molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: +ر الأوثان- سعود بن إبراهيم الشريم الخميس 10 نوفمبر - 3:34:20 | |
|
+ر الأوثان
سعود بن إبراهيم الشريم
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، منذ غابر الأزمان وقبلَ نبوة المصطفى كان الناس على هذه البسيطة في جاهليةٍ جهلاء، إبانَ فترةٍ من الرسل، قد انقطع الناسُ فيها عن المدد الروحي والنور الإلهي، لأجل ذلك اعترتهم ظلماتُ العقائد والقوانين والأنفس، ظلماتٌ لا يجد فيها الحاذق بصيصَ نور يهدي به إلى هداية، أو يخلص به من ضلاله، وينجو من غواية، بل هي ظلماتٌ بعضها فوق بعض، ظلماتٌ أودت بذويها إلى أن يتخبّطوا في مهامِه الحياة ودروبها خبطَ العُشراء، ظلماتٌ جعلت من عقول مشتمليها ودينهم أن يصنعوا معبوداتهم بأيديهم، فنحتوا ما يعبدون، والله خلقهم وما يعملون، حتى عموا وصمّوا، وضلوا وغوَوا، ثم انحطّ غيّهم فعبدوا الأشجارَ والأحجار والستائرَ المنصوبة والتماثيلَ التي كانوا لها عاكفين. لقد أغراهم بذلك غيبة إنسانيتهم، وإفلاسُ عقولهم بعد طيشها، حتى انتحرت فطرتهم وبقوا هواءً في جثمان إنس، يقول حبر الأمة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما متحدِّثا عن هذه الحقبة من الزمن: (صارت الأوثانُ التي في قوم نوح في العرب بعدُ، أما ودّ فكانت لكلب في دومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم بني غطيف بالجوف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم أنصاباً وسمُّوها بأسمائهم، ففعلوا فلم تُعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عُبدت) رواه البخاري[1].
عباد الله، لقد كانت العربُ قبل هذا الأمر على ملة إبراهيم عليه السلام، فما فتئ الزمان يدور حتى قلّ العلم وهلك العلماء لتحلّ الأصنام بين العرب من جديد، وتتبدّل ملة إبراهيم عليه السلام وتتنسّخ، وقد كان الذي تولَّى كبر هذه الشقوة والمعرّة أبو خزاعة عمرو بن لحي، فهو الذي سيّب السوائب وعبّد الأصنام، وقد رآه النبي في صلاة ال+وف يجرّ أمعاءه في النار؛ لأنه أول من سيّب السوائب وبدّل دين إبراهيم عليه السلام. رواه مسلم في صحيحه[2]. يقول ابن كثير رحمه الله: "كان عمرو بن لُحي أولَ من غيَّر دينَ إبراهيم الخليل، فأدخل الأصنام إلى الحجاز، ودعا الرعاعَ من الناس إلى عبادتها والتقرّب بها"[3].
أيها المسلمون، إنما خلق الله الثقلين الجنَّ والإنس ليُعبَد وحدَه في الأرض، وأرسل رسولَه بالشريعة الغراء، محاطةً بقواعد قرَّرها الشارع الحكيم، متمثّلةً في ضروراتٍ خمس، أجمعت الأنبياء والرسل قاطبةً على حفظها ورعايتها، وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل. فكلُّ مفسدة يُخشى أن تُؤتى من قبل ضرورة من هذه الضرورات فإنه يجب درؤها، ودفعها أولى من رفعها، وكان على المتسبِّب فيها من الإثم والوزر الذي يتجدّد عليه بانتشارها، ويتوالى تراكمُه في صحيفة أعماله، إبان حياته وبعد مماته، كمثل ما على عمرو بن لحي حين أدخل الأصنام وبدّل دين إبراهيم. وعلى رأس هذه الضرورات الخمس ضرورة الدين والعقيدة وتوحيد الله.
