molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: تذكير الجماعة بأشراط الساعة - عبد الرحمن السديس إمام الحرم الأربعاء 30 نوفمبر - 9:05:00 | |
|
تذكير الجماعة بأشراط الساعة
عبد الرحمن السديس إمام الحرم
الخطبة الأولى
اللّهمّ لكَ الحمدُ ولَك الشّكرُ على نِعمِك العظيمة وآلائِك الجَسيمة، ولكَ الشّكرُ على مَا يسَّرتَ لحُجّاجِ بيتِك الحَرامِ مِن إتمامِ المناسِك بأمنٍ وأَمانٍ ورَاحةٍ واطمِئنان. اللّهمَّ وَأعِدهم سَالمين غَانمِين مَأجورِينَ غيرَ مَأزورِين، وجازِ بعظِيمِ الأجر والمثوبَةِ كلَّ من كان سببًا في إنجاحِ هَذا الموسِم العَظيم، وخُصَّ بالتَّوفيقِ والتَّسديدِ وُلاةَ أمرِنا ورجالَ أمنِنا وَكلَّ عَاملٍ مخلِصٍ في خِدمةِ الحَجيج، ومُنَّ عَلَى الجميعِ بالقَبولِ والتّوفيق، اللّهمّ آمين.
أمّا بعد: فاتَّقوا الله عبادَ الله، واعلَموا أنّ الدّنيا تجرِي إلى فنائِها في تعادِيهَا، وأنَّ الظَّفَر والفَلاحَ لمن يعاديها، وقد لاحَت ـ رحمكم الله ـ أمَارَات لدُنُوِّ بوارِها وتلاشِيها، فصونُوا النفوسَ عمّا يوبِقها ويُخزيها، وتجمَّلوا للسَّاعة بالتقوَى فنِعمتِ الزاد لملاقِيها، لا سيّما وأنتم تعيشون خِتامَ عامِكم المؤذِن بتصرُّم أعماركم؛ ممّا يدعو إلى الازدِلافِ إلى ربِّكم بصالحِ أعمالِكم.
أيّها المسلِمون، للعقيدةِ التي جاءَت بها شَريعتُنا الغرّاءُ فوطَّدتها وغرَسَتها في نفوسِ المسلِمين ودَبَّجَتها وأقامت علَيها أجلَى البراهينِ وأكَّدتها أثرٌ لاحِبٌ في استقامةِ المسلم وهُداه وبلوغِه من الرّضا عن ربِّه عُمقَه ومداه، من ذلكم ـ يا رعاكم الله ـ عقيدةُ الإيمانِ باليوم الآخر وقضيّةُ الساعة وما يتقدَّمها من أمارات وعلاماتٍ، من أيقنَها وتدبَّرها غمَرته عظمتُها ورَهبَتها، وأذهَلَته سَطوَتها وهَيبَتُها، واستَحكَم في شغَافِه إيمانُه بصاحبِ الرسالة، وأسلَم مُنقادًا لكلِّ ما أخبر به منَ الغيوبِ وقالَه، صَلَوات ربي وسلامه عليه، ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة: 232].
إخوةَ العقيدة، وكَونُكم هذا بَديعُ النِّظام المخلُوقُ على أحكمِ دِقّةٍ وأبلغ تمامٍ بكواكبِه التي آتاهَا الله مِعراجَها وهَداها أَدراجَها وأفلاكَها التي أحلَّها أبراجَها وشموسِه التي أضرم وهَّاجَها وأراضيه السّبع التي شقَّ فِجاجها ومحيطاته التي أهدَر أمواجَها سيؤول بجبروتِ الله إلى الانفطارِ والانتثارِ والدّمارِ والاندِثار، ثمّ مصير البرايَا إلى جنّةٍ أو نار، جعَلَنا الله وإيّاكم في دار الأبرار.
