molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الدين النصيحة - عامر بن عيسى اللهو الأربعاء 23 نوفمبر - 6:06:29 | |
|
الدين النصيحة
عامر بن عيسى اللهو
الخطبة الأولى
أيها الإخوة المؤمنون، لما بعث الله محمدًا وآمن به من آمن وصدقوه وأطاعوه كان أول ما يفعله الصحابة الأجلاء هو البيعة، والبيعة هي المعاقدة والمعاهدة على السمع والطاعة والاتباع. وإن من الأمور التي بايع النبي أصحابه عليها وأخذ عليهم العهد فيها النصيحة للمسلمين، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله على إقام الصلاة وإيتاء ال+اة والنصح لكل مسلم. متفقٌ عليه. وعنه رضي الله عنه أنه قال لمن معه: إني أتيت النبي قلت: أُبايعك على الإسلام، فشرط عليَّ: ((والنصح لكل مسلم))، فبايعته على ذلك ثم قال: ورب هذا المسجد، إني لناصح لكم. متفق عليه.
بل إن النبي قد عد النصيحة هي الدين كما جاء في حديث تميم الداري المشهور أن النبي قال: ((الدين النصيحة)). قال الإمام أبو داود رحمه الله صاحب السنن: "إن هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه". قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "فهذا يدل على أن النصيحة تشمل خصال الإسلام والإيمان والإحسان التي ذكرت في حديث جبريل عليه السلام، وسمى ذلك كله دينًا" اهـ.
كما أن النبي جعل النصيحة من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((حق المسلم على المسلم ست))، وذكر منها: ((وإذا استنصحك فانصح له)) رواه مسلم.
فالنصيحة واجبة لكل مسلم، فهي التي يعز الله بها الحق ويخذل بها الباطل وينصر بها المظلوم ويزال بها المنكر ويُدعى بها إلى الخير، فحري بنا ـ معشر المسلمين ـ أن نتمثل هذا الخلق الرفيع والهدي الإسلامي العظيم في وقت قد كثر فيه الغش والخداع والنصب والاحتيال والأثرة وحب الذات على حساب الآخرين، بل لقد تطاول الأمر إلى أبعد من ذلك حتى صار الناصح الأمين يوصف بالسفاهة والحمق، وهذا يذكرنا باتّهام عاد لنبيهم هودٍ عليه السلام حيث قالوا له: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنْ الْكَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف: 66-68].
فهذا الغش والخداع ليس من منهج الإسلام في شيء، فحق أخيك ـ أيها المسلم ـ عليك أن تمحض له النصح وتجتهد في إصابة الصواب، وكل على حسبه في النصح، فعلى التاجر النصح لعميله ومن يتعامل معه، فلا يغشّه ولا يخدعه أو يبيعه سلعة معيبة، كما أن على الموظف أن ينصح في التعامل مع مراجعيه، فيسهل أمورهم ويرشدهم إلى ما يحتاجون لإنهاء معاملاتهم، ولا يؤثر أحدًا على حساب أحد، وهكذا المعلم عليه أن ينصح في تعليمه، فلا يدخر وسعًا في إيصال المعلومات إلى الطلاب، وأن لا يتبرم من استشكال أو عدم فهم من بعض الطلاب، وأن يتقي الله فيما أسند إليه من منهج فلا يقصر في أدائه والقيام به على الوجه الأكمل.
وإذا أتينا إلى الوالدين فإن الأمر يعظم في شأن النصيحة إلى الأبناء، فأولى الناس بنصحك ـ أيها الأب ـ وبنصحكِ ـ أيتها الأم ـ هم فلذات الأكباد، فلا ينبغي أن تعرف خيرًا إلاّ وتدلهم عليه وتحثهم إلى المسارعة إليه، ولا شرًا إلا وتحذرهم منه وتمنعهم عنه. وأولى النصائح ما كان مقرّبًا إلى الله تعالى ومحببًا في فعل الخير، قال الحسن رحمه الله عن بعض أصحاب النبي : (إن أحب عباد الله إلى الله الذين يحبّبون الله إلى عباده ويحبّبون عباد الله إلى الله ويسعون في الأرض بالنصيحة). فهل من النصح للأبناء والبنات أن يُحضِر الأب إليهم ما يكون سببًا في غوايتهم وانحرافهم وبعدهم عن الله وعن فعل الخير عن طريق أطباق فضائية دون مراقبة ومتابعة ومنع للشر؟! إن هذا ـ والله ـ يُخشى أن يكون من الغشّ للرعية، وقد جاء عن النبي التحذير من غش الرعية، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله علي الجنة)) متفقٌ عليه، ولفظ البخاري: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة)).
عباد الله، ولو تأملنا في حديث تميم المتقدّم وهو قول النبي : ((الدين النصيحة))، فقال الصحابة: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) لوجدنا أنه يحمل معانيَ عظيمة في شأن النصيحة، قال الإمام الخطابي رحمه الله في شرح الحديث: "وأصل النصح في اللغة الخلوص، يقال: نصحت العسل إذا خلصته من الشمع، فمعنى النصيحة لله صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته، والنصيحة لكتابه الإيمان به والعمل بما فيه، والنصيحة لرسوله التصديق بنبوته وبذلُ الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه، والنصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم"، وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: "النصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحقّ وطاعتهم فيه وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف ومجانبةُ الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق وحثّ الأغيار على ذلك" اهـ.
فما ظنكم ـ يا عباد الله ـ بالمجتمع إذا سادت فيه هذه المعاني العظيمة؟! لا شك أنه سيكون مجتمعًا مرحومًا، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 71].
بارك الله لي ولكم في القرآن...
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون، ومع أن النصيحة من أعظم الدين ويجب القيام بها إلا أن لها آدابًا لا بد منها لتقع من المنصوح موقع القبول، فمن ذلك:
1- أن يقصد الناصح بنصيحته وجه الله؛ إذ بهذا القصد يستحق الثواب من الله عز وجل والقبول لنصحه.
2- أن لا يقصد بالنصيحة التشهير بالمنصوح، فإن التشهير أدعى لرد النصيحة، بل يكون الأمر في السر، قال الحافظ ابن رجب: "كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرًا"، ومن ذلك بيتا الشافعي المشهوران:
تعمدني بنصحك في انفرادٍ وجنبني النصيحة في الجمـاعه
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه
3- ومن الآداب أيضًا في النصيحة أن تكون بلطف وأدب ورفق، فإن هذا مما يزين النصيحة، قال عليه الصلاة والسلام: ((ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه)) رواه مسلم. فانظر إلى من نَصَح بشدة وغلظة كم من باب للخير قد أغلق! وكم من الصدور قد أوغر!
4- ومن ذلك اختيار الوقت المناسب للنصيحة؛ لأن المنصوح قد لا يكون في كل وقت مستعدًا لقبول النصيحة، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كان رسول الله يتخوّلنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا. متفقٌ عليه. ولا شك أن للقلوب إقبالا وإدبارًا.
وعلى كل حال فعلى الناصح أن يجعل همه كيف يوصل الخير إلى عباد الله فيعملوا به ويناله من الأجر مثلُ أجورهم، لا أن يجعل النصيحة كأنها صخرة على كاهله يريد أن يلقيها ويستريح. فنسأل الله أن يجعلنا هادين مهديين صالحين مصلحين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
| |
|