لقد أضاء النبي الطريقَ وأوضح السبيل، وطهّر الله به جزيرةَ العرب من رجس الوثنية وهيمنة الأصنام والتماثيل، وكان كبير هذه الأصنام هُبل، وهو بأعلى مكّة، وحوله ثلاثمائة وستون صنما، كلها من الحجارة، فطعن فيها المصطفى بيده الشريفة حين دخوله الكعبة يوم الفتح وهو يردد قول الله: وَقُلْ جَاء ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81][4]، يقول القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "فيها دليل على +ر نُصُب المشركين وجميع الأوثان إذا غُلب عليها، يقول ابن المنذر رحمه الله: وفي معنى الأصنام الصور المتخذة من [المدر] والخشب وشبهها"[5].
عباد الله، لقد حطَّم رسول الله الأصنامَ حولَ الكعبة، وبعضُ الصحابة كان يردِّد: يا عزّى، كفرانك لا غفرانك، إني رأيت الله قد أهانك[6]، ويبعث رسول الله سراياه إلى الأصنام التي كانت حول مكة، ونادى مناديه بمكة قائلاً: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا +ره))[7]، فيبعث رسول الله خالد بن الوليد إلى العزّى ليهدمها، فهدمها، ثم رجع إلى رسول الله فقال: ((هل رأيت شيئاً؟)) قال: لا، قال: ((فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها))، فرجع خالد وهو متغيّظ قد جرّد سيفه، فخرجت إليه امرأة عجوز عريانة سوداء ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد، فجزلها باثنتين، ورجع إلى رسول الله ، فأخبره فقال: ((نعم، تلك العزى، وقد أيست أن تُعبد في بلادكم أبداً)) رواه النسائي[8].
ثم بعث رسول الله عمرو بن العاص إلى سواع وهو صنم لهذيل، فاعترضه السادن فقال: لا تستطيع أن تقتله؛ فإنك ستُمنع منه، فدنا منه رضي الله عنه ف+ره، فأسلم السادن بعد ذلك[9].
ثم بعث رسول الله [سعد] بن زيد إلى مناة فهدمها[10].
ولما أراد النبي المسيرَ إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين ليهدمه فهدمه، وجعل يحشي النار في وجهه ويحرقه ويقول:
يا ذا الكفين لستُ من عُبّادكا ميلادُنا أقدم من ميلادكا
إني حششتُ النار في فؤادكا[11]
ثم بعثَ النبي علي بن أبي طالب إلى الفلس وهو صنم لطيء، فهدمه هو ومن معه[12]، كما بعث جرير بن عبد الله البجلي في سرية ل+ر صنم ذي الخلصة باليمن[13].
بهذا كلِّه ـ عباد الله ـ يجدِّد رسولُ الله ملة أبيه إبراهيم وإخوانه الأنبياء، فلقد قال إبراهيم سائلاً ربه: وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأصْنَامَ [إبراهيم:35]، وقال لقومه: وَتَٱللَّهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَـٰمَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ [الأنبياء:57]، ويجدِّد النبي فعلَ موسى مع السامري حين قال له: وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِى ٱلْيَمّ نَسْفاً [طه:97].
أيها المسلمون، لقد كانت مواقف النبي من الأصنام والتماثيل بارزةً العيان، قولاً وفعلاً، بل إنه لم يقتصر كسرُه للأصنام على ما عُبِد من دون الله، أو على من عُظِّم كتعظيم الله فحسب، بل تعداه إلى التماثيل التي تُتَّخذ في البيوت ونحوها على هيئة الاقتناء والزينة ولو لم تُعبد، فقد جاء عند أبي داود والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله : ((أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلتُ عليك البيت الذي كنتَ فيه إلا أنه على باب البيت تماثيل)) الحديث، وفيه أن جبريل أمره برؤوس التماثيل أن تقطع، فتصيَّر كهيئة الشجر[14]. ومعلوم ـ عباد الله ـ أنه لا يقول عاقل ألبتة: إن النبي قد اتخذ هذا التمثال للعبادة أو للتعظيم، وإنما كان لمجرّد الاقتناء، كيف لا؟! وقد سأله عمرو بن عبسة فقال: بأيِّ شيء أرسلك الله؟ قال: ((أرسلني بصلة الأرحام، و+ر الأوثان، وأن يوحَّد الله، ولا يشرك به شيء)) رواه مسلم[15].
