molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حديث الأولياء- خالد بن محمد بابطين السبت 5 نوفمبر - 5:41:51 | |
|
حديث الأولياء
خالد بن محمد بابطين
الخطبة الأولى
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنه)) رواه البخاري، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا أشرف حديث روي في الأولياء، يقول الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62، 63]، فكل مؤمن تقي فهو لله ولي".
أولياء الله تعالى هم الذين حققوا التوحيد، فعظموا الله تعالى في قلوبهم، فلم يخافوا غيره، ولم يرجوا سواه، فتعلقت قلوبهم به، يعلمون أنه لا رادّ لأمره ولا معقبّ لحكمه، وأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وأنه لا مذلّ لمن أعزّ ولا معز لمن أذل.
أولياء الله في مقام التوكل هم أعظم الناس توكلاً، يعلمون أن أمر الرزق والحياة والنفع والضر بيد الله تعالى وحده، في حديث ابن عباس عند الترمذي وغيره: ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك))، وحدّث عمر يومًا فقالك أمرنا رسول الله أن نتصدق ووافق ذلك عندي مالاً فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئتُ بنصف مالي، فقال : ((ما أبقيتَ لأهلك؟)) فقلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال: ((يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟)) فقال: أبقيت لهم الله ورسوله.
أولياء الله أرسخ الناس قدمًا في مقام الإيمان بالقضاء والقدر، يعلمون أن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم، وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، فحين يُقْدِمون في المعارك يعلمون أن الشجاعة والإقدام لن تُنْقِصَ الأعمار، وأن الجبن والتأخر لن يزيد في الأعمار، كان علي يقول:
أيُّ يومـيَّ من الموت أفرّ: يـوم لم يقدَر أو يـوم قدِر
يـوم لم يقدر لا أرهبـه ومن المقدور لا ينجِي الحذَر
أيها المؤمنون، إنّ أولى من يدخل في عداد أولياء الله أولئك المؤمنون المجاهدون؛ فإنهم يعلمون علم اليقين أن كل قِوى العالم لن تستطيع أن تضرهم بشيء إلا بما هو مقدر عليهم، فتجد الواحد منهم مقداما لا يخاف، همه متجه إلى الله تعالى، لا يسأل غيره ولا يستعين بسواه.
أولياء الله أعلم الناس وأفقههم في أسماء الله وصفاته، آمنوا بما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل اعتقدوا أنه تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. صح عنه أنه قال: ((أولياء الله تعالى الذين إذا رؤوا ذكر الله تعالى))، ولذا فكَم ترى من الصالحين من تزيدك رؤيتهم نشاطًا في الطاعة ومسابقة إلى الخير وشوقًا إلى الجنة، ناهيك عن صحبتهم ومخالطتهم.
أولياء الله لا يأكلون الربا، ولا يستحلون الرشا، ولا يستمعون الغناء، ولا يتنكبون عن طريق الهدى، وهم أيضًا يفشون السلام، ويطعمون الطعام، ويصِلون الأرحام، ويصَلّون بالليل والناس نيام، طمعًا في دخول الجنة دار السلام بسلام، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويخلصون النصيحة، ويتواصون بالحق والمرحمة، ويحبون لإخوانهم في الله من الخير ما يحبون لأنفسهم، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9]، ويؤثرون طاعة الله وطاعة رسوله على طاعة أيّ أحد من الخلق، وهم أيضًا كما وصفهم الله: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54].
وأولياء الله لا يستهينون بصغيرة من المعاصي، ولا يجترئون على كبيرة، ولا يصرون على خطيئة، وهم يعلمون ويعتقدون معنى قوله : ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا)) وشبّك بين أصابعه، ويأمرون بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء والرضا بمُرّ القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله : ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا))، ويندبون إلى أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمّن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل والرفق بالمملوك، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحقّ أو بغير حقّ، ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفسافها.
وأولياء الله يتبعون آثار رسول الله باطنًا وظاهرًا، ويتبعون سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار اتِّباعًا لوصية رسول الله حيث قال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة))، ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد ، ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدى محمد على هدى كل أحد. انتهى من كلام شيخ الإسلام في الواسطية.
أيها الإخوة، ينبغي أن يَعلم كل مؤمن أن من الواجب عليه موالاة أولياء الله ومناصرتهم والذب عن أعراضهم، وذلك مقتضى قوله تبارك وتعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وروى البخاري ومسلم من طريق الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي قال: ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يُسلمه))، وقال : ((انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا))، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيتَ إن كان ظالمًا كيف أنصره؟! قال: ((تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره)) رواه البخاري ومسلم.
