molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الدروس والعبر المستفادة من حادثة السخرية بخير البشر - سعود بن عابد الحربي الجمعة 11 نوفمبر - 6:09:41 | |
|
الدروس والعبر المستفادة من حادثة السخرية بخير البشر
سعود بن عابد الحربي
الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
عباد الله، إن الله سبحانه ربى عباده المؤمنين على أن يستمنحوا المنحَ من المحن، وأن يتعلموا الصبر من الشدائد، فلا يقفوا عند بدايات الحوادث والأقدار، وإنما عليهم أن يسبروا أغوار الأمور ويغوصوا في أعماق الأحداث، ليصلوا إلى أسرار الحكم وخفيات المقادير، فيسلّموا لله بما قدر، ويذعنوا له بما قضى، ولا يكون منهم إلا الرضا والتسليم لما قدر الله وقضى.
هذا هو المنهج الذي رسمه الله لنا في كتابه، وتمثله رسوله في سنته تطبيقًا عمليًا ونهجًا إيمانيًا، يقول سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة: 216]، ويقول سبحانه: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19].
عباد الله، ظهرت الأحداث الأخيرة من السخرية برسولنا من قِبَل الغرب الكافر، فاغتم المسلمون لذلك الحدث غمًا عظيمًا، وحق لهم ذلك، كيف لا يغتمون وقد نيل ممن سكن مهج النفوس وشغاف القلوب ومن هو أحب عندهم من أنفسهم التي بين جنبيهم؟!
ولكن ما لبثنا أن تكشفت لنا خبيئات الأقدار وخفيات الأسرار بما جعله الله سلوة للقلوب وطمأنة للنفوس، فاللهم لك الحمد على قضائك، ولك الشكر على عطائك.
وإن مما جناه المسلمون من الدروس والعبر من هذه الأحداث أمورًا ظاهرة للعيان واضحة البرهان، لمسناها ببصائرنا قبل أن تراها أبصارنا، والشمس لا تخفى إلا على العميان.
الدرس الأول:
أن المسلمين مهما بلغ بهم من الفرقة والشتات والنزاع والخلاف إلا أن هناك من المسلَّمات الكلية والركائز القوية ما تجمعهم وتوحّد صفوفهم، ومن ذلك محبتهم للنبي والدفاع عنه عند النيل من عرضه الشريف، فقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في الدفاع عن النبي بالنفس والنفيس، وهذه كتب التاريخ استنطقوها تجِبكم بما يعجز المحبون أن يصنعوا مثله. ولو سردنا نماذج من ذلك لطال بنا المقام ولما أحصينا.
وهكذا الأمة اليوم لو أتيح لها أن تبرهن على صدق انتمائها لدينها ومحبتها لنبيها لفعلت، ولرأينا ما تقر به الأعين وتطيب به النفوس، وما هذه الأحداث الأخيرة إلا خير شاهد على ذلك، فقد هبت الأمة الإسلامية في شرق الأرض وغربها لنصرة نبيها كلٌّ بما يستطيع، على مستوى الحكومات وعلى مستوى الشعوب، كل يتمنى لو يفدِي رسول الله بنفسه وماله وولده ووالده والناس أجمعين.
فالأمة بأسرها لم تتفق على أمر من الأمور ما اتفقت على إنكار هذا الفعل، فقد مرت بها أحداث عظام تباينت فيها وجهات النظر واختلفت فيها الاجتهادات وتنازعتها فيها الأهواء والرغبات، لكنها في هذا الحدث أجمعت أمرها ووحّدت صفها، وهذا م+ب عظيم طالما تمناه المسلمون، وهاجس مزعج طالما خافه أعداء المسلمين.
ففي الوقت الذي يحرصون فيه على بث الفرقة بينهم يأتي هذا الحدث ليوحدهم، فهي زلة عظيمة لن يعود الغرب إلى مثلها، خاصة وقد ترنحوا تحت ضربات المقاطعة المباركة وتلقنوا درسًا بليغًا.
واعلم ـ يا عبد الله ـ أن مجرَّدَ تركك شيئًا مما جلب من تلك البلاد محبةً في نبيك وانتصارًا له وغيرة على عرضه الشريف هو قربة إلى الله، تنال بها الأجر والثواب من الله جل وعلا.
ولنعلم ـ يا عباد الله ـ أن المسلمين لو توحّدوا فلا توجد قوة في الأرض تستطيع أن تقف أمامهم، ولكن إنما سلط علينا أعداؤنا بسبب تفرقنا وتنازعنا، ولذلك حذرنا الله من ذلك فقال سبحانه: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46]. ولعل الله أراد بنا خيرًا بما كشف من خبايا نفوس القوم؛ لتتفق كلمة المسلمين، ولعل هذا من إرهاصات النصر والتمكين.
