molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الكتابة - سعود بن إبراهيم الشريم الخميس 10 نوفمبر - 10:35:35 | |
|
الكتابة
سعود بن إبراهيم الشريم
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن سعادة المؤمن ورفعته تبدو مجلاة في تقواه لربه؛ إذ بالتقوى يُذكر، وفي التقوى يُنصر، يطيع فيُشكر، ويعصي فيُغفر، فليتقِّ الله امرِؤٌ حيث ما كان، وليتبع السيئة الحسنة تمحها، وليخالق الناس بخلق حسن، ذلك ذكرى للذاكرين والعاقبة للتقوى.
أيها الناس: قاعدة من قواعد التفسير مقررة؛ كشف معناها علماء التأويل وأئمته، وعدُّوها معنىً من معاني التشريف والتكريم، ما جاءت أَفْرَادُها في القرآن إلا وفُهِم منها علو المكانة ورفعة المنة بها، ونعمة الإيجاد التي يمنُّ الله بها على عباده من مخلوقاته في الأرض وفي السماء، تلكم القاعدة عباد الله هي: أن لله جل وعلا أن يقسم بما شاء من مخلوقاته في سمائه وأرضه كالليل والقمر والشمس والنجم والطارق والفجر والعصر وغيرها من المخلوقات. وهذا القسم من الله أمارة على المكانة والاختصاص من بين سائر المخلوقات، وإذا ما أرسلنا الطرف رامقاً بين دفتي كتاب الله جل وعلا فإننا ولا جرم سنجد أن هناك قَسَماً من بين تلك الأقسام الجليلة، قسمًا أُنزل على محمد نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأّمِينُ [الشعراء]. قَسَمًا أنزله الله تسلية وتثبيتاً لخاتم الرسالات والمرسلين، قسمًا من الباري جلَّ شأنه في مقابل تكذيب وعناد يصرخ بهما كفار قريش وصناديدهم، إنه قول الباري جل وعلا: بسم الله الرحمن الرحيم: ن وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم:1-2].
الإقسام من الله لا يتبع إلا بشريف ما أبدع وكريم ما صنع، لقد أقسم الله بالكتاب وآلته وهو القلم، الذي هو إحدى آياته وأول مخلوقاته، والقلم عباد الله اسم جنس لكل ما يكتب به وهو أول مخلوقات الله تعالى، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم أن النبي قال: ((إن أول ما خلق الله القلم..)) الحديث.
القلم - أيها المسلمون - هو خطيب الناس وفصيحهم وواعظهم وطبيبهم، بالأقلام تُدّبر الأقاليم وتساس الممالك، القلم نظام الأفهام يخطها خطاً فتعود أنظر من الوشي المرقوم، وكما أن اللسان بريد القلب فإن القلم بريد اللسان الصامت، وإذا كان الأمر كذلك فـقلمك يا أخي لا تذكر به عورة امرئ، إذ كلك عورات وللناس أقلام، الكتابة بالقلم للمرء شرف ورفعة وبضاعة رابحة وأثر غال ومآثر عُلى، هي للمتعلم بمنزلة السلطان وإنسان عينه بل عين إنسانه، كيف لا؟ وأعظم شاهد لجليل قدرها وأقوى دليل على رفعة شأنها، أن الله سبحانه نسب تعليمها إلى نفسه واعتدَّها من وافر كرمه وجزيل إفضاله، بسم الله الرحمن الرحيم: ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلاْكْرَمُ ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ عَلَّمَ ٱلإِنسَـٰنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5]. بالإضافة إلى ما يؤكد أن هذه الآية مفتتح الوحي وأول التنزيل على أشرف نبي وأكرم مرسل، وفي ذلك من الاهتمام بشأنها ورفعة محلها مالا خفاء فيه، بله ما وصف الله به حفظته بقول: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ كِرَاماً كَـٰتِبِينَ [الإنفظار:10-11].
يقول ابن القيم رحمه الله: التعليم بالقلم من أعظم نعمه على عباده إذ به تخلد العلوم وتثبت الحقوق، ولولا الكتابة لانقطعت أخبار بعض الأزمنة عن بعض واندرست السنن وتخبطت الأحكام ولم يعرف الخلف مذهب السلف، وكان يعظم الخلل الداخل على الناس في دينهم ودنياهم لما يعتريهم من النسيان الذي يمحو صور العلم من قلوبهم.. إلى أن قال رحمه الله: فمن ذا الذي أنطق لسانك وحرك بنانك، ومن ذا الذي دعم البنان بالكف، ودعم الكف بالساعد، فكم لله من آية نحن غافلون عنها في التعليم بالقلم.
