فقه الخطيب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ) دليل على أن الفقه من صفات الخطيب.وأعظم الفقه وأهمه في حق الخطيب ما كان متعلقا بالإمامة واحكامها والخطابة وادابها.لذا حرصنا ومن خلال هذه الزاوية على التذكير بأهم المسائل الفقهية التي يجب على الخطيب مراعاتها والتفقه فيها .وقد وقفنا على بحوث قيمة سطرها فضيلة الشيخ سعود الشريم في مقدمة كتابه وميض من الحرم، فنقلناها برمتها مع إضافات يسيرة .ويسرنا أن نستقبل إسهاماتكم وملاحظاتكم العلمية .
الجمع بين الجمعة والعصر
الإخلاص والمتابعة
التفات الخطيب أثناء الخطبة
الطهارة للخطبة
تحريك اليدين
القراءة في صلاة الجمعة
السواك قبل الخطبة
اذا قرأ الخطيب آية فيها سجدة
إستيعاب الخطبة للموضوع
ترتيل الآيات وتغيير الصوت بها
الإعداد للخطبة
سورة ( ق ) والخطبة
السجع
قول : أما بعد
وقت الخطبة
سلام الخطيب على المأمومين
خطبة الهجرة النبوية
رفع الصوت في الخطبة
مفهوم الموعظة
إتخاذ العصا للخطيب
ذكر الخلفاء الراشدين
قصر الخطبة وطول الصلاة
هل يصلي غير الخطيب
قطع الخطبة للتنبيه والإرشاد
إيراد الأحاديث الضعيفة في الخطبة
رفع اليدين في الخطبة
الاستعاذة عند قراءة الايات
القنوت في خطبة الجمعة
الإخلاص والمتابعة :
فالذي ينبغي للخطيب في ذلك أن يكون منشأ الخطبة والسعي إليها وطلبها ، من باب الإخلاص لله عز وجل ، وتبليغاً للدين ، ودعوةً إلى التمسك بالعقيدة الصحيحة والشريعة السمحة ، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو آية) ، ولكن هذا العمل لا يتم قبوله بعد الإخلاص لله عز وجل إلا بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذان هما شرطا قبول العبادة لقوله تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [سورة هود:7]. قال الفضيل بن عياض : أي أخلصه وأصوبه أهـ.
واعلم بأن الأجر ليس بحاصل إلا إذا كانت له صفتانِ
لابد من إخلاصه ونقائـــه وخلوه من سائر الأدران
وكـذا متابعة الرسول فإنـها شرط بحكم نبينا العدنـان
ماذا تقرأ في صلاة الجمعة ؟؟
· يحرص بعض الخطباء عن حسن نية أن يقرأ في صلاة الجمعة آيات تتناسب مع موضوع خطبة الجمعة ، وهذا خلاف السنة وإن كان عن حُسن نية ، فإن الأكمل اتباع سنته ، وقد ثبت عنه عند مسلم أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة في الركعة الأولى ، وسورة المنافقين في الركعة الثانية ، أو يقرأ في الأولى سبح ، وفي الثانية الغاشية.
فيتبين من هذا أن ما يفعله بعض الخطباء خلاف السنة ، وكذلك الاقتصار على بعض السورة ، أو يقرأ إحداهما في الركعتين. وهذا خلاف السنة. قال ابن القيم رحمه الله : (( وجُهّال الأئمة يداومون على ذلك )) أهـ. يقصد بذلك من يقرأ بعض السورة أو يقرأ إحداهما في الركعتين.
قطع الخطبة للتنبيه والإرشاد
· يغفل بعض الخطباء – وفقهم الله – عن التنبيه للداخلين إلى المسجد بعد خروج الإمام الذين يجلسون ولا يصلون ركعتين ، والأولى للإمام أن ينبه على ذلك إذا رأى أحدا دخل فجلس دون أن يركع ركعتين ، ودليل ذلك ما رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال : جاء رجل والنبي على المنبر يوم الجمعة يخطب، فقال له : (( أركعت ركعتين؟)) قال : لا ، فقال : اركع . خلافاً لمالك وأبي حنيفة وغيرهما ، ممن قالوا: لا يصليهما واحتجوا بالأمر بالإنصات للإمام ن ولكن هذا القول خلاف الأحاديث الصحيحة الثاتبة عن النبي كقوله: (( إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما )) [رواه مسلم].
قصر الخطبة وطول الصلاة
· هذه مسألة مهمة يغفل عنها جمهور الخطباء إلا من رحم الله ، ألا وهي مسألة قصر الخطبة وطول الصلاة ، فالناس فيها بين الإفراط والتفريط إلا من رحم الله، فبعضهم يطيل إطالة مملة ، وآخرون يقصرونها قصرا مخلا ، وسبب ذلك هو عدم فهم الحديث الصحيح.
قال أبو وائل : خطبنا عمار فأوجز وأبلغ . فلما نزل قلنا : يا أبا اليقظان! لقد أبلغت وأوجزت. فلو كنت تنفست – أي أطلت قليلا! فقال : إني سمعت رسول الله يقول : (( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه – أي علامة – فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة ، وإن من البيان سحراً)) [رواه مسلم].
قال النووي – رحمه الله - : المراد بالحديث أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة لا تطويلاً يشق على المأمومين. انتهى كلام النووي – رحمه الله ، وقد ثبت عند مسلم من حديث جابر بن سمرة قال : كنت أصلي مع رسول الله فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً. قال النووي – رحمه الله - : أي بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق. أ.هـ.
ولأجل أن نصل إلى تحديد تقريبي من حيث طول الصلاة وقصر الخطبة بالتوقيت العصري فأقول لو قرأت في صلاة الفجر بالجمعة والمنافقين قراءة متأنية لأخذت الصلاة منك ما لا يقل عن عشر دقائق ، وقد جربت ذلك فوجدته كذلك ، وهذا كله إذا قرأت حدراً. فكيف بالنبي وهو ينفذ أمر ربه { ورتل القرآن ترتيلا } [سورة المزمل:4]؟ وكان يطيل الركوع والرفع منه ، والسجود والجلوس بين السجدتين حتى قال الراوي : حتى يقول القائل : إنه نسي ، فإذا كان الأمر كذلك فقد تصل الركعتان بالنسبة لمن أراد أن يطبق صلاة النبي إلى عشرين دقيقة على الأقل ، فيكون قصر الخطبة بالنسبة إلى الصلاة أقل من عشرين دقيقة. هذا على سبيل المثال . وإلا فخير الأمور الوسط كما قال جابر بن سمرة & في الحديث السابق.
