molay
مدير مراقب
البلد : المغرب
الجنس : 
عدد المساهمات : 11945
تاريخ التسجيل : 17/12/2009
الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية
الدرجة:
   (1365/1365)
 | موضوع: الغيرة المحمودة - عايد بن علي القزلان التميمي  الأربعاء 23 نوفمبر - 6:11:59 | |
|
الغيرة المحمودة
عايد بن علي القزلان التميمي
الخطبة الأولى
لقد كانت عند العرب أخلاق كريمة، بعث نبي الرحمة ليتممها، ويُصلح ويُعَدِّل ما انحرف منها, ومن ذلك خلق الغيرة.
لقد أثنى ديننا الإسلامي على الغيرة، وشجع المسلمين عليها، وفي الحديث الشريف أن سعد بن عبادة قال كلامًا بين يدي رسول الله دل على غيرته الشديدة، فقال الرسول : ((أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني)).
وكما كان رسول الله أشد الخلق غيرة كان أصحابه رضوان الله عليهم أشد الناس غيرة، ونذكر هنا شيئًا من غيرتهم؛ فهذا علي بن أبي طالب يروى عنه أنه لما رأى الأسواق يزدحم فيها الرجال والنساء قال غيرة على نساء المسلمين: (ألا تستحيون؟! ألا تغارون أن يخرج نساؤكم؟! فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج)، وهم الرجال الفحول من الأعاجم.
وهذه امرأة مسلمة تذهب إلى سوق يهود بني قينقاع لتبيع لها شيئًا في هذا السوق، فجلست إلى صائغ يهودي، فجعل اليهود يطلبون من هذه المرأة المسلمة أن تكشف لهم وجهها، وهكذا هي عادة اليهود: عهر وفجور، ونقض للعهود، فأبت هذه المرأة ورفضت أن تكشف وجهها، فعمد الصائغ اليهودي إلى طرف ثوبها وربطها إلى ظهرها؛ فلما قامت انكشفت عورتها، فضحك اليهود عليها، فجلست وصاحت؛ فأسرع رجل من المسلمين من أهل الغيرة على حرمات المسلمين إلى الصائغ فقتله، فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فبلغ ذلك رسول الله فحاصرهم، ثم أجلاهم عن المدينة. هكذا يفعل أصحاب الغيرة لحماية أعراضهم.
عباد الله، لقد ماتت الغيرة عند الكثير من الناس إلا من رحم الله، ومن أسباب ذلك ضعف الإيمان والبعد عن تعاليم الإسلام وآدابه وأخلاقه والجهل بخطورة موت الغيرة، فعلى المسلم أن يعلم أهمية الغيرة على الأعراض، وأن ضد الغيرة الدياثة، وضد الغيور الديوث، وهو الذي يقر الفحش في أهله، ولا غيرة له عليهم، والديوث محروم من دخول الجنة.
ومن أسباب ضعف الغيرة الجهل بعظم المسؤولية تجاه أهل بيته فهم أمانة في عنقه.
ومن أسباب ضعف الغيرة جلساء السوء.
ومن أسباب ضعف الغيرة الزيادة في الثقة بالأهل والمحارم.
ومن أسباب ضعف الغيرة ضعف شخصية الرجل في بيته وعند أهله، فليعلم كل رجل أن القوامة له على المرأة شرعًا، ولتعلم ذلك المرأة المسلمة المنقادة لأمر الله تعالى، قال عز وجل : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء: 34].
ومن أسباب ضعف الغيرة الإعلام الفاسد بوسائله المختلفة.
عباد الله، إن من يتابع أحوال المسلمين يرى مظاهر كثيرة لموت الغيرة لدى الرجال، أذكر هنا بعضا من أهم هذه المظاهر، وأكثرها انتشارًا في مجتمعاتنا الإسلامية:
عندما تموت الغيرة ترى الرجل يسمح لمحارمه أن يلبسن الملابس الضيقة والقصيرة، مثل البنطلون وغير ذلك من ملابس التبرج، ثم يلبسن العباءة فوق ذلك، لكن هذه العباءة ليست حجابا, لأن عباءة التبرج والفتنة ليست بحجاب، لأنها زينت من الأمام، وزخرفت لها الأكمام، وضيقت من الأعلى، ووسعت من الأسفل، وصنعت بألوان وأشكال مختلفة، حتى زادت من جمال المرأة، وزادت الفتنة بها.
