molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الصلاة - سليمان بن محمد آدم الهوساوي الإثنين 14 نوفمبر - 5:49:35 | |
|
الصلاة
سليمان بن محمد آدم الهوساوي
الخطبة الأولى
وبعد: فاتقوا الله معاشر المؤمنين، وتمسكوا بالنهج القويم وبهدي خير المرسلين، فإن فيهما النجاة يوم الدين، ومن شذ عنهما فويل له من عذاب يوم الأليم.
ثم اعلموا ـ إخوتي الأكارم ـ أن مما فرّط الناس في أدائه في هذا الزمان وهو من الأهمية بمكان بل عمود الدين وثاني الأركان الصلاة، لقد تهاون البعض في الحفاظ عليها، وتمادى البعض الآخر فأخرجوها عن أوقاتها، أو أدوها في غير أماكنها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
لذا كان لزاما على العبد أن يحاسب نفسه الفينة بعد الفينة على هذه الشعيرة، وعلى الواعظ أن يذكر الغافل وينبّه الوسنان ويوقظ النائم قبل فوات الأوان.
ألا فاسمعوا ـ إخوة الإسلام ـ إلى ما يقوله رب الأنام، قال سبحانه في محكم التنزيل: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]. إنها الصلاة، وصية الله وأمره للنبيين والمرسلين وأتباعهم إلى يوم الدين، قال إبراهيم عليه السلام: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم:40]، وكان إسماعيل عليه السلام يأمر أهله بالصلاة وال+اة وكان عند ربه مرضيا، وقال عيسى عليه السلام: وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم:31]، وأمر الله محمدًا بقوله: أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:78، 79]، وقال له في آية أخرى: وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، إلى غير ذلك من الآيات التي تبين أهمية الصلاة.
إنها الصلاة، كيف يضيعها العبد وهي أول ما يحاسب عليه يوم القيامة؟! قال الحبيب : ((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله)) وهو في صحيح الجامع.
إنها الصلاة، كيف يتهاون بها العبد وهي الصلة بينه وبين خالقه، ينقطع فيها الإنسان عن مشاغل الدنيا، ويتجه بها إلى ربه، يطلب منه الهداية والعون والرشاد؟!
إنها الصلاة، جعل الله لها أوقاتًا مكتوبة فقال: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]. وأمر بإقامتها حين المساء وحين الصباح وحين الإظهار، وقدرها خمس مرات في اليوم والليلة رحمة منه سبحانه، ولتكون فرصة للمسلم يتطهّر بها من غفلات قلبه وكثرة خطاياه، وقد مثَّل هذا المعنى في قوله: ((مثل الصلوات المكتوبات كمثل نهر جار على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات)).
إنها الصلوات الخمس، فرصة عظيمة ليعود بعدها المخطئ إلى رشده، ويرجع الغافل الناسي إلى ربه، وجاء في الأثر: "إن العبد إذا قام يصلي أُتي بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه".
إنها الصلاة، سبب في رفع منزلة المسلم في الجنة، ولذلك لما سأل ذلك الصحابي الجليل مرافقة النبي في الجنة قال له: ((أعني على نفسك بكثرة السجود))؛ فإنه ليس من مسلم يسجد لله تعالى سجدة إلا رفعه الله بها درجة في الجنة، وحط بها عنه خطيئة. وليس هذا فحسب، بل الصلاة بابك الذي تبثّ منه شكواك وهمّك إلى من يفرج الهموم، فإذما أحاطت بك الخطوب أو خانك الصديق وانقلب الحبيب عدوًا وعقك الولد أو أنكرتْ الزوجةُ جميلَك لها فما لك إلا الله، فافزع إلى الصلاة اقتداءً برسول الله ، فقد كان رسول الله إذا ح+ه أمر لجأ إلى الصلاة، وقال لحبيبه بلال: ((أقم الصلاة، ناد بها، أرحنا بها يا بلال)).
ولما ماتت القلوب في عصر الحضارة والمدنِية نودي بالصلاة، فقيل بل قال بعض السذج من بني الإسلام: أرحنا منها، وهذا ما يرى ويُشاهد في هذا الزمان.
إنها الصلاة، أمانة من الله عندك، إذا حفظتها حفظك الله، وإذا ضيعتها ضيعك الله، ومن أدى أمانة الله أدى الله سبحانه عنه، ومن فرط أو ضيع فإنما يجني على نفسه، والأسف كل الأسف أن شبابا من بني الإسلام لا يرى محافظا على الصلاة إلا في مثل هذه الأيام، وتعرفون ماذا تعني هذه الأيام عند الطلبة والطالبات، إنها أيام الامتحان، يومها يلجؤون إلى الله يحافظون على الصلاة، يؤدّون أمانة الله، فإذا ما انزاحت الشدائد عادوا إلى التفريط والتضييع، يخادعون من لا يُخدَع، إنها من صفات أهل النفاق أعاذنا الله وإياكم من النفاق، أولئك القوم يخادعون الله وهو خادعهم، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا +الى، يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا.