أيها الناس: دعا إلى القلم والخط به نبيّ أُميّ لم تكن أميته يوما ما قدحا في رسالته أو مثلبا في نبوته، كلا بل هي مدح ومنقبة لأن من ورائها حكمة بالغة هي رد وحجة على الملحدين المعاندين حيث نسبوه إلى الاقتباس من كتب المتقدمين كما أخبر الله بقوله: وَقَالُواْ أَسَـٰطِيرُ ٱلاْوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِىَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفرقان:5]. وأكد ذلك بقوله: وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَـٰبٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَـٰبَ ٱلْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48]. فكان ذلك من أقوى الحجج على تكذيبهم وحسم أسباب الشك في نبوته .
لقد كان الخط في مبدأ ظهور الإسلام هو الخط الأنباري وكان يكتب به النزر اليسير من العرب عامة وبضعة عشر من قريش خاصة، وبعد انتصار النبي في بدر أُسر جماعة من المشركين كان من بينهم بعض الكتاب فقُبل الفِداء من أمييهم، وفادى الكاتب فيهم بتعليم عشرة من صبيان المدينة، فانتشرت الكتابة بين المسلمين وحضُّوا على تعلمها، واشتهر كُتّاب الصحابة كزيد بن ثابت، ومعاوية، وعبد الله بن ال+ير، وسعيد بن العاص رضي الله عنهم أجمعين، ثم ازدادت انتشاراً في عصر التابعين على قلة الإمكانات وعسر الحال، يقول سعيد بن جبير رحمه الله: كنت أجلس إلى ابن عباس فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ ثم أقلب نعلي فأكتب في ظهورهما.
وقال عبد الله بن حنش: رأيتهم عند البراء يكتبون بأطراف القصب على أكفهم.
وذكر الإمام الدارمي رحمه الله أن أبانا رحمه الله يكتب عند أنس في سبورة.
قال سعيد بن العاص : من لم يكتب فيمينه يسرى.
وقال معن بن زائدة: إذا لم تكتب اليد فهي رجل.
هذه النصوص وأمثالها لا أبعاد لها إلا التحضيض والترغيب في الكتابة وتعلمها ليس إلا.
أيها المسلمون: لقد فاخر كثير من البلاغيين بالقلم حتى جارَواْ به السيف أو أزيد من ذلك بضروب من وجوه الترجيح، كيف لا وقد أقسم الله به، إضافة إلى أن القلم يؤثر في إرهاب العدو على بعدٍ بخلاف السيف فإنه لا يؤثر فيه إلا عن قرب، إذ أن القلم البار الجاد يرقُم صحائف الأبرار لتحطيم صحائف الأشرار، لا يصرفه عن ذلك ما يلاقيه في عوالم شتى من قبل ذوي النزق من أهل البدع والإلحاد في الدين، أو من ذوي الأقلام المأجورة ممن همهم الإحبار أمام الدرهم والدينار، فضلا عما يصاحب ذلك من تعسف وإرهاق ويد قوة في استرقاق الأقلام أو تجفيف المحابر، إنه في الحقيقة لا يزيد أهل العلم إلا بياناً وتبياناً، وعزماً على قول الحق وتبيين الدين للخلق والتحذير مما يغضب الله ورسوله مع سكينة وأريحية، حاديهم في ذلك قوله جل وعلا: أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ [الزخرف:5].
عباد الله: ِصدقُ القلم وفصاحته من أحسن ما يتلبس به الكاتب ويتزر به العاقل، والاعتناء بأدب القلم في المعنى هو ضرورة كما الأمر في المبنى، وهو بذلك صاحب في غربة ومؤنس في قلة، وزين في المحافل وأشياع الناس، ناهيكم بعد ذلك عن دِلالته على العقل والمروءة ورباطة الجأش والتبري من ضيق العطن وعشق رأي الذات فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلأرْضِ [الرعد:17]. ثمة ولا شك أن من غرس فسيلاً يوشك أن يأكل رطبها، وما يستوي عند أهل النهى وذوي الحِجى قلمان: أحدهما ثرثار متفيهق يطِبُّ +امًا فيُحدِثُ جُذامًا، والآخر يكتب على استحياء محمود وغيرة نابتة من حب الله ورسوله، وإذا تعارض القلمان فإن الخرس خير من البيان بالكذب كما أن الحصُور خير من العاهر.
من عزم الكتابة عباد الله فلا يتخذها للمماراة عُدةً، ولا للمجاراة ملجأ، ولا يأمن الزلة والعرضة للخطأ، وكما قيل:
(من ألّف فقد اُستهدف) وفي القديم قيل: (من كتب فكأنما قدم عقله للناس في طبق).
