molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإسلام وتحديات العصر - صالح بن عبد الله بن حميد الأربعاء 16 نوفمبر - 4:56:04 | |
|
الإسلام وتحديات العصر
صالح بن عبد الله بن حميد
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصيكم – أيها الناس – ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فمن اتقى الله وقاه، ومن أناب إليه تاب عليه وهداه، ومن رضي عن الله رضي الله عنه وأرضاه، ومن أذل نفسه في طاعة الله أعزه وأعلاه، من تاجر مع الله ربحت تجارته، ومن هاجر إلى الله صحت هجرته.
تأملوا في حوادث الدهر، وقوارع العبر، فإنهن صوادق الخبر، حوادث فيها مزدجر، ومتغيرات فيها معتبر، تُعير مرة، وتسلب أخرى، وتفسد عامرا، وتعمر قصرا.
أيها المسلمون، الفتن والبلايا منبهات وموقظات، تحمل الأمم الحية على العودة إلى نفسها، والقيام بهمة إلى مراجعة مواريثها العلمية، ومواقفها العملية، ومسيرتها الحضارية، بجد ومصداقية، وصراحة وشفافية، مراجعة تفحص فيها مواريثها، وتقوِّم عملها، وتمحّص ثقافتها، تلك المواريث والثقافات التي تؤثر في حياة الناس، وتوجه سلوكهم، وتصنع اهتماماتهم في محاولةٍ جادة صادقة لتحديد أسباب القصور، ومواطن التقصير التحديات الكبرى، والأزمات المتأزمة توقظ الأمم، وتنبه الدول، وتشكل التحولات الكبرى في مسيرة الحياة، وتمحو الصور المشوهة والعناصر الهرمة والكيانات الرخوة في حياة الشعوب، وتحفزها للانطلاق من جديد.
إن إحباطات الماضي وخيبات الأمل عند الأمم الحية لا تقضي على إمكانات المستقبل، ولكنها تنبه إليها، بل تؤكدها وتثير فاعليتها، ولقد قال الله عز شأنه في ابتلاء يوم أحد: إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَلِيُمَحّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَـٰفِرِينَ [آل عمران:140، 141].
إن الأحداث الكبرى حين تقع لا تخص أمة بعينها، أو دولة بمفردها، ولكنها تشمل رقعة واسعة من الدنيا، إن لم تشمل العالم بأسره، أفراداً وجماعات، وشعوباً ودولا.
أحداث كبرى تتولد عنها تحولات، وتنتج منها مواقف في الشأن كله، في الاعتقاد والاقتصاد، والسياسة والاجتماع، والتربية والتعليم، وفي ميادين الحياة كلها. وفي ظل هذه الأحداث والابتلاءات يجدر بالعقلاء إعادة قراءة المبادئ، واستعادة النظر في المقررات، كما تراجع النظم وأنماط الحياة.
إنه لجميل أن تراجع المبادئ والمقررات، وأجمل منه مراجعة آثار هذه المبادئ، وما صنعته تلك النظم، وما أورثته من نتائج على الأمم والأفراد، وإن من أولى ما يستحق المراجعة وإعادة النظر مبادئ هذا العصر ونظمه، ومقرراته وسياساته.
وبادئ ذي بدء فثمّة إيجابيات ومحاسن يحسن التمسك بها، والاستزادة منها، في ميدان الماديات والمكتشفات، والمخترعات والمنتجات، السلمية والعلمية، زراعة وصناعة، وتجارة واتصالات، وطباً وأدوية، وتقنيات ومواصلات. ولكن ما أثر هذه المبادئ والمقررات في تكوين الرجال، وصناعة الأجيال، واحترام الحقوق وعدالة في التطبيق؟ إن كثيراً من رجال هذه المبادئ أشبه بآلات طاحنة، وكأن صفة الإنسانية قد نزعت منها نزعاً. تُرفَع شعارات ثم توظف توظيفاً ضيقاً، بل تُقصَر على فئات دون فئات، وأقاليم دون أقاليم، من مبادئ الديمقراطية، ومفاهيم الحرية، ومقررات حقوق الإنسان، وما أشبه ذلك. يجب التوقف المتأني عند التناقض الظاهر بين هذه المثل وبين الممارسات.
