ظلم العمال
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التّقوى.
عبادَ الله، إنّ مِن خُلُق المؤمن وفاءَه بالعهودِ والتِزامَه بالعقود، وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ [المؤمنون:8]، فهو إذا وعَد أوفَى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]. هَكذا خلُق المؤمن، صِدقٌ في تعاملِه، فلا كذِبَ ولا غِشَّ ولا خيانة ولا غَدر، ولكن التزامٌ بما التزَم به ووفاءٌ بهذا كلِّه، طاعةً لله وعبادةً يتقرَّب بها إلى الله.
أيّها المسلم، وإنَّ المؤمنَ ليلزَم العدلَ في أقوالِه وأفعالِه، فبالعدلِ تُحفَظ الحقوق وتطمئِنّ النفوس، والظلمُ محرَّم على العباد، حرّمَه الله على نفسه، وجعَله بين عباده حرامًا، في الحديث القدسيّ: ((يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم محرّمًا، فلا تظالموا))[1]. إذًا فالمؤمِن لا يظلم أحدًا بجحدِ حقِّه أو خيانة في وعدِه وعدم وفاءٍ بما بينه وبينه منَ العقد، بل هو ملتزمٌ بالوفاء طاعةً لله وإظهارًا لمحاسن هذا الدين الذي جاء بما يحقِّق للبشرية السعادة في الدنيا والآخرة.
أيّها المسلم، مِن حكمةِ ربِّنا جلّ وعلا أن جعَل هذا الخَلقَ متفاوتين في أخلاقهم وأرزاقِهم وقُدُراتهم، وبهذا يعمُر الكون فسبحانَ الحكيم العليم، فلو أنَّ الناس كلَّهم أغنياء لما انتفع بعضُهم ببَعض، ولو كانوا فقراءَ لما نفَع بعضُهم بعضًا، ولكن لله حكمَة في التّفاوت بين عبادِه، وأعظم التفاوتِ وأكبرُه هو ما بينَهم من تفاوتٍ في دينهم وتقواهم لربِّهم.
أيّها المسلم، إنَّ الله يَقول: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32]، ففي الخَلقِ الأغنياءُ، وفيهم الفُقراء، وفيهم العالم، وفيهم الجاهِل، وفيهم القادِر ببدنه والعَاجز، وفيهم القادِر بفِكره والعاجِز ببَدَنه، وسبحانَ من له الحكمةُ في هذا التفاوتِ والتباين.
أيّها المسلم، ومما ينبغِي أن يهتمَّ به المسلم ويراعيَه أن يكونَ ملتزِمًا بالعَقد الذي بينَه وبين من استَأجرَه مِن عُمّال، فيلتزِم بالعقد الذي بينه وبينهم، ويعطيهم حقوقَهم كاملةً كما اتَّفق بينه وبينهم، يعطيهم الحقوقَ كاملةً التي جرى الاتفاق بينه وبين العامل [عليها]، فيعطيه أجرَه كاملاً موفَّرًا من غير نقصٍ وإخلال. هذا هو واجب المسلم؛ لأنَّ العقدَ الذي بينك وبينه كما يلزَمُه القيام بالعمَل فإنه يلزمك أيضًا أداءُ الحقّ الواجب له، فهو يلزَمُه تنفيذُ العقدِ الذي أبرمتَ بينك وبينه، يجِب أن يلتَزِمه ويقومَ بالواجب، وفي ضمن ذلك أن تلتزِمَ أنت بما التزَمتَ به بينَكَ وبينه مِن أجرةٍ شهريّة يجب أن تعطيَها كاملةً موفّرة غير منقوصة، وإن انتقصتَ شيئًا منها فقد ظلمتَ وأكلتَ مالاً بغيرِ حقّ. هذه شريعة الإسلام.