عباد الله، إن للحجاب الشرعي شروطا لا بد من توفرها في هذه العباءة، وهذه الشروط هي: أن تكون ساترة لجميع البدن بما فيه الوجه، وأن تكون واسعة لا تبدي تفاصيل الجسم، وأن تكون خالية من الزخارف والنقشات والكتابة، وأن تكون سميكة لا تظهر ما تحتها، وأن تكون من قماش لا يلصق بما تحته.
وليعلم كل رجل مسلم أنه مسئول عن حماية أهله من وسائل الفساد التي منها هذه العباءة العصرية: عباءة التبرج والسفور؛ فعليه أن يمنعهن من لبسها وشرائها، حتى يحمي عرضه ويصون مجتمعه.
أيها المسلمون، عندما تموت الغيرة يذهب الرجل بأهله إلى طبيب رجل ليكشف عليها مع وجود الطبيبات؛ وهو ليس مضطرًا، لكنه موت الغيرة.
عباد الله، عندما تموت الغيرة ترى الرجل يتساهل في مسألة اختلاط النساء والرجال، زعمًا منه أن هذه عادة أهله وقبيلته، فترى الجلساء في بيته مختلطين رجالًا ونساء، فيسمح لزوجته أو بنته أو أخته بالجلوس مع الرجال ومصافحة غير المحارم, فهذا أخ الزوج، وهذا ابن العم، وابن الخال، وابن الجيران، وما شابه ذلك، مع ما في الاختلاط من مفاسد كثيرة منها: الخلوة غير الشرعية، والنظر المحرم الذي يقع بسببه فتنة عظيمة.
أيها المسلمون، عندما تموت الغيرة يذهب الرجل بأهله من النساء إلى الأسواق المزدحمة فتنزل المرأة من السيارة إلى تلك الأسواق تزاحم الرجال وأصحاب المحلات وهو منتظر لها في السيارة الساعة والساعتين وكأن أمرها لا يعنيه.
عباد الله، عندما تموت الغيرة ترى الرجل يسمح لنسائه بالاحتفاظ بصور الممثلين والمغنين والرياضيين وغيرهم؛ لأنها معجبة بهم والرجل لا يعارض ذلك. إن الرجل الغيور لا يرضى أن يتعلق أهله بالرجال الأجانب، كيف وهؤلاء الرجال فسقة منحرفون؟! فكيف يرضى بهذا من لديه شيء من الشهامة والشرف؟!
عباد الله، أين أولئك من ذلك العربي الجاهلي الذي رأى رجلا ينظر إلى امرأته فطلّقها غيرة على المحارم، فلما عُوتبَ في ذلك قال قولته المشهورة:
وأترك حبها مـــن غير بغض وذاك لكثــــرة الشركــــاء فيـــه
إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأســـود ورود ماء إذا كُنَّ الكــلابُ وَلَغْنَ فيــــه
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
فاتقوا الله عباد الله، وتمسكوا بشرعه، واحذروا من معصيته ومخالفة أمره.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن الغَيْرةَ صفة لازمة لكل مسلم ومسلمة صادقين في الإسلام, حريصين على النجاة في الدنيا والآخرة.
واعلموا -رعاكم الله- أن التفسخ والفساد الذي وصلت إليه بعض البلاد المجاورة لم يحدث دفعةً واحدة, وإنما بدأت بدايات ضعيفة وتنازلات عن بعض المبادئ كما يحدث عندنا الآن.
عباد الله, والغيرة نوعان هما:
1- الغيرة المحمودة: وهي المعتدلة الشرعية التي تجعل صاحبها يحمي محارمه من الوقوع في المنكر، ومن اختلاطهن بالرجال الأجانب.
2- الغيرة المذمومة: وهي أن يشك الرجل في أهله، ويتجسس عليهم ويظن بهم السوء، وهم بعيدون عنه كل البعد، وكم انهارت من الأسر، وكم وقعت من نساء في الفاحشة بسبب اتهام الرجل لها بالفاحشة، فيوسوس بها الشيطان أن تعمل الفاحشة، فهي على كل حال متهمة، فتتجاوب مع ضعف إيمانها، وهذا بسبب هذه الغيرة المذمومة التي يبغضها الله تعالى، قال رسول الله : ((إن من الغَيْرة ما يحبه الله، ومنها ما يبغضه الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة)).
فعلى الغيورين أن يأخذوا حذرهم، وأن يتنبهوا لما يراد بهم، وأن يخافوا على أعراضهم وأجيالهم وبلادهم من فتن عظيمة، وأن يغاروا على أهليهم ومحارمهم الغيرة المحمودة.
| |
|
