molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حديث عن المرأة- سعود بن إبراهيم الشريم الخميس 10 نوفمبر - 3:55:13 | |
|
حديث عن المرأة
سعود بن إبراهيم الشريم
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ ونفسي بتقوى الله سبحانه ومراقبتِه في السرِّ والعلن، والتمسُّك بشريعته في المنشَط والمكرَه، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].
أيّها الناس، لقد جَعل الله سبحانه أصلَ البشريّة زوجين اثنين: ذكرًا وأنثى، لا يستقلّ أحدهُما بنفسه دون الآخر، وإلاّ لانقطع النسل وبُتر العقِب، ولذا فقد ذكر الله هذه النعمةَ في معرضِ الامتنان على خلقِه فقال سبحانه: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189].
إنها المرأةُ التي هي سكَنُ الزوج والأسرةِ واستقرارُهما، ناهيكم عن كونها نصفَ المجتمع، ثم هي تلِد النصفَ الآخر، فكأنها بذلك مجتمعٌ بأكمله.
إنَّ الحديثَ عن المرأة ـ عبادَ الله ـ حديثٌ ذو شجون، لا غِنى للمجتمع المسلم المعاصرِ عنه، وهو في الوقتِ نفسِه حديث محفوف بالمخاطر وعرضةٌ للزلَل والانزلاقِ جرّاءَ الأهواء والقوّةِ البيئيّة المؤثّرة والهجوم الكاسِح والاختلاف الموضوعيّ تجاهَها بنوعيه، أعني اختلافَ التنوُّع واختلافَ التضادّ.
إنه لمن الغَبن حقًّا أن نحصرَ الحديث عن قضيّة المرأة من كافّة جوانبها في اقتضابٍ وعُجالة كمثل هذه الخطبةِ القصيرة ونحوها، غيرَ أن ما لا يُدرَك كلّه لا يتركُ كلُّه، وأنّ القلادةَ والسِّوار يكفي منهما ما أحاط بالعنُق والمِعصم. نقول ذلك في الوقتِ الذي أصبحت فيه قضيةُ المرأة الشغلَ الشاغلَ للكثيرين والهاجسَ الأوّل في الوقت الذي تشهَد فيه الأمّة صنوفًا من الظلم والقهرِ والبطالة والفقرِ والانحراف والتضليلِ وتسلُّط الأعداء من الداخل والخارج، ولا نجد لها أطروحاتٍ في الواقعِ المرئيّ والمسموع والمقروء إلاّ ما رحم ربّي. ومع ذلك كلِّه فإننا نقول لكلِّ من يُسهِم في مناقشة قضية المرأة أن يلحظَ المحاورَ الآتية في طريقِه لئلاّ تزلَّ به القدم ويقَع في أتّون البخس والتطفيفِ وخَلق ما لم يأذن به الله وما لم يأتِ به الأوّلون من سلَف هذه الأمّة.
أمّا المحورُ الأوّل فإنه يتمثّل في الاعتقادِ الجازم بأنّ المصدرَ الوحيد في تحديدِ هويّة الجنسَين الذكر والأنثى وتحديدِ معايير كلِّ واحدٍ منهما وبيان أوجُه الاشتراك والاختلاف بينهما في بابِ الخِلقة وبابِ التكليف أنّ ذلك كلَّه يرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله ، لا لآراء الرجال وأهوائهم، كما أنَّ الاعتراضَ على أيِّ شيء من ذلكم إنما هو اعتراض على واضع الشريعة وهو القائل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]. فلا اعتبارَ إذًا لانقلابِ المقاييس الشرعيّة في أسماء الأشياء والتي تورِث المهازلَ العجيبة جينما تنقلبُ المعاني رأسًا على عَقِب، كتسميةِ حياءِ المرأة وحِشمتِها وحجابها كَبتًا لا مسوِّغَ له وموروثًا تقليديًّا عفا عليه الزمن.