فالواجبُ على الجميع التعاونُ على الخير والتّساعد على الخير وأن لا يظلِمَ أحدٌ أحدًا، فكما أنّ العامِلَ يحرم عليه ظلمُ من استأجره وعدمُ القيام بالواجِب فأيضًا صاحِب العمَل يحرم عليه أن يظلمَ العاملَ ويبخسَه حقَّه ويقتطعَ مِن راتبِه بلا حقٍّ، فإنّ هذا ظلم له. وكذا يحرُم عليه أيضًا أن يقتطعَ شيئًا من حقِّه، فهو يحرُم عليه تأخيرُ الوفاءِ بلا عذرٍ شرعيّ، فمَطل الغنيِّ ظلمٌ يحلّ عرضَه وعقوبته.
أيّها المسلم، في شريعةِ محمّد إرشادُ الجميع إلى الخير وَحَثُّهم على التعاون على الخير، فمحمّد يرسم لأمّتِه الطريق السويَّ الذي يجب أن يسيرَ عليه العُمّال وأربابُ العمَل؛ لكي يؤدِّيَ كلٌّ ما وجب عليه بطيبِ نفس.
فأوّلاً: يحثّنا نبيُّنا على الوفاءِ بحقوق العاملِ فيقول : ((أَعطوا العامِلَ أجرَه قبلَ أن يجفَّ عرقُه))[2]، بمعنى أن تبادِرَ في إيفاء حقّه، وأن لا تؤخِّرَ الوفاءَ بلا عذر، بل يجِب المبادرة بالوفاءِ، فهو حقٌّ له لا يجوز أن تؤخِّره ظلمًا وعدوانًا.
ثانيًا: أرشَدَ صاحبَ العَمَل كيف يتعامل معَ العامل، فيقول : ((إخوانُكم خَوَلُكم، جعَلهم الله تحت أيديكم، ومن كان أخوه تحت يدِه فليطعِمه مما يأكُل وليلبِسه مما يلبَس، ولا تكلِّفوهم ما لا يطيقون، وأن كلَّفتموهم فأعينوهم))[3]. فانظروا إلى هذا الأدبِ العظيم والتعامل الجمِّ، ((إخوانُكم خوَلُكم، جعلهم الله تحت أيديكم))، نعم هم تحت يدِك لفقرِهم وحاجَتِهم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبِسوهم مما تلبسون، ولا تكلّفوهم ما يغلِب عليهم، فإن كلَّفتموهم ما يغلِب عليهم فأعينوهم.
وثالثًا: رسولُ الله أرشَدَ إلى التعامُل بالحقِّ وحُسن الخلُق وعدَم الأذى، فأبو مسعودٍ رضي الله عنه ضرب غلامًا له، قال: فما شَعرتُ إلاّ ورجل من خلفي يقول: ((أبا مسعود، للهُ أقدَر عليك من قدرَتِك عليه))، قال: فألتفتُّ فإذا رسول الله ، فقلت: يا رسول الله، هو حرٌّ لوجه الله، قال: ((لو لم تفعل هذا للَفحَتك النار يوم القيامة))[4]. هذا في العبد المملوك فكيف بغيره؟!
ورابعًا: أنَّ النبيَّ قال: ((للخادِم +وتُه ونفقتُه، ولا يكلَّف ما لا يطيق)). هذا هو الواجِب على المسلم؛ أن يكونَ صادقًا في تعامله، بعيدًا عن الغِشّ والخيانة.
أيّها المسلم، إنّ هناك أخطاءً عديدة تقَع بين العامل وربِّ العمل، أساسه الظلمُ من الجميع، فأحيانًا يظلِم صاحبُ العمَل عمّالَه، وظلمه يتكوَّن في أمور:
فمِنها محاولَةُ بخسِ الحقوق، ويكتُب عَقدًا بينه وبينه، ثم إذا حضَر العامل حاولَ التخلّصَ من هذا العقدِ ليجعله أقلَّ مرتَّبًا مما اتُّفِق عليه من قبل، فيضطرّ هذا المسكينُ الذي بذَل قصارى جهدِه ليصلِ إلى أن ينتفِع بشيء من المال تحت هذا الضّغط السيّئ، فربَّما وقَّع على عقد ثانٍ وهو مرغَم عليه من غير اختيار، وهذا من الظلم العظيم.
