molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التذكير بالموت واليوم الآخر - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الأربعاء 21 ديسمبر - 11:10:40 | |
|
التذكير بالموت واليوم الآخر
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، لما أهبط الله أبانا آدم وزوجته إلى الأرض قال لهما: وَلَكُمْ فِى ٱلأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ [البقرة:36]، فأخبر الله أبانا آدم أن مستقره وذريته في الأرض إلى وقت محدد ليس إلى الأبد، وَلَكُمْ فِى ٱلأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ [البقرة:36]، قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ [الأعراف:25].
أيها المسلم، كتب الله الموت على كل الخليقة، وكل صائر إلى ذلك: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ [آل عمران:185]، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبّكَ ذُو ٱلْجَلْـٰلِ وَٱلإكْرَامِ [الرحمن:26-27].
قضاء الله النافذ وحكمه الماضي في الخليقة كلِّها أن العبد له في الدنيا أجل محدود، متى انتهى وانقضى ذلك الأجل جاء الموت بحكمة الله جل وعلا: وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلَـٰهُمُ ٱلْحَقّ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَـٰسِبِينَ [الأنعام:61-62].
إنه الموت الذي قضاه الله وقدره، لا يمكن أن يُرَد ولا يحال بينه وبين ذلك، وَلَن يُؤَخّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:11].
إنه القضاء النافذ، مهما فر العباد فلن يستطيعوا الفرار، ولن يستطيعوا الهروب، قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَـٰقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة:8].
لن تستطيع أن تتحصن منه بأي وسيلةٍ كانت، أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [النساء:78].
إذا حان الأجل حارت القلوب، حارت العقول، وذهب كل قدرة بيدها، ولن يستطيع أحد أن يتصرف، لا أن يؤخر أجلاً ولا أن يزيد عمراً، قال تعالى: فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ [المعارج:83-87].
إنه القضاء النافذ الذي قضاه الله وقدره، في الحديث القدسي يقول ربنا جل وعلا: ((وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي من قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه))[1].
وما استُثنى أحد من الخلق من هذا القضاء النافذ، ما استثني أحد منه، بل القضاء على الخليقة كلها، وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِيْن مّتَّ فَهُمُ ٱلْخَـٰلِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:34-35].
أخبر الله نبيه سيد أهل الكون كله، أخبر الله نبيه سيد الأولين والآخرين بقوله له: إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:30-31]، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ [آل عمران:1144].
لما توفي المصطفى أصاب الصحابة ذهول، وأصابهم من الهم والكرب ما الله به عليم لِما تمكن في قلوبهم من محبة النبي المحبة الصادقة، حتى قام عمر وقال: (من قال: إن رسول الله مات لأفعلن ولأفعلن، إنه سيحيى ويقطع أيدي أقوام وأرجلهم)، ذهول منهم رضي الله عنهم، فجاء الصديق، وثبَّت الله قلبه فصعد المنبر وأمر عمر بالتنحي فقال: (أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)، ثم قرأ: إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ، وقرأ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ [آل عمران:1144][2]، قال الصحابة: ما كنا نظن أن هذه الآية نزلت بعد، ما كنا نظن، غابت عن أذهانهم للهول الذي حل بهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
إن ذكر الموت يهوِّن مصائب الدنيا، إن ذكر الموت يعين على الطاعة والخير، إن ذكر الموت يحجز العبد عن الظلم والإجرام، إن ذكر الموت يذكِّر العبد ضعفَه وعجزه، فيحمله ذلك على طاعة ربه والتقرب إليه بما يرضيه.
في الحديث: ((أكثروا من ذكر هادم اللذات، فما ذُكر في قليل من الدنيا إلا كثَّره، وما ذكر في كثير إلا قلَّله))[3].
إن تذكر الموت يزهِّد العبد في الدنيا، ويرغبه في الآخرة، إن ذكره للموت يجعله على صلة بربه، ويعلم أن هذه الدنيا دار ممر وعبور، دار عمل يكدح فيها العباد، فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ [لقمان:33].
