molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: من هدي خطبة حجة الوداع - داود بن أحمد العلواني السبت 5 نوفمبر - 9:10:57 | |
|
من هدي خطبة حجة الوداع
داود بن أحمد العلواني
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله، لقد صح عن رسول الله أنه خطب الناس خطبته المشهورة في حجة الوداع فقال: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ـ وكان مسترضعًا في بني سعد فقتلته هذيل ـ، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع رِبانا ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن و+وتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد))، ثلاث مرات[1].
عباد الله، تلك هي الخطبة العظيمة السامية رفيعة المستوى عظيمة القدر الكريمة التي خطبها رسول الله يوم النحر في حجة الوداع، فقرر فيها قواعد الدين ومبادئ الإسلام، واستشهد صحابته على البلاغ فشهدوا بذلك، وهم بلغوا رسالته من بعده، وما علينا ونحن نسمع ذلك إلا أن نشهد بأن رسول الله قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وكذلك صحابته من بعده، ولم يبق علينا سوى أن نتابع الطريق على هديهم بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة إلى أن تنضوي البشرية كلها تحت لواء الإسلام مذعنة طائعة إن شاء الله، وما ذلك على الله بعزيز، وهو على كل شيء قدير.
عباد الله، لقد قرر رسول الله في هذه الخطبة موعظة العمر، حدد فيها الحرمات التي تعتبر بحق حلم البشرية على مدار التاريخ في الوصول إلى حياة آمنة سعيدة ينعم فيها المرء بالطمأنينة والرخاء والسعادة والأمان والحرية والمساواة في ظل كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقرر حرمة الدماء، ومَن مِن الناس يهنأ له عيش إلا إذا كان آمنًا على روحه وبدنه، لا يخشى الاعتداء عليها، ولهذا كان القصاص في النفس والأطراف كما قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأنثَىٰ بِٱلاْنْثَى [البقرة:178].
وقرر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الخطبة حرمة الأموال التي يكدح المرء ليجمعها وليستمتع بالحلال من الطيبات من الرزق، ويصون نفسه ومن يعول عن مذلة السؤال وخدش الوجه، وصيانة لحرمة المال قال الله تعالى: وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَـٰلاً مّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38].
وقرر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا حرمة الأعراض، الأعراض التي ينشأ في ظلها النسل الطاهر النظيف، ليكون دعامة صالحة في مجتمع صالح، وصيانة للأعراض قال الله تعالى: ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ [النور:2]، هذا بالنسبة لغير المحصن، أما المحصن فجعل عقوبته الرجم حتى الموت.
وقرر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إبطال ربا الجاهلية الذي يقوم على أساس الحصول على المال بأي وسيلة حتى ولو كانت سحق البشرية لمصلحة المرابي، ومن أجل هذا آذن الله المرابين بحرب منه ومن رسوله فقال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرّبَوٰاْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278، 279].
وفي هذه الخطبة الكريمة استوصى رسول الله بالنساء خيرًا، فبين ما لهن وما عليهن من الحقوق بما يتلاءم مع وظيفتهن وفطرتهن، فلهن الإكرام والاحترام والمعاشرة بالمعروف والنفقة اللازمة من الطعام وال+وة والمسكن دون إسراف ولا تقتير، وعليهن السمع والطاعة وتهيئة المناخ الأسري الطيب في البيت ليجد الرجل سكنه النفسي وراحة البال والطمأنينة ورعاية الأولاد والحفاظ على الأعراض والأموال، فتحفظه في ماله وشرفه، وتراعي شعوره، فلا تدخل بيته أحدًا إلا بإذنه ولو كان محرمًا، ولا تخرج هي الأخرى من بيته إلا بإذنه مسبقًا، ولا تكن من النساء المذمومات الخراجات الولاجات، فالله جل وعلا يقول: وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33].
فإذا حصل النشوز والعصيان والانحراف فلا بد وقتها من التأديب بالتدريج الذي يناسب رأب الصدع وحفظ الود، التأديب الذي ليس فيه إهانة ولا إذلال، وإنما هو تأديب بكل ما في الكلمة من معنى، التأديب الذي ينشد الإصلاح ولا يستهدف التعذيب، قال الله تعالى: وَٱللَّـٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34].
