molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - صالح بن عبد الله بن حميد الأربعاء 16 نوفمبر - 5:16:35 | |
|
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
صالح بن عبد الله بن حميد
الخطبة الأولى
فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، وانتهوا عن معاصيه، والانقياد لأماني النفوس، ووساوس الشيطان، فالكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
أيها المؤمنون: أفشوا التناصح بينكم.. مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وخذوا على يد السفيه.
ولتعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. هو حصن الإسلام الحصين، والدرع الواقي من الشرور والفتن، والسياج من المعاصي والمحن، يحمي أهل الاسلام من نزوات الشياطين ودعوات المبطلين.
إنه الوثاق المتين الذي تتماسك به عرى الدين، وتحفظ به حرمات المسلمين.
وهل تظهر أعلام الشريعة وتفشوا أحكام الإسلام ألا بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. لا تستوفى أركان الخيرية لهذا الأمة المحمدية إلا به: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر [آل عمران:110].
إنه مجاهدة دائبة دائمة من كل مسلم حسب طاقته لإبقاء أعلام الإسلام ظاهرة، والمنكرات قصية مطمورة. هو فيصل التفرقة بين المنافقين والمؤمنين: المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف [التوبة:67].
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر [التوبة:71].
ولهذا يقول الغزالي رحمه الله :فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن هؤلاء المؤمنين.
أيها الإخوة المؤمنون: بارتفاع راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعلو أهل الحق والإيمان، ويندحر أهل الباطل والفجور. يورث القوة والعزة في المؤمنين المستمسكين، ويذل أهل المعاصي والأهواء.
يقول سفيان رحمه الله: إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر أخيك، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق.
ويقول الإمام أحمد: إن المنافق إذا خالط أهل الإيمان فأثمرت عدواه ثمرتها، صار المؤمن بين الناس معزولاً، لأن المنافق يصمت عن المنكر وأهله فيصفه الناس بالكياسة، والبعد عن الفضول، ويسمون المؤمن فضولياً.
عباد الله :إذا فشا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تميزت السنة من البدعة، وعرف الحلال من الحرام، وأدرك الناس الواجب والمسنون، والمباح والمكروه، ونشأت الناشئة على المعروف وألفته، وابتعدت عن المنكر واشمأزت منه.
وصاحب البصيرة مدرك أن ما أصاب بلاد الإسلام من جهل بالسنن والواجبات، والوقوع في البدع والمحرمات، ما هو إلا بسبب تقصير أهل العلم في هذا الجانب، والاستحكام السيئ في مناهج التعليم والتربية والتوجيه، حتى نشأت الأجيال لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً، وإنك لناظر في ذلك شيئاً كثيراً من الغلو في الصالحين بشتى درجاته، وفشو منكرات كبرى.. من ترك الصلوات، والوقوع في الربا والزنا وشرب الخمور وما هو دون ذلك وأكثر منه.
حقا أيها المؤمنون: إذا تعطلت هذه الشعيرة ودك هذا الحصن، وحطم هذا السياج، فعلى معالم الإسلام السلام، وويل يومئذٍ للفضيلة من الرذيلة، وويل لأهل الحق من المبطلين، وويل لأهل الصلاح من سفه الجاهلين وتطاول الفاسقين.
لا تكون ضعة المجتمع، ولا ضياع الأمة، إلا حين يترك للأفراد الحبل على الغارب، يعيشون كما يشتهون، يتجاوزون حدود الله، ويعبثون بالأخلاق، ويقعون في الأعراض، وينتهكون الحرمات من غير وازع أو ضابط، ومن غير رادع أو زاجر.
إن فشو المنكرات يؤدي إلى سلب نور القلب، وانطفاء جذوة الإيمان، وموت الغيرة على حرمات الله، فتسود الفوضى، وتستفحل الجريمة، ثم يحيق بالقوم مكر الله. حتى إن كثرة رؤية المنكرات يقوم مقام ارتكابها في سلب القلب نور التمييز وقوة الإنكار. لأن المنكرات إذا كثر على القلب ورودها، وتكرر في العين شهودها، ذهبت من القلوب وحشتها، فتعتادها النفوس، فلا يخطر على البال أنها منكرات، ولا يميز الفكر أنها معاصي.
