molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإعلام بيسر الإسلام - صالح بن عبد الله بن حميد الثلاثاء 15 نوفمبر - 9:24:40 | |
|
الإعلام بيسر الإسلام
صالح بن عبد الله بن حميد
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، واحذروا الغفلة، فالموت على جميع الخلائق قد كُتب، والحساب عليهم قد وجب، تشيّعون الأموات، وتودِعونهم قبورَهم، وتأكلون تراثهم، وكأنكم مخلّدون بعدهم، خذوا بالمواعظ، وتيقّظوا للحوادث، إن بعد العزّ ذلاً، وبعد الحياة موتاً، وبعد الدنيا أخرى، وإن لكلّ شيء حساباً، ولكلّ أجل كتاباً، ولكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، فاستعدوا لمُلِمَّات الممات، واستدركوا هفوات الفوات، أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيّئَـٰتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ [الجاثية:21].
أيها المسلمون، شريعة الإسلام خاتمة الشرائع، أنزلها الله للناس كافة، في مشارق أرض الله ومغاربها، للذكر والأنثى، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والعالم والجاهل، والصحيح والمريض. ومن أجل هذا جاءت بفضل الله ولطفه وحكمته ميسوراً فهمُها، سهلا العملُ بها، تسعُ الناس أجمعين، ويطيقها كلُّ المكلَّفين. دين الإسلام رخصة بعد عزيمة، ولين من غير شدّة، ويسرٌ من غير عسر، ورفع للحرج عن الأمة.
التيسير مقصدٌ من مقاصد هذا الدين وصفة عامّة للشريعة، في أحكامها وعقائدها، وأخلاقها ومعاملاتها، وأصولها وفروعها. فربنا بمنِّه وكرمه لم يكلِّف عبادَه بالمشاقّ، ولم يُرد إعناتَ الناس، أنزل دينَه على قصد الرفق والتيسير.
شريعة الله حنيفية في التوحيد، سمحةٌ في العمل، فلله الحمد والمنة، يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ [البقرة:185]، يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَـٰنُ ضَعِيفاً [النساء:28]، هُوَ ٱجْتَبَـٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ مّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰهِيمَ هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الحج:78].
أحكام الشرع تَطبع في نفس المسلم السماحةَ والبعدَ عن التكلّف والمشقة، والتعلقَ الوثيق برحمة الله وعفوه وصفحه وغفرانه، لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا ءاتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً [الطلاق:7].
واليسر ـ يا عباد الله ـ كلّ عمل لا يُجهد النفس، ولا يثقل الجسم، والعسر كلُّ ما أجهد النفس وأضرَّ بالجسم، في الحديث الصحيح: ((إن هذا الدين يسر، فأوغلوا فيه برفق))[1]، وعن محجن بن الأدرع رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن خير دينكم أيسرُه، إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره)) قالها ثلاثاً[2]، وفي لفظ: ((إنكم أمة أريدَ بكم اليسر)) رواه الإمام أحمد بسند صحيح[3].
أيها المسلمون، وهذا شيء من بيان معالم اليسر ومظاهر التيسير، تتجلى في كتاب ربنا، وفي شخص نبينا محمد ، وفي أصول الدين وفروعه.
أما الكتاب العزيز فقد أنزله الله ميسَّرَ التلاوة، وميسَّر الفهم، وميسَّر التدبّر والذكر، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر:17]، فَإِنَّمَا يَسَّرْنَـٰهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً [مريم:97].
كتاب الله ميسَّر الحفظ، تدركه العقول، وترقّ له القلوب، يَلذُّ استماعه، ولا يُملُّ سماعه، وإن كان فيه من الأسرار ودقائق العلوم ما يختصّ به الراسخون من أهل الذكر.
أما محمد فقد بعثه الله رحمةً للعالمين أجمعين، وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم، حريص عليهم، عزيز عليه ما يُعنتهم ويشقُّ عليهم، يضع عنهم إصرهم والأغلالَ التي كانت عليهم، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن الله لم يبعثني معنّتاً ولا متعنِّتاً، ولكن بعثني معلّماً ميسِّراً)) حديث متفق على صحته واللفظ لمسلم[4]، وهو الذي يقول عن نفسه عليه الصلاة والسلام: ((أما إني أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))[5]، وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله يحبّ ما خفّ على الناس[6].
