molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الشريعة قوام الحضارات - سعيد بن سالم سعيد السبت 12 نوفمبر - 6:27:29 | |
|
الشريعة قوام الحضارات
سعيد بن سالم سعيد
الخطبة الأولى
يقول الله تبارك وتعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: 3]. قال المفسر ابن كثير في تفسيره: "هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة، حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه".
ولقد علمت اليهود فضل هذه الآية في إكمال الدين، فروى البخاري ومسلم من حديث طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا. قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.
أيها المسلم، اعلم ـ هدِيتَ للحق ـ أن شريعة الإسلام الكاملة هي النهج الأسمى الذي إن تمسك به المسلمون نجوا وعلوا وسادوا الدنيا شرقها وغربها، فالدين عزيز، وقد وعد الله بنصره وبنصر أهله، قال : ((ليبلغن هذا الأمر ـ أي: الإسلام ـ ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل دليل، عِزا يُعِزُ الله به الإسلام، وذلا يُذِلُ به الكفر)).
وقد قال ربنا عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33]. قال المحدث محمد بن ناصر الألباني رحمه الله تعالى: "تبشّرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام، بسيطرته وظهوره وحكمه على الأديان كلها، وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده وعهد الخلفاء الراشدين من بعده والملوك الصالحين، وليس كذلك، فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق، كما أشار إلى ذلك النبي بقوله: ((لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاتُ وَالْعُزَّى))، فقالت عائشة: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا، قَالَ: ((إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لا خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ))".
أيها المسلمون، إن شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان؛ لأن الذي شرعها هو الله العليم بأحوال الناس الخبير بشؤونهم، فقد احتوت على كل مقومات إقامة الحضارة المبنية على أسس صحيحة وقوية، لا تهزها الرياح والزلازل والتيارات.
لقد جاءت شريعتنا الإسلامية بالحفاظ على المجتمع المسلم وعلى أفراده، فحفظت له حقوقه وبينت واجباته، فمن ذلك أن الإسلام حفظ للبشرية ما يسميه الفقهاء بـ"الكليات الخمس"، فأمر الله بالحفاظ على الدين بتطبيق أحكامه واجتناب نواهيه. كما حرم الإسلام كل وسيلة تغتال العقل أو تفقده وعيه، فحرم كل مسكر للحفاظ على العقل. ثم شرع الله من الأحكام ما حفظت به النفوس، وليس في الدنيا نظام يحترم النفس البشرية المعصومة مثل شريعة الإسلام، قال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 179]، وقال جل ذكره: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة: 32]. فلما استقام أمر الدين والعقل والنفس أمر الله بالحفاظ على الأعراض والنسب، فوضع من الشرائع ما يؤدي إلى حفظها، وبالتالي تماسك المجتمع وعدم وقوعه في الرذيلة والفاحشة، فحرم الزنا، وحرم كل ما يؤدي إليه، فقال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء: 32]، فحرم النظر إلى النساء غير المحارم، وحرم الخلوة بهن، وحرم سفر المرأة بغير محرم ولو كان ذلك لأداء عبادة كالحج أو التعليم، وأمر الشباب بالزواج؛ لأنه كفيل بحفظ النسل والغريزة التي أودعها الله في البشر. كما قد حفظت شريعتنا الغراء المال من الضياع ومن اللهو، فأمرت بأن ي+ب المسلم ماله من حلال، وأن ينفقه في الحلال دون إسراف أو بخل، بل باعتدال، وأمر بإخراج ال+اة والصدقة للمحتاجين، وحرم السرقة وجعل لها حدا يقام على من ارتكبها، وحرم الغش بجميع أنواعه والاحتكار والربا، ورغب في العمل والاستثمار بالطرق الشرعية السليمة.