يقول بعض الصالحين : إن الخوف كل الخوف من تأنيس القلوب بالمنكرات، لأنها إذا توالت مباشرتها ومشاهدتها أنست بها النفوس، والنفوس إذا أنست شيئاً، قل أن تتأثر به.
يقول نبيكم محمد وهو الصادق المصدوق: ((كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً (أي تلزمونه به إلزاماً) أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم، يعني بني إسرائيل))[1].
فواجب على كل مسلم ومسلمة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حسب الاستطاعة، وبخاصة فيما تحت قدرتهم ومكنتهم من منكرات البيوت وما في حكمها، وعلى كل صاحب علم وقلم وقدرة على البيان، وكل ذي أثر في المجتمع – مع العلم والحكمة – أن يقوم بالإرشاد والتوجيه، والنصح في الأمر والنهي، والسعي في إفشاء المعروف وزوال المنكر.
ولا يضعف المسلم أو يتوانى بدعوى أنه غير كامل في نفسه، فقد قرر أهل العلم أنه لا يشترط في منكر المنكر أن يكون كامل الحال، ممتثلاً لكل أمر، مجتنبا لكل نهي، بل عليه أن يسعى في إكمال حاله مع أمره ونهيه لغيره. ومما استدل به أهل العلم على ذلك قوله سبحانه في بني إسرائيل: كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه [المائدة:79]. مما يدل على اشتراكهم في المنكر ومع هذا حصل عليهم اللوم بترك التناهي فيه.ومن ذلك أيضا قوله : ((إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر))[2].
ولا بد لمن قام بهذا من التحلي بالرفق وسعة الصدر، وإن سمع ما يكره، فلا يغضب كأنه منتصر لنفسه، ولينظر للواقعين في المعاصي بعين الشفقة والرحمة والنصح،وليعرف نعمة الله عليه حيث لم يقع فيما وقعوا فيه، ولا ينظر إليهم نظر ازدراء وإعجاب بالنفس. وعليه بالتخلق بالصبر على ما يلقى، فهو ملاق أذى كثيرا. وليبتعد عن حلاوة المداهنة والمداراة، ولا يأسف على من هجره وقلاه، ولا يحزن على من فارقه وخذله. إنه بهذا المسلك يقطع أطماعه في الخلق، ويحصر تعلقه بربه ومولاه، ولا يتوكل إلا عليه، ومن توكل عليه كفاه.
وليعلم أيها المؤمنون: أن الأصل هو الستر على المسلم إذا وقع في معصية لعموم قوله : ((من ستر مسلما ستره الله في الدنيا و الآخرة))[3]. ولقوله عليه الصلاة والسلام لمن جاء إليه بصاحب معصية: ((لو سترته بثوبك كان خيرا لك))4. ولكن هذا في غير من عرف بالأذى والفساد ومعاودة المنكرات، فإن الستر على مثله يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات.
يقول الإمام أحمد رحمه الله: (( الرجل المعلق بالفسق لا حرمة له)).
فاتقوا الله رحمكم الله، واعلموا أنه لو طوي بساط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأهمل علمه وعمله، لتعطلت الشريعة، واضمحلت الديانة،وعمت الغفلة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق وخربت البلاد، وهلك العباد، وحينئذ يحل عذاب الله وإن عذاب الله لشديد.
أخرج النسائي وأبو داود واللفظ له من حديث أبي بكر رضي الله عنه عن النبي قال: ((ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا فلا يغيروا، يوشك أن يعمهم الله بعقاب))5
وأخرج أبو داود من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه فلم يغيروا إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا))6.
ويقول عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا فتدعون فلا يستجيب لكم))7. أخرجه الترمذي وحسنه من حديث حذيفة رضي الله عنه. وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال : ((يا أيها الناس مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم، وقبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يدفع رزقا، ولا يقرب أجلا، وإن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عموا بالبلاء))8.
