molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: نعمة الأمن - عايد بن علي القزلان التميمي الأربعاء 23 نوفمبر - 6:10:51 | |
|
نعمة الأمن
عايد بن علي القزلان التميمي
الخطبة الأولى
لقد جاء الإسلام دينا قويما وصراطا مُسْتقيما بِنظام شاملٍ ودينٍ كامِل، صالحٍ لكُلِّ مكان وزمانٍ، ومن أَعْظَمِ الأوامرِ التي جاءَ بها الإسلام حفظُ الضَّرورياتِ الخمسِ المُهمةِ التي أجمع الرسلُ والأنبياءُ جميعهم على حفظها وبيان أهميتِها ووجوبِ رعايتِها والمحافظةِ عليها، وهي حفظ الدين والنفس والمال والعرض والعقل.
فهذه الأمورُ هي أساسُ حياة الناسِ, بِحِفْظِها صلاحُ أحوالِ الناسِ، وبإهمالها تختل الأمور وتنشر الفوضى والانحلال ويذهب الأمن.
عباد الله، إن إبراهيم عليه السلام لما دعا الله عز وجل أول ما دعا قدم الأمن على التوحيد: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا، ما الذي بعدها؟ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ.
عبادَ اللهِ، إن الأمنَ في الأوطانِ والسلامة في الأبدانِ نعمة عظيمة تسعى إلى تحقيقها الأمم والشعوب.
واعلموا -عباد الله- أن نعمة الأمن تقوم على أساسين هما: الإيمان بالله تعالى والاستقامةُ على العملِ الصالحِ، والأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر. فإذا اقترن الأمن بالإيمان تمت النعمة وتحققت الحياة الهادئة الآمنة, قال الله تعالى: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ.
أيها المؤمنون، في المجتمعات الكافرة المعاصرةِ، أو التي فرَّطت في إسلامها، وأضاعت أوامر ربها, وقصّرت في دينها من البلاد الإسلامية ترى ضياع الأمن وانعدام الأمان وكثرة الجرائم، وتلك عاقبة الأمم حين تبتعد عن الله، وتكفرهُ وتشرك به، يَقولُ الله سُبْحَانَهُ: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ، الخَوفُ والجُوعُ إذَا اجْتَمَعَا فإنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرِّ عَذَابِ الدُّنْيا؛ لأنَّ الخَائِفَ إذَا كَانَ عِندَهُ مَا يَعيشُ بهِ أَمِنَ أو اسْتَخْفى، ولأنَّ الجَائعَ إذَا كانَ يَعيشُ آمِنًا اسْتَطاعَ أنْ يَسيرَ في الأرْضِ ويَطْلُبَ الرِّزْقَ، ولهذَا امْتَنَّ اللهُ على قُرَيشٍ بِقَولِهِ: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ.
عباد الله، إن الأمن لا يُقَدَّرُ بِثمن، وإن اسْتِتْبَابَ الأمنِ تكريمٌ من اللهِ تعالى لعبادهِ المُؤمنينَ.
وقف وهو يُوَدِّعُ الأُمَّةَ في المَجْمَعِ العظيمِ يومِ عَرَفَةَ قائلًا: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟)) قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: ((فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟)) قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: ((فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟)) قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: ((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا))، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟)) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ: ((فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)) رواه البخاري ومسلم.
ولقد أراد الإسلام من ذلك كله تحقيق الحياةِ الآمنةِ المستقرةِ لأتباعهِ أفرادًا ومُجْتَمَعاتٍ.
أيها المسلمونَ، ولقدْ منَّ الله تعالى على هذه البلاد المباركةِ مهبِط الوحيِ وقبلة المسلمينَ جميعًا بالأمن والأمانِ، نعمةً من نعمِ الله العظيمة، ثم بفضل جهود المخلصينَ من وُلاةِ أمرِ هذا البلدِ وأبنائِهِ والعاملين فيهِ مصداقًا لقول الحق سُبحانهُ وتعالى: أَوَلمْ نُمَكِّن لهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِليْهِ ثَمَرَاتُ كُل شَيْءٍ رِزْقًا مِّن لَّدنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص: 57]، وقال سبحانه: أَوَلمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلهِمْ أَفَبِالبَاطِل يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ، وبفضل ما منّ الله تعالى على هذه البلادِ من تطبيق الحدود ِ على المجرمين.
وَكلُّناَ يلمسُ -عبادَ اللهِ- ما نَعيشهُ في هذه البلاد -بحمد الله تعالى- من أمنٍ وراحةٍ واطمئنانٍ، حيث أمِنَ الناسُ على أنفسهم وممتلكاتهم وأعراضهم, أمنًا لا تجده في أي بلدٍ من بدان العالم.
