molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: آداب الطريق- عبد الرحمن بن علي العسكر السبت 3 ديسمبر - 10:16:08 | |
|
آداب الطريق
عبد الرحمن بن علي العسكر
الخطبة الأولى
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبادَ اللهِ ـ حَقَّ التَّقْوَى.
أَيُّهَا النَّاسُ، لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ مَآرِبُ شَتَّى وَأَحْوَالٌ مُتَعدِدَةٌ، تَخْتَلِفُ أَدْيَانُهمْ وَتَوَجُّهَاتُهمْ، وَتَخْتَلِفُ رَغَبَاتُهمْ، إلاَّ أنَّ هُنَاكَ أُمُورًا هُمْ جَمِيِعًا مُجْمِعُونَ عَلَى طَلَبِهَا وَالبَحْثِ عَنهَا، بَلْ هِيَ غَايَةُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَيَظْهرُ هَذَا الأَمْرُ جَلِيًّا وَوَاضِحًا فِي المَطْلَبِ الَّذِي يُكَابِدُ مِنْ أَجْلِهِ شُعُوبٌ وَيَسْعَى لِتَحْقِيقِهِ فِئَامٌ كَثِيرُونَ، إِنَّهُ الأَمْنُ عَلى النَّفْسِ وَالمَالِ وَالوَلَدِ.
الأمْنُ مَطْلَبٌ أَكِيدٌ لاَ تَسْتَقِيمُ الحَيَاةُ بِدُونِهِ، يَقُولُ : ((مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي بَدَنِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَومِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)) رَوَاهُ التِّرْمِذَيُّ فِي جَامِعِهِ.
إِلاَّ أَنَّهُ ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ لاَ يَقُومُ الأمْنُ وَلاَ يَسْتَقِيمُ عِمَادُهُ إِلاَّ بِتَكَاتُفِ الجْهُودِ مِنَ النَّاسِ جَمِيعًا، فَرَجُلُ الأَمْنِ وَحْدَهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعَدِّلَ أَوْضَاعَ النَّاسِ مَا لم يُعَدِّلِ النَّاسُ أَنْفَسَهمْ وَيَنْشرُوا الوَعْيَ بَينَهُمْ.
إِنَّهُ وَإنْ كَانَ النَّاسُ فِيمَا مَضَى لَيسَتْ عِندَهُمْ مِنَ العُلُومِ المُتَقَدِّمَةِ مَا عِنْدَكُمْ؛ يَمْرَضُ المَرِيضُ فَلاَ يَسْتَطِيعَونَ عِلاَجَهُ فينْتظِرونَ مَوتَهُ، وَتَأتِيهم مِنَ الأوْجَاعِ مَا تَفْتِكُ بِبُلْدَانٍ كَامِلَةٍ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ حِرَاكًا، وَإنْ كَانَ النَّاسُ فِي هَذَا الزَّمَنِ قَدْ تَوصَّلُوا فِي الطِّبِّ إِلى عُلُومٍ مُتَقَدِّمَةٍ، يَحَاوِلُونَ مُحَارَبَةَ المَرَضِ قَبلَ وُقُوعِهِ، ثُمَّ إِذَا وَقَعَ هَبَّوا لِعِلاَجِهِ، غَيرَ أَنَّ هُنَاكَ مَرضًا آخَرَ يَفْتِكُ ببَنِي البَشَر وَهُم فِي أَوجِ حَيَاتِهمْ وَأحَسَنِ صِحَّتِهمْ، مَرَضٌ لاَ يَعْرِفُ كَبيرًا وَلاَ صَغِيرًا وَلاَ رَجُلاً وَلاَ امْرَأَةً، بَلْ مَتى تَوَفَّرَتْ أسْبَابُهَ وَدَوَاعِيِه فَتَكَ بِمَنْ شَارَكَ فِيهِ، إِنَّهُ حَوادِثُ السَّيرِ والطُّرُقِ، حِينَ غَفَلَ النَّاسُ عَنْ أَخْذِ الأَسْبَابِ وَالاحْتِيَاطَاتِ وَخَالَفُوا الأَنْظِمَةَ وَقَعَ مَا وَقَعَ.