أما أصول الدين وعقائده فقد جاءت ميسّرةً في مطلوباتها، واضحةً في أدلتها، من الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وكماله، والإيمان بالملائكة والكتب والنبيين، والإيمان باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. والدلائل على ذلك ظاهرة من النظر في السماوات وفي الأرض وسائر المخلوقات، والسير في الأرض والاعتبار بآثار الأمم. ويكفي [في] ذلك مسلكُ أصحاب رسول الله والتابعين من بعدهم من السلف المقتدى بهم، لم يكونوا أهل تكلّف ولا كثرةِ سؤال أو اختلاف، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إياكم والتنطع، إياكم والتعمّق، وعليكم بالعتيق)[7]، أي: الأمر القديم الذي عليه رسول الله وأصحابه، وهو اليسر والبعد عن التنطّع والتكلف والتشدّد والتعمّق.
أما أحكام الشرع فقد راعت أحوالَ المكلفين وظروفَهم من الصحة والمرض، والحضر والسفر، وأحوال الاضطرار، فأعظم العبادات وأجلها بعد توحيد الله هذه الصلاة المفروضة، رُبطت أوقاتها بطلوع الفجر وزوال الشمس وظلها وغروبها، وما بين المشرق والمغرب قبلة، وفي الطهارة إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، وإذا شق استعمال الماء انتقل إلى التيمم، ويصلي المسلم قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه، لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]، ويجمع بين الصلاتين: الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند الحاجة، والمسافر يقصر الرباعية ركعتين، وذكر للنبي امرأةٌ تكثر من النوافل فقال عليه الصلاة والسلام: ((مَهْ، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يملّ الله حتى تملّوا))[8]، ومن أمّ الناس فليخفّف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة، والصيام مطلوب من الصحيح المقيم، رُخّص فيه الفطر للمسافر والمريض، فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ [البقرة:185]، ولا +اة ولا حج ولا جهاد إلا على القادر المستطيع، والحج يوم تحجّون، والأضحى يوم تضحّون، والفطر يوم تفطرون. والمرأة لها أحكام تناسبها، وتراعي أحوالها. والقلم مرفوع عن المجنون والصبي والنائم، ورفع عن الأمة الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه. والأصل في الأشياء الحلّ والطهارة. والمشقة تجلب التيسير، فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:172]، والسيئة بمثلها أو يغفر الله، والحسنة بعشر أمثالها ويضاعف الله.
والمقصود من العبادات والطاعات استقامة النفس والمحافظة عليها من الانحراف والاعوجاج، وليس المقصود الاستقصاء ولا الإحصاء، ولكن سددوا وقاربوا، واستقيموا ولن تحصوا، وأتوا من الأعمال ما تطيقون. والاستقامة تحصل بمقدار سهل، ينبِّه النفسَ فتتلذّذ في العبادة، وإذا دخل العبد في المشقة والملل فقد لذةَ العبادة وابتعد عن بواعث الخشوع، بل لقد شرع لنا ديننا من الطاعات ما تقبل عليه النفوس بطبعها، بل مما تنشرح به صدورها وتتباهى به من العيدين والجمعة وأخذ الزينة والتجمّل باللباس والطيب للنفوس والمساجد، والاغتسال، والتغني بالقرآن، وحسن الصوت بالأذان، يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرّزْقِ قُلْ هِى لِلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ [الأعراف:31، 32].
أيها المسلمون، حق على أهل الإسلام أن يسلكوا مسالك الرفق واللين والتيسير في الأمر كلّه، بلا مداهنة ولا مجاملة ولا مجافاة للحق والطريق المستقيم. عليكم بالتيسير في التربية والتعليم والدعوة إلى الله، والرفق بالطلاب والمدعُوِّين، ولقد قال موسى عليه السلام للعبد الصالح: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلّمَنِ مِمَّا عُلّمْتَ رُشْداً [الكهف:66]، ثم قال: لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْراً [الكهف:72].
