molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: غزوة بدر - عاصم بن لقمان يونس الحكيم الأربعاء 23 نوفمبر - 4:51:18 | |
|
غزوة بدر
ععاصم بن لقمان يونس الحكيم
الخطبة الأولى
إن الذكريات الجميلة هي ما يبثّ الأمل في النفوس، ففي أوقات الأزمات والملمات لا يبقى للإنسان المحبَط إلا الماضي الجميل، يتحسر عليه اليائس المسكين، ويتجرع من ينبوعه الذي لا ينضب مَن يؤمن بأنّ النصر لله ولرسوله وللمؤمنين.
في مثل هذه الأيام ـ عباد الله ـ التقت فئتان: فئة مؤمنة بالله ورسوله وفئة كافرة خرجت من ديارها بطرا ورئاء الناس، فئة تنصر الإسلام وتعادي أعداءه وفئة تنصر الشرك والكفر وتعادي الإسلام وأهله. لقد أراد النبي أن يأخذ قافلة لقريش قوامها ألف بعير محملة بالغالي والنفيس، وليس معها إلا أربعون مشركا، فقال عليه الصلاة والسلام: ((هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها))، فخرج النبي ومعه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، مسلّحين بالسيوف والأسلحة الفردية فقط، ومعهم فرَسان وسبعون ناقة، إلا أن أبا سفيان أحسّ بالخطر، فبعث يستنجد بقريش، وحاد هو بالقافلة تجاه الساحل، فخرجت قريش بفخرها وعزّها وجبروتها وقد أعلنوا التعبئة العامة بما يزيد على ألف من صناديد قريش، خرجت معهم القيان يضرِبن بالدفوف ويغنّين بهجاء المسلمين؛ ليجعلوا هزيمة المسلمين عبرة للعرب أجمعين.
ولقد كره بعض المؤمنين مواصلة الخروج بعد أن فاتتهم القافلة، لا كرها في الموت ولكن لعدم تفطنهم للحكمة في ملاقاة العدو بغتة وبلا استعداد كافٍ، كما قال تعالى: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ [الأنفال:5]، ولكنهم ما لبثوا أن ساروا مع النبي وقد زال عنهم تردّدهم، وعسكر فريق المؤمنين ليلة الجمعة ببدر، ومشاعر الرهبة تعتري الجميع إلا رسول الله الواثق بنصر الله تعالى، ومع ذلك فإنهم ناموا وما نام، قال تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [الأنفال:11]، فاطمأنت نفوس المؤمنين بهذا النعاس وغمرت الثقةُ قلوبهم، وأما رسول الله فقد ذهب إلى عريشه، حيث كان يحتفظ فيه بأعظم الأسلحة، كان يحتفظ بسهام الليل التي لا تخطئ أبدا، أخذ يُكثر من التضرع والابتهال إلى الله ويقول: ((اللهم إن تَهْلَك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض بعدها، اللهم أنجز لي وعدك الذي وعدتني))، وأبو بكر معه يخفّف عليه ويقول له: يا نبيّ الله، كفاك مناشدتك لربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فاستجاب الله دعاءه ونصره بألف من الملائكة.
وهكذا التقى الجمعان كما قال تعالى: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى، فأنتم من ناحية المدينة وهم من ناحية مكة، وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ [الأنفال:42] أي: بناحية الساحل وهي قافلة أبي سفيان، وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ [الأنفال:44]، وذلك ليتشجع المؤمنون ويستهين المشركون بعدد المؤمنين القليل، ولكن لما التقى الجمعان كَثَّر الله أعداد المؤمنين في أعين الكافرين كما قال تعالى: وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ [آل عمران:13].
فلما اصطفّ الفريقان للقتال قال نبينا : ((قُومُوا إلَىَ جَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ))، فقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيّ: يَا رَسُولَ اللّهِ، جَنّةٌ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؟ قَالَ: ((نَعَمْ))، قَالَ: بَخ بَخ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ : ((مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ: بَخ بَخ))، قَالَ: لاَ وَاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ، إلاّ رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: ((فَإنّكَ مِنْ أَهْلِهَا))، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنّ ثُمّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إنّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التّمْرِ، ثُمّ قَاتَلَهُمْ حَتّىَ قُتِل.
أقول قولي هذا وأستغفر الله.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: لقد كانت معركة بدر بين إسلام وكفر، بين إيمان وعقيدة وبين خذلان وجحود.
إن من أبرز سمات معركة بدر أنه تلاشت فيها العصبيات والقبليات وعبية الجاهلية، فلم يكن المسلمون ينتصرون لقبيلة أو لون أو جنسية، بل كانوا ينصرون الإسلام وأهله ويواجهون المشركين أعداء الله بغض النظر عما بينهم من خلافات إن وُجد بينهم خلافات، الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء:76]. وهذا هو حال المسلم في كل مكان وزمان، ينصر إخوانه المسلمين ولو اختلفت ألسنتهم وألوانهم؛ لأنه بذلك ينصر الدين والعقيدة والملة، فالمسلمون يوم بدر قاتل الأخ أخاه والابن أباه، فلا مجال للمساومات؛ إذ العقيدة لا تقبل المساومات ولا التنازلات. ولقد استشار النبي الصحابة في أسرى بدر، فقال عمر له: أرى أن تمكّنّا فنضرب أعناقهم، فتمكِّن عليًّا من أخيه عقيل فيضرب عنقه، وتمكّنّي من فلان نسيبي فأضرب عنقه، وأشار أبو بكر على الرسول أن يقبل الفدية ففعل، فأنزل الله تعالى قوله: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:67].
ثم إن من السمات البارزة أيضا أن الشباب كان لهم دورهم في معركة بدر وفي كل معركة، يروي الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار، حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟! قال: أخبِرت أنه يسبّ رسول الله ، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجّبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، قلت: ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراه بسيفهما، فضرباه حتى قتلاه.
عباد الله، أين أبناؤنا وشبابنا من أولئكم؟! لو أحب شبابنا الله الحب الحقيقي ولو رغبوا في الجنة لما فرطوا في صلاة المسجد وصلاة التراويح، ولما وجدناهم ـ والناس يصلون ـ في الأسواق والشوارع يتسكّعون بلا هدف ولا مأوى، ولما رأيناهم متشبهين بأعداء الله في لباسهم وعاداتهم وأشكالهم.
فاتقوا الله يا معشر الشباب، وكونوا أولياء الله ولا تكونوا أولياء الشيطان، عسى الله أن يرزقنا وإياكم صحبة النبي .
اللهم يا من نصرتَ النبي محمدا وجنده وهم قِلّة انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
| |
|