أيُّهَا النَّاسُ، لَقَدْ شَرَعَ لَنَا الإِسْلاَمُ كَثِيرًا مِنْ أُمورِ الدُّنْيَا عَلَى وَجهِ التَّفْصِيلِ، بَلْ إِنَّهُ مَا مِنْ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا فَضْلاً عَنْ أُمُورِ الدِّيِن إلا ولاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمٌ في الإِسْلاَمِ، سَوَاء كَانَ ذَلِكَ العِلْمُ صَرِيحًا خَاصًّا بِذَلِكَ الأَمْرِ بِعَينِهِ أَوْ دَاخِلاً تَحْتَ قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ مِنْ قَوَاعِدِ التَّشْرِيعِ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ.
وَإنَّ مِمَّا أَوضَحَهُ لَنَا دِينُنَا آدَابَ السَّيرِ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ سَالِكُ الطَّرِيقِ.
وَإِنَّ أَوَّلَ أَمْرٍ يَعْرِضُ هُنَا هُوَ ذَلِكَ الدُّعَاءُ الَّذِي كَانَ يَقْولْهُ إِذَا رَكِبَ دَابَّتَهُ مُسَافِرًا: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمنْقَلِبُونَ. فَأَوَّلَ شَيءٍ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِم أَنْ يَشْكُرَ رَبَّهُ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي يَسَّرَهَا لَهُ؛ يَصِلُ بِهَا إِلى البَعِيدِ، وَتَحْمِلُه دُونَ عَنَاءٍ وَمَشَقَّةٍ، فَهَذِهِ المَرَاكِبُ وَأَشْكَالُهَا دَاخِلَةٌ فِي نِعْمَةِ اللهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا، وَلِهَذَا لمَّا رَكِبَ نُوحٌ السُّفِينَةَ قَالَ: بِسْمِ اللهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا.
أَخْذُ العُدَّةِ اللازِمَةِ عِنْدَ أَدَاءِ أَيِّ عَمَلٍ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ مِنَ الْمُسْلِم، يَقُولُ : ((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ)) رَوَاهْ البيهَقِي بِسندٍ حَسَنٍ. وَانْظُرُوا مِثَالاً تَطْبِيقيًّا لِهَذَا المَعْنَى وَهُوَ أَخْذُ العُدَّةِ، قَولُهُ : ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، فَإذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُم فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلَيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)) رَوَاهْ مُسْلِمٌ. فَإِذَا كَانَ المُسلِمُ قَد أُمِرَ بأَنْ يَستَعِدَّ إذَا أَرَادَ ذَبَحَ البَهِمَةِ فَسَائِق السَّيَّارَةِ مَأْمُورٌ شَرْعًا بِتَفَقُّدِ كُلِّ مَا مِنْ شَأنِهِ سَلاَمَتهُ وَسَلاَمَةُ مَنْ مَعَهُ.
عِبَادَ اللهِ، لَقَدْ وَصَفَ اللهُ عِبَادَ الرَّحْمَنِ بِصِفَاتٍ تُؤَهِّلُهُمْ لِنَيلِ الجَنَّاتِ، فَكَانَ مِنْ أَوْصَافِهمْ: وَعِبَادُ الرَّحمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ فِي الأَرْضِ هَوْنًا، فَالْمؤْمِنُونَ الصَّادِقُونَ إِذَا مَشوا فَإِنَّهُمْ يَمْشُونَ فِي اقْتِصَادٍ، حُلَماءُ مُتَوَاضِعونَ، وَالقَصْدُ وَالتُّؤَدَةُ وَحُسْنُ السَّمْتِ مِنْ أَخْلاَقِ النُّبُوَّةِ، وَيَقُولُ لَمَّا رَأَى سُرْعَةَ النَّاسِ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهُمْ عَلَى دَوَابِّهمْ قَالَ: ((عَلَيكُمْ بِالسَّكِينةِ، فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإِيضاعِ)) رواه البخاري، وَرُوِيَ فِي صِفَتِهِ أَنَّه كَانَ إِذَا زَالَ زَالَ تَقَلُّعًا وَيَخْطُو تَكَفُّؤًا وَيَمْشِي هَوْنًا، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: سُرْعَةُ المَشْيِ تُذْهِبُ بَهَاءَ الوَجْهِ، وَقَالَ ابنُ عَطِيَّةَ: الإِسْرَاعُ يُخِلُّ بِالوَقَارِ وَالخَيْرُ فِي التَّوَسُّطِ.
وَيَقُولُ اللهُ فِي وَصِيَّةِ لُقْمَانَ: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 18، 19]، وقال تعالى: وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء: 37]، وَنَهَى أَنْجَشَةَ عَنْ حَدْوِ الإِبْلِ حَتَّى لاَ تُسْرِعَ وَفَوقَهَا النِّسَاءُ: ((يا أَنْجَشَةُ، رُوَيدًا سَوقَكَ بِالقَوَارِيرِ)) مُتَّفَقٌ عليه.