قلت: فالعجب كل العجب من بعض الخطباء الموصوفين بالعلم. كيف يطيلون الخطبة حتى يتجاوز بعضهم ثلاثة أرباع الساعة أو أقل قليلا؟ ولربما قال الناس ليته سكت؟ ومن هنا يظهر الفقه الذي ذكره النبي في الحديث.
رفع اليدين في الخطبة:
· الصواب أن اليدين لا ترفع للدعاء في الخطبة ، إلا إذا استسقى الإمام في خطبته ، كما ثبت ذلك عن النبي في صحيح البخاري ، وأما إذا لم يستسق فإنه لا يرفع يديه في الدعاء ، وإنما يشير بأصبعه السبابة إذا دعا وإذا ذكر الله. فقد ثبت في سنن أبي داود ورواه مسلم من حديث عمارة بن رويبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يده فقال : قبّح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بأصبعه المسبحة)).
اتخاذ العصا للخطيب :
· اتخاذ العصا للخطيب: جاء في ذكر العصا لخطيب روايات متعددة؛ منها : ما رواه الشافعي في الأم عن إبراهيم عن ليث بن أبي سلمة عن عطاء مرسلا (( أنه كان يعتمد على عنزته اعتمادا)) .
قال الحافظ في التلخيص : وليث ضعيف.
ومنها : ما رواه أبو داود في سننه من حديث الحكم بن حزن الكلفي . . الحديث وفيه: (( شهدنا الجمعة معه ، فقام متوكئا على عصى أو قوس . . الحديث )).
قال الحافظ في التلخيص: إسناده حسن ، وقد صححه ابن السكن وابن خزيمة ، وله شاهد من حديث البراء بن عا+ عند أبي داود بلفظ: (( أن النبي أعطي يوم العيد قوساً فخطب عليه )).
قال الحافظ في التلخيص : وطوّله أحمد ورواه الطبراني وصححه ابن السكن . أهـ.
قال سماحة شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز في دروسه على بلوغ المرام في حديث الحكم بن حزن ما نصه : الحديث يدل على شرعية الاتكاء على عصا أو قوس في الخطبة ؛ لأن هذا من شأنه ، ولعل السر في هذا – والله أعلم – أنه أجمع لليدين وأجمع للقلب من الحركة ، وأقرب إلى الإقبال على الخطبة.
وقال رحمه الله عن الحديث : إسناده حسن ، ورواه أحمد أيضا ، وجاء في الباب آثار أخرى فيها مقال ولكنها تشهد لهذا المعنى.أهـ.
قلت : وما قاله الشيخ حفظه الله تعالى قاله الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية رحمه الله حيث قال ما نصه : فكونه معتمدا على قوس أو عصا هو السنة. أهـ.
وقد اختار مشروعية العصا جمع من أهل العلم وبه قال الصنعاني في السبل ، والشوكاني في نيل الأوطار.
وذهب ابن القيم إلى خلاف ذلك حيث قال في زاد المعاد ما نصه : ولم يكن يأخذ بيده سيفاً ولا غيره ، وإنما كان يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر. . الخ. إلى أن قال : فإنه لا يحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره.أهـ.
قلت:ولا أدري ما هو الدليل على ما ذكره ابن القيم من التفريق بين ما كان قبل اتخاذ المنبر وبين ما كان بعده ، فربما اطلع على دليل لم أجده حسن البحث القاصر.والله أعلم .
وكان رحمه الله قد أشار في أول كتابه الزاد في فصل هديه في الخطبة بما نصه : وكان إذا قام يخطب أخذ عصاً ، فتوكأ عليها وهو على المنبر ، كذا ذكره عنه أبو داود عن ابن شهاب ، وكان الخلفاء الثلاثة بعده يفعلون ذلك.أهـ.
ولم يفصل رحمه الله ، كما فصل في الموضع السابق ذكره ، والتفصيل متأخر عن كلامه في أول كتابه فيكون هو المعتمد عنده ، ويحتمل أن يكون كلامه رحمه الله هناك هو المعتمد على أنه لا فرق بين قبل اتخاذه المنبر أو بعد اتخاذه المنبر بدليل استمرار فعل الخلفاء الثلاثة من بعده ، قلت : وقد قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين في دروسه على زاد المستقنع : إنه إذا احتاج : العصى فإنه يشرع له ذلك وإن لم يحتج إليها فلا . والله أعلم .
استحباب قول : [أما بعد] في الخطبة:
· ذهب جماعة من المحققين إلى استحباب قول الخطيب بعد الحمد والثناء : (( أما بعد)) ؛ وذلك تأسيا بالنبي وقد أشار إلى ذلك ابن القيم ، وبه قال النووي والحافظ بن حجر والصنعاني والشوكاني وجماعة ، وقد عقد البخاري في صحيحه بابا في استحبابه فقال : باب من قال في الخطبة بعد الثناء : (( أما بعد)). وذكر فيه جملة من الأحاديث ، قال الصنعاني في السبل: وظاهره أنه كان يلازمها في جميع خطبه.أهـ.
قال سيبويه : (( أما بعد )) معناها مهما يكن من شيء بعد ، وقال أبو إسحاق الزجاج: إذا كان الرجل في حديث فأراد أن يأتي بغيره قال : أما بعد. وهو مبني على الضم؛ لأنه من الظروف المقطوعة عن الإضافة.
قلت: وقد اختار ابن مالك ما ذهب إليه سيبويه فقال في الخلاصة :
أماكمهما يكن من شيء وفا لتلو تلوها وجوبا ألفا
وقد اختلف أهل العلم في أول من قالها فقيل : داود عليه السلام ، فبما رواه الطبراني عن أبي موسى الأشعري ، وفي إسناده ضعف ؛ كما قال الحافظ في الفتح.
وقيل: إنه يعقوب عليه السلام ، رواه الدارقطني بسند رواه في غرائب مالك كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر. وقيل غير ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : والأول أشبه.أهـ. يعني داود عليه السلام ، وعلى هذا جماعة من المفسرين.
رفع الصوت في الخطبة:
· كتب بعض المؤلفين كتبا صدروها بوصايا للخطباء كطريق للخطيب الناجح وقد أفلحوا في بعضها وأخطأوا في البعض الآخر ؛ وهو كثير نظراً لاعتمادهم على كتب غريبة في وصف الخطيب الصيت الناجح ، ولم يراعوا في ذلك ما كان من هديه ، فكان مما فيها ، استنكار رفع الصوت في الخطبة أو الانفعال فيها وفي ذلك تشنج يثير المستمعين ويذهب بجمال الخطبة وحيويتها.
ولا شك أن هذا خطأ واضح لم يكن لقائله نصيب من سنة المصطفى وهديه في خطبته ؛ حيث إنه ثبت عنه في صحيح مسلم (( أنه كان إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول : (( صبحكم ومساكم . . )) الحديث.
