molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: معاني العزة - عبد الباري بن عوض الثبيتي الخميس 24 نوفمبر - 5:16:00 | |
|
معاني العزة
عبد الباري بن عوض الثبيتي
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
قال تعالى: وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]، وقال: مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً [فاطر:10].
هذه النصوص القرآنية الكريمة تحمل توجيهاً للناس جميعاً أن يطلبوا العزة من الله سبحانه، فمن آمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبيناً ورسولاً، اعتز بعقيدته، وسما بشخصيته، وأعلن ولاءه لدينه، وتميز في سمته ولباسه، عزةُ العلم والإيمان، وليست عزة الإثم والعدوان. أما النفس الذليلة فلا تصلح لعمل، ولا يرجى منها خير، إلا إذا تخلت عن أسباب هذه الذلة، وعرفت أن الحياة الكريمة لا تكون إلا بالإقدام على الله وبذل النفس في مرضاته. ولكي يملأ الإسلام حياتنا بمعنى العزة، تبدأ كلمات الأذان بكلمات يقول فيها المؤذن على ملأ من الناس: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر من كل كبير، وأكبر من كل عظيم، وأكبر من كل قوي، وأكبر من كل غني، فهو وحده الكبير المتعال، فيا من تطلب العزة أو الحياة أو المال أو الجاه من غني فالله أكبر من الغني، ويا من تطلب العزة من عظيم، فالله أكبر منه مهما عظم، في كل أركان الصلاة شرع الله أن نردد حال الانتقال من ركن إلى ركن بقولنا: الله أكبر، فإذا ركعت تقول: سبحان ربي العظيم، فلا عظيم إلا الله، وإذا سجدت تقول: سبحان ربي الأعلى، فلا أعلى على الخلق إلا الله، وهذا يورث كمال العزة والكرامة التي يعرف الإنسان بها قدره، وأن العظمة لله وحده، وأنه لا استعلاء لأحد من البشر، كل هذا لكي يوقن المسلم يقيناً لا يهتز ولا يزول، أن كل متكبر بعد الله فهو صغير، وأن كل متعاظم بعد الله فهو حقير، فكأن هذا النداء يرد الناس إلى الصواب، كلما أطاشتهم الدنيا وضللتهم متاهاتها الطامسة فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يَجْحَدُونَ % فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ [فصلت:15، 16].
تتحقق العزة بالتربية الإسلامية وترسيخ العقيدة، هذه العقيدة التي أقنعت العربي المسلم الذي كان يرقع ثوبه ويخصف نعله، يتبلغ بالتمرات الجافة، أنه بالإسلام سيد الأرض ومن عليها، دون استكبار على الحق، وتعالٍ على الباطل، وطغيان بالظلم، وذل للشهوة.
طريق العزة عباد الله بينه القرآن الكريم فقال تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: "من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعاً"[1]، قال تعالى: قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [آل عمران:26]، يعقب الإمام ابن كثير على هذه الآية فيقول: "أي أنت المعطي، وأنت المانع، وأنت الذي ما شئت كان، وما لم يشأ لم يكن"[2]، وبهذا نعلم ـ إخوة الإسلام ـ أن العز الحقيقي إنما يكون بالقيام بطاعته سبحانه واتباع رسله، والذل الحقيقي إنما يكون بعدم القيام بطاعته. وإن وُجد مع أهل المعاصي عزٌ ظاهر، وانتفاش دنيا، فإن ذلك محشوٌّ بالذل والهوان، قد يشعر به صاحبه، وقد تغلب عليه السكرة، فلا يشعر كما قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ في أهل المعاصي: "إنهم وإن طقطقت بهم البراذين، وهملجت بهم البغال، إن ذل المعصية قد علاهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه"[3]، قال تعالى: وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ [الحج:18]، فالعاصي له الذل والشقاء في الدنيا والآخرة قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ [طه:124].
أما أهل العلم والإيمان فإن لهم العز والسعادة في الدنيا والآخرة، لا يغترون بظاهر ما يعطاه المترفون في الدنيا، ولا يقع في نفوسهم من ذلك شيء، أوتي قارون من زينة الدنيا، فلما غبطه قومه قال أهل العلم والإيمان: وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لّمَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلصَّـٰبِرُونَ [القصص:80].