عِبادَ اللهِ، إِنَّهُ إِذَا كَانَ النَّهْيُ عَنْ سُرْعَةِ المَشْيِ عَلَى الأَقْدَامِ لمَا يَدُلُّ عَلَيهِ مِنَ الطَّيشِ والزَّلَلِ وَمَا يُؤَدِي إِليهِ مِنَ تَعَثُّرٍ وَتَهوُّرٍ، فَإِنَّ النَّهْيَ يَكْونَُ مِنْ بَابِ أَوْلَى إِذَا كَانَ السَّيرُ بِآلَةٍ تَنْهَبُ الأَرْضَ بِعَجَلاَتِهَا، تُسَابِقُ الرِّيحَ أَوْ تُطَاوِلُ الجِبالَ، تُؤَدِّي إِلى المَهَالِكِ مَا بَينَ قائدهَا وَبَينَ المَوتِ إِلاَّ خَلْخَلةُ مِسْمَارٍ أَوْ عَطَبُ مُحَرِّكٍ.
عبادَ اللهِ، حَدِيثٌ عَظِيمٌ جَمَعَ خِصَالاً وَآدَابًا مِنْ آدَابِ السَّيرِ فِي الطَّريقِ، رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وغَيرُهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: ((فَإِذَا أَبَيْتُم إِلاَّ المَجْلِسَ فَأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ))، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((غَضُّ البَصَرِِ وَكَفُّ الأَذَى وَرَدُّ السَّلاَمِ وَالأَمرُ بِالمعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ))، وَفِي رِوَايةٍ : ((حُسْنُ الكَلاَمِ))، وَفِي رِوَايةٍ أُخْرَى: ((وَإِرْشَادُ ابنِ السَّبِيلِ وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ إِذَا حَمِدَ))، وَزَادَ أَبُو دَاودَ: ((وَتُغِيثُوا المَلْهُوفَ وَتَهدُوا الضَّالَّ))، وَزَادَ أَحْمَد والتِّرْمِذيُّ: ((اهْدُوا السَّبِيلَ وَأعِينُوا المَظْلُومَ وَأفْشُوا السَّلاَم))، وَزَادَ البَزَّارُ: ((وَأَعِينُوا عَلَى الحُمُولَةِ))، وَزَادَ الطَّبَريُّ: ((ذِكْرُ اللهِ كَثِيرًا)). فَهَذِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَدَبًا مِنْ آدَابِ الطَّرِيقِ لَوْ طَبَّقَهَا النَّاسُ لَمَا وَجَدُوا تَصَرُّفَاتٍ هَوْجَاءَ وَلاَ أَفْعَالاً مُسْتَنْكَرَةً.
وَإِنَّ مِمَّا نُهِيَ المُسْلِمُ عَنْهُ ـ وَهِيَ مِنْ أَهم مَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَشعِرَهَا الرَّاكِبُ وَالمَاشِي ـ أَنْ يُرَوِّعَ أَخَاهَ المُسْلِمَ وَأنْ يَرْفَعَ حَدِيدَة عَلَيهِ، ((لاَ يُؤمِنُ أَحدُكمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيه مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)).