خذوا الناس باليسير من الأمر، لا تجشِّموهم المصاعب، ولا تكلّفوهم عُسراً، بشِّروا ولا تنفّروا، ويسِّروا ولا تعسِّروا، والرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، أخرج الترمذي بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي أنه قال: ((حُرِّم على النار كل هيّنِ ليّن سهل قريب من الناس))[9].
وعلى أهل العلم ـ وفقهم الله ـ ملاحظة التيسير في الفتوى، ومراعاة أحوال المستفتين، وإبعادهم عن مواقع الحرج مع ما يلزم من تحري الحق والصواب، يقول سفيان الثوري رحمه الله: "إنما العلم عند الرخصة عن ثِقة، أما التشديد فيحسنه كلُّ أحد"[10]، ويقول إبراهيم النخعي رحمه الله: "إذا تخالجك أمران فظُنّ أحبَّهما إلى الله أيسرَهما"، ويقول الشعبي رحمه الله: "إذا اختلف عليك أمران فإن أيسرهما أقربُهما إلى الله يقول سبحانه: يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ [البقرة:185]".
ومن رقى المنابر وتبوّأ صدور المجالس فحسنٌ منه أن يقول برفق، ويعظ بلين، وأن يعين الموعوظين على حسن الظن بربهم. فخير دينكم أيسره، وحين بال الأعرابي في المسجد قال رسول الله لأصحابه رضوان الله عليهم: ((لا تزرموه ـ أي: لا تقعطوا عليه بوله ـ، إنما بُعثتم ميسرين))[11]، رحمةٌ في الدعوة، وسلامةٌ في الحجة، وإخلاص في النصيحة، وإحسان في الموعظة.
أيها المسلمون، شريعة الله كلّها يسرٌ وسماحة، وميادين اليسر لا تقع تحت حصر، والتيسير في باب المعاملات والتعاملات من أوسع الأبواب وأهمِّ المطلوبات، فيسروا ـ رحمكم الله ـ في الحقوق المالية من المهر والنفقة والمطالبة بالدين والحقوق وإنظار المعسر، فمن يسّر عل معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن نفس عن مسلم كربة نفَّس الله عنه من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة.
يسروا ـ وفقكم الله ـ على العمّال والأجراء والموظفين والخدم، فلا تكلِّفوهم ما لا يطيقون، وإذا كلفتموهم فأعينوهم.
وعلى الولاة والأمراء والآباء والأمهات والأزواج وكلّ ذي مسؤولية أن يرفق بمن تحت يده، ولا يأخذ إلا بحقّ، وليعفُ وليصفحْ، أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ [النور:22]، ادفعوا بالحسنى، وإذا أردتَ أن تطاع فأمر بما يُستطاع، ولا تنفّر ولا تُشدد، وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ [عمران:159]، فادمحوا الزلات، واقبلوا الأعذار، وغضوا النظر، واحملوا الناس على السلامة.
ألا فسددوا رحمكم الله، وقاربوا، وأبشروا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَـٰنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ [البقرة:286].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد ، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه أحمد (3/198) من طريق خلف أبي الربيع عن أنس بلفظ: ((إن هذا الدين متين، فأغلوا فيه برفق))، قال الهيثمي في المجمع (1/62): "رواه أحمد ورجاله موثقون، إلا أن خلف بن مهران لم يدرك أنسا، والله أعلم"، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2246).
[2] أخرجه أحمد (5/32)، والبخاري في الأدب المفرد (341)، والطبراني في الكبير (20/296)، وقال الهيثمي في المجمع (3/308): "رجاله رجال الصحيح خلا رجاء بن أبي رجاء وقد وثقه ابن حبان"، وحسنه الألباني في صحيح الأدب (260).
[3] مسند أحمد (5/32).
[4] أخرجه مسلم في الطلاق (1478) من حديث جابر رضي الله عنهما، وليس هو عند البخاري والله أعلم.
[5] أخرجه البخاري في النكاح (5063)، ومسلم في النكاح (1401) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وليس عندهما: ((وآكل اللحم)).
[6] أخرجه أحمد (6/168)، وعبد بن حميد (1478) عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها.
[7] أخرجه الدارمي في مقدمة سننه (142، 143).
