molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: القوة البدنية للمسلم من مطالب الإسلام - صالح بن عبد الرحمن الأطرم الإثنين 14 نوفمبر - 6:42:39 | |
|
القوة البدنية للمسلم من مطالب الإسلام
صالح بن عبد الرحمن الأطرم
الخطبة الأولى
أما بعد :
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن من سعادة الإنسان المسلم في هذه الدنيا، أن يصرف ما أعطاه الله من الصحة في البدن في طاعته، وما رزقه من الأمن في التزود من التقوى، من العمل بما يحب ويرضى، وبهذا يصبح المسلم قد راعى شكر هاتين النعمتين بدلاً من جحدهما، قال : ((نعمتان مجحودتان: الصحة في البدن، والأمن في الأوطان))[1]، وعلامة الشقاوة جحد هاتين النعمتين بأن لا يقوم بشكرهما. فالصحة والقوة في البدن مطلب من مطالب الإسلام،فلقد كان رسول الله أقوى المؤمنين بدنًا، كما كان أقواهم في إيمانه،وقد قال : ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير))[2]، ثم بين ما تستعمل فيه هذه القوة، وهو العمل فيما يعود على الإنسان من المصلحة الدينية والدنيوية، وما يثيب عقيدته وصلته بربه فقال: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن فاتك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا، لكان كذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)) [3].
ولقد دعا الإسلام إلى الرياضة البدنية إذا كانت عونًا على طاعة الله وعلى طاعة رسول الله، وعلى جهاد الكفار وإحقاق الحق، وإبطال الباطل، كما دعا إلى تعلم الرماية، وركوب الخيل، والمسابقة فيهما، والمسابقة على الإقدام، والمصارعة، فلقد سابق عائشة مرتين، فسبقته في الأولى، وسبقها في الثانية[4]، والرياضة مشروعة أيضًا في الشرائع السابقة كما قال تعالى عن إخوة يوسف: إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَـٰعِنَا [يوسف :17].
ومثل هذا السباحة؛ لأنها ترويض للبدن، وتمرين للأعضاء وأمنٌ من الغرق، وقد ألحق بعض العلماء في الرياضة الجائزة حمل الأثقال والقفز ما لم يصل إلى حد هلاك النفس أو حد الشعوذة، حتى إذا احتاج المسلم لنفسه في حرب الكفار كان قويًا في بدنه، كما يطلب منه أن يكون أمينًا في عقيدته وعمله، وهاتان الصفتان هما صفة الأنبياء وأتباعهم. قال تعالى في موسى – عليه السلام -: إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَـجَرْتَ ٱلْقَوِىُّ ٱلامِينُ [القصص :26]. وقد دل على قوة بدنه رفع الصخرة التي لا يرفعها إلا العشرة من أقوى الرجال، وصارع الرسول (ركانة) وهو من أقوى الكفار وأشدهم على قطيع من الغنم، فصرعه الرسول في المرة الأولى، والثانية، والثالثة، ثم قال: والله ما وضع جنبي على الأرض غيرك يا محمد، فعرف (ركانة) أن قوة بدن محمد ما هي إلا قوة إيمانه، وثبات قلبه، لذا أسلم ركانة ، فقال الرسول : ((إن الغنم هي لك)) [5].
وقال في أتباع الأنبياء: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً [الفتح:29]. وقال سبحانه آمرًا المسلمين بإعداد القوة للكفار:وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال :60]. وبين أن النفقة في هذا السبيل مخلوفة ومُوفّا جزاؤها قال تعالى: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [الأنفال:60]، قال بعض المفسرين: إن هذه الآية نزلت في المسلمين يوم بدر؛ لما قصدوا الكفار من غير استعداد ولا عدة فأمرهم الله بأن لا يعودوا لمثله. ثم فسروا القوة باتخاذ السلاح، وإيجاده بأيد المسلمين، واتخاذ الحصون والجنود في الثغور، وتعلم الرماية. قرأ النبي هذه الآية على المنبر فقال: ((ألا إن القوة الرمي))[6]، قالها ثلاثـًا. وقال لما مر على صبية يتعلمون الرماية: ((ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا)) [7]، ويشتمل تعلم الرماية لكل آلة أعدت لذلك من بنادق وغيرها؛ لأن الإعداد إنما يكون مع الاعتياد، وإذا من لا يحسن الرمي ولا أساليب الحرب التي تتطلبها الحروب في هذه الأوقات لا يسمى معدًا للقوة.