والمحور الثاني ـ عبادَ الله ـ أن يقفَ كلُّ ناصِح ومخلصٍ وغيور على أمّة الإسلام في وَجه كلِّ صاحب قلمٍ يريد أن يعبثَ بمقوِّمات الأمّة أو يجعلها عِلكًا ملتصِقًا في أحذية عُبَّاد الشهوة أو مِن الذين كرِهوا ما نزّل الله، أو يسعى بقلمه إلى خرق سفينة الأمّة الماخرة ممن يلوكون بألسنتهم ويسطِّرون بأقلامهم أنه لا سبيلَ لنا إلى أيّ تقدّم في العِلم والصناعة والحضارة إلاّ من خلالِ خوض غِمار تجارب الغربِ في رسومهم وفِجاجهم تجاهَ المرأة، والحقّ الأبلج في هذا الإطار هو أنّ الدّولَ الراعيَة لمناهج التحرّر للمرأة في دولٍ غير مسلمة أو دولٍ تنحى منحاها تجِد أنّ تلك الدوَلَ رغمَ طنطَنتها وبهرجَتها فيما تزعُم مِن حريّةٍ للمرأة أنها لم تبلغ بها مبلَغًا يكافئ الدّعايةَ المبذولة في تحريرها، بل إننا لا نجِد لها في حقائبهم الوزاريّة إلا النزرَ اليسير، ولا في البرلمانات والنيابات إلا امرأةً أو امرأتين، ما يؤكِّد أن ذلك ما هو إلا مجرّدُ رمزٍ يقنعون به السُّذَّجَ بأنّ المرأة بلغت شأوًا عظيمًا عندهم.
والأعجبُ من ذلك ـ عبادَ الله ـ أن بعضَ تلك الدوَل العظمى الراعية لتحرير المرأة ينصّ دستورُها على أن لا تتولَّى المرأةُ منصبَ رئاسة الدولة، فهل بعدَ هذا تصبِح تلك الدولُ مِثالاً يُشنشِن حولَه أدعياء تحرير المرأة؟! ولا غروَ ـ عبادَ الله ـ فلعلّ تلك الدولَ الكافرة كانوا أفهمَ لمغزَى حديثِ رسول الله من بعض دعاةَ تحريرِ المرأة من المسلمين، وذلك حينما بلغ النبيَّ أنّ دولةً كافرةً نصّبت امرأةً عليها، فقال رسول الله : ((ما أفلَح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأةً)) رواه البخاري في صحيحه[1]، وفي لفظ عند أحمد في المسند بسندٍ صحيح أنّ النبيَّ قال: ((الآنَ هلكتِ الرجال إذا أطاعتِ النساء))[2].
والواقعُ المشاهَد ـ عبادَ الله ـ أنّ غايةَ ما حقّقته تلك الدولُ لتحرير المرأة أن جعلتها سِلعةً ممتهنَة في دُور البغي والفُحش أو صُوَرًا مبتذلَة في ثنايا مقطوعاتٍ غنائيّة أو أجسادًا للإغراء في ترويجِ السِّلع ونحوها عبرَ الدعايات التي لا تروج إلا من خلال جسَد المرأة.
والمحور الثالث ـ عبادَ الله ـ يتمثَّل في أنّ إطلاقَ الحريّة والتحرّر في كلّ قضيَّة للمرأة إنما هو مطِيّة يركبُها جهَلَةٌ مغرورون أو مغرِضون مشوِّشون لإحداث ثغرَةٍ في التكامُل الاجتماعيّ لدى الدّولة المسلمة. وإنما تُقذَف القنابل الموقوتة من هذه النافذة، بل هذا هو البابُ التي تُطلُّ منه تفّاحةُ الشيطان؛ لأنّ اسمَ الحرية له وقعٌ سِحريّ في غرور عامّة الناس، لا سيّما المراهقين والمراهقات.
وإن تعجَبوا ـ عبادَ الله ـ فعجبٌ تلك المراحلُ الثلاث التي يسطِّرها ويقرِّرها أدعياءُ تحرير المرأة وانتشالها من سِجنها النفسيّ المتمثّل في التمسُّك بالشريعة زعموا.