يقول العلماء: من أطاع الله واجتنب معاصيه أعزه الله تعالى، فمع كل طاعة عز وتكريم، ومع كل معصية ذل ومهانة، وقد ربط الله سبحانه العز بالطاعة، فهي طاعة ونور، وربط الله سبحانه الذل بالمعصية، فهي معصية وذل وظلمة وحجاب بين العاصي وبين الله تعالى.
قد يتعزز الإنسان بقوة البدن فيأتيه المرض فيهده هداً، وقد يتعزز بالمال فإذا المال غول قاتل، قد يتعزز بالنسب والحسب فيأتيه الضياع من كل مكان، قد يتعزز بالعلم فلا يزيده العلم إلا انحرافاً، قد يتعزز بالمنصب والجاه والقوة والجبروت، فتدور عليه الدوائر فيصبح أذل الأذلاء، اعتزاز البشر بأجناسهم وألوانهم ولغاتهم وأنسابهم وأموالهم عزة جوفاء على شفا جرف هار، تستمد زيفها من تصورات خاطئة، وقيم زائلة زائفة. أما الاعتزاز بالله فباقٍ دائم، لا يحول ولا يزول، ولذلك قال القرآن: وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]. هذه العزة هي الحصن القوي، والشبع المعنوي أمام المتعالين بالثروة، أو المفاخرين بالنسب، أو المكاثرين بالعدد، أو المزهوين بالقوة، أو غير ذلك من أعراض الدنيا.
خرج عمر رضي الله عنه إلى الشام ومعه أبو عبيدة فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له، فنزل وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا؟! ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك، فقال: (أوه، لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالاً لأمة محمد، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله) [4].
بعد غزوة أحد حين أراد أبو سفيان الانصراف، أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته: إن الحرب سجال، يوماً بيوم بدر، اعل هبل، فقال رسول الله : ((قم يا عمر فأجبه)) فقال: الله أعلى وأجل، ولا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار[5].
قال ابن إسحاق: خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله طوته عنه، فقال: يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله ، وأنت رجل مشرك نجس، ولم أرغب أن تجلس على فراش رسول الله ، فقال لابنته: والله لقد أصابك بعدي شر[6].
وهذه قصة ربعي بن عامر مع رستم شاهدة على هذه العزة الإيمانية، فقد طلب رستم من سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن يبعث إليه رسولاً يطالبه قبل أن يبدأ القتال في معركة القادسية، فأرسل إليه المغيرة بن شعبة، فكان مما قاله لرستم: إنا ليس طلبنا الدنيا، وإنما همنا وطلبنا الآخرة، ثم بعث إليه سعد رسولاً آخر، وهو ربعي بن عامر، فدخل عليه، وقد زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة والحرير، وأظهروا اليواقيت واللآلئ الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه، فقالوا له: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرقها فقالوا له: ما جاء بكم؟ قال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه، لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله، قالوا: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي[7].
هذا الصحابي الجليل عاش العزة في أسمى معانيها، ربّى الإيمان عزته، فغدت الدنيا حقيرة، ومباهجها صغيرة، والكبراء صغاراً لا يزنون مثقال ذرة.
إن أخطر ما يصيب الأمة الإسلامية روح الهزيمة النفسية، وضعف الهمة الذي يولّد الانحطاط والتقهقر والتخلف. إن الأمة الإسلامية ـ وهي تعيش في أعقاب الزمن هزيمة نفسية ـ بحاجة إلى أن تبث في نفوس أبنائها معاني العزة، تعمقها في شخصياتهم، وتسخل بها فكرهم ورأيهم، وترفع بها ذكرهم، وتدفعهم بها نحو المعالي والسؤدد والشموخ. يحسّ المؤمن الذي تعلق قلبه بالله أنه عزيز بتلك القوة المستمدة من العبودية الحقة لله، فهو الإله الخالق الرازق الضار النافع المحيي المميت، المالك للأمر كله بلا شريك، ومن ثم لا يعود يخشى الأشياء ولا الأشخاص والأحزاب، يرفض المساومة على الشرف والكرامة، لأنه يعلم أن الله هو المدبر الحقيقي لكل ما في هذا الكون، وأن أحداً في الكون كله لا يملك شيئاً مع الله، فعلام إذاً يذل بغير الله؟! علام يبذل من كرامته وعزته لبشر مثله عاجز، ولو كانت في يده مظاهر القوة؟! علام يبذل من كرامته وعزته لبشر مثله ضعيف، وإن كان جباراً في الأرض؟! هذا الضعيف العاجز محتاج لما عند الله، لأن الله هو الحي القيوم، وكل ما عداه صائر إلى زوال.