وقد أخبر جلَّت حِكمته عن قربِ ذلك وبُدُوِّه ولَياحِه ودنوِّه: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء: 1]، وجعَل الملك الديّانُ لميقات ذلك أشراطًا سابِقَة ودلالات وفتنًا ممحِّصات ومحنًا مبتلِيَات، يقول تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد: 18]، ويقول : ((إنَّ بين يدَيِ الساعةِ فتَنًا كقِطَع الليل المظلِم؛ يصبِح الرجل فيها مؤمنًا ويمسِي كافرًا، ويمسِي مؤمنًا ويصبح كافرًا)) أخرجه الإمام أحمد وغيره.
إخوة الإيمان، وأشراطُ الساعة قسمان: صغرى وكبرى.
أمّا الصغرى فمنها ما مضى وانقضَى، كَبعثةِ الرسول لقوله عليه الصلاة والسّلام: ((بُعِثت أنا والساعة كهاتين)) يشير بأصبعَيه فيمدّهما. أخرجه البخاري. وفي رواية لأحمد: ((إن كادَت لتسبقني)). وفتح بيتِ المقدِس وظهورِ الخوارج وظهورِ مُدَّعي النبوّة، يقول : ((لا تقوم السّاعةُ حتى يُبعَثَ دجّالون كذّابون، قريب من ثلاثين، كلّهم يزعم أنّه رسول الله)) أخرجه البخاري. وقد ظهر على عهده وبَعدَه كثيرٌ منهم.
بعضُ الذي قاله خيْر الأنـام جرى والبعض يأتي كما قد نُصَّ في الخبَر
وسـوف تظهَـر تصدِيقًا لـه فتنٌ كَقِطع ليـلٍ خَلا مِـن غُرّة القمر
أيها المؤمنون، وأشراط الساعة الصّغرى التي صحَّت بها الأحاديثُ ذرَّ قرَنُ كثيرٍ مِنها في هذه العصور، ولا تزال في ازديادٍ ونشور، مِن أعظمها ظهورُ الشرك في أمّة التوحيد، وهذه الرزيّة قد استَحَكمت في كثير مِن الأقطار الإسلامية؛ حيث بَنَى فِئامٌ منَ الناس المشاهدَ على القبور، وطافوا بها وتمسَّحوا بالسّتور، ونذروا لها من دونِ الله النُّذور، وأَمُّوها بالتبرُّك والرجاء وكشفِ الكرباتِ والالتِجاء، وفي هذهِ العلامةِ يقول : ((لا تقوم الساعةُ حتى تلحَق قبائل مِن أمّتي بالمشركين، وحتى تعبدَ قبائل من أمتي الأوثانَ)) أخرجه أبو داود والترمذي.
ومن أشراطِ الساعة الصُّغرى ظهورُ المعازف واستحلالها وفشوُّها واستِفحالها، عن سهل بن سعد أن رسولَ الله قال: ((سيكون في آخرِ الزمان خَسفٌ وقذف ومَسخ))، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: ((إذا ظهَرتِ المعازف والقيناتُ)) أخرجه الهيثميّ في مجمعهِ والطبرانيّ في معجمه. والقيناتُ المغنِّياتُ، وقد عظُم ظهور هذا الفسادِ وانتشر واستشرَى فحشه في الأرض وأضرّ.
ومِن العلامات التي ضجَّت منها كثيرٌ من الأفاق وعمَّ شرُّها وفاق فشوُّ الكاسِيات العاريات، يقول : ((صنفان من أهل النار لم أرهما))، وذكر منهما: ((ونساء كاسياتٌ عاريات مميلات مائلات، رؤوسهم كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخلن الجنةَ ولا يجدن ريحها)) خرجه مسلم. وهذه الأمارةُ ظهرت قبل عصرِنا، وهي فيه أكثر ظهورًا وأشدُّ حسورًا.
يزعُمنَ السفورَ تمدُّنًا ورُقيًّا وإن يأتينَ إلاّ شيئًا فرِيًّا
ويدخل في معاني الحديثِ الملابسُ الضيّقَة المخصَّرة التي تصِف وإن لم تُشِف. وإنك لسامعٌ وَراءٍ عَجبًا ممّا يُبَثّ عبر القنوات والفضائيات المعاصرة.