وفي لفظ عند مسلم : (( يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ، ثم يقول على إثر ذلك وقد علا صوته . . )) فذكره .
فيتبين لك أيها القارئ مما سبق ذكره ، أن رفع الصوت والحماس في الخطبة كان من هديه وهو من الأمور التي لها وقع في قلوب المستمعين ، مع ملاحظة أن رفع الصوت وعلوه هنا لا يراد به الصراخ المفزع الذي يذهب بجمال الخطبة ووقعها في نفس المستمع. والله أعلم.
قال المنبر : سيما مع توفر مكبرات الصوت ، فيجب على الخطيب أن يعتدل في رفع صوته . فرفع الصوت شيء والصياح شيء آخر. والله الموفق .
قراءة سورة ((ق)) وهل تقرأ في كل جمعة أم لا؟
· ثبت عند مسلم في صحيحه من حديث أم هشام بنت حارثة رضي الله عنها قالت : (( ما أخذت { ق والقرآن المجيد } [ق:1]. إلا عن رسول الله يقرؤها كل جمعة على المنبر إذ خطب الناس.
ولقد اتفق أهل العلم على مشروعية قراءة سورة ((ق)) على المنبر في خطبة الجمعة . بل ولقد ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك حيث قالوا بمشروعيتها في كل جمعة ، وممن ذهب إلى ذلك النووي والصنعاني وغيرهما.
قال النووي عن حديث أم هشام: وفيه استحباب قراءة ((ق)) أو بعضها في كل خطبة.
قلت: ووجه الدلالة على أن المراد عموم الجُمَع. أن لفظة (( جمعة)) نكرة في سياق الإثبات وهي لا تفيد العموم. ولكنها أفادت العموم في هذا الحديث بدخول لفظة (( كل )) عليها.
ولكني أقول: إن هذا الحديث هو من العام المخصوص؛ بدليل أنه ثبت عنه أنه خطب خطباً كثيرة ليس فيها ذكر سورة (( ق )) .
فقد روى أحمد وابن ماجة بإسناد حسن أن رسول الله قرأ يوم الجمعة ((تبارك ، وهو قائم . . . )) الحديث.
وروى أبو داود في سننه عن أبي سعيد قال : (( قرأ رسول الله وهو على المنبر { ص } ، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه )) قال العراقي : وإسناده صحيح ، أهـ نقل ذلك الشوكاني في نيل الأوطار .
وقال الشوكاني بعد ذكر أحاديث كثيرة لا تخلو من مقال في قراءة سورة من القرآن على المنبر ما نصه : والظاهر من أحاديث الباب أن النبي كان لا يلازم قراءة سورة أو آية مخصوصة في خطبة ، بل كان يقرأ مرة هذه السورة ومرة هذه ، ومرة هذه الآية ومرة هذه .أهـ ، والله أعلم.
الجمع بين الجمعة والعصر للمطر:
· الأصل في هذه المسألة هو الخلاف في جمع بين الصلاتين لعذر المطر ، وحاصل الأقوال في ذلك هو عدم جواز جمع بين الصلاتين مطلقا إلا يوم عرفة عند الحنفية.وعند المالكية يجوز التقديم في المطر لمن يصلي المغرب والعشاء دون غيرهما كالظهر والعصر.وعند الشافعية جواز الجمع بين الصلاتين؛ سواء بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء.
وعند الحنابلة رؤيتان: إحداهما: لا يجوز إلا بين المغرب والعشاء.
وحكى ابن قدامة أن أحمد سئل عن الجمع بين الظهر والعصر في المطر ، قال : لا، ما سمعت .
وذكر صاحب الإفصاح أنه يجوز الجمع بين الظهر والعصر للمطر وذكر أنها رواية عن أحمد ، وقال : إنها هي المذهب.
قلت: وبالنظر إلى علة الجمع وهي رفع المشقة ، فإنها دالة على وجودها في الظهر والعصر والمشقة تجلب التيسير، لا سيما وأن لهذه المسألة أصلا وهو حديث ابن عباس في الصحيحين (( صلى رسول الله الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمعا من غير خوف ولا سفر )) قيل لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال : أراد ألا يحرج أمته.أهـ.
وصح في سنن أبي داود من حديث ابن عباس : (( من غير خوف ولا مطر )).
والعجيب من هذا : أن مالكا رحمه الله قال بعد حديث ابن عباس : أرى ذلك في المطر ، ومع ذلك فهو لا يرى الجمع للمطر إلا بين العشاءين فقط دون الظهرين. فتنبه.
وخلاصة المسألة: أن الصحيح فيها إن شاء الله تعالى ، الذي دلت عليه النصوص ، ودل عليه النظر : هو جاوز الجمع بين الظهر والعصر للمطر ، لأن تجويزنا الجمع بينهما بدون مطر ولا سفر ولا خوف كما في الحديث السابق يلزمنا أن نجيزها لواحد من هذه الأعذار. فما موجب التفريق بين الظهرين والعشاءين؟
أما حجة من قصرها على العشاءين بأنه لم يثبت عن النبي إلا ذلك ، فإن هذا لا يعني أن حديث ابن عباس لم يدل عليها .
قال شيخ الإسلام عن حديث ابن عباس السابق: وبهذا استدل أحمد على الجمع لهذه الأمور بطريق الأولى ؛ فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى ، وهذا من باب التنبيه بالفعل فإنه إذا جمع ليرفع الحرج الحاصل بدون الخوف والمطر والسفر، فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يرفع ، والجمع لها أولى من الجمع لغيرها.
بقي عندنا حكم الجمعة مع العصر للمطر ، وقد جوز ذلك الشافعية كقولهم في الظهر، بخلاف الأئمة الثلاثة. والصواب إن شاء الله هو ما اختاره الشافعية لوجود العلة المقتضية للجمع، ولا يلزم من عدم ذكر الجمعة في حديث ابن عباس أنها غير داخلة، ولا يؤثر فيها على الصحيح خلاف أهل العلم ف كونها ظهرا مصورة أو هي صلاة مستقلة بذاتها ، والمعنى العام للجمع بين الصلاتين هو وضع إحداهما في وقت الأخرى وهذا حاصل بالجمعة. ثم إن الذين لم يجوزوا الجمع بين الظهرين للمطر ، نلزمهم بوجود المشقة في الظهرين كما هو الحاصل في العشاءين. وينتج عن هذا الإلزام ، إلحاق الجمعة بهما في الحكم ، والله أعلم.
قال المنبر : وهذا الذي انتهى إليه الشيخ ، يدل على فقه وعلم .
القنوت للنوازل في الجمعة:
ثبت في الصحيحين من حديث أنس أن النبي : (( كان يقنت في صلات الفجر والمغرب)).وثبت عند أحمد وأبي داود من حديث ابن عباس (( قنت رسول الله شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح)) .