فالمرحلةُ الأولى عندهم هي تقرير أنهم مكلَّفون فحصَ كلِّ ما يعترضنا من مشاكل في الوسط الإسلاميّ، فلا يقبلون أيّة فكرةٍ إلا بعد أن يسمحَ لها العقلُ بالمرور، وحجّتهم في ذلك الفارق العلميّ والثقافي بينهم وبين رجل الشارع البسيط.
يلي ذلك المرحلةُ الثانية، وهي أنهم بأطروحاتهم تلك يدَّعون أنهم مخلِصون مشفِقون على واقع الأمة، طالبون للحقّ والعلم، ولكنهم يؤكِّدون أنّ العلمَ إنما هو نتيجةُ الحرية، فما لم يتحرَّروا من كلِّ فكرةٍ سابقة لم يسَعهم الحصولُ على المراد المطلوب.
ثم تأتي الداهيةُ في المرحلة الثالثة التي يقرّرون من خلالها أنّ كلّ شيء ينبغي أن يخضعَ للبحثِ الحرّ، وكلمة "كل شيء" لا تستثني شيئًا عندهم حتى عقائدنا وتعاليمنا وموروثاتِ الفضيلةِ عندنا.
وممّا لا شكّ فيه أنَّ هذه المراحلَ فيها من البروق المغريةِ للسّذّج ما يكفي لإلقاءِ بذور الشكّ في كل شيء، فضلاً عن قضية المرأة ذاتِها، وأنّى لمثلِ هؤلاء الأغرار من المجتمعات المسلمة أن يدرِكوا بأنّ ذلك إنما هو +ِتار الدخانِ الذي يطلِقه المحاربون عادةً لتغطية الزّحف.
أمّا المحوَر الرابع فإنه ما مسَّ مجتمعٌ قطّ قضيّةَ المرأة وعَبثَ بها وبمقوِّماتها وشكّك في الأُطُر الشرعية التي وَضِعت +ياج حمايةٍ لها والمهامّ التي امتازت بها عن الرجل وامتاز الرجلُ بها عنها إلا أوقعهم الله في شرٍّ مما فرّوا منه، وجرّوا على أنفسهم من الويلات والشرور ما لم يكونوا على حَذَر منه، ولقد صدق رسول الله إذ يقول: ((ما تركتُ بعدي فتنةً أضرّ على أمّتي من النساء)) رواه البخاري ومسلم[3]، وعند مسلم في صحيحه: ((فاتقوا الدنيا، واتّقوا النساء، فإنّ أوّل فتنةِ بني إسرائيل كانت في النساء))[4].
وليس غريبًا عنّا ـ عبادَ الله ـ ما كشَفه التاريخُ لنا عن معركةِ ذي قار المشهورة، وقد كانت من أشدّ حروبِ الجاهلية حيث نشَبت بسبَب امرأة أرادها كِسرى وأباها النعمان عليه[5]. ومثل ذلك أيضًا التآمُر الذي وقع من قِبل يهود على نزع حجابِ المرأة المسلمة وكشفِ سوأتها في سوقِ بني قينقاع في عهد النبي [6].
والمحور الخامس ـ عبادَ الله ـ وهو أنّ الشريعة الإسلامية في الحقيقةِ لا ترضى بمسلَك الغلوّ في النظرة للمرأة، بحيثُ تُحتقَر وتمتهَن وتُهمَّش عن واقع الحياة، ولا هي في الوقت نفسِه ترضى بمسلَك التحرّر والانطلاق، فكلا طرفَي قصدِ الأمور ذميم. فالأمّة كذلك ينبغي أن لا تسمَع للمتشائمين المتنطِّعين، وأن لا تتابع المتهوِّرين العابثين؛ إذ الأمة ليست محلَّ تأثيرِ الغلاة في كبتِ حقّ المرأة وما يجلبونه ضدَّها من مبرِّرات وإن خلَطوها بأحاديثَ موضوعة مكذوبة، كإيرادهم حيث: ((طاعةُ المرأة ندامة)) وهو حديث موضوع مكذوب[7]، كما أنّ الأمةَ أيضًا ليست محلّ تأثير المفرّطين الزّاجّين بالمرأة خارجَ السِّياج، وإن أجلبوا على باطلهم بالمبرِّرات المغشوشة والأحاديث المكذوبة أيضًا كحديث: ((خذوا نِصفَ دينِكم من هذه الحُميراء)) يعنون بذلك عائشةَ رضي الله عنها، وهو حديث موضوع مكذوب أيضًا[8].
