molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الحسد - عاصم بن لقمان يونس الحكيم الأربعاء 23 نوفمبر - 4:48:27 | |
|
الحسد
ععاصم بن لقمان يونس الحكيم
الخطبة الأولى
عباد الله، إن من معتقد أهل السنة والجماعة أن العين والحسد حق، فالحسد المذموم هو تمني زوال النعمة من المحسود، مع ما يصحب ذلك الحسد من الكراهية والحقد، بينما تكون العين مع الاستحسان والإعجاب والاستعظام لشيء بلا كراهية أو بغض، والعين تدخل ضمن الحسد، فالحسد أعمّ، إذ يشترط للعين أن يرى العائن ما يعجبه من جماد أو حيوان أو مال، فتنقدح نظرة العين فتصيب المحسود، بينما الحسد قد يكون في الغائبات والموجودات، بل قد يقع الحسد في الأمور المتوقعة والتي لم تحصل بعد، والعياذ بالله.
ولقد كان أنبياء الله تعالى من قبل يؤمنون بالعين، فهذا يعقوب عليه السلام يقول كما في سورة يوسف: وَقَالَ يابَنِىَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرّقَةٍ وَمَا أُغْنِى عَنكُمْ مّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْء إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكّلُونَ [يوسف:67].
قال جمهور المفسرين أنه عليه السلام خشي عليهم من أعين الناس؛ لأنهم كانوا ذوي هيئة وجمال ومنظر حسن، ولقد جاء في الصحيحين أن النبي قال: ((العين حق))، وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : ((أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين))، فما ينبغي للمسلم أن يتهاون بالعين وأثرها، ولقد قال النبي : ((إن العين لتولِعُ بالرجل بإذن الله ـ أي: تلازمه ـ حتى يصعد حالقًا فيتردى منه))، إذًا العين من أسباب الهلاك والدمار، قال النبي : ((العين تُدخل الرجل القبر، وتُدخل الجمل القدر)).
وسبب وقوع العين هو نظرة الإعجاب المشوبة بخبث النفس مع قوة سُمِّيَّة تنطلق من عين العائن لا تُدرك حقيقتها، ولكن واضحٌ أثرها ومشاهد، فإن للأرواح تأثيرًا على الأبدان، كما يحمر وجه الإنسان إذا نظر إليه من يستحيي منه ويخجل، وكما يصفر وجهه إذا نظر إليه من يخاف بطشه وسطوته، وكما يتثاءب الإنسان إذا تثاءب من بجواره.
والعين ـ عباد الله ـ لها علاجان، فالعلاج الأول أن يُعرف الذي أصابه بالعين، روى الإمام مالك وأحمد والنسائي وابن ماجه أن سهل بن حنيف وهو من أهل بدر اغتسل بالخرار، فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ـ وهو أيضًا من أهل بدر ـ ينظر إليه، وكان سهل شديد البياض حسن الجلد، فقال عامر: ما رأيت كاليوم جلدا ولا جلد مخبأة عذراء، فوعك سهل واشتدّ وعكه، فأُخبر النبي بوعكه فقيل له: ما يرفع رأسه، فقال: ((هل تتهمون فيه أحدا؟)) فقالوا:عامر بن ربيعة، فدعاه وتغيظ له فقال: ((علام يقتل أحدكم أخاه؟! ألا برَّكت؟! اغتسل له))، فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صُبَّ عليه من ورائه، فبرأ سهل من ساعته ليس به بأس.
ومن هذا الحديث نعلم أن أفضل علاج للعين أن يغتسل العائن بالصفة المذكورة في الحديث، ولا يحلّ لأحد أن يرفض الاغتسال لو طُلب منه ذلك، فلقد قال النبي والحديث في صحيح مسلم: ((العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استُغسِلتم فاغسلوا)).
فإن لم يُعرف العائن أو امتنع عن الاغتسال تكبرًا منه وظلمًا فلا علاج إلا بالرقية الشرعية، وهي التي تكون باللغة العربية المفهومة وبالآيات والأحاديث الصحيحة وبأسماء الله وصفاته، وأن يصاحبها اعتقاد جازم أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى، ولقد كان نبينا يأمر بالرقية من أعين الجن وأعين الإنس.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: قديمًا قيل: "درهم وقاية خير من قنطار علاج". والوقاية من الحسد والعين تكون بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء والمحافظة على قراءة آية الكرسي والمعوذات دبر كل صلاة وقبل النوم بالصفة التي كان يفعلها نبينا ، كذلك يجب على كل منا إذا رأى ما يعجبه أن يقول: بارك الله له، أو أن يقول: اللهم بارك عليه، كما أرشد إلى ذلك نبينا .
أما ما درج على لسان العوام من قولهم: "الله أكبر عليك" أو قولهم: "صَلّ على النبي" لرد ودفع شر العائن فهذا كلّه لا أصل له ولا يصح، وأما قول: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله" فقد ذكره ابن كثير في تفسيره وابن القيم رحمهما الله وجماعة من أهل العلم.
وإن الكثيرين من المسلمين اليوم يقعون في الشرك بالله بتعليقهم التمائم والخرزات الزرقاء أو صورة الكفّ ذي الخمسة أصابع لدفع شرّ العين عنهم، فينبغي للمسلم أن يحذر من ذلك.
عباد الله، قال نبينا والحديث في البخاري وغيره: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار))، قال أهل العلم: الحسد هنا المراد به حسد الغبطة، وهو تمني النعمة للنفس دون زوالها ممن هي عنده، وقلّ في أيامنا هذه من يتمنى حفظ القرآن لكي يتلوه آناء الليل وآناء النهار وليعلمه الناس، وقلّ من يتمنى المال ليتصدق به ويفنيه في طاعة الله، إذ الغالب على الناس اليوم التقاعس عن مدارسة القرآن الكريم وحفظه والحديث الشريف، وانشغالهم بالملهيات من أمور الدنيا المباح منها والمحرم، وكثير ممن يعمل ويجمع المال إنما يجمعه ليسافر بأهله به إلى بلاد الكفر أو بلاد الفسق والفجور أو لينفقه على شهواته وملذاته، أما أن يُساعد المجاهدين المضطهدين أو الفقراء المحتاجين أو المستضعفين المشردين فأولئك كما يقول لهم الله رب العالمين، قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ [يس:47].
فاتقوا الله عباد الله، فقد مضى من أعمارنا الكثير، ولم يبق إلا القليل، سارعوا إلى الإنفاق في سبيل الله، ولا تُعطوا أموالكم لمن احترف التسوّل في المساجد، فإنهم من أكذب خلق الله، وبادروا إلى تعلم القرآن والحديث الشريف وعلموه، فإن خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وشركم من ترك تعلم القرآن ولم يأمر أهله به.
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم...
| |
|