فهل الجمعة تدخل في هذا أم لا؟ الجواب أنه مبني على مسألة الجمعة هل هي ظهر مقصورة أو صلات مستقلة بذاتها؟
والأحاديث لم تشر إلى الجمعة ، وقد لا يصح قياس هذه المسألة على مسألة الجمع بين الصلاتين ؛ فالعلة موجودة في الظهر والجمعة ، ولكن جمعة تفارق الظهر بكونها فيها خطبة والقنوت إنما هو دعاء.
فلعل الأظهر أنه يكتفي بالدعاء أثناء الخطبة حصول المقصود. لكن هناك حديث رواه الطبراني في الأوسط عن البراء بن عا+ أن النبي كان لا يصلي صلات مكتوبة إلا قنت فيها.أهـ.
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال : رجاله موثوقون. قال ابن القيم في الزاد عن إسناده هذا الحديث ما نصه وهذا الإسناد وإن كان لا تقوم به حجة ، فالحديث صحيح من جهة المعنى ؛ لأن القنوت هو الدعاء ، ومعلوم أن رسول الله لم يصل صلات مكتوبة إلا دعا فيها. أهـ.
قلت: إن ثبت حديث الطبراني هذا فهو حجة في جواز القنوت للنازلة في صلاة الجمعة لدخول الجمعة في كونها صلات مكتوبة ، إذا إن نص حديث : (( لم يصل صلاة مكتوبة . . الحديث)) والله أعلم.
· سلام الخطيب على المأمومين:
استحب جمهور أهل العلم كابن عباس وابن ال+ير وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والشافعي وأحمد وغيرهم أن يسلّم الخطيب على المأمومين إذا صعد المنبر.
وعند الشافعية يستحب له أن يسلم مرتين : الأولى عند دخوله المسجد يسلّم على من هناك ، وعلى من عند المنبر إذا انتهى إليه ، والثانية إذا وصل أعلا المنبر.
ومنع أبو حنيفة السلام وقال : يكره ، وقال مالك : لا يسلّم وأنكره .
قال أبو جعفر الطحاوي : لم يرو عن النبي في ذلك شيء صحيح.
وروى فيه أحاديث ضعاف ، والقياس يمنع منه ؛ لأنه إذا تقدم للإمامة لا يسلّم ، والمؤذن إذا أشرف على الناس لا يسلّم ؛ فكذلك إذا صعد المنبر.
قلت: ومما روي في السلام على المنبر ما رواه البيهقي عن ابن عمر وجابر أن النبي كان إذا صعد المنبر يوم الجمعة قال : السلام عليكم )) .
قال النووي في المجموع: وإسنادهما ليس بقوي ، وضعّفه ابن عدي وابن حبان ، كما ذكر ذلك حافظ في التلخيص.
ومن ذلك ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن الشعبي قال : (( كان رسول الله إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال : السلام عليكم . . . الحديث )) قال الحافظ: وهو مرسل. وفي الباب عن عطاء مرسلاً.
وحاصل المسألة أنه تبين لك أنه لم يصح في ذلك شيء عن النبي كما قال أبو جعفر ، وعلى فرض الصحة ؛ فإن الأحاديث منها ما جاء فيه ذكر السلام مبهماً ، ومنها ما فسر بقوله : (( السلام عليكم )) ؛ دون ورحمة الله وبركاته ، فهل يقتصر على ما ورد ، أو يؤخذ بالأكمل كما في الذي صح عنه عند أبي داود والترمذي والنسائي من حديث عمران بن حصين قال : جاء رجل إلى النبي فقال السلام عليكم فرد عليه ثم جلس فقال النبي (( عشر )) ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجليس فقال : (( عشرون )) ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس فقال : (( ثلاثون )) .
وحاصل هذه المسألة أنه يظهر لي أن الأمر في ذلك واسع ، وأنه وإن لم يرد بخصوص الجمعة شيء ؛ فعموم الأحاديث الدالة عل السلام على المسلمين تؤيد ذلك، والله أعلم.
· إقبال الخطيب بوجهه على المأمومين ، وعدم التفاته يمينا وشمالا :
اعتاد بعض الخطباء على الالتفات يمينا وشمالا أثناء الخطبة ، أو عند الصلاة على النبي . وقد قال القاسمي في كتابه إصلاح المساجد: ولا أصل لذلك ؛ بل السنة استقبال الناس بوجهه من أول الخطبة إلى آخرها.
ونقل النووي في المجموع عن صاحب حاوي وغيره أن هذا الالتفات باطل لا أصل له ، واتفق العلماء على كراهة هذا الالتفات ، وهو معدود من البدع المنكرة.أهـ.
وإذا كان أبو حنيفة يرى أنه يلتفت يميناً وشمالاً في بعض الخطبة كما في الأذان ؛ لكن قال النووي : هذا غريب لا أصل له .أهـ.
وقد ذكر ابن قدامة وغيره أن من سنن خطبة أن يقصد الخطيب تلقاء وجهه؛ لأن النبي كان يفعل ذلك . ولأنه أبلغ في سماع الناس ، وأعدل بينهم ؛ فإنه لو التفت إلى أحد جانبيه لأعرض عن الجانب الآخر.أهـ ، والله أعلم.
· استحباب ذكر الخلفاء الراشدين في الخطبة:
جرت عادة أهل السنة من قديم الزمن على ذكر الخلفاء الأربعة في الخطبة ، وظن بعض من لا علم عندهم أن هذا من الأمور المبتدعة ، فوافقوا بذلك الشيعة الذين أنكروا ذكرهم وابتدعوا مكانها ذكر الأئمة الاثني عشرية.
وقد رد شيخ الإسلام هذا الزعم الباطل بما خلاصته:
الوجه الأول: أن ذكر الخلفاء على المنبر كان على عهد عمر بن عبد العزيز ، بل روي أنه كان على عهد عمر بن الخطاب وحديث ضبة بن محصن & من أشهر الأحاديث في قصة أبي موسى الأشعري الذي كان يدعو في خطبته لعمر بن الخطاب.
الوجه الثاني: أنه قد قيل إن عمر بن عبد العزيز ذكر الخلفاء الأربعة لما كان بعض بني أمية يسبون علياً فعوّض عن ذلك بذكر الخفاء والترضي عنهم ليمحو تلك السنة الفاسدة.
الوجه الثالث: أن أهل السنة لا يقولون إن ذكر الخلفاء في الخطبة فرض ، بل يقولون إن الاقتصار على علي وحده أو الأئمة الاثني عشر هو البدعة المنكرة ، وإن كان ذكر علي لكونه أمير المؤمنين مستحب ، فذكر الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون أولى بالاستحباب.
