molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: المؤمن القوي - عاصم بن لقمان يونس الحكيم الأربعاء 23 نوفمبر - 4:56:49 | |
|
المؤمن القوي
ععاصم بن لقمان يونس الحكيم
الخطبة الأولى
أما بعد: جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قَدَر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)).
عباد الله، في هذا الحديث العظيم العديد من الفوائد، فمن ذلك إثبات صفة المحبة لله تعالى وأنها تتفاضل، فمحبة الله للمؤمن القوي أعظم من محبته للمؤمن الضعيف، والقوة التي يتفاضل بها المؤمنون هي عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فالتفاضل يكون بالإيمان والتقوى كما قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]. فإذا تساوى الرجلان في الإيمان والتقوى فآنذاك تنتقل المفاضلة بينهما إلى أمور أخرى، كالقوة البدنية والحربية والقدرة المادية، فالمؤمن الغني إن كان يدَّخر أمواله ويكدِّسها فلا شك أن المؤمن الفقير الذي هو في مرتبته من الإيمان أفضل منه عند الله يوم القيامة؛ لأن ذلك الغني لم ينفق المال في سبيل الله وبخل به، وهو سيحاسب ويسأل عن ذلك المال: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ بينما الفقير يدخل الجنة لخفة حمله من أوساخ الدنيا، كما جاء في الحديث: ((قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجَدِّ محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أُمر بهم إلى النار))، وفي رواية أخرى: ((اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء)). أما إذا أنفق الغني من ماله في تفريج كربات المسلمين ودعم النشاطات الدعوية وفي سبيل الله ذات اليمين وذات الشمال فهو قطعا أحب إلى الله من الذي لا ينفق ماله في سبيل الله، وهو أيضا أفضل من الفقير الذي في درجته من الإيمان؛ لقول النبي في حديث الدثور: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)).
والمؤمن القوي الذي يظهر للناس معتقده وينافح عن سنة نبيه ويظهرها في كل مكان وينكر المنكر حيث ما كان فيتصل بالصحف والمجلات ويراسل المسؤولين وولاة الأمر أحب إلى الله من ذلك الخامل الذي يستحي من إقامة شعائر الله، ويتردد في تبيين سنة النبي وتطبيقها؛ كي لا يناله شيء من النقد أو السخرية، ولا هم له إلا تحصيل طعامه وشرابه وشهوته.
والمؤمن القوي في جسده وقدراته القتالية والحربية أفضل عند الله تعالى من ذلك الخامل الذي يطير قلبه إذا سمع الجهاد أو ذُكر عنده الموت؛ ولذلك قال نبينا : ((من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من نفاق)).
ولا يفهم أحدٌ من العقلاء أن المؤمن القوي هو الذي يكون فظا غليظَ القلب متجهِّم الوجه، بل المؤمن القوي في إيمانه وعقيدته هو المؤمن الذي يكون سهلاً لينًا متبسِّمًا، كما جاء في كلام النبي : ((حُرِّم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس)). والمؤمن رفيق بالخلق، والرفق لا يخالف القوة، فالقوة والرفق مطلوبان، ولكن العنف هو الممنوع، قال النبي : ((إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف)). ولقد قال نبينا مصححًا للمسلمين مفهوم القوة: ((ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)). وللأسف ما يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن شجار أو عراك في مدرسة أو في الشارع بسبب أتفه الأمور وأحقرها، فما ينبغي ـ عباد الله ـ لمسلم أن يمد يده على مسلم مثله؛ لقول النبي : ((كل المسلم على المسلم حرام؛ ماله وعرضه ودمه)).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
أما بعد: يقول النبي : ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)).
إن الأصل ـ عباد الله ـ عند المسلمين أنهم مسؤولون عن أعمارهم وأوقاتهم؛ لذا أرشد النبي الصحابة أن يحرصوا على ما ينفعهم من علوم الدنيا والآخرة، وأن لا يشغلوا أنفسهم بالتوافه من الأمور التي لا قيمة لها، فضلا عن انشغالهم بالمحرمات، وقد جاء عن ابن مسعود أنه قال: (إني لأكره أن أرى الرجل فارغا، لا هو في عمل الدنيا ولا الآخرة). وللأسف الشديد فإن جل أوقات المسلمين تمضي في اللهو الفارغ إن لم يكن في اللهو المحرم، بينما أعداء الله من اليهود والنصارى ملؤوا أوقاتهم بالنافع لدنياهم من علم وعمل فسادوا العالم.
لذا يجب على المسلم أن يحرص على ما ينفعه من العبادات والطاعات والعلوم النافعة، مستعينا في ذلك بالله تعالى، فنحن نقول في صلاتنا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وقد علم نبينا معاذا أن يقول دبر كل صلاة: ((اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك))؛ لذا فالعبد منا أحوج ما يكون إلى مولاه في طلب إعانته على فعل المأمورات وترك المحظورات، بل وفي الصبر على ما قدره الله تعالى، ولذا قال نبي الله يعقوب: وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف:18]، فمن أعانه الله تعالى على ذلك فهو الموفق، وأما من خذله الله تعالى فيسر له سبل المعصية وترك الطاعة ورأيته يتذمّر على أقدار الله فهو المخذول المهان، وقلة مِن المسلمين من يصبر ويرضى بقدر الله وقضائه ولا يعترِض عليه؛ لذا سد الشارع الحكيم باب الاعتراض على القدر فقال عليه الصلاة والسلام: ((وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قَدَر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)).
إن أكثر من يشتكي من الاكتئاب والقلق والتوتر وسائر الأمراض النفسية هم أقوام ما آمنوا بقدر الله؛ لذا تراهم يتحسّرون على ما فات منهم، فتسمع من يقول: لو أني فعلت كذا لما أفلست ولما صدمت ولما مات الولد ولما خسرت الجائزة، وهذا فيه اعتراض على قدر الله؛ لذا المشروع أن تُسَلِّم وترضى بقدر الله بعد أن تبذل الأسباب، أما من يتحسر على فوات الطاعة فهذا لا بأس به؛ لأن هذا النوع من التحسر عبادة كما قال : ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي)).
فاتقوا الله عباد الله، وقوّوا إيمانكم بالله تعالى، استعينوا بالله على فعل الواجبات وترك المحرمات والصبر على المقدورات، ولا ت+لوا في طلب ما ينفع وما يرضي الله تعالى، وآمنوا بالقدر، وسلِّموا لأمر الله آخذين بالأسباب كما أمر الله تعالى، تصلح لكم دنياكم وآخرتكم.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة المطهرة...
| |
|