molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: كرامات الأولياء - عبد الخالق بن عبد الله سنان جميعان الإثنين 28 نوفمبر - 4:52:37 | |
|
كرامات الأولياء
عبد الخالق بن عبد الله سنان جميعان
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي الزاد وبها المعاد، زاد مبلِّغ، ومعادٌ منجح، دعا إليها أسمعُ داع، ووعاها أفقهُ واعٍ، فأسمع داعيها، وفاز واعيها.
عباد الله، إن تقوى الله سبحانه حمت أولياءَ الله محارمه، وألزمت قلوبهم مخافته، استقربوا الأجل فبادروا العمل، وكذَّبوا الأملَ فلاحظوا الأجل.
أيها المسلمون، إن دراسة مسائل العقيدة ـ عقيدة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة ـ هي من الضرورات المُلحَّة التي لا يستغني عنها المسلم في إحياء قلبه وإنارته بنور الله، ولقد أجلبَ السلف الصالح على هذه العقيدة بخيْلهم ورَجْلهم دراسةً وتأليفًا وتعلُّمًا وتعليمًا.
وإن من أصول أهل السنة والجماعة التي يجب الإيمان بها الإيمان بكرامات الأولياء وإثباتها، والتصديق بها، واعتقاد أنها حق، وذلك باتفاق أئمة أهل الإسلام.
عباد الله، الكرامات هي الأمر الخارق للعادة يظهره الله تعالى على يد عبد من عباده الصالحين حيًا أو ميتًا؛ إكرامًا له، فيرفع عنه ضرًا، أو يحقق له نفعًا، أو ينصر به حقًا، ولكنها لا تصل إلى الخوارق التي أظهرها الله تعالى على أيدي أنبيائه ورسله لإثبات نبوتهم.
قال الله تعالى: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37].
قال مجاهد وعكرمة وجماعة: "يعني وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف"[1]، وقال ابن كثير: "وفي الآية دلالة على كرامات الأولياء"[2].
فالكرامات ثابتة بالقرآن والسنة والواقع.
فمن الكرامات الثابتة بالقرآن: قصة أصحاب الكهف الذين عاشوا في قوم مشركين، وهم قد آمنوا بالله، وخافوا على أن يغلبوا على أمرهم، فخرجوا من القرية مهاجرين إلى الله عز وجل، فيسر الله لهم غارا في جبل، وجه هذا الغار إلى الشمال، فلا تدخل الشمس عليهم فتفسد أبدانهم ولا يحرمون منها، إذا طلعت تزاورُ عن كهفهم ذات اليمين، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، وهم في فجوة منه، وبقوا في هذا الكهف ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، وهم نائمون، يقلبهم الله ذات اليمين وذات الشمال، في الصيف وفي الشتاء، لم يزعجهم الحر، ولم يؤلمهم البرد، ما جاعوا وما عطشوا وما ملوا من النوم. بقوا هكذا حتى بعثهم الله وقد زال الشرك عن هذه القرية، فسلموا منه.
ومن ذلك قصة مريم رضي الله عنها، أكرمها الله حيث أجاءها المخاض إلى جذع النخلة، وأمرها الله أن تهز بجذعها لتتساقط عليها رطبا جنيا.
ومن ذلك قصة الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه،كرامة له؛ ليتبين له قدرة الله تعالى، ويزداد ثباتا في إيمانه.
أما الكرامات في السنة فمنها ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذا أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه، فقال واحد منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز فذهب وتركه وأني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أن اشتريت من بقرا وأنه أتاني يطلب أجره فقلت له أعمد إلى تلك البقر فسقها فقال لي إنما لي عندك فرق من أرز فقلت له اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساحت عنهم الصخرة، فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي فأبطأت عليهما ليلة فجئت وقد رقدا وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساحت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء، فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلى وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار فطلبتها حتى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها فقالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركت المائة دينار فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا))[3].
قال النووي: "وفيه إثبات كرامات الأولياء، وهو مذهب أهل السنة"[4].
وأما شهادة الواقع بثبوت الكرامات فظاهر، يعلم به المرء في عصره؛ إما بالمشاهدة، وإما بالأخبار الصادقة.
إخوة الإسلام، ليس كل ما يظهر على أيدي الصالحين ـ أو غيرهم ـ يكون كرامة من الله عز وجل، بل قد تكون غواية من الشيطان أو إضلالا من بعض الجن.
ولقد استقر عند كثير من العامة أن خرق العادة يدل على أن من وقع له ذلك من أولياء الله تعالى، وهذا غلط؛ فإن الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب، فيحتاج من يستدل بذلك على ولاية أولياء الله تعالى إلى فارق، والواجب أن يختبر حال من وقع له ذلك؛ فإن كان متمسكا بالأوامر الشرعية والنواهي كان ذلك علامة ولايته، ومن لا فلا.
قال غير واحد من أهل العلم: "لو رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي"[5].
