molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإجازة وصلة الرحم - عامر بن عيسى اللهو الأربعاء 23 نوفمبر - 6:03:54 | |
|
الإجازة وصلة الرحم
عامر بن عيسى اللهو
الخطبة الأولى
أيها الإخوة المؤمنون، في الإجازات والعطلات تتنوّع اهتمامات الناس، وتتعدّد مشاربهم، وتختلف وجهاتهم، فمنهم من ينشد الترويح البريء، ومنهم من يسعى إلى الاستمتاع المحرّم، وأفضل من هذا وذاك من يتقرب إلى الله بكل حركاته وتنقلاته، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (إني أحتسب على الله نومتي كما أحتسب قومتي). فالموفق ـ عباد الله ـ من كانت له نية صالحة في كل عمل من أعماله ولو كان من المباحات.
ولما كان في الإجازات وفرة في الوقت ومسرح للتفكير في كيفية قضائها أحببنا أن نذكّر بأمر عظيم ونوع من العبادات كريم، به اكتساب رضا الرب ثمّ محبة الخلق، وهو علامة على كمال الإيمان وحسن الإسلام، ذلكم ـ يا رعاكم الله ـ هو صلة الأرحام.
صلة الرحم من العبادات الجليلة والأخلاق النبيلة التي حثّ عليها الإسلام وحذّر من قطيعتها، ولو لم يكن في الدين أمر بالصلة والبر للأرحام لكان في الطباع السليمة والأخلاق الكريمة ما يدلّ عليه، فكيف وهو من أول ما بعث به النبي ؟! فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سأل رسول الله : بأي شيء أرسلك الله؟ قال: ((أرسلني بصلة الأرحام و+ر الأوثان، وأن يوحَّد الله لا يشرك به شيء)) رواه مسلم.
صلة الأرحام تقوّي المودة، وتزيد المحبة، وتطرد الوحشة، وتشدّ عرى القرابة، وتزيل العداوة، فلفظها يدلّ على الرقة والعطف والرأفة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن الرحم شُجنَة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته)) رواه البخاري، وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول فيما رواه عن ربه عز وجل: ((أنا الرحمن، وهي الرحم، شققت لها اسما من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتته)) رواه أهل السنن بإسناد صحيح.
قال الإمام النووي رحمه الله: "صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل، فتارة تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارة بالزيارة والسلام وغير ذلك. ومعنى صلة الله لمن وصل رحمه فهي عبارة عن لطفه بهم ورحمته إياهم وعطفه عليهم بإحسانه ونعمه، أو صلتهم بأهل ملكوته الأعلى وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته". وقال رحمه الله: "اختلفوا في حدّ الرحم التي يجب وصلها، فقيل: كل رحم مَحرَم بحيث لو كان أحدهما أنثى والآخر ذكرا حرمت مناكحتهما، وقيل: هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث، يستوي فيه المحرم وغيره، وهذا هو الصحيح" انتهى كلامه رحمه الله.
عباد الله، في صلة الأرحام رغد العيش والهناء والسعادة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من سرَّه أن يُبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)) متفق عليه. وأينا لا يسره بسط الرزق وبركة العمر؟! وفي الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، أخبرني بما يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، فقال النبي : ((لقد وفق)) أو ((لقد هدي))، ثم قال: ((كيف قلت؟)) قال: فأعاد، فقال النبي : ((تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي ال+اة، وتصل ذا رحمك))، فلما أدبر قال النبي : ((إن تمسك بما أمر به دخل الجنة)) متفق عليه.
إن أعظم ما يبعث على تعاهد الأرحام وصلتهم هو خوف الله وخشيته، وهذا لا يكون إلا عند أهل الإيمان، قال جل ذكره: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ [الرعد:21]، وفي الناس من تموت عواطفه وتضعف خشيته، فيجوب الأرض ولا يفكر في زيارة أقاربه أو السلام عليهم، قال عمرو بن دينار رحمه الله: "تعلَمُنّ أنه ما من خطوة بعد الفريضة أعظم أجرا من خطوة إلى ذي رحم"، وقال المرّوذي: أدخلتُ على أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله فقال الرجل: لي قرابة بالمراغة ترى لي أن أرجع إلى الثغر أو ترى أن أذهب فأسلم عليهم؟ فقال له: استخِر الله واذهب فسلّم عليهم.
كما أن من الناس من يتغلب عليه شيطانه، فيقطع رحمه بسبب خلاف أقصى ما يُقال عنه: إنه ليس مستحيلَ الحل، ولكنها العزة بالإثم والمكابرة بالباطل. وفي استطلاع للرأي حول وجود خصومات بين الأقارب على عيّنة من الناس أجاب خمس وستون بالمائة منهم: نعم توجد خصومة، وأجاب خمس وثلاثون بالمائة بالنفي، فنحن أمام ظاهرة خطيرة، يقول النبي : ((لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) متفق عليه، وقال رجل للنبي : إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال : ((لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)) رواه مسلم.
فما أجمل أن يتعالى المسلم على أحقاده، ويكون همه رضا مولاه، فلا جزاء لمن عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه.
وإن الذي بينـي وبين بني أبِي وبين بنـي عمـي لَمختلف جدّا
إذا أكلوا لحمي وفَرتُ لحومَهم وإن هدموا مَجدي بنيتُ لهم مجدًا
ولا أحْمل الْحقدَ القديم عليهمُ وليس زعيم القوم من يحمل الحقدَا
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون، إن خطر قطع الرحم عظيم، وذنبَها جسيم، وعقوبتها معجلة، واقرؤوا إن شئتم قول ربكم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22، 23]، ويقول النبي : ((ما من ذنب أجدر أن يُعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم)) رواه أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح.
ثم اعلموا ـ يا عباد الله ـ أن الأرحام درجات، فأعظمها عمودي النسب، وهما الأم والأب ثم ما تفرّع عنهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول، من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: ((أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك أدناك)) رواه مسلم.
عباد الله، وإن من أعظمِ صوَر صلة الأرحام الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى، يقول الله تعالى لنبيه : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، وإنما خصهم الله بالذكر لتأكيد حقهم. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أتيت النبي وهو في قبة من أدمٍ حمراء في نحو من أربعين رجلاً فقال: ((إنه مفتوح لكم، وأنتم منصورون ومصيبون، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر وليصل رحمه، ومثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل البعير يتردّى فهو يمدّ بذنبه)) رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي.
فاتقوا الله عباد الله، وقوموا بما أمركم به وأخذ عليكم الميثاق من صلة الأرحام، وتناسوا الأحقاد والضغائن، فلكم في نبيكم أسوة حسنة.
وصلى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
| |
|