معاشر المسلمين، ومن الأشراطِ التي قطعت بظهورِها النياط ووقعُها أشدُّ من وقعِ السياط كثرةُ القتل وإراقةِ الدماء، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : ((بين يدَيِ الساعة أيّامُ الهرج، يزول العلم، ويظهَر فيها الجهل)) أخرجه البخاري، والهرجُ القتلُ، وعند أحمد: ((إنّه ليس بِقَتلكم المشركين، ولكن يقتل بعضُكم بعضًا، لا يدري القاتل فيم قَتل، والمقتول فيم قُتِل))، الله أكبر.
وهذه العلامةُ قد ظَهَرت بجلاءٍ وبانت، وسرَت في كثيرٍ من الأقطار ورانت، فلم يبقَ في العالم المتحارِب بلدٌ ـ إلا مَن رَحم الله ـ دونَ هرجٍ وبلبلة، ولا قُطرٌ دون سفكٍ وقَلقَلَة، ولا تسَل ـ حماك الباري ـ عن سائر الحروب، وما جرَّته وتجرُّه من هرجٍ ومرج ونَسفٍ واغتيال وتفجيرٍ وتَدمير واحتيالٍ وكَلَبٍ في الاحتلال.
ومن العلامات ظهورُ موتِ الفجأة، فعن أنس بن مالك قال: قالَ رَسول الله : ((مِن أماراتِ الساعة أن يظهَرَ موتُ الفجأة)) أخرجه الطبراني. وهذه الأمارة لم تعُد من ضروب القلّة الخافية، ولن تقيَ سطوتَها واقيةٌ، فكم من مصبّح في أهله معافى مدبجًا أمسى في لحده مدرجًا.
اغتنم فِي الفـراغ فضـل ركوع فعسى أن يكون موتُك بغتَة
كم من صحيح رأيتَ مِن غيرِ سُقمٍ ذهبَت نفسُه الصحيحة فلتَة
ومن الأمارات الصغرى التطاول في البنيانِ، يقول في حديثِ جبريل المشهورِ: ((وأن ترى الحفاةَ العراة العالةَ رعاءَ الشاء يتَطاوَلون في البُنيان))، الله المستعان، فكيف بعَصرنا الذي عمَّت فيه الشاهقات وكثُرت فيه الناطِحات وعجَّت الفَضَاءاتُ من المشمَخرَّاتِ.
وكذا تقارُب الزمان، صحَّ عند أحمد وغيره: ((لا تقوم الساعة حتى يتقارَبَ الزمان، فتكون السنةُ كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم)), علّق الحافظ ابن حجر رحمه الله بقوله: "فإنّنا نجِد في سرعةِ الأيام ما لم نجِده في العصر الذي قبلنا"، الله المستعان، فكيف ـ يا عبادَ الله ـ بزماننا الذي طوَّحت فيه السنوات ونُزِعت البركات؟!
أمّةَ الإسلام، ومن الأمارات التي نجَمَت في هذه الأوقات وصحَّ خبرها عن خير البريات انتشارُ الربا والزلازل [وخَفضُ] الصالحين وارتفاعُ الأسافل وضياعُ الأمانةِ وتَوسِيد الأمرِ إلى غيرِ أهله والتِماس العلمِ عند الأصاغِر وتقارب الأسواقِ وكثرة النساء وظهور الفاحشة وما ساءَ وذيوعُ الكذِبِ والإشاعاتِ والتهاوُن بالسنن السَّنيّات، وصدق الصادق المصدوق : ((بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرَبَاء)).
أيّها الإخوة الأحبّةُ في الله، ويلي ظهورَ الأشراط الصغرى الأشراطُ الكبرى العِظام التي تَتزَلزَل لها الأركانُ، وتكون منذِرةً بدُنوِّ قيامِ الأنامِ للمَلِك العلاّم، وفي تتابُعِها إثرَ بعضها يقول : ((الآياتُ خَرَزات منظوماتٌ في سِلك، فإن يقطع السِّلك يتبَع بَعضُه بعضًا)) أخرجه أحمد بسند صحيح.
