molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - خالد بن عبد الله المصلح الجمعة 4 نوفمبر - 3:41:40 | |
|
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
خالد بن عبد الله المصلح
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها المؤمنون بالله ورسوله، اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أيها المؤمنون، اشكروا نعمة الله عليكم بالانتساب إلى الإسلام، الذي هو دين الله، وبأن جعلكم من خير أمة أخرجت للناس، فإن هذه أجل النعم وأعظمها.
أيها المؤمنون، إن خيرية هذه الأمة على سائر الأمم ليست نابعة عن مجاملة أو محاباة أو اختصاص بلا مسوغ، بل هي منبثقة عما ذكره الله تعالى عنها في كتابه حيث قال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بالله [آل عمران:110]، فمناط الخيرية في أمة الإسلام ـ يا عباد الله ـ موصول العُرى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المنبثق من الإيمان بالله ورسوله، فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات تحققت فيه الخيرية، وإلا فلا، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قرأ هذه الآية: (من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها).
أيها المؤمنون، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم للدين، وهو الذي من أجله بعث الله المرسلين، وهو مهمة ووظيفة خاتم النبيين، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ [الأعراف:157]. فالله تعالى بعث محمدًا ناهيًا عن المنكر، داعيًا إلى المعروف على هدى وبصيرة.
عباد الله، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة دينية، أمر الله بها المؤمنين، فقال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]. وقد قال : ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده))[1].
أيها المؤمنون، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبرز صفات المؤمنين، ولذلك قال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71].
أيها المؤمنون، لقد لعن الله على لسان رسله قومًا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79].
عباد الله، أيها المؤمنون، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات الشرعية والشعائر الدينية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوجب الأعمال وأفضلها وأحسنها عند الله".
أيها المؤمنون، إن هذه المنزلة العالية التي جعلها الله للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما هي لأجل ما يحصل به من الفوائد الكبار والمصالح العظام التي تعود على الآمر والناهي، وعلى المأمور والمنهي، بل يعود خيرها على الأمة بأسرها، فمن أبرز فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القيام بما أمر الله سبحانه وتعالى به، فإن الله سبحانه أمر به كما قال جل ذكره: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع بلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))[2].
فبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقوم الحجة على الخلق والشهادةُ عليهم، فإن الله بعث الرسل مبشرين ومنذرين، آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، قال الإمام مالك رحمه الله: "وينبغي للناس أن يأمروا بطاعة الله، فإن عُصوا كانوا شهودًا على من عصاهم".
أيها المؤمنون، إن من فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إقامة الملة والشريعة وحفظ الدين والشعائر، قال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:251]، فبالأمر بالمعروف تقوم الشريعة، وبالنهي عن المنكر تندثر الرذيلة والمعصية.
أيها المؤمنون، ومن فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكبار وحسناته العظام أن الله جعله سببًا لدفع العقوبات العامة ورفعها، فإن ترك هذه الشعيرة العظيمة من أهم أسباب وقوع العقوبات، فالأمر بالمعروف سياج الإيمان، والعاصم من وقوع غضب الله الواحد الديان، قال الله تعالى: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ [هود:116]، وقال سبحانه: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117].
وفي مسند الإمام أحمد بسند جيد عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم لتدعنّه فلا يستجيب لكم))[3]. قال ابن العربي رحمه الله: "وهذا فقه عظيم، وهو أن الذنوب منها ما يعجل الله عقوبته، ومنها ما يمهل به إلى الآخرة، والسكوت عن المنكر تتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات، وركوب الذل من الظلمة للخلق".
وهذا يبين ـ يا عباد الله ـ سنة من سنن الله تعالى في الأمم والمجتمعات، فإن الأمة التي يقع فيها الظلم والفساد فينهض لهما من يدفعهما وينكرهما هي أمة ناجية، لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير.
أما الأمة التي يظلم فيها المستبدون، ويفسد فيها المفسدون، فلا يكون فيها من ينكر المنكر ويجابه الفساد، فهي أمة مهددة بالدمار والعقاب العام، فالأخذ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان وسبب نجاة.
أيها المؤمنون، إن من حسنات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انقماع الفساد وأهله، وانخناس الشيطان وجنده، واندحار الشر وح+ه، فكلما نشط الخير ضعف الباطل، وكلما أشرع المعروف أعلامه طوى الشر والفساد شراعه.
قال الغزالي رحمه الله في بيان سوء عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد".
فاتقوا الله عباد الله، فإن الأمر بالمعروف عزّ لأهل الإيمان، وذل لح+ الشيطان، قال سفيان الثوري: "إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق". وذلك أن أهل الفساد يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، قال عثمان بن عفان: (ودت الزانية لو زنى النساء كلهن). فظهور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحاصر به الرذيلة، وتنقمع به المعصية، ويقع الرعب والخوف في قلوب أرباب الفساد والمعاصي، وهذا مشاهد ملموس، فهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما هي عليه إلا أن لها من الهيبة والرهبة في صدور المفسدين ما يعرفه المجربون المطلعون.
