molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الغسل من الجنابة - عبد الرحمن بن علي العسكر السبت 3 ديسمبر - 10:13:25 | |
|
الغسل من الجنابة
عبد الرحمن بن علي العسكر
الخطبة الأولى
أما بعد: فاعلموا ـ أيها الناس ـ أن التقوى مفتاح كلّ خير، والعلم ـ عباد الله ـ خير صفة يتصف بها المسلم، ومفتاح العلم التقوى، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ [البقرة:282].
أيها الناس، الحياء صفة عالية وخصلة رفيعة تدعو إلى ترك القبيح وفعل المحمود، والحياء خير كله، ولا يأتي الحياء إلا بخير، إلا أن الحياء قسمان: قسم محمود، وهو الشرعي الذي جاء الحثّ عليه والأمر بالتحلي به، وحياء مذموم، وهو الذي بالمعنى اللغوي الذي هو مانع من قول الحق والمانع من التعلم حياءً من الناس.
جاءت أم سليم رضي الله عنها إلى رسول الله تسأله فقالت: إن الله لا يستحيي من الحق، وقال مجاهد: "لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر".
عباد الله، إنّ الواجب على الناس جميعًا أن يتعلّموا، وأن لا يكون الحياء مانعًا لهم عن التعلم أو السؤال، وأولى ما يتعلمه المرء أن يتعلم كيف يعبد ربه، إذًا هذا هو العلم الذي يعود نفعه إلى الإنسان، فبه يقيم شعائر دينه على منهاج الهدي النبوي.
ولقد كان الناس ولا زالوا يخجلون من التحدث عن أمورٍ من العبادات هي من أخصّ أمورهم، وإذا كان المتعلم يسكت حياءً والناس لا يسألون فمتى يتعلم الجاهل؟!
عباد الله، عبادة من العبادات يحتاج إليها كل مسلم ومسلمة، عبادة خفية غير ظاهرةٍ للناس، أمِر فاعلها بالتستر عن الملأ حال فعلها، عبادة مشتقة من النظافة، بل هي النظافة بعينها.
أعظم ما في هذه العبادة أنها أمانة ائتمن الله عليها الناس، روى أبو الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، وأعطى ال+اة طيبة بها نفسه، وأدى الأمانة))، قالوا: يا أبا الدرداء، وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة. رواه أبو داود. وفي رواية للطبراني يقول النبي : ((إن الله لم يأمن بني آدم على شيءٍ من دينه غيرها)). قال الهيثمي في مجمع الزوائد: "إسناده جيد".
عباد الله، الغسل من الجنابة شعيرة عظيمة وعبادة جليلة، ما ترك الرسول فيه شيئًا إلا وبينه، فكما أن المحدث حدثًا أصغر لا تباح له الصلاة إلا بالوضوء، فكذلك من أصابه حدث أكبر لا تباح له الصلاة وغيرها من العبادات إلا بعد الغسل.
روى مسلم في صحيحه عن أبي موسى رضي الله عنه أن المهاجرين والأنصار اختلفوا فيما يوجب الغسل، فقال أبو موسى: أنا أشفيكم من ذلك، قال: فقمت فاستأذنت على عائشة فأُذن لي فقلت لها: يا أم المؤمنين، إني أريد أن أسألك عن شيء، إني أستحييك، فقالت: لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلاً عنه أمك التي ولدتك، فإنما أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله : ((إذا جلس بين شعبها الأربع وجاوز الختان الختان فقد وجب الغسل)).
وجاء رجل إلى رسول الله وعائشة جالسة عنده فقال: يا رسول الله، الرجل يجامع أهله ثم ي+ل ولا ينزل هل عليهما الغسل؟ فقال رسول الله : ((إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل)) رواه مسلم.
أما إذا كان الخارج مذيًا فلا يجب الغسل، وإنما الواجب الوضوء، يقول علي رضي الله عنه في الحديث الصحيح: كنت رجلاً مذاءً، فاستحييت أن أسأل النبي لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد فسأل رسول الله فقال: ((اغسل ذكرك وتوضأ)).
عباد الله، الإنسان ذكرًا كان أو أنثى متى يستيقظ من نومه فيجد في ثوبه بللاً فيجب عليه الغسل، جاءت أم سليم إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسلٍ إذا هي احتلمت؟ قال: ((نعم، إذا رأت الماء))، فغطت أم سلمة وجهها وقالت: فضحتِ النساء، أوَتَحتلم المرأة؟! فقال رسول الله: ((ترِبت يداك، فبم يشبِهها الولد؟)) رواه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم.
أيها الناس، الغسل من الجنابة عبادة، وكل عبادةٍ ليست على وفق هدي رسول الله فهي غير صالحة، تقول عائشة رضي الله عنها في الحديث المتفق عليه: كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثًا وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يخلّل شعره بيده حتى إذا ظنّ أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده.
هذه ـ عباد الله ـ صفة الغسل الكامل التي وردت عن المصطفى ، فيجزئ المغتسلَ أن يتمضمض ويستنشق ويعمّ سائر جسده بالماء. والواجب على المغتسل أن يعم شعره بالماء حتى إذا ظن أنه قد أصاب جميعه انتقل إلى ما بعده من الأعضاء كما ورد بذلك الحديث.
