molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: آل البيت - عبد الخالق بن عبد الله سنان جميعان الإثنين 28 نوفمبر - 4:53:06 | |
|
آل البيت
عبد الخالق بن عبد الله سنان جميعان
الخطبة الأولى
عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الدين بالعروة الوثقى.
إخوة الإسلام، إن أعظم ما يحصله العبد في دنياه وآخرته هو محبة الله تعالى له، فهي الغاية التي يتنافس فيها المتنافسون, وإليها شخص العاملون, وإلى علمها شمر الصادقون, فهي جنة الدنيا ولذة القلب وقوته وحياته, فالقلب لا يفلح ولا يصلح ولا يتنعم ولا يبتهج ولا يلتذ ولا يطمئن ولا يسكن إلا بمعرفة الله تعالى ومحبته, فمحبة العبد لربه ومحبة الله لعبده هي النور والشفاء والسعادة واللذة, تالله لقد ذهب أهل المحبة بشرف الدنيا والآخرة.
عباد الله، إن من محبة الله وطاعته محبة رسوله وطاعته، قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ [آل عمران:31]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))[1].
ومن علامات محبته محبة من أحبّ، وطاعة من أمر بطاعته .
ومن ذلك محبه آل بيته ، وهم من تحرم الصدقة عليهم من بني هاشم من آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي : ((كِخْ، كِخْ)) ليطرحها، ثم قال: ((أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة؟!))[2]، وفي رواية لمسلم: ((أنا لا تحل لنا الصدقة))[3].
ويدخل في آل بيته نساؤه رضي الله عنهن، قال الله تعالى: ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ [الأحزاب:6].
وإن محبة آل بيت النبوة وإجلالهم مطلب شرعيّ قبل أن يكون علامة من علامات حبه ، كما قال تعالى: قُل لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ [الشورى:23].
أيها المسلمون، فضائل أهل البيت كثيرة مشهورة، ومحاسنهم عظيمة منثورة، منها:
أمره عليه السلام بمحبتهم، واختصاص الله للمباهلة بهم، ونزول آية التطهير بسببهم: إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــرًا [الأحزاب:33]، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــرًا[4].
وبُشر مُحبِّهم بالجنة ومسالمهم بالسلامة، وأنُذر محاربهم بالحرب، وشرع الصلاة عليهم معه في كل صلاة، وقرنهم في حديث الثقلين بكتاب الله، ووصى بهم وأكّد الوصاة بقوله: ((الله، الله))[5].
مدارسُ آيات خلـت مـن تلاوة ومنزل وحي مقفر العَرصـات
وقد كـان منهم بالحجـاز وأهلها مغاوير نحّـارون في السـنوات
إذا فخـروا يومـًا أتـوا بمحمـدٍ وجبريل والقرآن ذي السورات
ملامـك في أهـل النبـي فإنهـم أحبايَ ما عاشـوا وأهل ثقات
أحب قصي الرحم من أجل حبكم وأهجر فيكم أسـرتي وبنـاتي
تخيَّرتهـم رشـدًا لأمـري إنهـم على كل حال خيرة الخيـرات
فيـا رب زدني في يقيني بصيــرة وزد حبهم يا رب في حسنـاتي[6]
أيها الإخوة الكرام، إن لآل بيت النبوة علينا حقوقا عظيمة يجب مراعاتها والقيام بها، فمنها:
محبتهم وإجلالهم بما يليق بهم، وإكرام الصالحين منهم وموالاتهم، ومعرفة أقدارهم، قال عليه : ((أما بعد: ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به))، فحث على كتاب الله ورغَّب فيه ثم قال: ((وأهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي))[7].
قال الآجري رحمه الله: "واجب على كل المسلمين محبة أهل بيت رسول الله ، وإكرامهم واحتمالهم، وحسن مداراتهم والصبر عليهم، والدعاء لهم"[8].
ومنها: استحقاقهم من الخمس والفيء، قال الله تعالى: وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ [الأنفال:41]، وقال تعالى: مَّا أَفَاء ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ [الحشر:7].
ومنها: الدعاء لهم في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومنها: تولي الصالحين منهم ومجالستهم والأخذ عنهم، والبرّ بهم وتطييب خواطرهم؛ فإنهم من آثار النبي ، ومحاولة القرب منهم، ومصاهرتهم تزوجًا أو تزويجًا.
