molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الحياء لا يأتي إلا بخير - - عبد الرحيم الراوي الأحد 4 ديسمبر - 3:45:07 | |
|
الحياء لا يأتي إلا بخير
عبد الرحيم الراوي
الخطبة الأولى
أما بعد: في جانب تصحيح العقيدة دعا الإسلام إلى التخلق بالحياء وحث عليه، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله : ((الحياء لا يأتي إلا بخير)) متفق عليه، وفي رواية المسلم: ((الحياء كله خير، الحياء خير كله))، وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان)) متفق عليه. والبضع من الثلاثة إلى العشرة، والشعبة القطعة والخصلة، والإماطة الإزالة، والأذى ما يؤذي كحجر وشجر وشوك وطين ورماد وقذر وزجاج ونحو ذلك.
عباد الله، اتقوا الله، واستحيوا منه حق الحياء، واعلموا أنه رقيب عليكم أينما كنتم، يسمع ويرى، فلا تبارزوه بالمعاصي وتظنوا أنكم تخفون عليه، فإنه يسمع السر والنجوى.
عباد الله، إن الحياء خصلة حميدة تكفّ صاحبها عما لا يليق.
عباد الله، الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حقّ ذي الحق، قال ابن القيم رحمه الله: "والحياء من الحياة، ومنه الحيا للمطر، وعلى حسن حياة القلب يكون فيه قوّة خلق الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح، فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم".
والحياء يكون بين العبد وربه عز وجل، فيستحي العبد من ربه أن يراه على معصيته ومخالفته، وهذا الحياء بيّنه رسول الله في الحديث الذي في سنن الترمذي مرفوعا أن النبي قال: ((استحيوا من الله حق الحياء))، قالوا: إنا نستحي يا رسول الله! قال: ((ليس ذلكم، ولكن من استحى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطنَ وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل فقد استحى من الله حق الحياء)).
معاشر المسلمين، فقد بين رسول الله في هذا الحديث علامات الحياء، وأنها حفظ الجوارح ـ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ـ بترك المعاصي، وبتذكر الموت وتقصير الأمل في الدنيا، وبعدم الانشغال عن الآخرة بملاذ الشهوات والانسياق وراء الدنيا، وفي الحديث الآخر: ((إن من استحى من الله استحى الله تعالى منه)). نعم، وحياء الرب سبحانه من عبده حياء كرم وبرّ وجود وسِتر وجلال؛ فإنه سبحانه حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفرا، ويستحي أن يعذّب ذا شيبة شاب في الإسلام.
ويكون الحياء بين العبد وبين الناس بأن يكفّ العبد عن فعل ما لا يليق به، فيكره أن يطلع الناس منه على عيب ومذمّة، فيكفّه الحياء ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق.
فالذي يستحي من الله يجتنب ما نهاه عنه في كل حالاته، في حال حضوره مع الناس وفي حال غيبته عنهم. وهذا حياء العبودية والخوف والخشية من الله عز وجل، وهذا الحياء من أعلى خصال الإيمان وأعلى درجات الإحسان، وفي الحديث: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
والذي يستحي من الناس لا بد أن يكون مبتعدا عمّا يذمّ من قبيح الخصال وسيئ الأعمال والأقوال، فلا يكون سبابا ولا شتاما ولا صخّابا، ولا يكون فاحشا ولا متفحّشا، ولا مجاهرا بمعصية ولا متظاهرا بقبيح. حياؤه من الله يمنعه من فساد الباطن، وحياؤه من الناس يمنعه من فساد الظاهر، فيكون صالحا في باطنه وظاهره، في سره وعلانيته؛ فلهذا صار الحياء من الإيمان، ومن سلب الحياء لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح والأخلاق الدنيئة، وصار كأنه لا إيمان له كما قال النبي : ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)) رواه البخاري.
يا أمة القرآن، من لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر، وانغمس في كل رذيلة وشرّ، لا يبالي بالرقيب والعتيد، ولا بمن حوله من الناس، عن ابن عباس قال: (الحياء والإيمان في قرن، فإذا نزع الحياء تبعه الآخر)؛ ولهذا لما قَلَّ الحياء في هذا الزمن أو انعدم عند كثير من الناس كثرت المنكرات وظهرت العورات، وجاهروا بالفضائح، واستحسنوا القبائح، وقلّت الغيرة على المحارم وانعدمت، بل صارت القبائح والرذائل عند بعض الناس فضائل، وافتخروا بها وقلبوا الحقائق؛ الفاسق الداعي إلى الفساد ومحاربة الإسلام وقتل الدين مطربٌ ومغني وفنّان، الفاسقة الفاجرة الداعية إلى التفسّخ والفسق والفجور مغنّيةٌ فنّانة مطرِبة.
يا أمة القرآن، ومن ذهاب الحياء من النساء اليوم ما ظهر في الكثير منهن من عدم التستر والحجاب والخروج إلى الأسواق متطيبات متجملات كاشفات عما أمر الله بستره. ومن ذهاب الحياء من بعض الرجال والنساء شغفهم باستماع الأغاني المختلفة ومشاهدة الأفلام الخليعة والمسلسلات القاتلة للمروءة والحياء، والتي خربت بيوت الغرب والشرق، وعافتها نفوسهم فصدّروها إلى العالم الإسلامي والعربي بأغلى الثمن.
يا أمة الإسلام، فهل من الحياء أن تعرض الأفلام الخليعة في البيت أمام العائلة المختلطة بالضيوف في الغرفة الواحدة من ذكور وإناث؟! اللهم لا. وأين الحياء فيمن يشتري الأفلام الخليعة برزق أولاده وصالح بيته ويعرضها في منزلة أمام أولاده ذكورا وإناثا بما فيها من مناظر الفجور وهتك الأخلاق وإثارة الشهوة والدعوة إلى الفحشاء والمنكر؟! وأين الحياء من المريض الذي ينفث الدخان الخبيث من فمِه في وجوه جلسائه وأمامه ومن حوله؛ يخنق أنفاسهم ويقزّز نفوسهم ويملأ مشامهم من نتنه ورائحته الكريهة؟! وأين الحياء من الموظف الذي يستهتر بالمسؤولية ويتعب المراجعين ويعطل مصالحهم؟! وأين الحياء من التاجر الذي يخدع ال+ائن ويغشهم في السلع ويكذب على الناس؟! وأين الحياء من الذي يتعامل بالرشوة والذي يدعو إلى الربا؟!
أيها الناس، إن الذي هبط بالناس إلى هذا المستوى المذموم هو ذهاب الحياء من الله، كما قال رسول الله : ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) رواه البخاري.
فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في تصرفاتكم، فإنه يراكم على كل حال.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|