الوجه الرابع: أن ذكر الخلفاء الراشدين على المنبر يوم الجمعة إنما هو تعويض عن سب من سبهم وقدح فيهم ؛ ليكون ذلك حفظاً للإسلام بإظهار موالاتهم والثناء عليهم. أهـ.
· مفهوم الموعظة:
أخطأ بعض الناس من خطباء وغيرهم في مفهوم الموعظة ، فبعضهم قصرها على التخويف وآخرون قصروها على الترغيب ، ونتيجة القولين أحدثت نقداً من البعض ، بسبب قصور هذا الفهم ، على بعض الخطباء الذين يتكلمون في خطبهم عن بعض الأحداث المعاصرة أو نحو ذلك والتعليق عليها بما ينفع المسلمين؛ ومن ثم فقد يوجه اللوم على من يسير على هذه الطريق بأنك لا تهتم بالوعظ في الخطب ولو أنك فعلت كذا وكذا . . . الخ.
أقول بياناً لهذا المفهوم – البعيد عن الحق –:
الوعظ في اللغة : الأمر بالطاعة والوصية بها ، قال ابن سيده في المصباح المنير: وعظه يعظه وعظاً وعظةً : أمره بالطاعة ووصاه به وعليه قوله تعالى : { قل إنما أعظكم بواحة } [سبأ:46]. أي أوصيكم وآمركم ، فاتعظ أي ائتمر وكف نفسه ، والاسم : الموعظة ، وهو واعظ والجمع وعاظ. أهـ.
وقال الرازي في مختار الصحاح : وعظ (( الوعظ)) : النصح والتذكير بالعواقب.أهـ.
والوعظ في الاصطلاح: قال عنه العلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقران ما نصه:
(( تنبيه: فإن قيل : يكثر في القرآن إطلاق الوعظ على الأوامر والنواهي كقوله هنا : { يعظكم لعلكم تذكرون } [النحل:90]. مع أنه ما ذكر إلا الأمر والنهي في قوله : { إن الله يأمر بالعدل إلى قوله: وينهى عن الفحشاء } الآية [النحل:90]. وكقوله في سورة البقرة بعد أن ذكر أحكام الطلاق والرجعة : { ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر} [البقرة:232]. وقوله في النهي عن مثل قذف عائشة : { يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا } الآية [النور:17]. مع أن المعروف عند الناس أن الوعظ يكون بالترغيب والترهيب ونحو ذلك لا بالأمر والنهي .
فالجواب: أن ضابط الوعظ: هو الكلام الذي تلين له القلوب ، وأعظم ما تلين له قلوب العقلاء: أوامر ربهم ونواهيه ، فإنهم إذا سمعوا الأمر خافوا من سخط الله في عدم امتثاله وطمعوا فيما عند الله من الثواب من امتثاله.
وإذا سمعوا النهي خافوا من سخط الله في عدم اجتنابه ، وطمعوا فيما عنده من الثواب في اجتنابه فحداهم حادي الخوف والطمع إلى الامتثال ، فلانت قلوبهم للطاعة خوفاً وطمعاً )).أهـ.
قلت: وبهذا يتضح غلط من قصر الوعظ على الترغيب أو الترهيب أو عليهما جميعا ، وبه تبين كذلك أن كل ما أوصل إلى التذكر أو تصحيح الخطأ في كل شأن من شئون الناس الدينية أو الدنيوية فهو من باب الوعظ ؛ ولذلك جاء الوعظ حتى في الأمر والنهي كما ذكر ذلك صاحب أضواء البيان آنفاً.
وأقول زيادة على آيات الطلاق كذلك آيات الظهار ؛ حيث قال جل شأنه : { فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به } [المجادلة:3]. وهذا في جانب فقهي بحت، وقال سبحانه : { قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى و فرادى ثم تتفكروا . . . . } الآية [سبأ:46]. وهذا في جانب العقائد . وبالله التوفيق.
· الطهارة من الحدث في الخطبة:
اشترط الشافعية وأبو يوسف من الحنفية الطهارة من الحدث ، وكذا الطهارة من النجاسة في البدن والثوب والمكان.
وأما جمهور أهل العلم فعلى عدم اشتراط الطهارة من الحدث سواء كان أصغر أو أكبر على الصحيح من أقوالهم ، ودليلهم في هذه المسألة أن الخطبة ذكر وموعظة وليست صلاة ، والحدث مطلقا لا يمنع من الذكر إلا أن الطهارة من كل ذلك مندوبة للتأسي والاتباع ، لأن النبي كان يصلي عقيب الخطبة لا يفصل بينهما بطهارة ، فدل على أنه كان متطهراً ، ومن لم يكن كذلك فإنه يحتاج إلى الطهارة بين الصلاة والخطبة ، فيفصل بينهما وربما طول على الحاضرين. والراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الجمهور.
وقد قال الإمام أحمد في من خطب وهو جنب ثم اغتسل وصلى بهم : يجزئه.
قال ابن قدامة في المغني: وهذا إنما يكون إذا خطب في غير المسجد ، أو خطب في المسجد غير عالم بحال نفسه ثم علم بعد ذلك أهـ. والله تعالى أعلم.
· إذا قرأ الخطيب آية فيها سجدة:
أود أن أبين قبل الشروع فيما يتعلق بالعنوان – حكم سجود التلاوة في اختصار شديد؛ فأقول : اختلف أهل العلم في سجود القرآن على قولين: فعند الحنفية أن سجود التلاوة واجب ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله خلافاً للجمهور الذين قالوا بأن سجود التلاوة سنة وليس واجباً ، وهم بلا شك أحظ بالدليل من غيرهم ، ومما استدلوا به على ما ذهبوا إليه ما روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال : (( قرأت على النبي { والنجم } فلم يسجد فيها )). ولو كان السجود واجباً لأمره النبي ولو بعد ذلك.
ويدل على ذلك أيضاً: ما رواه البخاري في صحيحه بسنده في قصة قراءة عمر بسورة النحل وسيأتي بعد قليل.
ومما يتعلق بهذه المسألة أيضاً باختصار أن سجود التلاوة في حق القارئ والمستمع على ما دلت عليه السنة لما جاء في صحيح البخاري أن ابن عمر رضي الله عنهما قال : (( كان النبي يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد حتى ما يجد أحدنا موضع جبهته )). وأما السامع وهو غير المستمع فلا يؤكد في حقه السجود كما يؤكد على المستمع كما قال الشافعي رحمه الله . وقد روى عبد الرزاق بسند صحيح (( أن عمران مر بقاص فقرأ القاص السجدة فمضى عمران ولم يسجد معه )) ، وصح مثل ذلك عند عبد الرزاق عن سلمان. وروي مثله عن عثمان & (( أنه مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان فقال عثمان: إنما السجود على من استمع ثم مضى ولم يسجد )) أهـ. بقي معنا ما يتعلق بسجود الخطيب على المنبر إذا مر بآية سجدة ، فالذي اطلعت عليه أن مالكاً رحمه الله يرى أنه يمر على آية السجود ولا يسجد.