والحقُّ في ذلك كلِّه هو الوسَط الذي هو العدلُ والخِيار والإنصاف، فما دلّ عليه الدليلُ الشرعيّ فهو الحقّ وإن لم يتَّبعه إلا شخصٌ واحد، وما خالف الدليلَ الشرعيَّ فهو الباطل وإن اتّبعه جمهور الناس.
وإنه لمن الغلَط الفاحِش والمفهوم المقلوب أن يدّعي بعض الناس إمكانيةَ جمع الفُرَقاء والمختلفين في قضية المرأة، فيريدون أن يوفّقوا بين الداعِين إلى الحجابِ الشرعيّ المتكامل والداعين إلى سفور المرأة وتبرّجها من خلال تنصيفِ الحجاب وتنصيفِ الحِشمة وتنصيفِ الحياء، فيصيرون بذلك مذبذَبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الرعد:33].
ألا فاتقوا الله معاشرَ المسلمين، وإياكم ومحدثاتِ الأمور، فإنّ كلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، قد قلتُ ما قلت، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفارًا.
[1] صحيح البخاري: كتاب المغازي (4425) عن أبي بكرة رضي الله عنه بلفظ: ((لن يفلح قوم...)).
[2] مسند أحمد (5/45)، وأخرجه أيضا بهذا اللفظ الطبراني في الأوسط (425)، وصححه الحاكم (7789)، لكن في سنده أبو بكرة بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة متكلم فيه، انظر: السلسلة الضعيفة (436).
[3] صحيح البخاري: كتاب (5096)، صحيح مسلم: كتاب الذكر (2740) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما بلفظ: ((أضر على الرجال من النساء)).
[4] صحيح مسلم: كتاب الذكر (2742) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[5] انظر: تاريخ الطبري (1/472) وما بعدها.
[6] انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/314)، قال البيهقي في السنن الكبرى (9/200): " قال الشافعي في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه: لم يختلف أهل السيرة عندنا ابن إسحاق وموسى بن عقبة وجماعة ممن روى السيرة أن بني قينقاع كان بينهم وبين رسول الله موادعة وعهد، فأتت امرأة من الأنصار إلى صائغ منهم ليصوغ لها حليّا، وكانت اليهود معادية للأنصار، فلما جلست عند الصائغ عمد إلى بعض حدائده فشدّ به أسفلَ ذيلها وجيبها وهي لا تشعر، فلما قامت المرأة وهي في سوقهم نظروا إليها منكشفة، فجعلوا يضحكون منها ويسخَرون، فبلغ ذلك رسول الله فنابذهم وجعل ذلك منهم نقضا للعهد".
[7] أخرجه ابن عدي في الكامل (3/262، 5/262) من حديث عائشة ومن حديث زيد بن ثابت رضي الله عنهما، وحكم عليه بالوضع ابن الجوزي (2/272)، والشوكاني (129)، والألباني في السلسلة الضعيفة (435)، وغيرهم.
[8] جاء في مرقاة المفاتيح (10/565): "قال الحافِظُ اِبنُ حجرٍ: لا أعرِفُ له إسنادًا , ولا رِوايةً فِي شيءٍ مِن كُتُبِ الحدِيثِ إِلا في النّهايةِ لابنِ الأثيرِ , ولم يذكر من خرّجه. وذكر الحافِظ عِماد الدينِ بن كثِير أنّه سأل المزِّيّ والذّهبِي عنه فلم يعرِفاه. وقال السخاوِيّ: ذكرهُ فِي الفِردوسِ بِغيرِ إِسنادٍ, وبِغيرِ هذا اللّفظِ، ولفظُه: ((خُذوا ثُلث دِينِكُم مِن بيتِ الحُميراء)), وبيّض لهُ صاحِبُ مُسندِ الفِردوسِ, ولم يُخرِج لهُ إِسنادًا. وقال السيوطيُّ: لم أقِف عليه".