وثانيًا: أنَّ من أخطاء أرباب العمل أحيانًا أنهم يظلِمون العامل، فربما أجَّروه على غيرهم وأعطَوه لمن ينتَفِع به مقابلَ شيءٍ يأخذه صاحبُ العمل، وذلك مقتَطَعٌ مِن راتِب العامل، فيكون العامِل مثلاً أجرتُه في الشّهر ألفَ ريال، فربما أجَّرَه بألفِ وخمسمائة ليأخذَ هذه الخمسمائة التي يأخذُها ذلك العامل، وكأنَّ هذا العاملَ عبد من عبيدة يتحكَّم فيه كيف يشاء، وهذا مِن الظلم والعُدوان.
ومِن أخطاءِ أولئك إتيانهم بعمّالٍ وتسريحُهم في الشوارعِ يعمَلون ما يشاؤونَ تحت مؤسَّساتٍ وهميّة وأمور وهميّة لا حقيقةَ لها، فيدخِلهم باسم مؤسَّسة وهميّة، فيدعهم في الطرقاتِ يعملون ما يشاؤون وهو يمتصّ من دَخلهم ومن عَرقِ جبينهم أحيانًا كلَّ شهرٍ أو عندما يحتاجُون إلى السفر، وهم يعمَلون ما يشاؤون، وربما ضرّوا أنفسَهم أو أضرّوا بغيرهم تحت مظلّةِ صاحب هذه المؤسّسة الوهميّة التي ألحقت الضّررَ بالأمّةِ في حاضِرِها ومستقبلها.
ومِن أخطاءِ أولئك أيضًا المماطَلةُ في الحقوقِ وعدَمُ الوفاء بها وتأخيرُها شهورًا عديدة، حتى ربما ملَّ العاملُ وسئِم ووافق على اقتطاعِ جزءٍ منه مقابِلَ إعطاء بقيّة الحقوق، وهذا منَ الظلمِ والعدوان وأكل أموال الناس بالباطل.
ومِن أخطائهم أيضًا أن يكونَ في العقود بعضُ المميِّزات لذلك العامل، لكن ترى ربَّ العمل يحاوِل التخلّصَ من هذه كلِّها بأيّ حيلة يحتالها، فيقف هذا العامل ضعيفَ القدرة قليلَ التصرّف، لا يستطيع الدّفاعَ عن نفسه؛ لأنَّ [صاحبَ العمل] ظالم لا يخاف الله ولا يرجوه.
فالواجِبُ على الجميع تقوى الله، وإنَّ التعامل بالصّدق والأمانة دليلٌ على قوّة الإيمان، والخيانة والغِشّ والتلاعبُ بالعقودِ دليل على ضَعف الإيمان وقِلّة الحياء والخوف من الله.
أيّها المسلم، اسمَع ـ وفّقك الله ـ ثوابَ الأمانة والصّدقِ في التّعامل، أخبرنا عن الثلاثةِ الذين آواهم المبيتُ إلى الغار، فانطبقت عليهم الصَخرة، فأصبحوا لا يستطيعون الخروجَ من هذا الغار، فقال كلٌّ منهم: كلٌّ يتوسَّل إلى الله بصالح عمله، فقام الثّالث فقال: اللّهمّ إني استأجرتُ أجراءَ، فأعطيتُهم حقوقَهم إلا واحدًا ترَكَ الذي له وذهَب، فثمَّرتُه له حتى كان منه إبلٌ وبَقَر وغنم وزرع، فجاءني بعد حين وقال: يا هذا، أعطني حقّي، فقلتُ له: كلّ ما ترى من إبلٍ وبقر وغنم وزرعٍ فهو لك، قال: أتستهزئ بي؟! قلت: لا، كلُّ ذلك لك، قال: فأخَذَه كلَّه ولم يدَع لي منه شيئًا، اللّهمّ إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك فافرُج عنّا ما نحن فيه، فانفَرَجت الصخرةُ شيئًا[5]. فانظر إلى هذه الأمانةِ وهذا الصدق وهذا التعامُل الخالِص، ذهب ذلك العامِل وترك حقَّه لأمرٍ ما، وهذا الأمينُ ثمَّره له ونمَّاه له وأعطاه كلَّه ولم يطلب منه شيئًا، تركَه ابتغاءَ مرضاةِ الله وتقرّبًا إلى الله، فصار عملاً صالحًا نفعَه في تلك المضائق.