وما أتى في النصِّ من أشراط فكلُّها حقٌّ بلا شَطـاط
فكلُّها صحَّت بها الأخبـارُ وسطِّرت آثارها الأخيار
أولها: خروجُ المهديّ من قبل المشرق يبايَع له عند البيت، يملأُ الأرضَ عدلاً وقِسطاسًا بعد أن مُلِئَت جورًا وارتكاسًا، ولا تزال البركات على عهده نامِية والرحماتُ هانية، عَن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول الله : ((أبشِّركم بالمهديِّ، يُبعَث على اختلافٍ من الناسِ وزلازل، فيَملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملِئَت ظلمًا وجورًا، يرضَى عنه ساكن السماء وساكن الأرض)) أخرجه أحمد والهيثمي، وهو يحكم بالكتاب والسنة. وأمَّا من نَثَر الهُراء من كون خروجِه من سامُرّاء فهو من خرافات العقول ودعوى مَفتوأةٌ بصريح العقول وصحيحِ المنقول.
تَلي تلك الأمارةَ الكبرى ظهورُ المسيح الدَّجّال منبَع الكفر والإضلال بفتنَتِه العظمى للخلائق؛ لما أُوتِيَ مِن معجّباتٍ وخَوارِق، تحيلُ مَن كان من الإسلام على شفَا إلى ارتدادٍ وكفر ما لَه شفا، وقانا الله فِتنَتَه وكفانا محنَتَه، مسيحُ إحدى العينين، مكتوب بينهما: "كافر"، عن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله واصفًا خوارقَ الدجال: ((يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، ويمرّ بالخَرِبة فيقول لها: أخرجي كنوزَك، فتتبعه كنوزها كيعاسيبِ النحل، ما من بلدٍ إلا سيدخلُه إلاّ مكّةَ والمدينة؛ فإنهما محرَّمَتان عليه))، وقد حذَّر النبيُّ المختار تلبِيسَه وتدليسه بأجلَى الأوصاف وأشدِّ الإنذار، يقول في التوقِّي من شرِّه: ((إذا تشهَّد أحدكم فليستعذ بالله من أربع))، وذكر منهن: ((وأعوذ بك من شرِّ فتنة المسيح الدجال))، وقال : ((من حفِظ عشرَ آيات من أوّل سورة الكَهف عصِمَ من الدجال)) أخرجه مسلم.
وثالث الأشراطِ العظام نزولُ عيسى ابنِ مريم عليه السلام من السماءِ نزولاً حقيقيًّا بروحِه وجسده، حَكَمًا عدلاً، ماكثًا في الأرض أربعين سنَة، يقتل الخنزيرَ، وي+ر الصليبَ، ويقتل الدّجّال، وتُمحَى عن الدنيا أعظمُ فتنة ومحنَة، ويبارِك الله في الأوقاتِ والأقواتِ.
ومِن الأماراتِ خروجُ يأجوجَ ومأجوج، وهم قومٌ أقوياء لا قِبَل لأحدٍ بقتالهم، كأنَّ وجوهَهم المجان المطرَقَة، لا يمرّون بماء إلا شرِبوه، ولا بشيءٍ إلا أفسدوه، وذلك على عهد عيسى عليه السلام، فيدعو اللهَ عزّ وجلّ فيمِيتُهم بنغَفٍ في أقفائهم، ثم يُنبَذون في البحر، كما في الحديث عند مسلمٍ وغيرِه.
وخامس الأشراطِ الكبرى التي يرسِلها الله ابتلاء واختبارًا ويظهِرُها تخويفًا وإنذارًا خُسوفاتٌ ثَلاثة تحلُّ دونما إِراثة، فتقدَح الخيفةَ من غضب الله وعقابه، وتُزلِف إلى مرضاته وثوابه، عن حذيفةَ قال: قال رسول الله : ((إنَّ الساعة لن تقومَ حتى ترَوا قبلَها عشرَ آيات))، وذكر منهن: ((خسفٌ بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسفٌ بجزيرة العرب)) أخرجه مسلم.