فهذه الأحداث عززت كثيرًا من مبدأ الولاء لهذا الدين، فمن كان من المسلمين حميته لدينه ضعيفة بدأت تقوى عنده الحمية الدينية والغيرة لنبيه ، وكم سمعنا عن أناس كان سبب عودتهم إلى دينهم واستقامتهم عليه ما يرون من عداوة الكفار له، فهذا م+َب عظيم تحقّق للأمة من خلال هذه الأحداث الأخيرة، وكما قال الله سبحانه: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19].
الدرس الثاني:
عظم عداوة اليهود والنصارى وغيرهم من ملل الكفر لهذا الدين، يقول الله عنهم ربنا جل وعلا: قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران: 118]، وقال تعالى: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة: 2]، ويقول سبحانه: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة: 120]. والقرآن والسنة مليئان بالنصوص الدالة على تعمق عداوة الكفار للمؤمنين والتحذير من الانخداع بهم أو اتخاذهم أولياء.
وهذه الأحداث الأخيرة خير شاهد على ذلك، ففي ظل المناداة بالسلام وحقوق الإنسان والتعايش والديمقراطية وغيرها من الشعارات الزائفة التي يرفعونها تجدهم أول من يكفر بها ويخالفها، فقد أثبت التاريخ الحاضر بما لا يدع مجالاً للشك أنهم لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، وأنهم لا يتورّعون عن قتل المسلمين أو النيل منهم، ولا يجدون في ذلك أدنى حرج، ولا يعجزهم بعد ذلك ما يتحجّجون به من الحجج والأكاذيب لتبرير أفاعليهم.
وهذه رسالة موجهه لأولئك المخدوعين من المسلمين بالغرب، الذين ينادون بين الحين والآخر بالتقارب بين الأديان وبالارتماء في أحضان الغرب وبالإشادة بهم وأنهم أهل التقدم والرقي والحاضرة وبالمنادة بالتأسي بهم في كل شيء، فتجد الواحد منهم يتقمّص شخصية الغرب في شتى نواحي الحياة؛ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي كل صغيرة وكبيرة، فهؤلاء همُ الغربُ: قتلةُ الأبرياء من الشعوب المغلوب على أمرها، ومغتصِبو ثرواتها ومقدّراتها، والعابِثون بحرياتها وكرامتها، والنائلون من أنبياءِ الله ورسله، والممتهنون والمحرّفون لكتبه.
الدرس الثالث:
إن المحك الحقيقي لإثبات المحبة الصادقة والبرهنة على صدق الانتماء لهذا الدين واتباع سيد المرسلين هي الأزمات والمواقف التي بها يثبت المحب الصادق من الدعيّ الكاذب، لا الدعاوى والأكاذيب، فكم سمعنا ممن يتشدق بمحبة النبيّ ويرمي غيره بالجفاء والبعد عن حبّ النبي ، ثم لما ظهرت هذه الأحداث الأخيرة لم نسمع لهم شيئًا يذكر، ولما نر منهم فعلاً يشكر، بينما في المقابل عندما سخِرت إحدى القنوات الفضائية من أحد مراجع بعض الطوائف أقامت هذه الطائفة الدّنيا ولم تقعدها احتجاجًا على هذا الفعل وتنديدًا بهذه القناة. فأين هذه الغيرة على جناب المصطفى ؟! وأين ادعاء المحبة؟!
الدرس الرابع:
المسلمون يملكون أقوى الأسلحة في الضغط على القوى الكبرى في العالم، إنه السلاح الاقتصادي، المقاطعة الاقتصادية التي تؤثر في الغرب الكافر، الذي يعيش على المادية الصرفة، الذي يعبد الدرهم والدينار، فقد أثبتت المقاطعة المباركة التي تواصى بها المسلمون في البلاد الإسلامية وخاصة البلاد الغنية التي هي أسواق استهلاكية لمنتجات الغرب، أثبتت جدواها ونفعها، فقد أدت إلى خسائر عظيمة في الشركات الكبرى وإغلاق لبعضها، فقد تراجعت مبيعاتها بشكل كبير جدًا، وتسببت المقاطعة في تكدّس البضائع في المستودعات، فلم يعد عليها طلب يذكر، وعادت بعضها إلى بلادها خائبة خاسرة، حيث لم تستقبل من التجار المسلمين، وألغِيت كثير من العقود مع بعض الشركات العظمى من بعض التجار الكبار؛ مما أدى إلى قلق عظيم لدى ملاكها؛ مما يؤثر سلبًا على اقتصاد دولتهم.
وقد تحدث العالم بأسره عن هذه المقاطعة، وأقضت مضاجعهم، مما يعني أنها ألحقت نكاية عظيمة بهم، مما جعل الاتحاد الأوربي يقف على قدميه.