أيّها المسلم، إنَّ بخسَ العامل حقَّه من كبائر الذنوب، يقول : ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثمّ غدَر، ورجلٌ باع حرًّا وأكل ثمنَه، ورجلٌ استأجَر أجيرًا فاستوفَى منه ولم يعطِه أُجرته))[6]، هؤلاء خصمُهم الله يومَ القيامة، فلا يغرّنّك قوّتُك وقوّة لسانك وحجَجِك وضعفُ هذا العمل وقِلّة حيلته، لا يغرّنّك هذا، راقِبِ الله وخَفِ الله، الذي أغناك وأعطاك قادِرٌ أن يسلِبَ نعمتَه منك، فتعود فقيرًا كما كان هذا العامل فقيرًا.
أيّها المسلم، إنَّ الاتّفاقَ بين المسلمين يجِب أن ينفَّذَ بكلِّ بنوده، انظر إلى موسَى عليه السلام لمّا طلب منه صاحِبُ مَديَن أن يزَوِّجَه إحدى ابنتَيه على أن يجعلَ المهرَ أن يقوم موسَى عليه السلام برعايةِ الغنَم ثمانِ سنين أو عشرًا، قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ [القصص:27، 28]، فالأجرَةُ المحدَّدة ثمان سنوات، وصاحبُ مَديَن أرادها عشرًا، فاتّفقَا على الثّمان، وموسَى وعد بالثِّنتَين إن تمكَّن، ولكنه أكمَل المدَّةَ عليه من الله وعلى نبينا أفضلُ الصلاة وأتمّ التسليم.
أيّها المسلم، إنّ حُسنَ الأخلاق دليلٌ على قوّة الإيمان، وإنَّ محمدًا كان أحسنَ الخلق خلُقًا، وكان أحسنَ الخَلق تعاملاً، قال أنس بن مالك: قدِم النبي المدينة، فأخذني أبو طلحةَ ـ زوجُ أمّه ـ وقال: يا رسول الله، هذا أنَس رجلٌ لبيب لِيَكن خادمًا لك، قال: خدَمتُه حَضرًا وسفرًا، فما قال لي لشيءٍ فعلتُه: لمَ فعلتَه؟ ولا لشيءٍ لم أفعَله: لمَ لَم تفعله؟[7] قال: فوالله، ما مسَّت يدي خزًّا ولا حريرًا أنعم مِن يدِ رَسول الله ، ولا شَمَمتُ مسكًا ولا عطرًا قطّ أطيبُ مِن ريح عَرَق النبيّ [8]، فصلوات الله وسلامه عليه أبدًا دائمًا إلى يوم الدين.
فعلى المسلِمِ أن يتّقيَ الله في تعامُلِه مع الآخرين، وأن يكونَ الصّدق والأمانة خُلُقَنا وشعارًا لنا؛ لأنّا نحن المسلمون يجِب أن نمثِّلَ ديننا في أقوالنا وأعمالنا.