التأريخ المعاصر معتم وقاتم، فيه استعلاء واستكبار، وإذلال وإهانة، وفيه استبداد وقهر للشعوب والدول، وفيه سيطرة واحتكار.
إن من الأمانة والإنصاف، والسلوك العاقل الجد في طلب الحق، وتلمس الخير للبشرية جمعاء، ومراجعة المواقف والتفكير بشكل جاد في الدوافع الأساسية التي ملأت كثيراً من الشعوب كراهية وولدت عنفاً.
أي مبادئ هذه التي تولد الكره؟! وأي مناهج التي تسمح بإذلال الآخرين وتقبل فيهم الدونية؟! أي مقررات هذه التي تغرس الغطرسة والاستعلاء؟! أي قيم تخرِّجها هذه المبادئ؟! وأي سياسات ترسمها هذه النظم؟!
في مراجعة صادقة يحسن التأمل في هذا العنف الذي يسود العالم شرقاً وغرباً بأشكاله وأساليبه، إن العنف والتسلط غالباً ما يعبّر عنه بأساليب عدوانية، كالكراهية والسيطرة على الضعفاء، واستغلالهم المادي والمعنوي، والاتهام بالباطل والاضطهاد، وإذا ساد العنف والتسلط بدل الحوار والتفاهم حينئذ لا يبقى للضعيف صوت ولا مكان، ولا يبقى للعدالة محل ولا مقام، والأشنع والأفظع حين يكتسي التسلط والعنف بلباس الشرعية، فيأخذ شكلاً مبرمجاً وممنهجاً. تجب اليقظة من أجل إيقاف المد العدواني في العالم، وانتشال بذور الكراهية ومظاهر العنصرية والاستعلاء والتميز.
وإن مما يستدعي المراجعة والنظر هذه الحروب التي تنشب في هذا العصر بين الحين والآخر، كم حصدت من الملايين، وأزهقت من الأرواح، وألقت بأنواع القنابل، واستخدمت من صنوف السلاح. أسلحة فتاكة مدمرة، لا يقتصر ضررها على قتل من أصابته، ولا ينحسر أثرها في ميدان المعركة، ولكنها تنشر الأضرار والأمراض على الأحياء كل الأحياء من إنسان وحيوان وشجر وبيئة، بجرثوميتها وكيميائيتها ونوويتها في رمادها وغبارها وإشعاعاتها، قتلٌ وحرق، وتدميرٌ وخراب، لمساحات هائلة طولاً وعرضاً وعمقاً، مما يهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد.
أي مبادئ، وأي سياسات تخرّج منها الصانعون والمخترعون والمستعملون؟! سجلات حروب مثقلة بالغضب والظلم والتعدي والقسوة والغلظة لا تخضع لقانون، ولا يقرها عدل، وكتاب ربنا – نحن المسلمين – يحدثنا عن القتال في غايته وآدابه: وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ [البقرة:19].
حروب وأسلحة لا تعرف إلا الإبادات الجماعية، قتلاها بالمئات والألوف والملايين، ودمارها يلف المساكن والمزارع والمساجد والمعابد والأسواق والطرقات، كوارث وحروب هي الأكثر تسميمًا في التاريخ، والمستقبل في هذه الحروب مظلم إن استمر الحال على ما هو عليه.
إن الإحصاءات لتئن من الأعداد الهائلة لحصاد هذه الحروب، في قارات الدنيا كلها، إنهم بعشرات الملايين في وحشية مسعورة، وتقنيات مخيفة.
أيها الناس، وفي مراجعةٍ متأنية، ونظرة فاحصة فإن للنظرة المادية السائدة في تلك المناهج، وتفسير الأحداث، وبناء الغايات، ورسم الأهداف، أثراً في ذلك عظيماً.
لقد بُنيت فلسفات هذا العصر ومبادئه وثقافته وسياساته على مادية جافة، فالإيمان مقصور على المحسوسات، لا أثر للغيبيات وما وراء الحس. التعلق بالدنيا، والإغراق في الاستكثار منها، وقصر العلوم والمعارف والمكتشفات في حدودها، تأملوا هذه اللفتة العظيمة في هذه الآية الكريمة من سورة الروم: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَـٰفِلُونَ [الروم:7].