ألا وإن أبلغ الأقلام في الوصول إلى القلب ما لم يكن بالقروي المجدع ولا البدوي المعرّب مع ما يتحلى به صاحبه من صدق في الحال ونية في الإصلاح وإلا (فماذا يغني الضبط بالقلم إذا لم يشفِ من ألم) وحاصل ذلك أنه ما رُأي كمثل القلم في حمل المتناقضات:
فهو عند اللبيب المهتدي آلة من آلات الخير والبر ومركبٌ من مراكب البلوغ والنجاح، ورأب صدع الفلك الماخر.
وهو عند الوقح السفيه عقرب خبيثة ودود علق يلاصق لحم من ينال.
وبينهما ثالث برزخ يقول فيه أهل العلم: العرب تضرب المثل بحاطب الليل الذي يكتب كل ما يسمع من غث وسمين وصحيح وسقيم؛ لأن المحتطب بالليل ربما ضم إليه أفعى تنيناً فتنهشه وهو يحسبها من الحطب، وأهل هذا الصنف سواد في الناس غير خاف لرامقٍ ببصر.
قد يوفق الكاتب في كتابته فيكون لها شأن يظهر عليها منه الجِدا وإجادة المطلع وحسن المقطع مدعمة بالنصوص الشرعية والأقوال المرعية فتبهر القلوب وتأخذ بالألباب حتى يظن القارئ أو السامع أنها غير ما في أيدي الناس، وهي ممَّا في أيدي الناس، حيث ترى براعة القلم وشجاعته ولطف ذوقه وشهامة خاطره، وليس كل خاطر براقًا، وفي الحديث الحسن: ((إن من عباد الله من إذا قرأ القرآن رأيت أنه يخاف الله)) وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
لقد بُهرت الأمة بكتَّاب مسلمين في كافة الميادين، شعراء ملهمين من شعراء الزهد والحكمة كأبي العتاهية وأئمة المهديين أشاعوا العلم ونصروه، ونصروا السنة بأقلامهم كالأئمة الأربعة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، ومحمد بن عبد الوهاب التميمي وغيرهم كثير وكثير من مجددي ما اندرس من معالم الإسلام، بيد أن القلم في هذا الزمن قد فشى فشواً كبيراً واتسع نطاقه حتى بلغ القاصي والداني في صورة هي في الحقيقة مصداق لقول النبي : ((إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفُشُوَّ التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق وظهور القلم)) [رواه أحمد].
ومما لا شك فيه أن الشيء إذا فشى وذاع ذيوعاً واسعاً كثر مدّعوه وقل آخذوه بحقه فكثر الخطأ وعم الزلل وإن من ذلك عريَّ بعض الأقلام عن الأدب فلم ترعَ حرمة ولم تحسن رقماً، ولم تزن عاطفة في نقاش فثارت حفائظ وبعثت أضغان وكُشفت أستار واشتد لغط رقمًا بقلمٍ في قرطاس ملموس بالأيدي، ناهيكم عن الكذب والافتراء والتصريح بالعورات والمنكرات والجرأة على الله ورسوله مع ما يصاحب ذلك من قلم متعثر ومقالات لها في كل وادٍ شعبة يعثرون من خلالها عثرات متكررة دون التفات إلى أسباب تلك العثرات حتى يزداد خطرها ويستفحل شرها ومن ثمَّ ينوء أصحابها بأحمال ندم لا يقلها ظهر وتنكيس رؤوس يمسون بها بعيدي الرفع، ودموع حزن على قبح تسطير ما لمددها انقطاع، وأقسى الكل أن سيقال لمثل أولئك بماذا، ومن أجل ماذا، ولأي شيء يا من خططت ببنانك ما يوبق انتماءك للحق وصدق جنانك، ثم توزن بالعدل والميزان غالٍ، فيا لله العجب كيف وُهبت لهؤلاء عقول؟ وأسيلت أقلام؟ فما قدروا الله حق قدره بها، ولم يستحضروا ثمرة العقل الموهوب والرقم مكتوب الذي باينوا به البهائم حتى تشمقوا بفعلهم وغفلوا عمن وهب وهو ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ عَلَّمَ ٱلإِنسَـٰنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:4-5]. ولعمر الله أي شيء لهم في الحبر والقلم ليس ملك لهم، ويا لله كيف لا توجه الموضوعية في الطرح على شرعة ومنهاج من بعث لصاحب القلم السيال في ظلام طَبْعِه نور القبس ظُلُمَـٰتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ [النور:40]. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا ونستغفرك اللهم إنك كنت غفاراً.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله و صحبه وإخوانه.