وهكذا فإن إرادة الشعوب لا يقف في وجهها شيء إذا توحّدت، ولذلك من الحكمة أن تستنهض الشعوب النائمة، ويذكى في نفوسها الحمية للدين، بالكلمة النافعة والمقال والمحاضرة والخطب والدروس، ولو حتى برسالة قصيرة بالجوال، فقد أثبتت جدواها ـ ولله الحمد ـ على غير كلفة فيها.
فالمقاطعة عمل مبارك مشروع، يثاب عليه الإنسان إذا احتسب عمله لله جل وعلا، فلا نلتفت إلى ما يشيعه بعض المرجفين من عدم مشروعيتها أو عدم جدواها، فوالله إنها آلمتهم كثيرًا، وأدّت إلى ثمار نافعة مباركة بإذن الله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
أما بعد: عباد الله، يقول ربنا جل في علاه: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص: 68]. فالله خلق الخلق ويختار منه ويصطفي ما يشاء، ويفضل بعض خلقه على بعض لحكمة يعلمها سبحانه، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء: 23].
إخوة الإيمان، لقد فضّل الله سبحانه في هذه الدنيا بعض الأيام، فبارك فيها وجعل أجر الأعمال الصالحة فيها مضاعفا؛ لكي نتخذها وسيلة إلى مضاعفة الثواب ووسيلة إلى رضا رب الأرباب.
وإن من الشهور التي فضلها الله على غيرها واختصَّها بمزيد تشريف وتكريم شهر الله المحرم، فهو شهر عظيم من الأشهر الحرم، ورد في فضله الكثير من الآيات والأحاديث، فالله سبحانه خصَّ الأشهر الحرم بالذكر، وشدد فيها على عدم الظلم، يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا [المائدة: 2]، ويقول سبحانه: جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة: 97]، كما ذكر رسول الله هذه الأشهر وخص شهر المحرم بالذكر، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة الليل)).
في هذا الشهر ـ عباد الله ـ يوم عظيم هو يوم عاشوراء، وهو يوم من أيام الله سبحانه، نجَّى فيه نبيه موسى عليه السلام وقومه من عدوه فرعون وقومه. فيوم عاشوراء هو اليوم الذي نصر الله فيه أولياءه وقهر أعداءه، واليوم الذي ارتفعت فيه كلمة الحق وأزهقت كلمة الباطل، اليوم الذي قال فيه موسى لقومه لما قالوا له وهم يرون فرعون وجنوده خلفهم: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء: 61]، قال موسى بلغة المؤمن الواثق من وعد الله: كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 62]، اليوم الذي قال فيه فرعون المتجبر المتكبر المتألّه، قال فيه صاغرا لما أيقن بالهلاك: آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: 90]، فردّ الله عليه هذا الإيمان الاضطراري وهذه الدعوى الكاذبة فقال عز من قائل: آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس: 91، 92]
هذا اليوم حُق لكل مؤمن أن يعرف قدره، وأن يتيقن فيه من سنة الله الكونية في نصرة أوليائه الذين ينافحون عن دينه ودحر أعدائه الذين يعارضون شرعه في كل زمان ومكان.
هذا اليوم ـ أيها المسلمون ـ شرع لنا فيه الصيام تقربا إلى الله سبحانه وشكرا على نجاة موسى عليه السلام، لهذا صامه رسول الله وصامه أصحابه رضي الله عنهم، ولا زالت الأمة تصوم هذا اليوم وتتأسى بنبيها في صيامه.
ولقد سن لنا نبينا أيضا صيام اليوم التاسع من هذا الشهر، يقول في الحديث الذي أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) أي: إن عشت إلى العام المقبل لأصومن التاسع أيضا، ولكنه مات قبل أن يصومه، لهذا يسنّ صيام هذين اليومين اللّذين رتب الله سبحانه على صيامهما أجرا عظيما، لا ينبغي لمسلم أن يزهد فيه أو يفرط، فقد ذكر أن صيام عاشوراء يُكفِّر السنة التي قبله، فيا له من فضل عظيم، ويا لها من بشرى طيبة، عن أبي قتادة أن رسول الله قال عن صيام يوم عاشوراء: ((إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)) أخرجه مسلم.
يصوم الإنسان هذا اليوم مؤمنا مخلصا محتسبا، فيكفر الله عنه خطايا عامه المنصرم، ويستقبل عامه الآتي بنفس منشرحة وقلب عامر بالإيمان، فهذه نعمة يتفضل بها الله سبحانه على عباده، وهذا ميدان للتنافس والتسابق على إحراز الحسنات، ينبغي لكل حازم أن يضرب فيه بسهم، وأن يزاحم عليه ما دام في العمر فرصة وفي الجسد قوة.
أما بعد: فإن خير الحديث كلام الله...
| |
|