عباد الله، بمثل فعل النبي هذا وفعل الأنبياء من قبله سار الصحابة الكرام وأئمة الدين، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ؟! أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته[16]. والمقرَّر عند أهل العلم أن كلمةَ تمثال هنا نكرةٌ في سياق النهي، فتعمّ كلَّ تمثال أيًّا كان نوعه، سواء كان للعبادة أو لمجرّد الاقتناء والزينة.
وذكر ابن إسحاق في مغازيه عن أبي العالية قال: لما فتحنا تُستر وجدنا في بيت الهرمزان سريرا عليه رجلٌ ميت، عند رأسه مصحف له، فأخذناه فحملناه إلى عمر رضي الله عنه ـ إلى أن قال: ـ فماذا صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا له بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرّقة، فلما كان الليل دفناه، وسوَّينا القبور كلَّها لنعمِّيَه على الناس؛ لا ينبشونه، فقال رجل: وما يرجون منه؟ قال: كان يقال: إن السماء إذا حُبست عنهم برزوا سريرَه فيمطرون[17]. يقول ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذه القصة: "ففي هذه القصة ما فعله المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم من تعمية قبره لئلا يُفتتن به، ولم يبرزوه للدعاء عنده أو التبرك به، ولو بصر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسيوف"[18].
وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن ابن سعد روى بسند صحيح أن عمر رضي الله عنه بلغه أن قوماً يأتون شجرة بيعة الرضوان، فيصلون عندها، فتوعّدهم ثم أمر بقطعها فقطعت[19].
هكذا كانت مواقفُ النبي وأصحابه، في حماية جناب التوحيد، وسدّ الذرائع المفضية إلى الشرك بالله؛ لأن البدع إذا حدثت وصارت صارفةً عن مقتضى القرآن والسنة، ولُفّقت لها شبهٌ، ورُتِّب لها كلامٌ مؤلَّف، صارت تلك البدع في حكم الواقع من المسلَّمات التي لا يمكن درؤها إلا بعد لأيٍ وشدائد، ويدلّ لذلك ما نقله الحافظ ابن حجر عن الفاكهي وغيره عن عبيد الله قال: "أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح، وكانت الأبناء تبرّ الآباء، فمات رجلٌ منهم فجزع ولده عليه، فجعل لا يصبر عنه، فاتَّخذ مثالاً على صورته، فكلما اشتاق له نظر إليه، ثم مات وفُعل به كما فعل، ثم تتابعوا على ذلك، فمات الآباء فقال الأبناء: ما اتخذ هذه آباؤنا إلا أنها كانت آلهتهم، فعبدوها"[20].
وبعدُ أيها المسلمون، فلقائلٍ أن يقول مستفهماً: هل يُعقل في أزمنةِ الحضارة المادية والثقافات العولمية ودائرة الأقلام السيّالة أن تتسرَّب لوثة عبادة الأصنام وتعظيمها إلى مجتمعاتها المعاصرة؟! فالجواب: نعم، ولا عجب من ذلك إذا تنسّخ العلم، وضعف الدين في النفوس، ولا أدلّ على ذلك من وجود معبودات في هذا العصر، منها ما هو على هيئة نصُب، ومنها ما هو على هيئة حيوانٍ أعجم، وليس ذلك بخافٍ على كل ذي لبٍّ ونظر.
ثم إن الجاهليين الأولين كانت لهم عقول مثل عقولنا، وأجساد كأجسادنا، ولهم لسان فصيح وسيادات بين العرب، وجميعهم يقرّون أن الخالق والرازق والمدبر هو الله وحده، ومع ذلك عبدوا الأصنام وعظموها، وإلا لما دعا إبراهيم ربه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام.
