molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: نعمة النكاح - عامر بن عيسى اللهو الأربعاء 23 نوفمبر - 6:04:26 | |
|
نعمة النكاح
عامر بن عيسى اللهو
الخطبة الأولى
أيها الإخوة المؤمنون، لا يشك عاقل أن الله ما خلق الخلق إلا لعبادته وتوحيده، فوظيفتنا الأساسية في هذه الحياة هي إخلاص الدين لله، ثم إنه سبحانه أنشأنا في هذه الأرض واستخلفنا فيها لتحقيق هذه الغاية العظمى، قال تعالى: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا الآية [هود:61]. كما أنه سبحانه وتعالى قد أباح لنا كل ما يتوافق مع هذا الاستخلاف من النعم الظاهرة والباطنة.
وإن من أعظم النعَم التي أباحها الله لعباده والتي تحقّق الاستخلاف في الأرض وتحقّق انتشار النوع الإنساني في هذا الكون نعمة النكاح، هذه النعمة التي امتن الله بها على عباده، وجعلها دليلا على ربوبيته ووحدانيته ورحمته بعباده، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]، وجعلها من سنة الأنبياء والمرسلين فقال تبارك وتعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً الآية [الرعد:38].
فبالزواج تحصل المودة والرحمة والسكن، ويحصل الاستمتاع، فلا تجد بين أحد من الناس في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة، فأين المتفكرون؟! وأين الشاكرون؟!
ولِما في الزواج من المقاصد العظيمة والفوائد الجلية والحكم البالغة فقد حضّ النبي عليه أيضًا كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج)).
فبالنكاح يلتئم الشعث، وتسكن النفس، ويستريح الضمير من تعب التفكير، ويحصل الولد، ويعمر البيت، فهذا الحديث يدل على أن سبب الترغيب في الزواج خوف الفساد في العَين والفرج، وأيّ زمان أشدّ أن يخاف فيه مثلُ ذلك من زماننا هذا الذي انتشرت فيه الفتن وعظمت فيه دواعي المحرمات؟! فأصبح المسلم يفتن في دينه صباح مساء، بل ربما أحيانا يتعرض للفتنة حتى عند أبواب المساجد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا يظنّن ظانّ أن الفوائد من النكاح إنما تحصل للشباب فقط، بل هي للشباب والفتيات على حدّ سواء، ولذلك لا ينبغي للأب أن يُؤخّر زواج ابنته إن تقدّم لها من يرضى في دينه وخلُقه، قال : ((إذا أتاكم من ترضون دينه فزوجوه)) رواه الترمذي وهو صحيح.
فإنه بمنع الفتاة وعضلها ي+ر في قلبها حبَّ أمرٍ قد فطرها الله عليه كما فطر عليه قلب الشاب، إلا أن الشابّ يستطيع الإفصاح عما في قبله، وربما يجادل أهله في سبيل مصلحته، أما الفتاة المسكينة فيمنعها حياؤها من ذلك، ولذلك قال في إذن البنت في الزواج: ((وإذنها أن تسكت))، خصوصا إذا ابتليت بأب ساذج لا يقيم لمثل هذه الأمور وزنا، فتدفن البنت حسرتها ولوعتها في صدرها.
إن دفع الخاطب الكفء في دينه وخلقه وردّه من غير مسوّغ شرعي إنما هو معصية لله ورسوله وخيانة للأمانة وإضاعة لعمر المرأة التي تحت ولايته، وسوف يحاسب على ذلك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، أفلا يكون عند هؤلاء دين ورحمة؟! أفلا يفكرون لو أن أحدا منعهم من الزواج مع رغبتهم فيه فما يكون رد الفعل منهم؟!