ليس لأعمال القلوب مكان، اهتمامٌ باللذائذ، وإغراق واستغراق في الشهوات والمستلذات، ولهذا يتجلى الغلو في العناية بالرياضات البدنية، والألعاب الرياضية، والرقص والغناء، والتمثيل واللهو، والطرب والنحت، والرسم وما كان على هذه الجادة.
ليس للدين أي أثر في الأخلاق والسياسات والفلسفات والمبادئ، الدين عنهم تقليد من التقاليد، ليس له أثر في النفوس، أو سلطان على القلوب، خصامٌ نكد بين العلم والدين، والروح والجسد.
ليس في تلك الأنظمة الفكرية مكانٌ لله تعالى الله وتقدس، ولا يشعرون بالحاجة إليه تنزه وتعاظم، بل الإله في تلك الثقافات والتاريخ يجسّد في آلهة متعددة تنحت لها التماثيل، وتبنى لها المعابد والهياكل، حتى الأعمال القلبية والمعاني المجردة صنعوا لها آلهة في أجساد وأصنام، وأشكال وتماثيل، فللحب عندهم إله، وللجمال عندهم إله، والدين طقوس وترانيم جافة تؤدَّى إذا أُذّيت تقليداً ووراثة.
من أجل هذا كله ظهرت القسوة، وساد العنف، وحل التظالم، واختلطت المبادئ، بل انت+ت وانقلبت، إن كثيراً منهم لا يرجو لله وقارا، وهم عن الآخرة هم غافلون.
أيها الإخوة في الله، تجب المراجعة الصادقة والجادة من أجل أن يسود العدل والإنصاف، ويحق الحق، ويزهق الباطل. إن العالم بحاجة إلى صياغة سياسة رحيمة تقطر أخلاقاً وإنصافا وعدلاً وتديّنا. سياسات تلغي هذه الأسلحة الخبيثة الجرثومية التي تزرع الدمار في الديار، والدمار في الضمائر، سياسة ترعى العدالة في حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير، والحرية والكرامة، والرحمة والطمأنينة. سياسةٌ تنهي الاستعمار. والهيمنة بكافة أشكالها الاقتصادية والفكرية والثقافية. سياسة تقف بصدق إلى جانب الضعيف والمظلوم، حتى ترفع مظلمته، فالعدل لا يحقق بالظلم، والأمن لا يستجلب بالخوف.
يجب استبعاد منطق الثأر والانتقام إلى رحاب الحوار وهدوء النقاش، العالم بدوله الصغيرة والكبيرة بحاجة إلى الترابط والتوافق والعيش بسلم وسلام.
هذا هو الذي يجب أن يتنادى إليه العقلاء، ويأخذ به المخلصون، الذين يقصدون إلى خير البشرية كلها. ولا يحسن بهؤلاء العقلاء والمخلصين أن يغالطوا التاريخ ويخالفوا السنن، إنهم إن لم يفعلوا ذلك فإن الضعيف لا يبقى ضعيفاً، والتاريخ حافل بالأمثلة على صعود أمم وهبوط أخرى، وعلوّ حضارات وانحسار أخرى، وهو حافل كذلك بمشاهدِ قدرة الشعوب على الصبر والصمود والمصابرة وطول الكفاح والمقاومات، والأيام دُول، والزمن قُلَّب، والأمر كله لله، وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ مَكَّنَـٰهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّـٰكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَـٰراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَىْء إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ [الأحقاف:26].
نفعني الله إياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد ، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أوجد الكائنات بقدرته، وقهرها بقوته، وفاوت بينها بحكمته، أحمده سبحانه وأشكره على كريم فضله وجزيل نعمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نصب الدلائل على وحدانيته، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، اصطفاه لرسالته، ورحم العالمين ببعثته، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى أصحابه وأزواجه وذريته، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على هديه والتزم بسنته.
