molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: فضل أعظم آية في كتاب الله - سليمان بن محمد آدم الهوساوي الإثنين 14 نوفمبر - 5:52:29 | |
|
فضل أعظم آية في كتاب الله
سليمان بن محمد آدم الهوساوي
الخطبة الأولى
وبعد: فاتقوا الله باريكم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].
ثم اعلموا ـ إخوتي في الله ـ أن هذا الكتاب كتاب عظيم، فضله الله سبحانه وتعالى على سائر الكتب أجمعين، فهو خاتم الكتب المنزلة وأشرفها، وكلُّها مشرفة، ولكن الله سبحانه فضّل القرآن من بين الكتب، وفضل من القرآن بعضَ السّور على بعض، ثم فضّل من السور بعضَ الآيات على البعض، سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو الحكيم العليم.
فلقد روى الإمام أحمد والإمام مسلم رحمهما الله عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أن النبي سأله فقال: ((أي آية في كتاب الله أعظم؟)) قال: الله ورسوله أعلم، فرددها مرارا، ثم قال أبي رضي الله تعالى عنه: آية الكرسي، فقال له رسول الله : ((ليهنك العلم أبا المنذر))، وعند أحمد: ((والذي نفسي بيده، إنّ لها لسانا وشفتين تقدّس الملك عند ساق العرش)).
إنها آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، وكيف لا تكون كذلك وهي تحوي أعظم اسم لله عز وجل وتقدّس في علاه؟!
يقول سبحانه: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة: 255].
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في كتابه: "روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: سمعت رسول الله يقول في هاتين الآيتين: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ والم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران: 1، 2]: ((إن فيهما اسم الله الأعظم))، وروى ابن مردويه عن أبي أمامة يرفعه قال: ((اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث: سورةِ البقرة، وآل عمران، وطه))، قال هشام: أما البقرة فـاللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وفي آل عمران: الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وفي طه: وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [طه: 111].
والناظر في هذه الآية يرى أنها قد اشتملت على عشر جمل مستقلة كما ذكرها العلماء رحمهم الله تعالى.
فأوّلها: قوله سبحانه: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إخبار بأنه سبحانه المتفرد بالإلهية لجميع الخلائق.
وثانيها: قوله سبحانه: الْحَيُّ الْقَيُّومُ أي: الحي في نفسه الذي لا يموت أبدًا، المقيم لغيره، فجميع الموجودات مفتقرة إليه، وهو غنيّ عنها، لا قوام لها بدون أمره، كقوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم: 25].
وثالثها: قوله سبحانه: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ أي: لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه، بل هو قائم على كل نفس بما +بت، شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا يخفى عليه خافية، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم فقوله: لا تَأْخُذُهُ أي: لا تغلبه سِنَةٌ وهي الوسَن والنعاس، ولهذا قال: وَلا نَوْمٌ، والنوم أقوى من السنة. وفي الصحيح عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله بأربع كلمات، فقال: ((إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عملُ النهار قبل الليل، وعملُ الليل قبل النهار، حجابه النور ـ أو: النار ـ، لو كشفه لأحرقت سُبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصرُهُ من خلقه)).
ورابعتها: قوله سبحانه: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إخبار بأن الجميع عبيدُه وفي ملكه، وتحت قهره وسلطانه، كقوله: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم: 93-95].
وخامستها: قوله سبحانه: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، كقوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم: 26]، وكقوله: وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى [الأنبياء: 28]. وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذن له في الشفاعة، كما في حديث الشفاعة حيث قال : ((آتي تحت العرش فأخر ساجدا، فيدَعُني ما شاء الله أن يدَعَني، ثم يقال: ارفع رأسك، وقل تسمع، واشفع تشفع)).
وسادستها: قوله سبحانه: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، كقوله إخبارا عن الملائكة: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم: 64].
وسابعتها: قوله سبحانه: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ أي: لا يطلع أحدٌ من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه. ويحتمل أن يكون المراد: لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا بما أطلعهم الله عليه، كقوله: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110].
وثامنتها: قوله سبحانه: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، روى وكيع في تفسيره عن ابن عباس قال: (الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدُر أحد قدره).
وتاسعتها: قوله سبحانه: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا أي: لا يثقله ولا يكرثه حفظ السموات والأرض ومن فيهما ومن بينهما، بل ذلك سهل عليه يسير لديه، وهو القائم على كل نفس بما +بت، الرقيب على جميع الأشياء، فلا يع+ عنه شيء، ولا يغيب عنه شيء، والأشياء كلها حقيرة بين يديه، متواضعة ذليلة صغيرة بالنسبة إليه، محتاجة فقيرة، وهو الغني الحميد، الفعال لما يريد، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو القاهر لكل شيء، الحسيب على كل شيء، الرقيب العلي العظيم، لا إله غيره ولا رب سواه.
وعاشرتها: قوله سبحانه: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ كقوله: الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد: 9]" انتهى كلام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية.
ألا فما أعظمها من آية؛ لما حوت من بيان أسماء الله وصفاته، وما له من سلطان على عباده، وقدرة على مخلوقاته، سبحانه لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض وهو السميع العليم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم لقائه.
وبعد: فإن مما يزيد آية الكرسي تشريفا وتعظيما أنها آية جعلها الله حرزا لمن قرأها من الشياطين والجن والسحرة والمشعوذين، فمن قرأها من ليلته لا يزال عليه من الله حافظ حتى يصبح، ومن قرأها حين يصبح لا يزال عليه من الله حافظ حتى يمسي.
وروى البخاري رحمه الله تعالى قصة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله بحفظ +اة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله ، قال: دعني فإني محتاج، وعليّ عيال، ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت فقال النبي : ((يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟)) قال: قلت: يا رسول الله، شكا حاجةً شديدةً وعيالاً، فرحمته وخلّيت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله : ((إنه سيعود))، فرصدته فعاد المرة الثانية، ثم عاد المرة الثالثة، يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه: فرصدته الثالثة فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله ، وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود، فقال: دعني أعلّمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: وما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله.، فأصبحت فقال لي رسول الله : ((ما فعل أسيرك البارحة؟)) فقلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: ((ما هي؟)) قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وقال لي: لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير، فقال النبي : ((أما إنه صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاثِ ليال يا أبا هريرة؟)) قلت: لا، قال: ((ذاك شيطان)).
وكذلك من فضائل آية الكرسي أنه من حافظ على قراءتها دبر كل صلاة ما كان بينه وبين الجنة إلا أن يموت، ففي الحديث عن أبي أمامة أنه قال: قال رسول الله : ((من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)) أخرجه الترمذي وغيره وهو في صحيح الجامع.
وبعد: إخوتي في الدين، فإن آية الكرسي جدير على كل مسلم أن يحفظها ويحفِّظها ويعيها ويتفهما ويؤمن ويوقن بما جاء فيها إيمانا صادقا ويقينا خالصا.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد...
| |
|