أيها المسلم، هذه الكليات الخمس: الدين والعقل والنفس والعرض والمال من حافظ عليها كما شرعها الله في هذا الدين استقامت له أمور دينه ودنياه، ومن أهملها وضيعها فقد ضيع دنياه وآخرته، وإنكم لتعلمون حال الأمم السابقة من سلفنا الصالح لما طبقوا شرع الله في أنفسهم أولا ثم في أسرهم ومجتمعاتهم ثانيا كيف دانت لهم العرب والعجم، وأقاموا حضارة علمية قد استفاد منها الغرب الكافر، وبنوا ما يسمّى بحضارتهم التي هي في الحقيقة حقارة؛ لأنها لم تبن على قواعد الشريعة. فلما ضيع المسلمون أمر ربهم وانشغلوا بلذات الدنيا عن الآخرة ضاعت قوتهم وحضارتهم، وغزاهم الكفر في عقر دارهم، وهم في ذلّ وهوان ولا يقدرون على فعل شيء، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)). والرجوع إلى الدين ليس فقط بالجهاد مع الكفار، بل أولا بجهاد النفس والهوى، بتطبيق شرع الله في أنفسنا وبيوتنا وأهلينا، بعد ذلك يرفع الله عنا ذلك الذل والهوان.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يردنا إلى ديننا ردا جميلا، إنه على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية
عباد الله، كيف السبيل إلى عز الإسلام والمسلمين؟ قال الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلى ما أصلح أولها". فما الشيء الذي صلحت به الأمة في أول أمرها؟ إنه التمسك الصحيح بكتاب الله وسنة رسوله ، ولن يستقيم لنا الأمر كما استقام لهم إلا بالرجوع إلى هذا السبيل، وهو التمسك بما تمسكوا به، وهو الكتاب والسنة على ما فهمه سلف هذه الأمة من خير القرون، كالخلفاء الراشدين والصحابة الكرام والتابعين لهم، فهم أعلم الناس بكتاب الله وبسنة رسوله .
أيها المسلم، إن ع+ ونصرك على عدوك إنما يتم لك بتحقيق معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، بأن تصلح من عقيدتك فتوحد الله عز وجل بأفعالك، فتعبده وحده وتستعين به وحده، وتتوكل عليه وحده وتدعوه وحده. فـ"لا إله إلا الله" كلمة من قالها عالما بمعناها مطبقا لمقتضاها عز في الحياة الدنيا والآخرة، فقد ورد في بعض الآثار أن كفار قريش لما جادلوا النبي في الدين الذي جاء به قال لهم : ((إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم العجم الجزية))، فقال الكفار: بل لك عشر كلمات، فقال قولوا: ((لا إله إلا الله)) الحديث.
فلا عز للمسلمين إلا بتوحيد ربهم عز وجل، التوحيد الخالص الذي يكون فيه الله هو المقصود بالعبادة كلها دون سواه، وأما والحال كما هو مشاهد اليوم، حيث تنتشر وسائل الشرك بين المسلمين من دون استنكار لها حتى ولو كان بالقلب، فيوجد من بيننا من غالى في رسول الله حتى أوصله إلى الأولهية، وفينا من يذهب إلى السحرة والكهنة والعرافين، وفينا من يدعو الأولياء والصالحين، وفينا من يحلف بغير الله معظِّما للمحلوف به أكثر من تعظيمه لله، وفينا من يعلق التمائم والحروز بحجة كشف البلاء، وفينا من يبتدع في الدين باسم الدين والدين منه براء، فأجيزت الموالد باسم حبِّ النبي ، وانتشرت البدع بين المسلمين كأنها هي السنن. يقول الشاطبي رحمه الله: "لما كثرت البدع وعم ضررها واستطار شررها ودام الإكباب على العمل بها والسكوت من المتأخرين عن الإنكار لها وخلف بعدهم خلوف ذهلوا أو غفلوا عن القيام بفرض القيام فيها صارت كأنها سنن مقررات وشرائع من صاحب الشريعة محررات، فاختلط المشروع بغيره، فعاد الراجع إلى محض السنة كالخارج عنها". وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "ألا وإني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير وكبر عليه الصغير، وفصح عليه العجمي وهاجر عليه الأعرابي، حتى حسبوه دينا لا يرون الحق غيره".
قال تعالى: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 40، 41].
| |
|