إخوةَ الإيمان، وسابعُ تلك الأماراتِ الكبريَات ظهورُ الدخان، دخانٌ يملأ الأرجاءَ، ما بين الثرى والسماء، تكونُ منه الدّنيَا كبيتٍ أُوقِد فيه، يقول سبحانه: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان: 10].
وأمّا ثامِنُها فطلوعُ الشمس من مغربها، تلك الشمس التي عُلِّقت بين الكواكب ساعَة إلى قيام السّاعَة، يظنّ اللاّهون أنَّ في طلوعها للتوبة أسنَحَ الفرَص، وهي في لهواتهم أشدُّ الحُرَقِ والغُصَصِ، يقول : ((لا تقوم الساعة حتى تطلُع الشمس من مغربها، فإذا طلَعَت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذاك حين لا ينفَع نفسًا إيمانها لم تكن آمنَت من قبل أو +َبَت في إيمانها خيرًا)) أخرجاه.
أيّها الخاشون للساعة، يقول الحقُّ تبارك وتعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ الآية [النمل: 82]، تلكم هي الآيةُ الكبرى التاسِعَة، دابّةٌ تنطِق وتُدِين بين يدَي يومِ الدين، مخرجُها بَلدُ الله الأمين، تجلو تلك الدابّةُ وجهَ المؤمن، وتخطِم أنفَ الكافِر، فرُحماك ربَّنا رُحمَاك.
ألا فاتَّقوا الله عبادَ الله، وادَّكِروا بهذه الأشراط في كلِّ الأحوال، وازدَلفوا إلى ربِّكم بصالح الأعمال ما دمتم إبَّان الفسحة والإمهال، والله المسؤولُ أن يوقِظَنا من رقدة الغفلة، وأن يتدارَكَنا بالتوبة والإنابةِ ما دُمنا في زمن المُهلة، إنّه جوادٌ كريم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وجعلنا وإياكم بعظاته معتبرين، ولآياته متدبِّرين، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنَّ ربي قريبٌ مجيب.
الخطبة الثانية
الحمد لله وليِّ مَن كان تقيًّا، وأصلّي وأسلِّم على نبينا محمّدٍ من قرَّبه ربّه نجيًّا وكان به حفيًّا، صلّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آلِه وصحبِه الذين كان كلٌّ منهم راضيًا مرضيًّا.
أمّا بعد: فاتقوا الله عباد الله، فمن لزم التقوى أمِن غِيَر الفِتَن، ونجا بإذن الله في صروفِ المحن.
أيّتُها الحشودُ المباركة، وعاشرُ الأشراط وختامُها المؤذِنَة بوشيكِ ساعة القيامِ ظهورُ نارٍ مِن قَعر عَدَن، تسوقُ الناسَ إلى أرضِ المحشَر في الشّام، تَقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، كما صحّ بذلك الخبر عن سيِّد البشر عليه الصلاة والسلام.
وآخر الآياتِ حشرُ النارِ كما أتى في محكم الأخبار
يعقُب تلك الآياتِ القاهرات ـ ولله الأمر من قبلُ ومن بعد ـ أمرُ اللهِ للدّنيا بالزوال والأفُولِ، وللكَون بالتَّبَار والقُفول، فينفَخ في الصور، وتبعَث الخلائق من القبور لأهوالِ يومِ النشور.
هـذا قضاءُ الله على الخلائقِ بالفَنا فجميعُنا عمّا قليلٍ يرحـل
والحُكـم للجبّـار حـقٌّ مثبَـت وله يكون رجوعنا والموئِل
إلى عمل محسوبٍ وميزانٍ منصوب ومُجَازٍ عظيمٍ قادر وكتاب يحصِي ولا يغادِر، وكرباتٍ وكلٌّ مؤمِّلٌ راجي، وعقابٍ وقلَّ الناجي، فيا له من يومٍ هائل عصيب، يشتدّ فيه الهلعُ والوجل، فاللّهمّ سلّم سلّم.