وجوز النبي بذل العوض على المسابقة بالخيل والإبل والرمي؛ لما فيها من العون على الجهاد في سبيل الله، وتعلم الكر والفر والأصابة، وقد جعلها من اللهو الجائز، بل هو حق، وأبطل سواها، قال : ((كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل إلا رمية بقوسه، أو تأديبه فرسه، أو مداعبته امرأته، فإنه من الحق)) [8].
وكره كراهية شديدة لمن تعلم الرمي أن يتركه، لما في الصحيح عن النبي أنه قال : ((ارموا واركبوا، وأن ترموا أحب اليَّ أن تركبوا، ومن تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا)) [9]، وقال أيضًا: ((ومن تعلم الرمي ثم تركه، فهي نعمة كفر بها))[10]، وسبب هذه الكراهية أن من تعلم الرمي حصلت له أهلية الدفاع عن دينه، ونكاية العدو، وتأهيل لوظيفة الجهاد، فإذا تركه فرط في القيام بما يتعين عليه.
فإذا عرفنا جواز الرياضة البدنية فيما تقدم، وذلك بما يعود على الإسلام والمسلمين بالمصلحة، فهي طاعة رغب فيها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: السبق والصراع ونحوها طاعة إذا قصد بها نصرة الإسلام، وأخذ السبق عليه أخذ بالحق، ولما فيه من تعلم الرماية وركوب الخيل من العون على الجهاد في سبيل الله، ويدل عليه قوله : ((من رمى بسهم بنية الجهاد في سبيل الله كان له ثواب تحرير رقبة))[11]، أي: عتقها، وإن من الأهداف السامية للقوة البدنية في المسلم: إغاظة الكفار لعلمهم اليقيني بأن المسلم سيستعمل قوته في طاعة الله، وفي جهادهم فلقد قال الكفار حينما أراد النبي عمرة القضاء: سيأتيكم محمد وأصحابه قد أوهنتهم حمى يثرب، فأوحي إلى الرسول بذلك فأمر الصحابة بأن يمشوا المشي السريع، متقارب الخطى في الثلاثة أشواط الأولى من الطواف، والكفار على جبل أبي قبيس، الذي يطل على الكعبة ينظرونهم، فماتوا بغيظيهم وقالوا كأنهم غزلان ما ضرتهم الحمى[12]، ومن هنا شرع الرمل في الطواف عند قدوم مكة؛ ليعرف المسلمون الهدف الذي رمل من أجله الرسول – عليه والصلاة والسلام -.
أيها الأخ المسلم: إن البدن ليس ملكـًا لك تصرفه حسب الهوى والشهوة، وهو ملك لله تصرف قوته وحركاته وسكناته في طاعة من خلقه، فما ألهى وأشغل عما أمر الله به فهو منهي عنه، وإن لم يحرم جنسه كالبيع والتجارة، وأما سائر ما يتلهى به البطالون من أنواع اللهو وسائر ضروب اللعب فكله حرام.
وقال بعض العلماء: (من وثب مرحًا ولعبًا بلا نفع فانقلب فذهب عقله، عصى وقضى الصلاة). فما كان من الرياضات الجائزة جاز صرف المال والقوة فيها، وما كان من الرياضات الممنوعة التي تشتمل على أنواع المحرمات فصرف الأموال فيها غير جائز، وإن مما تشتمل عليه الرياضات في وقتنا الآن خلو النية الصالحة،والقصد الصحيح للتقوي على الجهاد في سبيل الله، إذ لو كان كذلك لما حصلت هذه المحرمات، كانكشاف بعض العورات من الأفخاذ، الله أكبر، أعلى البدن مستور، وبعض العورة مكشوف، فأين هذا من تعاليم الإسلام ؟!