يجب علينا أن نُقَدِّرَ نعمة الأمن الذي نعيشهُ، وأن نشكر الله تعالى عليها، وأن نعرفَ لأهلِ الفضل -من ولاةٍ وحُرّاسِ أمنٍ- فضلهم ونشكرَ لهم جهودهم. يجب علينا جميعا أن نقف صفا واحدا في وجه من يريد الإخلال بأمنا، وأن نحافظ على أمن بلادنا.
عباد الله، إن أعداء الإسلام والمسلمين شرِقوا وغصّوا بهذا الأمن الذي تعيشه بلاد الحرمين، فهم يحسدوننا على ذلك, فاحذروا -عباد الله- من أولئك الحسدة والحقدة.
يَقولُ ابنُ بَازٍ رحمِهُ الله: "العَدَاءُ لهذِهِ الدَّولَةِ عَدَاءٌ للحَقِّ، عَدَاءٌ للتَّوحيدِ، أيُّ دَولَةٍ تَقُومُ بالتَّوحيدِ الآنَ؟! أيُّ دَولَةٍ مِنْ حَولِنَا مِنْ جِيرانِنَا؟! مَنْ هوَ الذي يَقُومُ بالتَّوحيدِ الآنَ ويُحَكِّمُ شَرِيعَةَ الله ويهدِمُ القُبُورَ التي تُعْبَدُ مِنْ دَونِ الله؟! مَنْ؟! وأينَ هُمْ؟! أينَ الدَّولَةُ التي تَقُومُ بِهَذِه الشَّرِيعَةِ؟!" اهـ.
وقَالَ ابنُ عُثَيمينَ رَحمهُ الله: "إنَّ بِلاَدَنَا ولله الحَمدُ أقْوَى بِلادِ العَالَمِ الآنَ في الحُكْمِ بمَا أنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَّ، يَشْهَدُ بذلِكَ القَاصِي والدَّاني"، وقالَ أيضًا: "لا يَضُرُّ السَّحَابَ نَبحُ الكِلابِ، لا يُوجَدُ والحَمدُ للهِ مِثلُ بِلادِنَا اليَومَ في التَّوحيدِ وتحكيمِ الشَّريعَةِ، وهِيَ لا تَخْلُو مِنَ الشَّرِّ +َائرِ بلادِ العَالَمِ، بَلْ حَتَّى المدينَة النَّبويَّة في عَهْدِ النَّبِيِّ وُجِدَ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ شَرٌّ، لَقدْ حَصَلَتْ السَّرِقَةُ وحَصَلَ الزِّنَا" اهـ.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمؤمنين، فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية
والله إن نعمة الأمن ما توازيها أي نعمة، وأنتم في هذه البلاد في نعمة من الله عز وجل، والله لو كان الإنسان يملك ملايين وهو في رعب –والله- ما تنفعه، بل إن هذه الملايين لن تبقى معه؛ لأن هناك من سيعتدي عليه.
فواجب علينا جميعا من المواطنين ومن الوافدين ومن المقيمين أن نحافظ على هذه البلاد؛ لأنها شعاع وأمن المسلمين، منها صدر التوحيد، ونحن نتنعم بنعمة الدين، أناس لنا في البلدان الأخرى من المسلمين لا يتمكن أحدهم من أن يأتي إلى المسجد، فالإنسان يطمئن على دينه وعلى عقيدته وعلى عرضه وعلى ماله وعلى نفسه مع حصول الأمن، وما يجري –والله- الآن في البلاد المجاورة مما يندى له الجبين نسأل الله العافية. فعلينا أن نعتبر مما حدث في البلدان الأخرى من اختلال في الأمن، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ علينا أمننا وعقيدتنا وإسلامنا.
اعلموا -رحمكم اللهُ تعالى- أن منهج هذه البلاد المباركة قام على التلاحُمِ بين الولاةِ والدعاةِ, واتخذتْ من منْهجِ التوحيدِ والإسلام دستورًا لها, ولعلّ هذا هو سرُّ تَقَدُّمِهَا ورُقِيِّها، وأمْنِهَا وأَمَانِهَا، بِإِذْن الله تعالى.
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، والزَمُوا طَاعَتَهُ والتَّقَرُّبَ إليهِ، وكُونُوا قَائِمينَ بالأمْنِ سَاعِينَ إليهِ، وإيَّاكُمْ والنِّزَاعَ والشِّقاقَ ومُخَالَفَةَ أمْرِ الجَمَاعَةِ، والزموا صراطه المستقيم، واستَنُّوا بسنة رسوله الكريم، تفوزوا وتفلحوا.
ثم صلوا وسَلِّموا على رسول الله...
| |
|