الخطبة الثانية
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده.
وبعد: فاتقوا الله أيها المسلمون.
واعلموا أنّ ثمّة محورًا سادسًا يخصُّ قضيةَ المرأة، وهو أنّ وظيفتها في الحياة والمجتمَع ليست مبنيّةً على عقدِ استرقاقٍ ولا ارتفاقٍ لجسدِها، بل المرأة لها حقّ في المجتمع والأسرَة، إذ لها حقٌّ أن تحضر المساجدَ في غير فتنةٍ، وأن ترفع عنها الأمّيّة، وأن يكونَ لها قصَبٌ في النصح والتوجيه والتربية والتعليمِ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن حقِّها أيضًا أن تسعَى إلى الأفضلِ عند توفُّر فُرصِ العمل الملائم لوضعِها خَلقيًّا وشرعيًّا، في ميدان العِلم النافع والعمل الصالح ودعوةِ الخير، فالأمّة المسلمة بحاجةٍ ماسّة إلى المربّية المسلمة والمعلِّمة المسلمة والممرّضة المسلمة والطّبيبة المسلمة والكاتبة المسلمة، والمرأةُ ذاتُها بحاجةٍ ماسّة إلى أن تملأ رأسَها بالعلم والمعرفة الصالحة، لا أن تعرِّي رأسَها وجسَدها وتتجهَّم لدينها.
ووظيفة المرأة في المجتمع ستبقى خطيرةً وحسَّاسَة، لا تقبل التفريطَ فيها ولا التجاربَ المُرّة عليها.
كما أنّ المجتمع كلَّه مطالبٌ بصيانةِ الأعراض ومنعِ أيّ عَبَثٍ بها. والأمة الموفّقَة هي التي تستطيع أن تلائِم بين هذه الأهدافِ النبيلة للمرأة وبين احتياطاتِ المجتمع في ظلِّ حمايتِها وصيانتها، فلا هي تضَعها في قفصِ الاتهام، ولا تطلِقها لتكونَ مصيَدةً للآثام والبغي، ولا تجور على غَيرةِ الرجل وتمتهِن حقوقَ الله.
وأمّا آخِر المحاور ـ عبادَ الله ـ فهو ما ينبغي إيضاحُه بأنّ دعوى التّساوي بين الجنسين الذكرِ والأنثى من جميع الوجوه إنما هي كمثَل دعوى إمكانيّة العقدِ بين شعيرتين، فالمسلمُ الحقّ ينبغي أن لا يشُكَّ في أن الله جل وعلا اختصَّ كلَّ جنسٍ بخصائصَ امتاز بها عن الآخر، وزاد الرجالُ على النساء درجةً، فقال سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:228]. فجعلَ الله التفضيلَ للرجال بالنبوّة والإمامةِ العُظمى والقضاءِ وإماماتِ الصلاة والجهادِ في سبيل الله وتزويج الرجل نفسَه دون وليّ والطلاق بيَد الرجل وأنّه يأخذ ضعفَها في الميراث في كثيرٍ من الحالات وأنّ الولدَ يُنسَب لأبيه وأنه يتزوّج أربعةً من النساء ويتسرَّى بالجواري وأنّ شهادةَ امرأتين تعدلُ شهادتَه وغير ذلك كثير. وقد روى الإمام أحمد في مسنده أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، تغزُو الرجال ولا نغزو، ولنا نِصفُ الميراث!! فأنزل الله تعالى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:32][1]. يقول القرطبي رحمه الله: "ولا يخفى على لبيبٍ فضلُ الرجال على النساء، ولو لم يكُن إلاّ أنّ المرأة خُلِقت من الرّجل فهو أصلُها، وله أن يمنعها من التصرُّف إلا بإذنه"[2].