رواه الأصبهاني وسكت عنه المنذري.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر. إنك على كل شيء قدير.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه محمد .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] رواه ابو داود (4/122-ح4336، ح4337) واللفظ له، والترمذي (5/235،236-ح3047،3048) وقال :حسن غريب، وابن ماجه ((2/1327-ح4006) وقال الهيثمي : رواه الطبراني رجاله رجال الصحيحين انظر مجمع الزوائد (7/269).
[2] أخرجه البخاري (6/208-ح3062) واللفظ له، ومسلم (1/106-ح111).
[3] أخرجه البخاري (5/116-ح2442)، ومسلم (4/1996-ح2580)، والترمذي (4/288-ح1930) واللفظ له.
4 أخرجه أبو داود (4/134-ح4377)، وأحمد (5/217)، ومالك في الموطأ بلاغا (2/821)، والنسائي في السنن الكبرى (4/306-ح7274).
5 أخرجه أبو داود (4/122-ح4338)،وابن ماجه (2/1329-ح4009)، وأحمد (4/361،363،364،366)، واليبهقي في السنن الكبرى (10/91).
6 أخرجه أبو داود (4/122-ح4339)، وأخرجه ابن حبان انظر الإحسان في قريب صحيح ابن حبان (1/536-ح300)
7 أخرجه الترمذي (4/406-ح2169)، وقال : حديث حسن، والبيهقي في السنن الكبرى (10*93)، وابن ماجه من حديث عائشة باختلاف يسير (2/1327-ح4004).
8 أخرجه الحافظ الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/157)، والمنذري (3/230،231) وعزاه للأصبهاني وأشار إلى ضعفه، وقال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفهم انظر مجمع الزوائد (7/266).
الخطبة الثانية
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره ولا رب لنا سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن أقام أمره واجتنب نهيه ودعا بدعوته واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المؤمنون: إن من التحدث بنعم الله سبحانه أن نذكر ببعض ما تتمتع به هذه البلاد من مزايا كبرى، لا تكاد توجد في غيرها – صانها الله وحفظها من كيد الكائدين وحسد الحاسدين، وكتب الخير والتوفيق والصلاح والأمن والرخاء لكافة بلاد المسلمين.
أيها المسلمون: لقد قامت هذه البلاد على دعوة الحق والتوحيد، وتحكيم كتاب الله وسنة نبيه محمد ، وأخذ الناس بهما في كافة مجالات الحياة، والسير على طريق السلف الصالح فلله الحمد والمنة.
وإن هناك خصيصة عظمى لا توجد في غير هذه البلاد فيما نعلم، تلكم أنها البلد الوحيد الذي أنشأ جهازا خاصا يقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متمثلين قوله تعالى: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر [آل عمران:104].
إنه جهاز خاص له نظامه وصلاحياته، كما أنه له الأثر العظيم في البلاد، وهو يحظى بتأييد كافة المسئولين ودعمهم، متعاون مع جميع المصالح الحكومية في سبيل تثبيت المعروف ونشره، وإزالة المنكر بشتى أشكاله وصوره، ولأهله النشاط المعروف والجهد المشكور في القضاء على الجرائم في مهدها. وبسط الأمن والطمأنينة على الأرواح والأعراض والممتلكات، سالكين مسلك العلم والحكمة، والرفق في غير ضعف، والقوة في غير عنف، وهم – بعد توفيق الله وعونه – مؤيدون كل التأييد من المسئولين في البلاد، محل الثقة من المجتمع كله، فجزى الله الجميع عن البلاد وأهلها خير الجزاء.
أيها الإخوة : إنها كلمة حق يجب أن تقال، وأعمال يجب أن تذكر فتشكر مع ما نرجو ونؤمل من المزيد من النشاط والعمل، كما نؤمل المزيد من الدعم والتأييد، فالتيارات كثيرة، والمغرضون كثير، ولكن الخير ظاهر، والحق علي بإذن الله، والحمد لله على ذلك كثيرا.
| |
|