لذلك كان لا بد من بيان بعض الشروط التي يجب أن تحقق في صاحب الكرامة وفي الكرامة نفسها للتمييز بين الكرامة وكيد الشيطان.
ومن أهم تلك الشروط ما يلي:
أولاً: أن يكون صاحبها مؤمنا متقيا، وهو الوصف الذي ذكره الله عز وجل في كتابه بقوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [يونس:62، 63].
ثانيًا: أن لا يخالف أمرا من أمور الدين، فلو رأى في المنام أو في اليقظة أن شخصا في صورة نبي أو ملك أو صالح يقول له: قد أبحت لك الحرام أو حرمت عليك الحلال أو أسقطت عنك التكاليف أو نحو ذلك فلا يصدقه، لأن ذلك من الشيطان، إذ إن شريعة الله عز وجل باقية إلى يوم القيامة من غير نسخ، فإذا رأى الإنسان يقظةً أو منامًا ما يخالف ذلك فينبغي أن يعرف أنه من الشيطان.
ثالثًا: أن لا يدعي صاحبها الولاية، إذ إن الولاية درجة تتعلق بفعل الرب عز وجل وفعل العبد. فإن الله عز وجل يرفع المؤمن المؤدي لفرائضه والمجتنب لنواهيه المتقرب إليه بنوافل العبادات إلى درجة الولاية، والإنسان لا يعلم ذلك عن الله عز وجل، وهل قبل الله عز وجل من العبد عمله فرفعه به أم لم يقبله منه؟
فدعوى الولاية هي دعوى علم الغيب أولا، ثم إنها ت+ية للنفس ثانيا.
أيها المسلمون، يتضمن وقوع هذه الكرامات حكمًا وفوائد كثيرة؛ أهمها:
1- أنها كالمعجزة، تدل أعظم دلالة على كمال قدرة الله، ونفوذ مشيئته، وأنه فعال لما يريد، وأن له فوق هذه السنن والأسباب المعتادة سننا أخرى لا يقع عليها علم البشر، ولا تدركها أعمالهم.
2- زيادة الإيمان والتثبيت للولي الذي ظهرت على يديه ولغيره من المؤمنين، قال تعالى: يُثَبّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ [إبراهيم:27].
3- أن فيها نصرة للدين وإعلاء لكلمة الله.
4- وفيها تكذيب القائلين بأن الطبيعة هي التي تفعل؛ إذ لو كانت الطبيعة هي التي تفعل لكانت على نسق واحد لا يتغير، فإذا تغيرت العادات والطبيعة دل على أن للكون مدبرا وخالقًا.
5- أنها من البشرى التي عجّلها الله تعالى لأوليائه في الدنيا، فإن المراد بالبشرى كل أمر يدل على ولايتهم وحسن عاقبتهم، قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ [يونس:62-64].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
[1] انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (1/368).
[2] تفسير القرآن العظيم (1/368).
[3] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب: حديث الغار (3465) ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة، باب: قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال (2743)
[4] صحيح مسلم بشرح النووي (17/56) وانظر: فتح الباري (6/589).
[5] انظر: الرد على المنطقيين، لابن تيمية (515، 516).
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، ينبغي للعبد المسلم الناصح لنفسه المريد لها الخير أن يجتهد في مرضات ربه وطاعة مولاه، ولا ينبغي له أن تستشرف نفسه الكرامة، بل الواجب عليه والمطلوب منه شرعا أن يلازمه الخوف أبدا، واحتقار النفس سرمدا، وأن ينظر إلى الخلق بعين الرحمة والنصيحة، وأن يبذل جهده في مراقبة عيوب النفس وآفاتها والخوف من سوء الخاتمة.
قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ.
فذكر تعالى أن أولياءه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهم المتقون، ولم يشترط أن يجري على أيديهم شيء من خوارق العادة، فدل أن الشخص قد يكون وليا لله وإن لم يجر على يديه شيء من الخوارق إذا كان مؤمنا متقيا.
قال أبو علي الجوزجاني: "كن طالبا للاستقامة، لا طالبا للكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة"[1].
عباد الله، مع بيان ما سبق من وجوب الإيمان بكرامات الأولياء إلا أنه قد انحرف في هذا الأصل قسمان من الناس:
الأول: الغالون: وهم الصوفية، فإنهم قد غلوا في شأن الكرامة وأفرطوا وتجاوزوا فيها الحد، حيث ادعوا باسم الكرامة للأولياء ما هو من خصائص الله وحده.
الثاني: المنكرون الجافون: وهم المعتزلة ومن تأثر بهم، وذلك أنهم جفوا في شأن الكرامة وفرطوا، فقالوا بإنكار الكرامة، ونفوا وقوعها، ولا شك أن هذا ضلال بعيد، وجهل عظيم؛ إذ الحق وسط بين الطرفين.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
عباد الله، صلوا على الحبيب رسول الله، فقد أمركم الله بذلك في محكم كتابه فقال: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد...
[1] انظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص508).
| |
|