أيّها المسلم، أيّها المؤمن، هؤلاء العمّال الذين أَتَونا مِن أقطار الدنيا قد يكون عندَ بَعضِهم جهلٌ أو مخالَفة أو سوءُ فهم، فلِماذا لا يستغِلّ المسلم هذه الفرصةَ ويدعو إلى الله ويوضح الحق؟ فلعلّ أولئك أن يرجِعوا بخير مما جاؤوا، ولعلّهم أن يتزوَّدوا عِلمًا وعملاً، فمن دعا إلى هدًى كان له مِن الأجرِ مِثلُ أجور من تَبِعه من غيرِ أن ينقصَ ذلك منه شيئًا. فاستغلَّ وجودَ هؤلاء؛ علِّم الجاهل وبصِّره وعلِّمه وأيقِظه من غَفلَتِه، اهدِه لأداء الواجِبات، وأوضح الواجبات والفرائضَ، وبيِّن له المحرَّمات، وأدِّبه بالأدبِ الإسلاميّ، ولتكُن قدوةً له، يراك تصلّي، ويراك تفعَل الخيرَ، ويسمع منك الكلماتِ الطيبة، ويرى تربيةَ أولادك وتربيةَ بناتك وزوجاتِك على الأخلاق الكريمة، فيستفيد منك خُلقًا جمًّا وعملاً طيّبًا، أمّا أن يراك على خلافِ الحقِّ وعلى خلافِ الهدى فإنّه يسيء الظنَّ بك وبأمّتك.
فلنكن ـ إخواني ـ دعاةً إلى الخير بأقوالِنا وأعمالِنا وقدوَتِنا الصالحة، أسألُ الله لي ولكم التوفيق والسدادَ والعونَ على كلّ خير، إنّه على كلّ شيء قدير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33].
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العَظيم، ونفَعني وإيّاكم بما فيهِ منَ الآياتِ والذّكر الحكيم، أقول قولي هذَا، وأستغفِر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه مسلم في البر (2577) عن أبي ذر رضي الله عنه.
[2] أخرجه ابن ماجه في كتاب الأحكام، باب: أجر الأجراء (2443)، والقضاعي في مسند الشهاب (744) من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهذا سند ضعيف من أجل عبد الرحمن بن زيد، لكن للمتن شواهد من حديث أبي هريرة وجابر وأنس رضي الله عنهم لا يخلو كل منها من ضعف، قال المنذري في الترغيب (3/58): "وبالجملة فهذا المتن مع غرابته يكتسب بكثرة طرقه قوة. والله أعلم"، وقد صححه الألباني في الإرواء (1498)، وانظر: نصب الراية (4/129).
[3] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب: المعاصي من أمر الجاهلية (30)، ومسلم في كتاب الأيمان، باب: إطعام المملوك.. (1661) عن أبي ذر رضي الله عنه.
[4] أخرجه مسلم في كتاب الأيمان (1659).
[5] حديث الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة في الغار فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3465)، ومسلم في الذكر (2743) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[6] أخرجه البخاري في كتاب الإجارة، باب: إثم من منع أجر الأجير (2270) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[7] أخرجه البخاري في كتاب الوصايا (2768)، ومسلم في كتاب الفضائل (2309) نحوه.
[8] أخرجه مسلم في كتاب الفضائل (2330) بمعناه.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحِبّ ربنا ويرضَى، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ لَه، وأشهَد أنّ محمَّدًا عبده ورَسوله، صلّى الله عليه وعلَى آله وصَحبه، وسلّم تَسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمّا بعد: فيا أيّها النّاس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، خلُق المؤمنين في سرِّهم وفي علانيّتهم فيما يتناجَونَ به وفيما يظهِرونه ويعلِنونه خلُقُهم التعاوُنُ على البرِّ والتقوى، قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2]. المؤمِن حقًّا يغار على دينِه، ثمّ يغار على أمّتِه ومجتمعه. المؤمِن حقًّا لا يرضى أن يكونَ داعيًا للضّلال، ولا ناشرًا للخطأ، ولا سانًّا في الأمّة سنّة سوء، ((من سنَّ في الإسلام سنّةً حسنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها بعدَه إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنّةً سيّئة فعليه وِزرها ووِزر من عمِل بها من بَعدِه إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيء))[1].
أيّها المسلم، إنّ المؤمنَ يتناجَى بالخيرِ ويظهِر الخير، والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المجادلة:9].