ولتأكيد هذا القول ـ عباد الله ـ فإن النبي قد خاف من دبيب هذه اللّوثة على أمته، بل لقد بيّن أن هذه اللوثة ستطيح ببعض الناس في آخر الزمان، فقد روى أبو داود في سننه عن النبي قال: ((لا تقوم الساعة حتى تعبُد قبائل من أمتي الأوثان))[21]، بل قد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ((لا تقوم الساعة حتى تضطرب أَلَيات نساء دوس على ذي الخلصة))[22]، وذو الخلصة صنم معروف +ره جرير بن عبد الله البجلي لما بعثه النبي إلى اليمن، فدلّ على أن الأمر سيعود بمثل ما كان.
إذاً، هي الأيام يداولها الله بين الناس، فمن موحّدٍ فيها ومن مشرك، ومن خائف من مكر الله فيها ومن آمن، فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ [الأعراف:99]، وإلا فما سرُّ تحذير النبي ، وكان قد أسَّس دولةَ التوحيد، ومحا الشركَ في عصره، حيث يقول وهو يعالج سكرات الموت في مرضه الذي لم يقم منه: ((لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))[23]، ثم خشي من تسلل هذا الداء بعد وفاته فقال: ((اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد)) رواه مالك[24].
روى ابن جرير وابن أبي حاتم أن إبراهيم التيمي قال في قوله تعالى عن إبراهيم: وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأصْنَامَ [إبراهيم:35] قال: "ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم عليه السلام؟!"[25]، فلا يأمن الوقوع في لوثة الأصنام والتماثيل إلا من هو جاهل بها، وبما يُخلّص منها، من العلم بالله وبما بعث به رسوله ، من التوحيد الخالص والنهي عن الشرك به، يقول ابن القيم رحمه الله عن دور الشيطان في هذا الميدان: "وما زال الشيطان يوحي إلى عُبَّاد القبور بالبناء والعكوف عليها، ثم ينقلهم منه إلى دعائهم وعبادتهم واتخاذهم أوثاناً، تُعلَّق عليهم القناديل والستور، فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم إلى أن من نهى عن ذلك فقد تنقّص أهل هذه الرتب العالية، وحطّهم عن منزلتهم، وزعم أنهم لا حرمة لهم ولا قدر، فيغضب المشركون، وتشمئز قلوبهم، كما قال تعالى: وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45]، وترى ذلك في نفوس كثير من الجهال والطغام، وكثير ممن ينتسب إلى العلم والدين، حتى عادَوا أهل التوحيد، ورموهم بالعظائم، ونفَّروا الناس عنهم"[26].
ثم لتعلموا ـ عباد الله ـ أن الصنم قد يطلق على الوثن، كما قرر ذلك بعض أهل العلم، والوثن هو كلّ ما عُبد من دون الله على أي وجهٍ كان، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرّجْسَ مِنَ ٱلأوْثَـٰنِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ [الحج:30].
وقد قصرت مفاهيم بعض الناس معنى عبادة غير الله على مجرّد عبادة الحجر أو الصنم، وهذا من فرط جهلهم بحقيقة هذه المسألة، إذ ليس بلازم أن يكون الشرك بالله محصوراً عند الصنم والركوع والسجود له، بل لقد أوضح النبي هذا الفهم القاصر، وذلك حينما سمع عديُّ بن حاتم رسول الله وهو يقرأ قول الله: ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ [التوبة:31]، فقال عدي: إنا لسنا نعبدهم! قال: ((أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟! ويحلّون ما حرم الله فتحلّونه؟!)) قال: بلى، قال: ((فتلك عبادتهم)) رواه أحمد والترمذي وحسنه[27].
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ونعوذ بك اللهم أن نشرك بك شيئاً ونحن نعلم، ونستغفرك مما لا نعلم، إنك كنت غفاراً.
[1] أخرجه البخاري في تفسير القرآن (4920).
[2] أخرجه مسلم في ال+وف (904) من حديث جابر رضي الله عنهما.
[3] تقسير القرآن العظيم (2/108).
[4] أخرجه البخاري في تفسير القرآن (4720)، ومسلم في الجهاد (1781) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[5] الجامع لأحكام القرآن (10/314).