ولكن المتأمل في سنة النبي يجد خلاف ما ذهب إليه مالك رحمه الله ؛ فقد أورد الحافظ ابن حجر في الفتح ما رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم من حديث أبي سعيد أن النبي قرأ وهو على المنبر ، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه ، ثم قرأها في يوم آخر فتهيأ الناس للسجود فقال : (( إنما هي توبة نبي ، لكني رأيتكم تهيأتم ، فنزل وسجد وسجدوا معه )) أهـ. قال العراقي: إسناده صحيح أهـ. نقل ذلك الشوكاني عنه في نيل الأوطار.
ومن ذلك ما ثبت عند البخاري في صحيحه عن عمر & : (( أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل ، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس ، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال : يا أيها الناس ، إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه ، ولم يسجد عمر & )) أهـ. فيثبت بذلك مشروعية سجود التلاوة ولو على المنبر وهذا من سنة النبي .
· هل يمكن أن يتولى الصلاة من لم يتول الخطبة:
السنة أن يتولى الصلاة من يتولى الخطبة ؛ لأن النبي كان يتولاهما بنفسه ، وكذلك خلفاؤه من بعده ، وللإمام أحمد في هذه المسألة ثلاث روايات:
الرواية الأولى: جواز ذلك للعذر نص عليه لأنه إذا جاز الاستخلاف في الصلاة الواحدة للعذر ففي الخطبة مع الصلاة أولى.
والرواية الثانية: أنه إذا لم يكن هناك عذر فقد قال أحمد: لا يعجبني من غير عذر . وهذا يحتمل المنع ويحتمل الجواز.
والرواية الثالثة: أنه لا يجوز الاستخلاف لعذرٍ ولا لغيره ؛ لأن هذا لم ينقل عن النبي ولا عن خلفائه .
لكن الرواية الأولى هي المذهب كما ذكر ذلك ابن قدامة في المغني.
وبالجواز والصحة قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين: (( وهو قول جمهور أهل العلم ، لكنهم اختلفوا : هل يشترط أن يكون المصلي ممن حضر الخطبة ؟ فيه روايتان في المذهب : إحداهما : أنه يشترط أن يكون المصلي ممن حضر الخطبة؟
فيه روايتان في المذهب : إحداهما : أنه يشترط ، وهو قول الثوري وأصحاب الرأي وأبي ثور ؛ لأنه إمام في الجمعة فاشترط حضوره الخطبة كما لو لم يستخلف . والرواية الثانية: لا يشترط ، وهو قو الأوزاعي والشافعي ؛ لأنه ممن تنعقد به الجمعة فجاز أن يؤمّ فيها كما لو حضر الخطبة. والله تعالى أعلم.
· إيراد الأحاديث الضعيفة في الخطب :
هذه المسألة تتردد كثيرا بين الخطباء بين مؤيد ورافض ، وللحاجة الماسة إلى كشف هذه المسألة فإني أشير إليها على عجالة لا تخل بالمقصود فأقول :
الذين يجيزون الاستدلال بالأحاديث الضعيفة من الخطباء أو طلبة العلم شبهتهم في ذلك أمور هي كالتالي:
أ- ما نقله الحافظ ابن كثير في مصطلح الحديث عن الإمام أحمد ، وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن المبارك : (( إذا روينا في الحلال والحرام شددنا ، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا )) .
ب- ما نقله الحافظ السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر على أن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة:h
1- أن يكون الضعف غير شديد ، فيخرج من انفرد من الكذابين ، والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه.
2- أن يكون مندرجاً تحت أصل عام ، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلاًً.
3- أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته ، لئلا ينسب إلى النبي ما لم يقله .
ج- ما ذكره غير واحد من المتأخرين على أن الاستحباب يثبت بالضعيف غير الموضوع.
أما الذين لا يجيزون الاستدلال بالأحاديث الضعيفة فإنهم يجيبون عن أدلة المجيزين بما يلي:
أولا: أن ما نقل عن الإمام أحمد وابن مهدي وابن المبارك فقد أجاب عنه العلامة أحمد شاكر في الباعث الحثيث؛ حيث قال : (( فإنما يريدون – فيما أرجح والله أعلم – أن التساهل إنما هو في الأخذ بالحديث الحسن الذي لم يصل إلى درجة الصحة؛ فإن الاصطلاح في التفرقة بين الصحيح والحسن ، لم يكن في عصرهم مستقراً واضحا ، بل كان أكثر المتقدمين لا يصف الحديث إلا بالصحة أو بالضعف فقط )) أهـ.
قلت: ولعل مراد العلامة أحمد شاكر وغيره بالحسن ، الحسن لغيره ، وأما الحسن لذاته فهو حجة كما قال العراقي في ألفيته:
وهو بأقسام الصحيح ملحق حجية وإن يكن لا يلحق
ثانيا: أن الشروط التي ذكرها الحافظ بن حجر يجاب عنها كالتالي:
أما الشرط الأول: أن معرفة حال الحديث وكونه شديد الضعف من عدمه مما يشق الوقوف عليه عند جماهير الناس ، وأما سماسرة الحديث فعندهم في الصحيح غنية عن الضعيف .
وأما الشرط الثاني: أن يكون الحديث مندرجا تحت أصل عام. فهذا رد على أصحابه ؛ لأننا لو قلنا به لظهر أن العمل في الواقع ليس بهذا الحديث الضعيف وإنما هو بالأصل العام الذي اندرج تحته الحديث الضعيف . وأن العمل به وارد سواء وجد الحديث الضعيف أم لا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (( القاعدة الجليلة )): (( ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة ، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت ، إذا لم يعلم أنه كذب ، وذلك أن العلم إذا عل أنه مشروع بدليل شرعي ، ولم يقل أحد من الأئمة : إنه يجوز أن يجُعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع )) أهـ.
وأما الشرط الثالث: فإن يرد على نفسه ؛ إذ ما الفائدة من حديث لا تعتقد عند العمل به ثبوته عن النبي لئلا ينسب إليه ما لم يقله . والواقع أنه إذا لم نعتقد ثبوته عن النبي فهو وكلام البشر سواء.
ولذلك فإن حاصل الأمر أنه لا يجوز العمل بالحديث الضعيف عند أئمة المحققين كابن معين والبخاري ومسلم وابن العربي وابن حزم وابن رجب وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهم كثير وكثير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( وما كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة ، ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه )) أهـ.
تنبيه : ما سبق ذكره مقتبس من كلام العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله بتصرف وإضافات من مقدمه كتابه ضعيف الجامع الصغير وزيادته فليراجع. والله الموفق.