أيها الإخوة المؤمنون، اعلموا أن الزواج للشاب والفتاة من أفضل الأمور التي يقدّمها الأب لابنه وابنته إن كان قادرًا، خصوصا في هذا الزمان الذي ماجت فيه الفتن كما أسلفنا، ومعظمها وأكثرها يتعلق بالشهوة والجنس والعري والدعارة والرقص والمجون والإغراء والتنافس في فتنة الناس من خلال المجلات والمسلسلات والأفلام والقنوات والإنترنت وغيرها؛ حتى أصبح طريق الشرّ والعياذ بالله سهلا ميسورا، والمعصوم من عصمه الله، وهذا مصداق حديث النبي : ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)) رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث: "إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ الآية [آل عمران:14]، فجعلهنّ من حبّ الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع؛ إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك" انتهى كلامه. أفيليق بك ـ أيها الأب ـ بعد هذا أن تؤخّر زواج أبنائك وأنت قادر على تزويجهم؟!
ولعل بعض الآباء يتعذر بأعذار يظنّها مقنعة، وهي عند التحقيق أوهَى من بيت العنكبوت. فمن ذلك قول بعضهم: إني أريد أن يكوّن ابني نفسه بنفسه، فلا بد أن يتوظّف، ثم بعد ذلك يدخّر مالاً يستطيع معه أن يتزوّج. فنقول: رويدك، هل هذا كلام أب حريص على ابنه وعلى إعفافه وإحصانه؟! نعم لو كنتَ لا تقدر من الناحية المادية على تزويج ابنك لكان هذا الكلام صحيحا، أما وأنك تستطيع أن تزوجه من حرِّ مالك فلا ينبغي أن يقال ذلك، فقد ذكر الفقهاء أنه يجب على الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته وكان محتاجًا إلى إعفافه. ثم لو قُدّر أن الابن سيعمل بكلامك فإلى كم من السنين يحتاج لتكوين نفسه؟! لا شك أنك ـ أيها الأب ـ ستفوّت على ابنك سنوات طويلة كان بإمكانه أن يكون قد أعفّ نفسه، بل ربما وأنجب ذرية يسعد بهم وتسعد بهم أنت أيضا.
فاتقوا الله عباد الله، واستشعروا عظم المسؤولية الملقاة على عواتقكم، قال : ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))، فكونوا رعاة أمناء، واحرصوا على ما يحقق السعادة لكم ولرعيتكم في الدنيا والآخرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون، من تمام السعادة في هذه الدنيا أن يُوفّق المرء لزوجة صالحة؛ إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرَّته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله، وهذا لا يمكن أن يكون إلا في ذات الدين، قال : ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)) رواه مسلم.
ليـس الفتـاة بِمالِها وجمالِها كـلا ولا بمفـاخر الآباء
لكنها بعفـافهـا وبطهرهـا وصلاحها للزوج والأبناء
وقيـامهـا بشؤون منزلها أن ترعاك في السراء والضراء
يا ليت شعري أين توجد هذه الفتيات تحت القبّة الزرقاء
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)). قال القرطبي رحمه الله: "معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي يُرغّب في نكاح المرأة لأجلها، فهو خبر عما في الوجود من ذلك". وقال ابن حجر رحمه الله عند قوله : ((فاظفر بذات الدين)): "المعنى: أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء، لا سيما فيما تطول صحبته، فأمره بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية".
فالإنسان له الحق أن يسأل عن هذه الأمور، فإن توفرت مع توفر الدين فهذا أمر حسن، ولذلك شرع النظر إلى المخطوبة ليتأمل الرجل جمال المرأة وحسنها، وهي كذلك، بل لقد رد النبي رجلا تزوج امرأة من الأنصار فقال: ((هل نظرت إليها؟)) قال: لا، قال: ((اذهب فانظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئًا)) رواه مسلم. وقد بيّن النبي العلة في هذا النظر فقال: ((فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)) رواه النسائي وغيره، أي: يؤلف ويوفق بينكما.
أيها الإخوة المؤمنون، وثمة أمر مهم ننبه عليه عند حديثنا عن الخطبة، وهو أنه وإن تمت هذه الخطبة ورضي كل من الطرفين بالآخر فيبقى الرجل أجنبيًا من المرأة وتبقى هي أجنبية منه ما لم يعقد عقد النكاح، فلا يجوز ـ كما يتصوّر بعض الناس حال الخطبة ـ أن يخلو بها أو يخرج معها بمفردها أو أن تذهب إليه، فهذا كله منكر لا يجوز ما لم يعقد عقد النكاح فتحل له ويحل لها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
| |
|