أما بعد:
فإن المسلمين بعامة في حاجة ماسَّة إلى القلم الصادق، إلى القلم الأمين، إلى القلم الملهم الذي ينشر الحق ويحيي السنة ويدل الناس إلى ما فيه خير دينهم ودنياهم وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ [البقرة:282]. إن القلم أمانة وحملته كُثرٌ من بني الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72]. وما كلُّ من حمل الأمانة عرف قدرها، ولأجل ذا لفت علماء الإسلام الانتباه إلى صفات وضوابط لا يسع الأمة إهمالها ولا ينبغي أن يقصر فيها كاتب أو ذو قلم، أو من جهة أخرى تلفت الفِطن من قبل القرَّاء وأمثالهم إلى: عمَّن يتلقون ما ينفع؟ ولمن يقرؤون ما يفيد؟ وممن يأخذون ولمن يذرون؟ فتكلموا عن كون صاحب القلم مكلفاً بليغاً قوي العزم كفواً عالي الهمة ونحو ذلك، إلا أن أجلَّ التأكيد منصبُّ في كثير من كلام أهل العلم على أمور ثلاثة هي من الأهمية بمكان:
أولها: أن يكون الكاتب مسلماً ليُؤمنَ فيما يكتبه ويسطره ويوثق به فيما يذره ويأتيه إذ هو لسان المجتمعات الجاذب للقلوب، ولأجل ذا لما قدم أبو موسى الأشعري على الفاروق رضي الله عنهما ومعه كاتب نصراني فأُعجب الفاروق بحسن خطه فقال: أحضر كاتبك ليقرأ فقال أبو موسى: إنه نصراني لا يدخل المسجد، فزجره عمر وقال: (لا تُؤَمِنُوهُم وقد خَوَّنهُم الله ولا تُدْنُوهُم وقد أبْعَدَهُم الله ولا تُعِزُّوهم وقد أذلَّهم الله).
وقد قال الشافعي رحمه الله في كتابه الأم: "ما ينبغي لقاضٍ ولا والٍ أن يتخذ كاتباً ذمياً، ولا يضع الذمي موضعاً يفضل به مسلماً"، فإذا كان هذا أيها المسلمون فإنه يعزُّ علينا جميعاً أن يكون لنا حاجة إلى غير مسلم، وإذا كان هذا في حق كاتب القاضي أو الوالي ففي كُتّاب المسلمين وصحافتهم من باب أولى لعموم النفع أو الضرّ به، فليت شعري هل يعي ذلك ممتهن الصحافة قراءة وكتابة؟ وهل سيظَلون في دائرة التلقي ممن في صدق انتمائهم للدين شك؟ أم أننا سنظل أبداً نتذوق مرارات نتجرعها ولا نكاد نسيغها غير مرة من جراء ثقة عمياء كإعماء البُله أو على حد قول بعضهم
(اعصب عيناك واتبعني)؟.
أما ثاني الأمور يا رعاكم الله: أن يكون صاحب القلم عالماً بما يكتب، على وفق ما أراد الله ورسوله في أي جانب من جوانب الأقلام سياسة، أو اقتصاداً، أو اجتماعاً، أو حضارة أو غير ذلك، فالشريعة تسع الجميع، وهي الرسالة العظمى، والجميع مفتقر إليها، ومن ظن أنه يسعه الخروج عنها ولو بشبر كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فقد خلع رقة الإسلام من عنقه، والله الهادي إلى سواء السبيل.
بعث رسول الله معاذاً إلى أهل اليمن بكتاب قال فيه: ((إنِّي بعثت إليكم كاتباً)) قال ابن الأثير في غريب الحديث:
(أراد عالماً) سمي بذلك لأن الغالب على من كان يعلم الكتابة أن عنده علم ومعرفة.
وثالث الأمور عباد الله: هي العدالة، وما أدراكم ما العدالة، لأن صاحب القلم إذا كان فاسقاً غير مستقيم المروءة يكبر ضرره ويشتد خطره، وربما قادته أهواؤه ومآربه إلى استمالة قلوب الرعاع، لأنه لو زاد أو حذف، أو كتم شيء عَلِمَه، أو تَأَوَّل، أو حرَّف، أو لبّس و دلّس، أو كان ممن وصفهم الله بقوله: تَجْعَلُونَهُ قَرٰطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً [الأنعام:91]. لِيَطْغُوا لُبَادَاتِهِم من جراء هذا التلاعب فيؤدي ذلك إلى ضرر من لا يستوجب الإضرار، ونفع من يجب أن لا يرفع عنه الضرر، وربما موّه وغش حتى مدح المذموم وذم الممدوح، فيؤَثِر فعله من الإضرار ما لم تؤثره السيوف؛ لأن مثل هذا إذا عزم عداوة سفك الدم بسنة قلمه، والمقرر المشاهد أن الكلام يُنسى والهم يُغفر، والمكتوب موثق باق ورسول الله يقول: ((إن الله عفى لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به)) فكيف يا رعاكم الله إذا كتبه ونشره؟ ألا إن الأمر أشد والعلة أدهى وأمر، ولا يضر المخطئ إلا نفسه و المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء:53].
| |
|