ومنها: مناصرتهم والبذل لهم، والذبُّ عنهم، وذكر مناقبهم ومحاسنهم.
ومنها: تأكيد مناصحة غير الصالح منهم والشفقة عليه والرحمة به، ودعوته إلى نهج آل البيت الطيبين الطاهرين.
فهذه بعض حقوقهم عليكم أيها المسلمون، فقوموا بها على أكمل وجه من غير إفراط ولا تفريط.
ويشترط لهذه الحقوق صحة ثبوت انتسابه لرسول الله في النسب، وصحة انتسابه له في الدين.
ومما ينبغي أن يعلم أن آل بيت النبوة ليسوا بمعصومين، بل هم كغيرهم من سائر البشر، فيهم الصالح والطالح، والبر والفاجر، والمسلم والكافر، وأنهم داخلون في قوله : ((ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه))[9].
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، أقول هذا القول، وأسغفر الله.
[1] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: حب الرسول (15)، ومسلم في الإيمان (44) من حديث أنس رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: ما يذكر في الصدقة للنبي (1491)، ومسلم في ال+اة (1069).
[3] أخرجها مسلم في ال+اة (1069).
[4] أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (2424).
[5] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة (2408) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه.
[6] انظر: معجم الأدباء (11/103) من قصيدة طويلة لدعبل الخزاعي.
[7] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة (2408) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه.
[8] الشريعة (5/ 2276).
[9] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
عباد الله، لقد حرص السلف الصالح رحمهم الله من الصحابة والتابعين على هذه الحقوق، وقاموا بها خير قيام، وما ذلك إلا لاستشعارهم مكانة الآل من النبي ، وامتثالاً لوصيته بهم.
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: (والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله أحبّ إليّ أن أصِلَ من قرابتي)[1].
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول للعباس عم رسول الله : (والله، لإسلامك يومَ أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب ـ يعني والده ـ لو أسلم؛ لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب)[2].
وقد أمر رضي الله عنه العباسَ عام الرمادة أن يستسقي بالناس، فقال عمر: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا فأسقنا)[3].
قال ابن حجر: "ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، وفيه فضل العباس وفضل عمر بتواضعه للعباس ومعرفته بحقه"[4].
ولما دخل عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم في حاجة له على عمر بن عبد العزيز قال له عمر: "إذا كانت لك حاجةٌ فأرسل إليَّ أو اكتب؛ فإني أستحيي من الله أن يراك على بابي"[5].
وعن الشعبي: صلى زيد بن ثابت على جنازة أمه، ثم قُرِّبت له بغلته ليركبها، فجاء ابن عباس فأخذ بركابه، فقال زيد: (خلِّ عنه يا ابن عم رسول الله)، فقال ابن عباس: (هكذا نفعل بالعلماء)، فقبل زيدٌ يد ابن عباس؛ وقال: (هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا )[6].
وحين قُيِّد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وضُرب في فتنة القول بخلق القرآن، وبعد أن أقام الحجة على أحمد بن أبي دؤاد أمام الواثق قال الواثق: اقطعوا قيد الشيخ، فلما قُطع، ضَرَبَ بيده إلى القيد ليأخذه، فجاذبه الحداد عليه، فقال الواثق: لم أخذته؟ قال: لأني نويت أن أُوصي أن يجعل في كفني حتى أخاصم به هذا الظالم غدًا، وبكى فبكى الواثق وبكينا، ثم سأله الواثق أن يجعله في حِل، فقال: لقد جعلتك في حِل وسعة من أول يومٍ إكرامًا لرسول الله ، لكونك من أهله"[7].
فهذه بعض الصور المشرقة لسلفكم الصالح في التعامل مع آل بيته .
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وأدوا الحقوق إلى أهلها، وأخلصوا أعمالكم لربكم تفوزوا في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم...
[1] أخرجه البخاري في المغازي، باب: غزوة خبير (4241)، ومسلم في الجهاد والسير (1759).
[2] رواه ابن سعد في الطبقات (4/22)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/365).
[3] أخرجه البخاري في الاستسقاء، باب: سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا (1010).
[4] فتح الباري (2/497).
[5] انظر: الشفا، للقاضي عياض (2/608).
[6] أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/360)، والطبراني في الكبير (5/107)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/514).
[7] انظر: سير أعلام النبلاء (11/315).
| |
|