ثانيًا: لو قصد بها المعنى الصحيح لما تركت الصلاة، ولما تساهل عنها من اللاعبين والمشجعين، والله أكبر، ما أعظم المسلمين لو كان اللعب فيما يعود عليهم بالمصلحة، وإذا حان وقت الصلاة ورفع الأذان، وأقيمت الصلاة، وحرم من لم يصل من اللعب والمشاهد، والله أكبر، لو قصد المسلمون برياضاتهم وألعابهم الصحيح، فهل يبيحون تقبيل اللاعبين ؟! والله أكبر، لو قصد بالمباراة بين النوادي إظهار قوة المسلمين وشجاعتهم وأنهم أصحاء أقوياء؛ لَما زرع الحقد بينهم! ولما حدثت الخصومات بين الفرقاء! ولما جرحوا شعور الآخرين! ولما أبدوا الإعجاب والفخر حينما يفوز بزعمهم الفائزون!!
وإن آثار هذه الألعاب السيئة ليظهر على الشباب في الأسواق والمدارس، والعجائز في البيوت، لو علم هؤلاء أن الصياح وتشجيع الفائزين في الألعاب والرياضات بالتصفيق والضجيج ينشأ عنه إعجاب الفائزين، وجرح شعور المغلوبين، وهدف الإسلام إيجاد المحبة والألفة بين أفراد المسلمين، فإذا غلب أحدهم في الرياضات الجائزة أخذ العوض الذي أعد للسابق، دعى للمسبوق بالتوفيق والسداد.
أسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يرفع عنا البلاء، وأن يوفق المسؤولين عن الرياضات في بلادنا بأن يسلكوا بها الطريق الصحيح الذي يرضي الله ورسوله، ويصرفوا أوقاتهم وأموالهم وأبدانهم في طاعة الله، فلقد أخذت الكثير من أوقات الشباب، وألهتهم عن دروسهم، ومراجعة علومهم، وليت القائمين على أمر الشباب والرياضة قللوا منها بعض الشيء ومارسها طلابنا وشبابنا في فترات إجازاتهم،بحيث تكون على الطريقة المرضية التي تسعد المسلمين.
فلنتق الله في كل أمورنا، ولنتأس بهدى وتعاليم ديننا، ولنستفد من الرياضة بجميع أنواعها، ولتكن غايتنا رضاء الله ونصرة الإسلام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْء فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [الأنفال :60].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب. فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1]
[2] أخرجه مسلم ح (2664).
[3] أخرجه مسلم ح (2664).
[4] صحيح، أخرجه أحمد (6/264)، وأبو داود ح (2578).
[5] حديث مصارعة الرسول لركانة أخرجه أبو داود ح (4078)، والترمذي ح (1784) وفيه ضعف يتقوى بشواهد أخرى.
أما القصة فرواها البيهقي في سننه (10/18) مرسلة عن سعيد بن جبير، قال البيهقي: " وهو مرسل جيد، وقد روى بإسناد آخر موصولاً، إلا أنه ضعيف والله أعلم". انظر ارواء الغليل (1503).
[6] أخرجه مسلم ح (1917).
[7] أخرجه البخاري ح (2899).
[8] أخرجه أحمد (4/146، 148)، وأبو داود ح (2513)، والترمذي ح (1637)، والنسائي ح (3578)، وابن ماجه ح (2811) وفي سنده خالد بن يزيد: مقبول. تقريب التهذيب (1704)، وعبد الله بن الأزرق: مقبول. تقريب التهذيب (3354).
[9] جزء من الحديث السابق.
[10] جزء من الحديث السابق، وعند مسلم ح (1919) عن عقبة بن عامر أن رسول الله قال: ((من علم الرمي ثم تركه فليس منا، أو قد عصى)).
[11] صحيح، أخرجه أحمد (4/113)، والترمذي بمعناه ح (1638)، والنسائي ح (3143) والحاكم (2/95) وقال: صحيح. ووافقه الذهبي وجميعهم لم يذكروا النية.
[12] أخرجه البخاري ح (1602، 4256)، ومسلم ح (1266)، وأبو داود ح (1885 ـ 1886 ـ 1889)، والنسائي ح (2945) وابن ماجه (2953) وعند أصحاب السنن زيادة عما في الصحيحين.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|