غيرَ أنَّ هذا الاختصاصَ والتفضيلَ ـ عبادَ الله ـ لا يعني ازدراءَ المرأة ولا إقامةَ العنصريّة ضدَّها، ولا يعني ذلك بداهةً أن يكون كلُّ رجُلٍ أفضلَ من كلِّ امرأة، فإنّ القاعدةَ المقرّرَة أن تفضيلَ الشيء لا يلزم منه إهانةُ المفضول أو سقوطه، فالقرآن كلُّه كلامُ الله، ومع ذلك صحّ عند مسلم أنّ النبيَّ ذكر أنّ آيةَ الكرسيّ هي أفضل آية في كتاب الله[3]، والأنبياءُ والرسُل يفضُل بعضهم بعضًا كما قال تعالى: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ [الإسراء:55]، ولا يعني ذلك البتَّةَ انتقاصَ المفضول من الآيات والأنبياء والرسُل.
وبعد: عبادَ الله، فإننا مع هذا التفضيل المذكور آنفًا لنؤكِّد بالدليلِ الشرعيّ أنّ النساءَ شقائق الرجال، وأنهم والرجالَ في العقائدِ والأخلاق سواء، وأنهم سواء في استحقاقِ الثواب والعقاب في مقابل تعاليمِ الإسلام سلبًا وإيجابًا. كما أنّ الزعمَ بأنّ الذكورةَ تقدِّم صاحبَها في الميزان وأنّ الأنوثة تؤخِّر صاحبتَها ليُعدّ لونًا من ألوان الافتراءِ والظلم، فالله جل وعلا يقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]. بل إنّ الواقع ليشهد أنّ المرأة قد تفوق كثيرًا من الرجال كما كان لأمّهاتِ المؤمنين ومَن بعدهنّ، فالذكورة والأنوثة ليست هي مقامَ الميزان يوم القيامة، فكما أنّ تأنيثَ الشمس لم يكن عَيبًا لها، فكذلك تذكير الهلالِ لم يكن فخرًا له، وفي المثل المطروق: أنثى الأسَد في غابها خيرٌ وأقوى من الدّيك بين دجاجِه.
وأمّا الأصلُ العامّ في النظرة والقاعدةُ المجمَلة في هذه القضية فهي قولُه تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].
هذا وصلُّوا ـ رحمكم الله ـ على خيرِ البريّة وأ+ى البشريّة محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب، فقد أمركم الله بذلك بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد...
[1] أخرجه أحمد (6/322)، وأبو يعلى (6959)، والطبري في تفسيره (5/46-47)، والطبراني في الكبير (23/280) وغيرهم عن مجاهد قال: قالت أم سلمة وذكر القصة، وأخرجه الترمذي في التفسير (3022) عن مجاهد عن أم سلمة رضي الله عنها، وقال: "هذا حديث مرسل ـ أي: منقطع ـ، ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مرسل أن أم سلمة قالت كذا وكذا"، وقال الحاكم (2/335): "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين إن كان سمع مجاهد من أم سلمة"، قال أحمد شاكر في تعليقه على جامع البيان (8/262-263): "الروايتان بمعنى واحد، وإنما هو اختلاف في اللفظ من تصرف الرواة، وكلها بمعنى: مجاهد عن أم سلمة... وأما حكم الترمذي بأنه حديث مرسل فإنه جزم بلا دليل؛ ومجاهد أدرك أم سلمة يقينا وعاصرها، فإنه ولد سنة 21هـ، وأم سلمة ماتت بعد سنة 60هـ على اليقين، والمعاصرة من الراوي الثقة تحمل على الاتصال إلا أن يكون الراوي مدلسا، ولم يزعم أحد أن مجاهدا مدلس... فثبت عندنا اتصال الحديث وصحته"، والحديث في صحيح سنن الترمذي (2419).
[2] الجامع لأحكام القرآن (3/125).
[3] صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها (810) عن أبي بن كعب رضي الله عنه.
| |
|