[8] أخرجه البخاري في الإيمان (43) ومسلم في صلاة المسافرين (785) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[9] سنن الترمذي: كتاب صفة يوم القيامة (2488) بنحوه، وأخرجه أيضا أحمد (1/415) واللفظ له، وابن حبان (469 ـ الإحسان ـ)، والطبراني في الكبير (10/231)، وجود المنذري في الترغيب (2/354) إسناد الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1744)، وانظر: السلسلة الصحيحة (938).
[10] أخرج ابن عبد البر في التمهيد (8/147) نحوه عن معمر.
[11] أخرجه البخاري في الأدب (6025)، ومسلم في الطهارة (285) من حديث أنس رضي الله عنه وليس فيه الجملة الأخيرة منه، وأخرجه البخاري في الأدب أيضا (6128) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وليس فيه قوله: ((لا تزرموه)).
الخطبة الثانية
الحمد لله يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى ٱلسَّبِيلَ [الأحزاب:4]، أحمده سبحانه وهو حسبنا ونعم الوكيل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ندّ ولا مثيل، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، جاء باليسر والرفق والتسهيل، صلـى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ذوي الهدى والتقى والتفضيل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن العسر والتشدّد والتنطّع كثيراً ما يدعو إليه قلةُ الفقه في الدين، والجهلُ بمقاصد الشرع وأصول الملة وضعفُ العلم. وقد يدعو إليه دوافع من هوى النفوس وفي الحديث الصحيح: ((ولن يشادَّ الدين أحدٌ إلا غلبه، فأوغلوا فيه برفق))[1]، يقول ابن المنيِّر: "وفي هذا الحديث عَلَم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطّع في الدين ينقطع، وليس المراد منعَ طلب الأكمل في الدين والعبادة، فإن هذا من الأمور المحمودة، بل المراد منعُ الإفراط المؤدِّي إلى الملل، والمبالغة في التطوّع المفضي إلى ترك الأفضل"[2].
ومن قلة الفقه في هذا الباب أن يسلك بعض الناس مسالك التشدّد في بعض الظواهر من الأحكام الفرعية والعبادات والطاعات، ولكنه يتهاون في كبائر معلومٍ مراتبُها من الدين كالغيبة والنميمة والقذف والحسد والتماس العيوب للبرآء وتدبير المكايد لمن خالفه من إخوانه والوشاية وأكل أموال الناس بالباطل.
أيها المسلمون، ولا ينبغي أن يُفهم من القول بالتيسير والتحذير من التشديد الدعوةُ إلى التساهل في أمور الدين عقيدةً وأحكاماً وأخلاقاً، أو التنصل من أحكام الإسلام والضعف في نصرة الدين والحق.
وليس من التيسير الإهمال في تربية البنين والبنات، وتركهم نهباً لزيغ العقائد وتيارات الإلحاد والبعد عن الالتزام بأحكام الإسلام والحفاظِ عليهم من دواعي الفجور واللهو المحرم بحجة التحضّر والبعد عن التعقيد وتغيّر الزمان.
وليس من التيسير ما يسلكه بعض من ينتمون إلى الثقافة حين يدَّعون سماحة الدين أمام أعداء الإسلام، ويتنصلون من أحكام الدين وتعاليمه، ثم هم من أشدّ الناس على الصُّلحاء والأخيار، بل قد يوظِّفون دعوى التيسير أداةً لقمع الدعوة إلى الإسلام وكبت الحق وتكبيله بحجة مسايرة العصر ومتغيرات الزمن.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، ويسِّروا ولا تعسروا، فإنما بعثتم ميسرين، وسددوا وقاربوا، والقصد القصد تبلُغوا.
ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراح المنير، الرحمة المهداة للعالمين أجمعين نبيكم محمد سيد المرسلين، فقد أمركم بذلك ربكم فقال في محكم تنزيله وهو الصادق في قيله قولاً كريماً: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، والخلق الأكمل، وعلى آله الطيبين الطاهرين...
[1] أخرجه البخاري في الإيمان (39) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وليس فيه قوله: ((فأوغلوا فيه برفق)).
[2] انظر: فتح الباري (1/94).
| |
|