[6] روي هذا من كلام خالد بن الوليد لما حطم العزى، رواه الواقدي وغيره كما في البداية والنهاية (4/316).
[7] انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (2/137).
[8] أخرجه النسائي في الكبرى (11547) من طريق الوليد بن جميع عن أبي الطفيل، وأخرجه أيضا أبو يعلى (902)، وصححه الضياء في المختارة (258، 259)، وانظر: طبقات ابن سعد: (2/145).
[9] انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (2/146)، وتاريخ الطبري (2/163)، والثقات لابن حبان (2/60).
[10] انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (2/146)، وتاريخ الطبري (2/164)، والثقات لابن حبان (2/61).
[11] انظر: السيرة النبوية لابن هشام (2/229)، والطبقات الكبرى لابن سعد (2/157)، والاستيعاب لابن عبد البر (2/762).
[12] انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (2/164).
[13] أخرجه البخاري في المغازي (4355)، ومسلم في فضائل الصحابة (2476) عن جرير رضي الله عنه.
[14] أخرجه أحمد (2/478)، وأبو داود في اللباس (4158)، والترمذي في الأدب (2806)، والنسائي في الزينة (5365) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (5854)، وهو في صحيح أبي داود (3504).
[15] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (832) عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه.
[16] أخرجه مسلم في الجنائز (969).
[17] انظر: إغاثة اللهفان (1/203).
[18] إغاثة اللهفان (1/203-204).
[19] فتح الباري (7/448)، والأثر أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/100) عن نافع فن عمر رضي الله عنه.
[20] فتح الباري (8/669)، وعبيد الله هذا هو ابن عبيد بن عمير، وكلامه رواه عنه الفاكهي في أخبار مكة (5/162).
[21] أخرجه أبو داود في الفتن (4252) عن ثوبان رضي الله عنه في حديث طويل، وأخرجه أيضا أحمد (5/278)، وابن ماجه في الفتن (3952)، وصححه الحاكم (8390)، وكذا الألباني في صحيح أبي داود (3577)، وأصل الحديث في مسلم (2889) مختصرا.
[22] أخرجه البخاري في الفتن (7116)، ومسلم في الفتن (2906) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[23] أخرجه البخاري في الصلاة (436)، ومسلم في المساجد (531) من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه أيضا البخاري في الصلاة (437)، ومسلم في المساجد (530) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[24] أخرجه مالك في الموطأ: كتاب النداء (416) عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلا، ومن طريقه ابن سعد في الطبقات (2/240-241)، ووصله عمر بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا، أخرجه البزار ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (5/43)، ونقل عن البزار أنه قال: "إن مالكا لم يتابعه أحد على هذا الحديث إلا عمر بن محمد عن زيد بن أسلم، وليس بمحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه من الوجوه إلا من هذا الوجه، لا إسناد له غيره، إلا أن عمر بن محمد أسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر بن محمد ثقة روى عنه الثوري وجماعة"، وقد ظن ابن عبد البر أن عمر هذا هو عمر بن محمد بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، فصحح الحديث بناء عليه، والظاهر أنه ليس كذلك بل هو عمر بن محمد بن صهبان كما جاء مصرحا في بعض نسخ البزار، ولذا قال الهيثمي في المجمع (2/28) بعدما عزا هذا الحديث إلى البزار: "وفيه عمر بن صهبان وقد اجتمعوا على ضعفه". وللحديث شاهد مسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه أحمد (2/246)، والحميدي (1025)، وأبو يعلى (6681)، والمفضل الجندي في فضائل المدينة (51)، وصححه الألباني في تحذير الساجد (ص17). وشاهد آخر من حديث عمر رضي الله عنه، قال الدارقطني في العلل (2/220): "يرويه أصحاب الأعمش عنه عن المعرور عن عمر موقوفا، وأسنده عبد الجبار بن العلاء عن ابن عيينة عن الأعمش عن المعرور عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتابع عليه، والمحفوظ هو الموقوف".