وَالمُجَامَلَةُ وَالتَّسَامُحُ بَينَ السَّائِقِينَ فِي اسْتِعْمَالِ الطَّرِيقِ مِمَّا دَعَا إِليهِ الدِّينُ، فَحُسْنُ الخُلُقِ مِنَ الإِيمَانِ، وَخَيرُ النَّاسِ أَحْسَنُهُم خُلُقًا، وَإِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ، وَقَالَ : ((رَأيتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الجَنَّةِ فِي غُصْنِ شَوكٍ أَزَالَهُ عَنِ الطَّرِيقِ كَانَ يُؤذِي المَارَةَ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائِرِ المُسْلِمينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوه إِنَّه هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لله حَمدًا كَمَا أَمَرَ، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَه إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَليهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعدْ: فَاتَقُوا اللهَ أَيُّهَا النَّاسُ جَميعًا، وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الدِّينْ جَاءَ لِتَحَصيلِ المَصَالِحِ وَدَرْءِ المَفَاسِدِ، وإِنَّ قَاعِدَةَ المَصْلَحَةِ وَالمَفْسَدَةِ بِهَا يَسْتَقيمُ دِينُ المَرْءِ وَتَسْتَقِيمُ حَيَاتُهُ، وَإِنَّ جَلْبَ كُلِّ مَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَى النَّاسِ بِالخَيرِ هِيَ مَطْلَبُ الشَّرْعِ المُطَهَّرِ، كَمَا أَنَّ دَرْءَ المَفَاسِدِ وَتَعْطِيلَهَا مِنْ أَسَاسِيَّاتِ هَذَا الدِّينِ، فَكُلُّ مَا يَجْلِبُ للنَّاسِ الخَيرَ مِنْ مُسْتَجِدَّاتِ العَصْرِ فَقَدْ جَاءَ الأَمْرُ بِهِ تَحتَ هَذِهِ القَاعِدَةِ، وَكُلُّ مَا يَجْلِبُ للنَّاسِ الشَّرَّ مِنْ مُسْتَجِدَّاتِهمْ فَدَاخِلٌ فِي المَفَاسِدِ الَّتِي سَعَى الشَّرْعُ إِلَى إبعَادِهَا.
وَمِنْ هُنَا فَكُلُّ مَا كَانَ مُعِينًا عَلَى تَنْظيمِ سَيرِ النَّاسِ وَالحِفَاظِ عَلَى أَرْوَاحِهمْ فَإنَّ الدِّينَ يَسْعَى لَهُ وَيَأْمُرُ بِهِ، فَإشَارَاتُ المُرورِ وَعَلاَمَاتُ الطُّرُقِ وَتَحْدِيدُ السُّرْعَاتِ وَتَحْدِيدُ المَسَارَاتِ كُلُّهَا وُضِعَتْ لأَجْلِ المُحَافَظَةِ عَلَى النَّاسِ، فَمُخَالفَتُهَا مُخَالَفَةٌ لِهَذِهِ القَاعِدَةِ الَّتِي جَاءَ الشَّرْعُ بِتَحْصِيلِهَا وَالدَّعْوَةِ إِلَيهَا، فَأَقِيمُوا لِهَذَا الأَمْرِ قَدْرَهُ.
أَيُّهَّا النَّاسُ، إِنَّنَا وَإِنْ تَكَلَّمَنَا عَنْ الأَمْنِ فِي الدُّنْيَا فَإنَّ الأَمْنَ الحَقِيقيَّ الَّذِي يَجبُ السَّعْيُ إِلَيهِ وَلَنْ يَنْجُوَ إِلاَّ مَنْ حَصَّلَه هُوَ الأَمْنُ يَوْمَ القِيَامَةُ، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ [النمل: 89]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ [الحجر: 45، 46].
عِبَادَ اللهِ، إنَّ الإِنْسَانَ وَإِنْ مَنَحَهُ اللهُ نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالطَّمَأْنِينَة فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّهُ قَدْ أَصْبَحَ فِي مَأْمَنٍ تَامٍّ مِنْ أَنْ يَحِيقَ بِهِ سَخَطُ اللهِ وَعَذَابُه عَاجِلاً أَو آجِلاً، فَإنَّ الأَمْنَ إِنَّمَا هُوَ لِلمُؤمِنينَ، أَمَّا الكُفَّارُ فَلاَ أَمْنَ لَهُمْ وَلاَ أمَانَ، الأَمْنَ لِعبَادِ اللهِ الصَّالحِينَ الَّذٍِينَ يَتَّبِعُونَ أَوَامِرَهُ وَيَجْتَنِبُون نَوَاهِيه، أَمَّا الَّذِينَ يَسِيحُونَ فِي الأَوْهَامِ وَيَسْدرُونَ فِي الغِوَايَة وَيَعْمَلُونَ السَّيئَاتِ وَتُمَنِّيهِمْ نُفُوسَهُمْ وتُطْمِعُهُمْ بِالأَمْنِ مِنَ اللهِ وَالإِفْلاَتِ مِنْ عُقوبَتِهِ فَقَدْ خَسِرَتْ أَعْمَالهُمْ وَسَاءَ ظَنُّهُمْ وَفَاتَهُمْ التَّحَفُّظُ وَأَخْذُ الحَيطَةِ. أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف: 97-99]، أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [النحل: 45-47].
وَيَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ فِي آيَةٍ عَظِيمَةٍ تُصَوِّرُ مَثَلاً للنَّاسِ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112].
عِبَادَ اللهِ، إنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ...
| |
|