[1] أخرجه مسلم في الإيمان (70).
[2] أخرجه مسلم في الإيمان (70).
[3] رواه أحمد من حديث حذيفة (22212), والترمذي في الفتن (2095).
الخطبة الثانية
أما بعد: فتلك ـ أيها المؤمنون ـ بعض فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضائله، ولنا مع هذه الشعيرة عدد من الوقفات:
الأولى: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة تعبد الله بها المؤمنين، وأمر بها المسلمين، فقال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، فكل مؤمن ومؤمنة مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليست هذه الشعيرة وظيفة فئة من الناس، لا يقوم بها إلا هم، بل هي عبادة خوطب بها الجميع، قال الغزالي رحمه الله: "الحسبة ـ أي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ وظيفة دينية اجتماعية، قبل أن تكون وظيفة حكومية"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكل بشر على وجه الأرض فلا بد له من أمر ونهي، لو أنه وحده لكان يأمر نفسه وينهاها؛ إما بمعروف وإما بمنكر".
ومن هذا يتضح أن هذه الشعيرة يحتاجها كل أحد؛ يحتاجها المرء مع نفسه، والرجل مع أولاده وأهله، والمدرس مع طلابه، والأمير مع رعيته، والرعية مع حكامها، ويحتاجها كل صاحب مسؤولية في مسؤوليته، أعاننا الله وإياكم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الوقفة الثانية: إن هذه الشعيرة لما كانت تحول بين الناس وشهواتهم ورغباتهم التي يزينها لهم شياطين الإنس والجن، فإنها تلقى من كثير من الناس تنقصًا وهمزًا ولمزًا، ونقدًا مجحفًا أو باطلاً، ينصب غالبًا على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وعلى هيئاته الخاصة به.
وهؤلاء الناقدون والمتكلمون في الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أحد صنفين:
صنف مردت قلوبهم على الذنوب والمعاصي، وعششت الشهوات في قلوبهم، وأشربت حب الفساد، فهم سماسرة الفساد وأربابه، لا يعيشون إلا به، فهؤلاء لا غرابة في حقدهم وحنقهم، ووقيعتهم في الآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر، فإنهم شَجَا حلوقهم، ونكد عيشهم، فهم يتربصون بأهل الحسبة الدوائر، يلتقطون السقطة، ويضخمون الهفوة، ويجعلون من الحبة قبة، فهؤلاء لا حيلة لنا فيهم إلا أن نقول كما قال الله تعالى لأسلافهم: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران:119].
الصنف الثاني: قوم فيهم خير وصلاح، وحب لأهل الإصلاح، إلا أنهم يصغون لتشويه أهل الريب والفساد، و ينصتون لوقيعة أهل المعصية والنفاق، وما ينشرون عن أهل الحسبة من الإشاعات والمبالغات، كما قال الله تعالى: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [التوبة:47]. فضلاً عن أن يكون قد حصل لبعضهم موقف مع أهل الحسبة، يجعله مبررًا لوقيعته، وشاهدًا لسماعه، فهؤلاء ليس لنا معهم قضية، إلا أننا نذكرهم بالله الذي رضوا به ربًا، وبرسوله نبيًا، وبإسلامه دينًا، ونقول لهم: أيها المؤمنون، إياكم أن تكونوا أعوانًا لأهل الفساد والنفاق على إخوانكم، فأهل الحسبة إخوانكم، وإن بغى بعضهم عليكم، فانصحوا لهم بالحسنى، وبينوا أخطاءهم بالمعروف، وإياكم والتشهير والتعميم والمبالغة، ولا تنسوا في غمرة ذلك حاجة الأمة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك من محاسن القوم. فوالله، وبالله، وتالله، إنهم لمما يحفظ الله به العباد والبلاد، فكم من شر قد ردوه، وكم من عرض حفظوه، وكم من شباب عن الضلال حجبوه، وكم من مفسد مخرب قد فضحوه وكشفوه.
فالآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر حراس الدين وحماته، عن الدين ينافحون، ودونه يجاهدون، ينفون فساد المفسدين، ويبطلون سعي المخربين، فجزاهم الله خير ما جزى عباده المؤمنين، وقد أجاد من قال:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمـو من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدوا
أولئك هم خير وأهدى لأنهمُ عن الحـق ما ضلوا وعن ضده صدوا
الوقفة الأخيرة: هي مع الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، قال الله تعالى: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [لقمان:17]. فعلى كل آمر وناهٍ أن يصبر على ما يلقاه، وأن يوطن نفسه على ذلك، وليوقن بثواب الله تعالى، فإنه من يثق بالثواب من الله لا يجد مس الأذى.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
| |
|