· السجع :
يقع بعض الخطباء وفقهم الله لكل خير في عادة مذمومة جمعت مذمتين ؛ ألا وهي عادة السجع المتكلف في الخطب ، حيث يجمع مذمتين إحداهما ترادف الكلمات بحيث تصبح الخطبة حشواً يغني عنه كلمة أو كلمات ، والأخرى كون السجع مذموماً في بعض الأحوال.
ومما يدل على ذم السجع ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة & : (( . . . وفيه وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم فقال حمل بن النابغة الهذلي : يا رسول الله كيف يغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل!)) فقال رسول الله : (( إنما هذا من إخوان الكهان . . . )) [متفق عليه].
وقد أخذ العلماء من هذا الحديث أن السجع مكروه لسببين :
الأول : إذا عورض به حكم الشرع كما في الحديث .
الثاني : إذا تكلفه المخاطب في مخاطبته ، وأما إذا لم يتكلفه فإنه لا يكره ، وعلى هذا يحمل ما ثبت في غير ما حديث من الأحاديث التي ورد فيها السجع.
وثبت عن عائشة أنها قلت لكاتب : (( إياك والسجع فإن النبي وأصحابه كانوا لا يسجعون )) [رواه أحمد بإسناد صحيح].
وثبت في البخاري عن ابن عباس وفيه : (( وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت النبي وأصحابه لا يفعلون ذلك)) قلت: وهذا كله محمول على التكلف في السجع.
قال المنبر : وأسوأ من السجع ، الإتيان بمفردات صعبة أو غير معروفة عند العوام . كقولهم : ما فتيء الناس أو ما انفكوا . أو الإتيان ببعض أمثال العرب التي لها قصة قد تخفى على الكثير من الخواص فضلا عن العوام ، فيفوت المقصود من ضرب المثل للعبرة والاتعاظ كاستشهاد احدهم بقوله : لقد أضحى المؤمن اليوم : أهون من قعيس على عمته .
[انظر قصة المثل في : موسوعة أمثال العرب الجزء الثالث صفحة 249]
· وقت الخطبة :
يلحظ على بعض الخطباء وفقني الله وإياهم وجميع إخواننا المسلمين أنهم يلتزمون في دخولهم إلى المنبر وقتا واحدا على مدار السنة ، ولو اختلف التوقيت فزاد أو نقص ، وهذا فيما يظهر لي أنه ليس بجيد لعدة أمور:
الأمر الأول:أن فيه خروجا من خلاف أهل العلم في وقت الجمعة: وهل هو بعد الزوال أم قبله ، أم مع الزوال؟
الأمر الثاني: أن هذا فيه مشقة على الناس ، فلو نظرنا مثلا إلى وقت الظهر في مدينة الرياض لوجدنا أنه يختلف باختلاف الفصول؛ فقد يدخل وقت الظهر في الساعة الحاديثة عشر ونصف الساعة تقريبا كأدنى حدٍ له في السنة ، وقد يصل إلى الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق تقريبا كأعلى حد له في السنة ، ومع ذلك تجد بعض الخطباء يلتزم الدخول مطلقا طوال العام في الساعة الثانية عشرة تقريبا ، ومع أن وقت الزوال يبدأ في الساعة الحادية عشرة ونصف الساعة تقريباً ، فيكون هناك زيادة نصف ساعة على الناس تثقل عليهم في مقابل قرب دخول وقت العصر ، فيصبح الوقت بين الظهر والعصر قليلا عند بعض المساجد التي تؤخر الصلاة.
والذي ثبت عن النبي من حديث سلمة بن الأكوع أنه قال: ((كنا نجمع مع النبي إذ زالت الشمس ثم نرجع فنتتبع الفيء)). [أخرجه البخاري ومسلم]. وفي هذا دليل على التبكير بها في وقتها حسب اختلاف دخوله بالنسبة لفصول السنة. والعلم عند الله تعالى.
· السواك قبل الخطبة :
اعتاد بعض الخطباء على أن يستخدم السواك إذ صعد المنبر وجلس للأذان ، وهذا فيما أعلمه ليس من السنة ، فإن ظن الخطيب أن الاستياك قبل الخطبة من السنة فهو بدعة ، وأما إن كان يرى أن السواك لا يُحد بوقت ، وقد يستحب عند تغير رائحة الفم ، فيقال ان كان كذلك فليحرص الخطيب على ألا يكون عند الصعود على المنبر ، لئلا يظن الناس أنه سنة في ذلك الوقت والله أعلم.
· الإعداد للخطبة :
بعض الخطباء لا يعد للخطبة إلا في صبح الجمعة أو قبلها بسويعات ، والذي يفعل ذلك إن كان فعله له سبب يبيح ذلك له فالضرورة لها أحكامها ، أما إذا كان ديدنه ذلك أو يقتلع إحدى الخطب ثم يلقيها من على المنبر ، فهذا ممن لا يحمل دعوة ولا رسالة وإنما اتخذ المنبر عادة أو ت+با ، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
فالواجب على الخطيب أن يضع جل همه وتفكيره في خطبة الجمعة ، ويفرغ لها الوقت الطويل لإعدادها الإعداد المناسب ، حتى تبرأ الذمة ويحصل المقصود ، والله الموفق.
ترتيل الآيات في الخطبة
أشير إلى ما يفعله بعض الخطباء حين استشهادهم في خطبهم ببعض الآيات ؛ حيث يقومون بترتيلها ولو كانت آيتين فأقل بل إن بعضهم لا يكاد بمر بآية! إلا ويرتلها ، ومحط السؤال هنا هو أنني لم أجد حسب بحثي القاصر ما يدل على هذا من سنة النبي ، بل إنني وجدت أحاديث كثيرة يستشهد فيها النبي بآية من القرآن ولم يأت فيها ما يدل على أنه كان يرتلها ، ومعلوم أن الترتيل إنما يكون عند التلاوة ويدل على ذلك قوله تعالى : { ورتل القرآن ترتيلا } [المزمل:4].
ولذا فإنني لا زلت أبحث جاهدا للوصول إلى نتيجة مقنعة تؤكد ما يذكره البعض من أن هذا بدعة في الخطب ، إلا أن صعوبة التبديع تجعلني أتقاصر عن هذا البحث ، ولكنني أقول : إن هذا خلاف سنة النبي المعروفة عنه بالاستقراء سواء كانت في أثناء الخطبة أو في أثناء حديثه للصحابة رضي الله عنهم ، لا أعلم بعد التتبع ما يدل على أنه كان يرتل الآية الواحدة أو الآيتين في الاستشهاد. والعلم عند الله تعالى.