أيها المسلمون، تذكروا ما أنتم صائرون إليه من الموت وما بعده يوم تبعثون، تذكروا حالة الموت ومفارقة الأوطان والأهل والمال.
تذكروا ـ أيها الإخوة ـ حينما يدنو الرحيل من الدنيا فتكونون إلى الآخرة أقرب منكم للدنيا، أنتم على الآخرة مقبلون، وعن الدنيا وزينتها مدبرون.
تذكروا ـ إخواني ـ يوم ينقسم الناس عند تلك اللحظات إلى قسمين، فمنهم من تتوفاه الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم: إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ [فصلت:30-32]، وقسم تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلَـئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [الأنفال:50-51]، وَلَوْ تَرَى إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِى غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلَـئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقّ وَكُنتُمْ عَنْ ءايَـٰتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:93].
أخي، تذكر إذا حملت على الرقاب إلى القبور، وفارقت الأهل والولد والمال والقصور، جليسك في هذا اللحد عملك الذي عملت، فإما خيراً تزداد به فرحاً وسروراً إلى يوم القيامة، وإما شراً تزداد به وحشةً وسوءاً إلى يوم القيامة.
أخي المسلم، تذكر يوم ينفخ في الصور، وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَن فِى ٱلأرْضِ إِلاَّ مَن شَاء ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر:68]، نقوم من قبورنا لرب العالمين، يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [المطففين:6]، حفاة عراة غرلاً، كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِينَ [الأنبياء:104].
تذكر ذلك اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، قُلْ إِنَّ ٱلأوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَـٰتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ [المعارج:49-50]، في ذلك اليوم تفَّتَّت الجبال وتظهر الأهوال وينزل إلى فصل القضاء الكبير المتعال، لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَىْء لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ [غافر:15-16]، وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلآزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَـٰظِمِينَ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلأعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ وَٱللَّهُ يَقْضِى بِٱلْحَقّ [غافر:18-20].
تذكر ـ أخي ـ ذلك اليوم العظيم الذي عظمه الله في كتابه، وعظم أهواله، ليكون واعظاً لقلوبنا من غفلتنا ونسياننا وتفريطنا في حق ربنا، يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَىْء عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2].
يوم مقداره خمسون ألف سنة، تدنو الشمس فيه من العباد حتى تكون منهم على قدر ميل، والناس في العرق متفاوتون على قدر أعمالهم، يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّهِ وَأَبِيهِ وَصَـٰحِبَتِهُ وَبَنِيهِ لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37]، وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَلِقَاء ٱلآخِرَةِ فَأُوْلَـئِكَ فِى ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [الروم:14-16].
تذكَّر ذلك اليوم الذي هو يوم التغابن الذي يقول الله فيه: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ [التغابن:9]، حقاً إنه يوم عظيم، وإنه التغابن حقاً؛ لأن الناس في ذلك اليوم يحشرون على قدر أعمالهم، فمنهم من يحشر إلى الرحمن وفداً، وهم المتقون يحشرون إلى الرحمن وفداً، عباد مكرمون، الوافدون عباد الرحمن، والموفود إليه الكريم المنان، يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً [مريم:85]. وغيرهم: وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم:86]، يغلبهم الظمأ، تمثل لهم النار +راب، يساقون إليها، فيجدون فيها النار والزفير، النار والسعير، والحر والزفير، إنها نار موقدة، أعاذنا الله وإياكم من شرها، إنه التغابن حقاً، التغابن الذي من غبن فيه فلا سعادة له، أما الدنيا وغبنها فعَرَض زائل.
فإياك ـ يا أخي ـ أن تغرك الدنيا بزخارفها وغرورها، وتنسى الآخرة، فتخسر الدنيا والآخرة، واهتم بآخرتك فإنها سعادتك في دنياك وآخرتك.