أما بعد:
فإن المستقرئ لتأريخ أمة الإسلام، ولا سيما تاريخ الفتن الداخلية، والنكبات الخارجية، ابتداءً بفتنة الردة، ومروراً بالإعصار المغولي، ثم الغزو الصليبي، حتى الاستعمار الحديث، والحِقبة اليهودية القائمة، إن هذا التاريخ الإسلامي العظيم بقدر ما حمل من الحضارة والإضاءة، والعدل والإنصاف، مع نفسه ومع الأمم والشعوب، التي انضوت تحت حُكمه، وانطوت تحت لوائه، فلقد أثرت هذه الفتن والأزمات، أثرت وهناً حضارياً، وصُوراً من الغثاء الاجتماعي، حتى ضعٌضع الدهر كثيراً من جوانب الأمة، وأشمت بها الأعداء، بل أصبح من سلوة النفس الشماتة بالذات. ولكنها في الوقت ذاته، ولكن هذه الفتن وهذه الأزمات في الوقت ذاته شكّلت تحديات، وأثارت استفزازات، وجددت عزائم، وشحذت همما، وحرّضت على استئناف الشهود الحضاري.
إن ما يلحق الأمة من إصابات وجراحات، إنما هو في الحقيقة منبهات ومحرّضات حضارية تحمل بصائر الحاضر، وبشائر المستقبل، وهذه آية أخرى في ابتلاء يوم أحد، يقول الله عز وجل، ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَـٰبَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَـٰناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَٱتَّبَعُواْ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:172-175].
ومع التسليم بأن ما يصيب الأمة هو بسبب نفسها وأعمالها، فإن من اليقين بأنها – بفضل الله – تمتلك قيم الوحي الثابتة والخالدة من كتاب الله وسنة رسوله ، تؤمن بها، وتقوم عليها، وهي المقياس والنبراس الذي يكشف الخلل، ويحدد زاوية الانحراف، وبه – بإذن الله – تكون الأمة قادرةً على التصويب والترشيد، والنهوض والتجديد.
إن أصول الشريعة وثوابتها هي – بإذن الله – جهاز المناعة في أزمات الفكر وإصابات العقل وانحرافات المادة، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن من غير المنكور أن التيارات الوافدة المعاصرة حققت نجاحات من الغزو والاحتواء واسعة النطاق، في مختلف أنحاء العالم، ولكن الإسلام والمجتمع الإسلامي رغم كل ما يعاني ظل وسيظل – بإذن الله – متماسكاً في مواجهة رياح التغيير. فالإيمان بالإسلام دين الحق راسخ الجذور لدى الشعوب المسلمة كافة، والمسلمون لا يرفضون الحديد المفيد، ولكن المشكلة في أصحاب التيارات الوافدة حين يصرون على أنهم هم الأنموذج الأوحد الذي يجب أن يسود، مع التوظيف السيئ للإعلام في التزيين وقلب الأحداث وتحليل المواقف وتفسير الوقائع، والمغالطة في المفاهيم، انحياز وتلفيق، ومغالطة وانتقائية، وهجوم وتسفيه واستنقاص.
إن المسلم متفتح متجاوب، لا يقف في وجه التقدم النافع، ولا يدعو إلى عزلة علمية أو مادية، ولا يعادي المفيد في الحضارات، ولكنه يرفض التبعية والدونية والاستذلال.
الإسلام عصيٌّ على الاحتواء أو الذوبان، فكثير من الديانات والمبادئ ذابت واضمحلت وحُرفت، أما الإسلام فهو دين الله المحفوظ الخالد الخاتم، فلله الحمد والمنة.
وبعد، فإن الإسلام وبكل فخر واعتزاز وقوة قد قدّم بعقائده وأحكامه وحضارته ومبادئه، قدّم للبشرية ما لم تقدّمه حضارة أخرى، والمسلمون قادرون – بإذن الله – على الخروج من مشكلاتهم حين ينبذون الفرقة، ويرفضون التمزق، ويكون ذلك – بعون الله – بالإحساس التام بمسؤوليتهم، ليس نحو أنفسهم فحسب، بل نحو الإنسانية كلها، إنهم بذلك ينقذون أنفسهم، ويصلحون البشرية، لا بد أن يعرفوا حقيقة دينهم، وطبيعة رسالتهم، ومن ثم يفقهون سنن الله في التغيير، وبناء الأمم، ومسالك الإصلاح، إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وأقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ [الشورى:13].
ثم صلوا وسلموا على نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم في محكم تنزيله، فقال جل شأنه وهو الصادق في قيله: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد...
| |
|