الاستعاذة عند قراءة آية في الخطبة
ما يلتزمه بعض الخطباء في خطبهم من التغاير اللافت عند الاستشهاد بالآيات كذلك ، حيث إن بعض الخطباء لا يزيد على قوله : قال الله تعالى . . . الآية. أو نحو ذلك. ولكنه إذا جاء يختم الخطبة بآية قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ثم يقرأ الآية. ولا شك أن هذا لا وجه له لأمور.
أحدها: أنه ليس قراءة ، والله يقول : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } [النحل:98]. والمراد بالقراءة هنا التلاوة.
وثانيها: أن النبي لم يكن يفعل ذلك حسب الاستقراء في استشهاداته بالآيات.
وثالثها: أن مثل هؤلاء الخطباء يلتزم الاستعاذة في الآية الأخيرة ، دون ما يسبقها من آيات ، ولا شك أن هذا مثار الإشكال والنقد ، وبالله التوفيق
· استيعاب الخطبة للموضوع:
يخطئ بعض الخطباء الفهم حينما يظنون أن الخطبة يمكن أن تستوعب معظم الموضوعات التي يراد طرحها . وهذا من وجهة نظري ليس بصحيح؛ لأنه يوقع في سلبيات متعددة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أ- الإكثار في الحشو من الأدلة والنقاط المتعلقة بالموضوع بحيث ينسي آخرها أولها.
ب- الإطالة على المستمعين في الخطبة ، ومن ثم خروجها عن المقصود وهو التخفيف ؛ ولذلك نجد بعض الخطباء قد يتجاوز النصف ساعة فأكثر وهذا مشاهد.
ت- أن المراد من طرح الموضوع هو التذكير والعظة وهذا يحصل من دون إطالة ، بل يكفي التركيز على أساسيات الموضوع مع عدم لزوم الاستيعاب ؛ لأنه كما قيل: الحر تكفيه الإشارة.
قال المنبر : ولايفهم من كلام الشيخ حفظه الله ، أن يتناول الخطيب موضوعا ، ثم لا يوفيه حقه من البحث والتفصيل ، بل المراد عدم التوسع والحشو الزائد الذي له مقام غير الخطبة .
· توقيت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بنهاية العام:
المتتبع لأحوال جملة من الخطباء يجد أنهم يتحدثون في نهاية العام عن حادث الهجرة ، ولي على هذا الأمر ملحوظتان:
الأولى: أن هجرة النبي إنما كانت في شهر ربيع الأول بعد مضي ثنتي عشرة ليلة منه في يوم الاثنين كما ذكر ذلك الطبري في تأريخه. وإن الذي ابتدأ التأريخ على الصحيح هو عمر بن الخطاب & سنة سبع أو ثماني عشرة من الهجرة حينما احتاجوا إلى التأريخ فاستشار الصحابة فقال بعضهم : من مبعثه ، وقال آخرون: من مهاجره ، فقال عمر &: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فارضوا بها.
ثم اختلفوا من أي شهر يكون ابتداء السنة ، فقال بعضهم : من رمضان ؛ لأنه الذي فيه أنزل القرآن ، وقال آخرون : بل من ربيع الأول وقت مهاجره ، واختار عمر وعثمان وعلي أن يكون من المحرم ؛ لأنه شهر حرام يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدي المسلمون فيه حجهم الذي به تمام أركان دينهم فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من شهر الله الحرام.
الثانية: أن بعض الخطباء يستغل نهاية العام وحادث الهجرة للتذكير بالمحاسبة على هيئة الالتزام بذلك في نهاية كل عام ، والذي يظهر لي أن نهاية العام أمر نسبي يختلف من شخص لآخر ؛ فكل شخص ينتهي عامه بتمام سنة من تاريخ ولادته ، فضلاً عن كون المحاسبة غير مختصة بنهاية كل عام ؛ فإن المرء مأمور بالتوبة والمحاسبة في كل يوم من أيام حياته . وبالله التوفيق.
قال المنبر : وهذه اللفتة توجب على البعض مراجعة منهجه في الخطب ، وإعمال ذهنه فيما اعتاد عليه ، وهو يحسب أنه يحسن صنعا .
· تحريك الخطيب يديه حال الخطبة:
اعتاد بعض الخطباء لا سيما المرتجل منهم أن يحرك يديه ويشير بهما يمنة ويسرة ويشتد التحريك عند الانفعال ، ولأجل ذا كان من المناسب أن أشير إلى كلام أهل العلم في هذه المسألة ، فأقول وبالله التوفيق:
قال ابن قدامة في المغني بعد أن استحب الاعتماد على قوس أو سيف أو عصا وذكر الدليل على ذلك : ولأن ذلك أعون له ، فإن لم يفعل ، فيستحب أن يسكن أطرافه ، إما أن يضع يمينه على شماله ، أو يرسلهما ساكنين إلى جنبيه.أهـ.
وقال النووي في المجموع بعد ذكر العصا أو السيف : قال أصحابنا ويستحب أن يشغل يده الأخرى بأن يضعها على حرف المنبر. قالوا: فإن لم يجد سيفاً أو عصاً ونحوه سكن يديه بأن يضع اليمنى على اليسرى أو يرسلهما ولا يحركهما ، ولا يعبث بواحدة منهما ، والمقصود : الخشوع والمنع من العبث. أهـ.
وقال الشوكاني عن الحكمة من اتخاذ العصا أو السيف حال الخطبة ما نصه : قيل والحكمة في ذلك الاشتغال عن العبث ، وقيل : إنه أربط للجأش. أهـ.
قلت: وبمثل ما ذكر الشوكاني رحمه الله ، قال شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز يرحمه الله على بلوغ المرام كما بينت ذلك . راجع حكم اتخاذ العصا للخطيب.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات : (( ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة ، وهو أصح الوجهين لأصحابنا ؛ لأن النبي إنما كان يشير بأصبعه إذا دعا ، وأما في الاستسقاء فرفع يديه لما استسقى على المنبر)) . أهـ.
قلت: ودليل ذلك ما روى حصين بن عبد الرحمن عن عمارة بن رؤيبة قال : (( رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال ، أي عمارة ، قبح الله هاتين اليدين ، لقد رأيت رسول الله ما يزيد أن يقول بيده هكذا ، وأشار بإصبعه المسبحة )) رواه مسلم في صحيحه.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين في شرحه على الزاد ما نصه : (( ليس من السنة أن يحرك يديه ، وإن كان بعض الخطباء بلغني أنهم يفعلون ذلك . . إلى أن قال : أما خطبة الجمعة فإن المغلب فيها التعبد ، ولهذا أنكر الصحابة على بشر بن مروان ؛ حيث رفع يديه في الدعاء ، مع أن الأصل في الدعاء رفع اليدين ، فلا يشرع فيها إلا ما جاء عن النبي )). أهـ. والعلم عند الله تعالى.