وتذكر ـ أخي ـ ذلك اليوم وصحائف أعمالنا نُعطاها، كل منا يأخذ صحيفة عمله، فآخذ كتابه بيمينه فرِحاً مستبشراً مسروراً، ينادي: هَاؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَـٰبيَهْ % إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَـٰقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ [الحاقة:19-22]، يحمل كتاباً من رب العالمين: أدخلوا فلان بن فلان فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ [الحاقة:22-23]، وغيره ينادي: يٰلَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَـٰبِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ [الحاقة:25-26]، وَكُلَّ إِنْسَـٰنٍ أَلْزَمْنَـٰهُ طَـئِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ كِتَابًا يَلْقَـٰهُ مَنْشُوراً ٱقْرَأْ كَتَـٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:13-14].
توزن أعمالنا، فَمَن ثَقُلَتْ مَوٰزِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوٰزِينُهُ فأُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فِى جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ [المؤمنون:102-103]، ترجح موازين العبد بأعماله الصالحة، وتنخفض بأعماله السيئة، ينادي على الميزان منادٍ يقول: لقد سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، أو شقي فلان بن فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً.
يوضع حوض محمد في ذلك اليوم، طوله شهر، وعرضه شهر، وآنيته عدد نجوم السماء، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، يرده المؤمنون بعد هول ذلك المقام، فمن وارد وناهل، ومن محول بينه وبين ذلك.
فيا إخوتي، إنها لأهوال عظيمة، لو كانت نصب أعيننا لتغيرت أحوالنا واستقامت أمورنا.
ينصب الصراط على متن جهنم، فنمر عليه، فمنا من يمر كلمح البصر، ومنا كالبرق، ومنا كأجاود الخيل والركاب، ومنا من يزحف زحفاً، ومنا من يحبو حبواً، وعلى الصراط كلاليب مكلفة بأخذ من يؤمر بأخذه، فناجٍ مسلَّم، ومخدوش ناج، ومكردس في النار، ومحمد على الصراط ينادي: ((اللهم سلم سلم))[4].
تزلف الجنة للمتقين، فإذا [أذن] بدخولها ويفتتحها محمد فيدخلها المؤمنون، فيقولون: ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:34].
يسحب أهل النار إلى النار، فتناديهم خزنتها: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتِ رَبّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ [الزمر:71].
فلتكن تلك الأمور نصبَ أعيننا، وفي أفكارنا دائماً، فعسى الله أن يمن على الجميع بالاستقامة على الهدى، ويرزق الجميع الخاتمة الحميدة، ويجعلنا وإياكم ممن فاز برضوان الله وجنته وكرامتة، إنه على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في الرقاق (6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرج القصة البخاري في المناقب (3670) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[3] أخرجه الطبراني في الأوسط (5780)، والقضاعي في مسنده (671)، والبيهقي في الشعب (7/353) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال المنذري في الترغيب (4/118): "إسناده حسن"، وتبعه الهيثمي، وتعقبهما الألباني بأن في إسناده رجلا مجهولا، لكن لشطره الأول شواهد يثبت بها، انظر: الإرواء (3/145-146).
[4] أخرجه مسلم في الإيمان (195) من حديث أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما بمعناه.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا ربكم واعملوا بشرعه، فإنكم ملاقوه، وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة:181].
أكثر من صالح العمل، مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِٱلسَّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [الأنعام:160].
أكثر ـ يا أخي ـ من ذكر الموت، وتذكر تلك الأهوال، فعسى أن تكون حادية لك إلى الاستقامة على الهدى، والقيام بما أوجب الله عليك، فإن القرآن ينذرنا ويحذرنا من التفريط والإهمال.
نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا، وأن يجعلنا وإياكم ممن تذكر واتعظ واعتبر، ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا – رحمكم الله – على...
| |
|