من معاني العزة ـ عباد الله ـ أن يكون المسلم مع أخيه رحيماً متواضعاً، لا يفخر عليه ولا يبغي، لكنه مع عدو الدين والحق عزيز قوي، قال تعالى: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح:29]، وقال تعالى: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، فالله سبحانه لا يريد للمسلم الضعف ولا التخاذل، بل ينبغي أن يكون دائماً عزيزاً لا يذل، قوياً لا يضعف، صابراً لا يهون، متفائلاً لا يحزن ولا ييأس.
ومن معاني العزة غنى النفس، والترفع عن الدنيات، قال : ((ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس)) [أخرجه البخاري ومسلم][8]، عزيز النفس يترفع عن السؤال، فالموظف وصاحب العمل يتعفف عن الرشوة، والتلميذ عن الغش، والتاجر عن الجشع والخداع، والعامل عن ال+ل والاستهتار. يذل الناس أنفسهم ويقبلون الدنية في دينهم، خوفاً من يصابوا في أرزاقهم أو في آجالهم، والله قد قطع سلطان البشر على الآجال والأرزاق جميعاً، فليس لأحد إليها من سبيل، لكن الناس من خوف الذل في ذل، ومن خوف الفقر في فقر، قال تعالى: أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَـٰفِرُونَ إِلاَّ فِى غُرُورٍ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِى عُتُوّ وَنُفُورٍ [الملك:20، 21].
من عزة المؤمن أن لا يكون مستباحاً لكل طامع، أو غرضاً لكل هاجم، لا يتنازل عن شيء من دينه، ولا يسمح بانتقاص شيء من كرامته، فإن التنازل عن الدين ضلال وانحراف عن سبيل الله، والرضا بانتقاص شيء من الكرامة ذل وعبودية.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] تفسير ابن كثير (3/550).
[2] تفسير ابن كثير (1/357).
[3] انظر : الصارم المسلول (2/69) ، وإغاثة اللهفان (2/188).
[4] أخرجه الحاكم (1/61-62) وصححه ، وهو في صحيح الجامع [2893].
[5] أخرجه أحمد (1/287-288) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه، وصححه الحاكم (2/296-297) ، ووافقه الذهبي ، وأصل القصة في صحيح البخاري ، كتاب المغازي [4043] من حديث البراء رضي الله عنه.
[6] انظر : السيرة النبوية لابن هشام (5/50) ، وتاريخ الطبري (2/154) ، والثقات لابن حبان (2/38).
[7] انظر : تاريخ الطبري (2/401).
[8] أخرجه البخاري في الرقاق [6446] ، ومسلم في ال+اة [1051] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
الحمد لله عز وجل بادئ الخلق، وواهب الرزق، ومبدع الحياة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بالعدل وهو خير العادلين، وأنصف في الحكم وهو أحكم الحاكمين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، لم تشغله دنياه عن أخراه، ولم يناقض مسعاه تقواه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام.
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.
العزة تجعل المسلمة تعتزّ بحجابها، وتفخر بلباسها، وتشمخ برأسها، أنفة وافتخاراً بعقيدتها وآدابها.
يتنزّه عزيز النفس عن التقليد الأعمى والمتابعة الخرقاء، ويكون عزيزاً في رأيه وفكره ومنهاجه، يقول رسول الله : ((لا يكن أحدكم إمّعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أساء، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم)) [أخرجه الترمذي وهو ضعيف][1].
إن العزة كلها لله، وليس شيء منها عند أحد سواه، فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره ؛ لأن الله عز وجل مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعاً.
هذا عباد الله؛ وللبيت والمدرسة والمجتمع والمسجد أثر بالغ في تقويم الشخصية، وغرس مبادئ العزة والإباء، ومعاني الشهامة والنبل، حتى يشبّ الأبناء ومعهم من القيم أرفعها، ومن المبادئ أسماها، ومن الغايات أشرفها، وبهذا ترقى الشخصية الإسلامية، وتأخذ دورها في الحياة متطلعة إلى معالي الأمور، قال تعالى: وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ [يونس:65].
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه...
[1] أخرجه الترمذي في البر [2007] من حديث حذيفة بنحوه ، وقال: "حسن غريب" ، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب [1494].
| |
|