أيها المؤمنون، هذا رسول الله قد قرر قواعد الدين، وهدم قواعد الشرك والجاهلية وأبطلها، وكان قدوة عملية للمسلمين ليتأسّوا به، فبدأ بإبطال ما كان في أقرب أقربائه من عمومته وأبناء عمومته، وهكذا يجب أن يكون كل الدعاة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر قدوة لغيرهم، فيبدأ كل منهم بنفسه وأهله أولاً ليكون للموعظة التأثير في النفوس.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ [الصف:2، 3].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وأقول هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه مسلم في الحج، باب: حجة النبي (1218).
الخطبة الثانية
الحمد لله الولي العظيم، أحمده سبحانه وتعالى ذو الطول والخير العميم، وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الهادي بهداية الله إلى الصراط المستقيم، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد: فيا عباد الله، لقد بين لنا رسول الله في خطبة الوداع ما فيه عصمتنا من الضلال والغي، وأرشدنا لما فيه فلاحنا ونجاحنا في الدنيا والآخرة، فقال: ((وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله))، فكتاب الله هو الحبل المتين والذكر الحكيم وصراط الله المستقيم الذي أنزله على رسوله وبينه لصحابته، وأمر المسلمين بالتمسك به وبسنته فقال: ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض))[1].
فاتقوا الله عباد الله، واعتصموا بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، واعلموا أن الأمة لا تزال بخير ما استمسكت بهما واعتصمت بحبلهما وعملت بشريعتهما، ولا يحيد عنهما إلا هالك ضال، خسر دنياه وأخراه.
واعلموا ـ عباد الله ـ أن هذا آخر ما عهد به إلينا رسول الله قبل لحوقه بالرفيق الأعلى، وقد أشهد أمته على ذلك مرة بعد مرة، ثم لا ننسى وصايته صلى الله عليه وآله وسلم عند احتضاره ومفارقته الدنيا بقوله: ((الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم))، ووصايته بالنساء خيرًا، وبهذا على الرجل أخذ هذه الوصاة بالسمع والطاعة وبعين الاعتبار والالتزام بها، وعلى النساء كف الأذى عن الأزواج واحترام الزوج وتقديره والنزول عند رغبته وعدم تعمد معارضته في رأيه وحديثه وسائر كلامه، بل عليها الإصغاء إليه حين يتكلم وتنفيذ ما يأمرها به والانقياد والسمع والطاعة بالمعروف، فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد أحد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها))، فالأمر عظيم، فلتتق الله امرأة خافت ربها، ولتطع زوجها، فإن طاعتها له من طاعة لله تعالى، ولا تسترسل معه في الخصومات، ولا تفشي له سرًا، فالبيوت أسرار، والمرأة سكن الرجل، والدخول منها في معارضته له تأثير كبير على الأولاد، بل ضرره على الأم أكبر، وإثمها أعظم.
فاللهَ اللهَ يا أمةَ الله في رعاية حق الزوج، واللهَ اللهَ في السمع والطاعة، كيف والسجود الذي لا يجوز مطلقًا إلا لله وحده لا شريك له لو يجوز لأمرَ به من لا ينطق عن الهوى ـ بأبي وأمي صلى الله عليه وآله وسلم ـ للزوج لعظم حقه، فحذار ـ أيتها المصلية الصائمة ـ من الاستخفاف بحق الزوج، ولا يستهوينك الشيطان بالاستهانة به، فاتقي الله، وأطيعي زوجك، وأْتمري بأمره، واعلمي أنك مسؤولة أمام الله جل وعلا عن ذلك كله، والله المستعان.
وها نحن نشهد أن رسول الله قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة، ونشهد أن صحابته من بعده قد بلغوا وأدوا الأمانة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للتبليغ وأداء الأمانة إنه سميع مجيب.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، كما صليت وباركت على إبراهيم إنك حميد مجيد...
[1] أخرجه الحاكم (3/148) من حديث أبي هريرة، وهو في السلسلة الصحيحة (1761) وفي صحيح الجامع (2934).
| |
|