[25] أخرجه ابن جرير في جامع البيان (13/228)، وانظر: الدر المنثور (5/46).
[26] إغاثة اللهفان (1/212-213).
[27] أخرجه الترمذي في التفسير (3095)، وابن جرير في جامع البيان (10/114)، والبيهقي في الكبرى (10/116) عن عدي رضي الله عنه، وفي بعض نسخ الترمذي قال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث"، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2471). تنبيه: عزا ابن كثير في تفسيره (1/378، 2/349) هذا الحديث إلى مسند أحمد، ولم أجده فيه، وإنما فيه قصة إسلامه بين يدي النبي ، فالله أعلم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمد من يشكر النعمة ويخشى النقمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، معلمنا الكتابَ والحكمة، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه الأتقياء البررة.
أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن لله الدين الخالص، وأن على كل مسلم ومسلمة تطهير النفوس من الدواخل والشواغل الصارفة عن أن يُعبد الله وحده في الأرض، كما أن علينا جميعاً الامتثال لأمر الله ورسوله ، وتقديمهما على أنفسنا أو الوالدين والأقربين، وليحرص الناس جميعاً على تطهير مجتمعاتهم من رجس الأصنام والتماثيل قدر الطاقة، لا سيما مما يتكاثر انتشاره في البيوت من باب الزينة والاقتناء، لأن الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه تمثال أو صورة، وقد كان الفاروق رضي الله عنه إذا دُعي إلى وليمة سأل الداعي إن كان في بيته شيء من التماثيل أو الصور، فإن قال: لا أجاب دعوته.
ألا فإن درأ المفاسد وسد الذرائع المفضية إلى الشرك لأمر جلل، ينبغي أن لا يغفل عنه المسلمون بعامة، فما قطعُ عمر لشجرة الرضوان إلا من هذا الباب. ثم إن اتخاذ التماثيل والأصنام أو تعظيمها وتعظيم الأضرحة لهو أمر حادث في الإسلام، وإحداثه لم يكن متصلاً بأهل العلم والتقوى، وإنما هو من إدخالات ذوي الأهواء والجهالات وذوي السلطة والغلبة، إذ في القرآن الكريم إشارة إلى مثل هذا بقول الله تعالى عن أصحاب الكهف: قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا [الكهف:21].
لقد استفحل هذا الأمر في هذه العصور المتأخرة حتى وقع بعضهم في شرك الربوبية والألوهية، فاعتقدوا في بعض أهل القبور، وصوّروا لهم الأصنام والتماثيل، وزعموا أنهم يعلمون الغيب، ويجيبون من توجّه إليهم، وأن لهم القدرة على تفريج الكربات وقضاء الحاجات، حتى صارت كالأنصاب التي يتخذها مشركو العرب، فأقسموا بها، واستشفعوا واستنصروا ولاذوا، بل سيّبوا لها السوائب، وساقوا إليها القرابين، بل ولربّما جعلوها نصباً تذكارية لعظيم، وجعلوا لها من الحرمة والعظمة وعقوبة الاعتداء عليه ما لا يُجعل لمن اعتدى على دين الله أو سبّ الله ورسولَه .
وقد تحدث ابن القيم رحمه الله معلقا على غزوة النبي للطائف وهدمه لصنم اللات فقال: "وفي ذلك من الفوائد أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً، وكذا حكم الأضرحة والقبور التي اتخذت أوثاناً تُعبد من دون الله، وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة، أو أعظم شركا عندها وبها، فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة، وغلب الشرك على أكثر النفوس، لظهور الجهل وخفاء العلم، وصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعةً، والبدعة سنةً، واشتدت غربة الإسلام، ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين"[1].
ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، واحرصوا على إقامة توحيد الله في الأرض تفلحوا، ويتحقق لكم النصر والتمكين، وتُجعل لكم العاقبة في الأولى والآخرة.
ألا وصلوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية وأ+ى البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك في قوله: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد...
[1] زاد المعاد (3/506-507).
| |
|