إنها الصلاة، ولأهمّيتها العظمى لما أراد سبحانه فرضها لم يرسل لذلك جبريل عليه السلام، لكنه عرج بحبيبه إلى السموات العلى، وخاطبه بها هناك : وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى [النجم:3-10].
لذا ـ عباد الله ـ فإنه لا استغراب أبدًا في كون تاركها يعاقب العقاب الشديد ويعذبُ العذاب الأليم، الذي توعد الله به تارك الصلاة أو المتهاون فيها، فتأملوا ـ عباد الله ـ في جواب أهل النار حين يُسألون: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:42، 43]، ثم تأملوا أخرى في قوله سبحانه: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4، 5]، وأولئك هم الذين يؤخّرون الصلاة عن وقتها.
أما من تأمل في السنة النبوية على صاحبه وقائلها أفضل الصلاة والتسليم وجد فيها الإشادةَ بالصلاة وبيانَ مكانتها والترغيبَ في المحافظة عليها والتحذيرَ الشديد في تضييعها أو التهاون فيها، قال عليه الصلاة والسلام: ((من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة إلى يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف)).
قال الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله تعليقًا على هذا الحديث: "إن في هذا الحديث معجزة نبويّة تدلّ على كرامة رسولنا محمد ، فتارك الصلاة إما أن يشغله عنها ماله أو ملكه أو رياسته أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسته فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف".
وجاء في الترغيب والترهيب إن النبي قال: ((لا تترك الصلاة متعمدًا؛ فإنه من ترك الصلاة متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله))، وقال: ((من ترك الصلاة لقي الله وهو عليه غضبان))، وفي آخر حياته كانت كلماته ووصاته: ((الصلاة الصلاة، الصلاة الصلاة))، ردّدها وهو يفارق الحياة إلى الحياة.
إنها الصلاة، أمانة الله، ووصية رسول الله، وليس لخطيب أن يبيّن أن أهميتها أكثر مما أبان الله وأوضحه رسول الله صلى وسلم عليه مولاه، ولكن حسبي وحسبك ما تمّ الإشارة إليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي الذي اصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم واتبع الهدى.
وبعد: معاشر الفضلاء، فإن مما يجب أن يقال في هذا المقام أنه لا عذر لأحد عند الله في ترك الصلاة أبدا، في سِلم أو حرب، في صحة وعافية أو مرض وسقم، في البر أو في البحر أو حتى الفضاء، فمن لم يستطع أن يؤدّي الصلاة قائمًا فليصلها جالسًا، فإن أعجزه ذلك فليصلها على جنبه مضجعا، فإن لم يكن هذا ولا ذاك فبالإشارة أو على أيّة حال كما قال عليه الصلاة والسلام، إذًا فلا عذر أبدًا لترك الصلاة، إلا فيما أوضحه الشرع في حال رفع القلم عن المرء أو نزول دم الحيض والنفاس في المرأة المكرمة.
أما حكم الشرع في من تارك الصلاة عامدا متعمدا فيقصّه علينا سيد الخَلق، يقول عليه الصلاة والسلام: ((بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة))، وقال أيضا: ((بين الكفر والإيمان ترك الصلاة))، وقال: ((بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك)).
وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجه ورضي عنه وأرضاه: (من لم يصل فهو كافر)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما: (من ترك الصلاة فقد كفر)، وقال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: (من ترك الصلاة فلا دينَ له)، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه قال: (من لم يصل فهو كافر)، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه قال: (لا إيمان لمن لا صلاة له).
وقال الإمام العلامة إسحاق رحمه الله: "صح عن النبي أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر"، وعن حماد بن زيد عن أيوب: "ترك الصلاة كفر لا نختلف فيه"، وعن عبد الله: "كان أصحاب محمد لا يعرفون شيئًا من الإعمال تركه كفر غير الصلاة". فماذا بعد ذلك كله؟!
يقول الشيخ ابن عثيمين: "وإذا تبين أن تارك الصلاة كافر فإنه يترتب عليه أحكام، منها أنه لا يصح أن يزوّج، ولا تؤكل ذبيحته، ولا يحل له أن يدخل مكّة المكرمة أو حدود حرمها، ولا حقّ له في الميراث، فلا يرث ولا يورَث، ولا يُغسَّل بعد موته ولا يُكفَّن ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، بل يورى في حفرة في الصحراء أو في العراء، ولسوف يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف أئمة الكفر، ولا يدخل الجنة، ولا يحل لأحد من أهله أن يدعو له بالرحمة والمغفرة، لأنه كافر" انتهى كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
وبعد: إخوتي في الدين، فالأمر والله خطير جد خطير، ولقد سمعتم قول الكتَاب المبين وحديث الرسول الكريم وأقوال السلف والعلماء الربانيين، فخذوا لأنفسكم، وقوها النار وأهليكم، فمن كان مفرّطا أو متهاونًا بالصلاة فليستغفر الله وإليه يتوب، وليبدأ حياة جديدة أساسها المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة المسلمين، ومن كان محافظا فليحمد الله رب العالمين، وليتفقد نفسه المرة بعد المرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].
ثم صلوا وسلموا على الرسول الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...
| |
|