عباد الله، كان رسول الله إذا أراد أن يغتسل بدأ فغسل كفيه ثلاثًا. رواه البخاري ومسلم. وكان يتوضأ قبل غسله ليكون تشريفًا لأعضاء الوضوء أن يبدأ بها.
إخوة الإسلام، كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراةً ينظر بعضهم إلى بعضٍ، وكان نبي الله موسى يغتسل وحده، والمسلم مأمور بالستر والخفاء حال ظهور عورته. روى أبو داود والنسائي عن يعلى بن شداد أن رسول الله رأى رجلاً يغتسل بالبراز، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر)). وتقول أم هانئ رضي الله عنها: ذهبت إلى رسول الله عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب. رواه مسلم.
وقال أحد الصحابة: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: ((احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك))، قلت: يا رسول الله، أحدنا إذا كان خاليًا؟ قال: ((الله أحق أن يستحيى منه من الناس)) رواه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه الحاكم.
ولقد كان يغتسل هو وزوجته جميعًا من إناءٍ واحد، تقول عائشة رضي الله عنها: كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناءٍ واحدٍ، تختلف أيدينا فيه، فيبادرني حتى أقول: دع لي دع لي. رواه البخاري ومسلم.
عباد الله، الجنب كغيره من الناس، لا يحرم عليه إلا ما ورد الدليل بتحريمه، ومن ذلك قراءة القرآن، إذ يقول علي رضي الله عنه: كان رسول الله يقرأ القرآن كل حالٍ ما لم يكن جنبًا. رواه الترمذي والنسائي.
وإذا أراد الجنب أن ينام أو يأكل فعليه أن يتوضأ، كما أرشد إلى ذلك رسول الله إذا كان جنبًا وأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة. رواه مسلم.
وإذا كان الإنسان جنبًا فلا عليه أن يخالط الناس ويحادثهم، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: لقيني رسول الله وأنا جنب فأخذ بيدي فمشيت معه حتى قعد، فانسللت منه، فأتيت الرحل فاغتسلت، ثم جئت وهو قاعد، فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟ فقلت: كنت جنبًا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال : ((سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس)) رواه البخاري، وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ربما اغتسل رسول الله صلى الله من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي فضممته إلي وأنا لم أغتسل. رواه الترمذي وابن ماجه.
عباد الله، كان الناس في حرج شديد ومشقة بالغة حتى نزل قول الله سبحانه: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]. وإن الغسل من الجنابة من تلك الأمور الخفية التي كثيرًا ما ينساها الناس، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قيامًا، فخرج إلينا رسول الله ، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا: ((مكانكم))، فرجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه يقطر، فكبر فصلينا معه.
وروى مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى بالناس الصبح، ثم غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلامًا فقال: (إنا لما أصبنا الودك لانت العروق)، فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه وأعاد صلاته.
بارك الله لي ولكم قي القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيها من العلم والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وما ترك شيئًا إلا دلنا عليه، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيراٍ.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الحديث عن الغسل لا بد أن يُتطرّق فيه إلى أمرين:
الأول: أن الغسل عبادة، وكل عباده لا بد فيها من نية، ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))، فإذا أراد الإنسان أن يغتسل فلا بد أن ينوي بغسله رفع الحدث.
الأمر الثاني عباد الله: أن هذا الغسل الذي يتجدّد على المرء يذكرنا بنعمة عظمى منَّ الله بها على عباده وهي نعمة الماء الطهور، وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48]، وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء:30]. أنزل الماء ليكون رِيًّا للظمآن وإنباتًا للزرع وإدرارًا للضرع وتطهيرًا للأبدان وجمالاً للمنظر، ألم تروا أن البلد إذا أجدب من المطر والغيث ذهب عنه نوره وبهاؤه؟!
إن الغسل الشرعي ـ عباد الله ـ لم يكن ولن يكون بابًا من أبواب الإسراف في الماء، فلقد كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد، وكان أوفر الناس شعرًا. يقول سفينة رضي الله عنه: كان رسول الله يغسله الصاع من الماء من الجنابة ويوضئه المد. رواه مسلم. وسأل قوم جابرًا رضي الله عنه عن الغسل فقال: يكفيك صاع، فقال رجل: ما يكفيني، فقال جابر: كان يكفي من هو أكثر شعرًا منك وخير منك، يعني النبي . متفق عليه.
عباد الله، يقول : ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه))، كل هذا محافظة على الماء من الضياع والإسراف. وجاء رجل إلى سعيد بن المسيب يسأله عما يكفي الإنسان من غسل الجنابة، فقال سعيد: إن لي تورًا يسع مدّين من الماء، فأغتسلُ به ويكفيني منه فضل، فقال الرجل: فوالله، إني لأستنثر وأتمضمض بمدين من ماء! فقال سعيد: فبم تأمرني إن كان الشيطان يلعب بك؟! ويقول إبراهيم بن أدهم: "إن أول ما يبتدئ الوسواس من قبل الطهور". ويقال: "من قلة فِقه الرجل ولوعه بالماء".
فاتقوا الله عباد الله، واعرفوا لهذا الماء قدره، فإن الله يقول: وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [المؤمنون:18].
اللهم صل على محمد على آل محمد...
| |
|