أيّها الإخوة الأحبّةُ في الله، وممّا يجمُل التنبيهُ إليه كونُ ميعاد الساعة غيبًا لا أحدَ يعلم تأريخه ولا تحديده إلا الله، يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا [النازعات: 42-44].
وكونُ ظهورِ بعضِ الحوادثِ العالميّة أو الكوارِثِ الكونيّة وتطبيقُها على أنها المقصودَة في الأشراط فباطلٌ لا يصحّ، فالحذر الحذَر من الجزمِ في تنزيل نصوصِ الوحي وأشراطِ الساعة على حوادثِ العصر وقضايا الواقِع ووقائعِ هذا الزمان، والتلبيس على الناس في ذلك، والقطع بتحديدها، كما يحصل من بعض المفتونِين على نوازِلَ بأعيانها وأشخاص بذواتهم، ومرَدّ بيان ذلك إلى أهلِ العلم الربّانيِّين، وتلك الإشاعاتُ ـ على ما سبقَ ـ من صُغرى العلامات.
كما يُستَلطَف بالإشارةِ إلى أنّ ذيوعَ بعضِ الأمارات لا يدلُّ على المنعِ أو التحريم أو النكير، إنما ظهورُها للوعظِ والاستعدادِ والتذكير، ولا يسريَنَّ بخَلَد مسلم أن الظهورَ بعمومه مدعاةٌ للانجِفَال عنِ التواصي بالبرِّ والخيرِ والإعراض عن التناهي عن المنكر والضَّير أو التَّوازُع عن الدعوة والهداية والتَّكاف والتقاعس والتَّنَاف أو العزلةِ واليأس والقنوطِ والإحباط، كلاّ، بل المؤمنُ مكلّفٌ في كلِّ زمان وحالٍ بالمُرَامَاةِ عن دينِه والذِيادَة عن حريمه في إبّانه وحينه. ومِنَ المبشِّراتِ في زمن التحدّيات وفي سياق الحديث عن الأشراط والعلامات قولُه فيما أخرجه الشيخان من حديثِ أبي هريرةَ : ((لا تقوم الساعةُ حتى تقاتِلُوا اليهودَ، حتى يقولَ الحجر: يا مسلم، هذا يهوديّ ورائي فاقتله)).
اللّهمّ يا مولاَنا وخالِقَنا ورازِقَنا، انصرنا على أعدائنا، وارحمنا واغفِر لنا واعفُ عنّا فضلاً وجودًا ومنًّا لا باكتِسابٍ مِنَّا، واختِم لنا عامَنا بخير، واجعل عواقب أمورنا إلى خَير، ومُنَّ علينا في خِتام عامنا بالتوبة والإنابة، واجعَل حاضرنا خيرًا من ماضِينا، ومستقبلَنا أفضل من حاضِرنا، يا خيرَ مسؤول، ويا أكرمَ مأمور.
هذا وصلّوا وسلّموا ـ رحمكم الله ـ على إمامِ الأنبياء وسيِّد البريّات، المبعوثِ رحمةً بختامِ الرّسالات، والمُخبِر عن المغيَّبات بأصدَقِ البيِّنات، وعلى آلِه الطاهرين وزوجاته الطاهرات، وصحبه البرَرَة بدورِ الدُّجُنّاتِ، كما أمركم ربكم بذلك في محكمِ الآيات، فقال تعالى في أصدق قيلِه وأحسن تنزيله قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على نبيِّنا محمَّد بن عبد الله، النّبيّ المصطفَى والرسول المجتَبى والحبيب المرتَضَى، وعلى آله وأصحابه ومن سارَ على نهجِهم واقتفى، يا خير من تجاوز وعفا.
اللَّهمّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأَذِلّ الشركَ والمشركين، ودمّر أعداءَ الدين...
| |
|