إنّ منتدياتِنا ومجتمعاتِنا يجب أن تتحَلَّى بالأخلاقِ الكريمة والصّفات الحميدة، وأن تحترِمَ ثوابتَ الأمة وقِيَمَها وأخلاقها، وأن لا تنطلقَ بلا زِمامٍ ولا خِطام لتنشُر رَذيلة أو تعالج قضَايَا الأمّة على خِلاف كتاب الله وسنّة رسوله . إنَّ قضايا المجتمعِ المسلم لا يحلُّها إلاّ كتابُ ربِّنا وسنّة نبيِّنا، اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3].
فيا أيّها المسلم، ويا مَن يقوم على أيِّ منتَدى من منتَدَيات الأمّة، تَقوَى الله وصِيّةُ الجميع والحِرص على المحافظةِ على الخلُق والقِيَم والفضائل، وأن لا تكونَ منتدياتُنا منطلَقًا لتحلُّلٍ من القِيَم والأخلاق ولا لدعوةٍ إلى الرذيلةِ والفساد، ولكِن لنتّقِ الله في أنفسِنا، فالله سائلٌ كلَّ فرد عمّا تولَّى، والله محاسِب كلاًّ منّا على ما عمِل، فليتَّقِ المسلم ربَّه، وليراقِبِ الله قبلَ كل شيء، فإنّ المؤمن إذا انطَلَقت أعمالُه مِن إيمان صادقٍ من إيمانٍ خالِص من قلبٍ مليء بالإيمان واليقين كانت التصرّفات تصرّفاتٍ صالحة، ولكن المصيبةُ إذا ابتُلِي قلبه بالمرض وظنَّ أنَّ التجَرّدَ من الفضائلِ والقِيَم عنوانُ الرّقيِّ والتقدّم وعنوان كذا وكذا، فانطلَق بلا مبالاةٍ وبلا خَجَل، في أنديةٍ قد تكون أحيانًا منتدًى لشرٍّ وبلاء.
فليتّقِ المسلمون ربَّهم، وليراقبوا الله في أحوالهم كلِّها، وليعلموا أن الله مطَّلع على السرائرِ والضمائر، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، لا يخفى عليه شيءٌ من أحوالِ عِباده، وسيجازِيهم ويحاسبهم على كمال عِلمه بهم. فليتّقِ العباد ربَّهم، وليراقبوا ربَّهم، ولتكن أمورُهم منطلِقة من محافظةٍ على هذا الدين وعلى قِيَمِه وفضائله وعلى أخلاقِه الكريمة وصفاته الحميدة التي بعَث الله بها محمّدًا عبده ورسوله، بعثَه بالهدَى ودين الحقّ، بعثه بما يسعِد البشريّةَ في دنياها وآخرتها، فلا خيرَ إلا دلَّنا عليه وبيَّنه لنا، ولا شرَّ إلا بيَّنه لنا وحذَّرنا منه، صلوات الله وسلامة عليه، فأيّ منتدًى وأيّ مجتمع لا تحكُمُه شريعة الله ولا ينطلِق من منطلَقِ الإسلامِ الصحيح فإنّه يُخشَى على أهله من زيغِ القلب والعياذ بالله، فنسألُ الله للجميعِ الثّباتَ على الحقّ والاستقامةَ على الهدى، إنّه على كلِّ شيءٍ قدير.
واعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسَنَ الحديثِ كتابُ الله، وخير الهديِ هَدي محمَّد ، وشرّ الأمورِ محدثاتها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعَليكم بجماعةِ المسلِمين، فإنّ يدَ الله علَى الجماعة، ومَن شذَّ شذَّ في النّار.
وَصَلّوا ـ رحمكم الله ـ علَى عبد الله ورسوله محمّد كَما أمَركم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك عَلَى عبدِك ورَسولِك محمّد، وارضَ اللَّهمّ عن خلَفائه الراشدين...
[1] أخرجه مسلم في كتاب ال+اة (1017) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
| |
|