أيها الإخوة، هذه النصرة من محاسن الإسلام وباب من أبواب الجهاد، قال تعالى: وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ [الأنفال:72]، وفي ذلك تقوية لعرى المحبة وتثبيت للذين آمنوا، فلا مجال للتخاذل والبطالة والقعود مع الخالفين، ولذلك فما يتناقله الفاسقون والمنافقون من الطعن في أولياء الله الصالحين والثلب فيهم بما ليس فيهم أو بما ليس مجالاً للثلب ـ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8] ـ كل ذلك يع+ ما في نفوسهم، قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118].
ومن الواجب علينا أن نذبّ عن أعراض الصالحين، روى الإمام أحمد في مسنده بسند حسن من حديث جابر رضي الله عنه قال : ((ما من امرئ يخذل امرأً مسلمًا في موطن يُنْتَقَصُ فيه من عرضه ويُنْتَهَكُ فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلمًا في موطن يُنْتَقَصُ فيه من عرضه ويُنْتَهَكُ فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته)).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، عَظُمَ شأنه، ودام سلطانه، أحمده سبحانه وأشكره، عم امتنانه، وجَزَلَ إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، به علا منار الإسلام وارتفع بنيانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: أيها الإخوة، مما يؤسَف له ما تطالعنا به بعض الصحف المحلية من مقالات سخيفة ومغرضة في نفس الوقت، تهدف إلى استعداء كثير من أبناء هذا المجتمع المحافظ، وتراهم يُنَصِّبون أنفسهم محققين وقضاة لاتهام طرف وتبرئة آخر، في حين أن كبار المسؤولين في هذه البلاد المباركة لم يصرّحوا بهوية مرتكبي تلك الأحداث، بل يؤكدون أن التحقيقات ما زالت مستمرة، لكن بعض أولئك الكتاب يصرّون على السخرية بالدين والمتديّنين عبر مقالاتهم ورسومهم الكاركاتيرية، على نحو لا يخدم قضية المجتمع في مقاومة تلك الأفكار الغالية المنحرفة، بل ترى هؤلاء الكتاب يمارسون دور طابور خامس يسعى لبثّ الفرقة وافتعال المعارك الوهمية بين فئات المجتمع بطريقة لا تصبّ إلا في مصلحة أعداء الأمة والمتربّصين بها الدوائر.
أيها الإخوة الكرام، يقول الله تعالى في الحديث القدسي الذي صدرنا به الخطبة: ((من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب))، وجاء في حديث عائشة: ((فقد استحلّ محاربتي))، وفي رواية: ((فقد بارزني بالمحاربة))، قال الحسن البصري: "ابنَ آدم، هل لك بمحاربة الله من طاقة؟!"، قال أبو رجاء العطاردي: كان لنا جار فقال: ما ترونَ هذا الفاسق بن الفاسق قتله الله يعني الحسين رضي الله عنه، فرماه الله بكوكبين فطمس بصره، وقال السدي: أتيت كربلاء تاجرًا، فعمل لنا شيخ من طيء طعامًا، فتعشينا عنده، فذكرنا قتل الحسين، فقلت: ما شارك أحد في قتله إلا مات ميتة سوء، فقال: ما أكذبكم، أنا ممن شارك في ذلك، قال: فلم نبرح حتى دنا من السراج وهو يتّقد بنفط، فذهب يخرج الفتيلة بإصبعه، فأخذت النار فيها، فذهب يطفئها بريقه، فعلقت بلحيته، فعدا فألقى نفسه في الماء، فرأيته كأنه حممة. وأخبار أهل التأريخ كثيرة في هذا الباب.
ولذلك فإننا نقول: فليحذر من يقع في أعراض الصالحين من عقوبة الله تعالى التي لا قِبل له بها، وليحذر أولئك المنافقون أن تنالهم دعوة في ساعة من ليل أو نهار، فتصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحلّ قريبًا من دارهم، فدعوة أولياء الله مجابة، وفي الحديث: ((ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)).كان سعد بن أبي وقاص مجابَ الدعوة، فكذب عليه رجل فقال: اللهم إن كان كاذبًا فأعم بصره وأطل عمره وعرّضه للفتن، فأصاب الرجلَ ذلك كلُّه، فعمي بصره، وطال عمره، وكان يتعرّض للجواري في السكَك ويقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد. ودعا على رجل سمِعه يشتم عليًا، فما برح مكانَه حتى جاء بعير ناد فخبطه بيديه ورجليه حتى قتله. ونازعت امرأة سعيد بن زيد في أرض له فادّعت أنه أخذ منها أرضها فقال: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها، فعميت وبينا هي ذات ليلة تمشي في أرضها إذ وقعت في بئر فيها فماتت.
نسأل الله أن يصلح أحوالنا ويهدي ضالنا، إنه على كل شيء قدير...
| |
|