molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أنفلونزا الخنازير - خميس بن سليمان المكدمي السبت 5 نوفمبر - 6:27:01 | |
|
أنفلونزا الخنازير
خميس بن سليمان المكدمي
الخطبة الأولى
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا عِبَادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ، وَامْتَثِلُوا أَوَامِرَهُ وَلاَ تَعْصُوهُ، وَاذْكُرُوهُ وَلاَ تَنْسُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلاَ تَكْفُرُوهُ.
وَاعْلَمُوا ـ رَحِمَكُمْ اللهُ ـ أنه ما نزل بلاء في مجتمع من المجتمعات إلا بذنب، ولا رفع عنه إلا بتوبة وإنابة، وما انتشار الأوبئة وتدهور الاقتصاد إلا بسبب الضلال والبعد عن المنهج الرباني الذي رسمه الشارع الحكيم وأنزله المدبر الحكيم، قال تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد: ١٠].
فهذا العالم الذي بين أيدينا لم يكد يستعيد عافيته من إعصار الأزمة المالية العالمية التي كبّدته المليارات حتى أفاق على وقع داء خبيث مستشر بثّ الهلع والرعب في قلوب العالمين، فغدا الخبرَ العاجل في وسائل الإعلام والموضوع الأول فيما تخطّه الأقلام، فأرجف قلب الصغير والكبير والغني والفقير، واستنفرت الجهود، وأعدت البنود، وانتبهت الهيئات، وأعدت العدّات؛ مما حدا بمنظمة الصحة العالمية إلى رفع حالة التأهب لأقصى الدرجات، ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: ٤١]، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي قال: ((ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلّوا بأنفسهم عذاب الله)).
والمتتبع لأحوال الأمم السابقة يبصر بأمّ عينه أن ما أبادها وأذهب بأسها وأنزلها بعد رفعة وأذلها بعد عزة ودمرها بعد قوة ونكّسها بعد ازدهار إلا إعراضها وغطرستها وتعاليها وبعدها عن منهاج ربها، وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ [الأنبياء: ١١-١٥].
عباد الله، إنها حقيقة إلهية لا تتغير، وسنة ربانية لا تتحول، قال تعالى: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً [الإسراء: ٧٧]. فبقدر ما عمَّ الظلم وتمّ واستشرى الفساد وطمّ عمَّتِ المصائب وانتشرت الأوبئة، وانهار الاقتصاد واستشرى الفساد، فأي ظلم أكبر مما يحدث في عالمنا من هرج ومرج؟! أي ظلم أكبر من هذا الطوفان من الطغيان؟! أي ظلم أكبر من إزهاق الأرواح بطريقة أو بأخرى بحق وبغير حق؟! وأي ظلم أكبر من أن تشيع الفاحشة ويجهر بفعلها دون حياء ولا خجل ولا خوف ولا وجل؟! أي ظلم أكبر من انتشار الربا ودخوله كل منزل؟! أي ظلم أكبر من محاربة (لا إله إلا الله) بشتى الوسائل ومختلف الطرق؟! أي ظلم أكبر من التطاول على خاتم النبيين وإمام المرسلين؟! أي ظلم أكبر من حلول الظلم محلّ العدل والخيانة مكان الأمانة والكذب بدل الصدق؟!
وبغض النظر عما إذا كان انتشار أنفلونزا الخنازير مسّه شيء من التهويل أم لا فإنّ الحقيقة التي يجب أن تستقر في نفس المؤمن أن الله سبحانه وتعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وأن العذاب إذا حل لم يطرق الظالم وحده وإنما شره وشؤمه يلحق الجميع، فعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا أَنَّهَا قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ مِنْ النَّوْمِ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ: ((لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ! وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ))، قِيلَ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ: ((نَعَمْ؛ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ)).
والمتتبع للأمم الماضية يجد أن الله سبحانه وتعالى ما أبادها إلا بسبب طغيانها وعتوها، فمنهم من أهلكه الطوفان، ومنهم من أطبق البحر عليه، ومنهم من أخذته الصيحة، قال تعالى: فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: ٤٠].
أَقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا عِبَادَ اللهِ، إنه ومهما حلكت الظلَم وتتابعت الإحن يبقى باب النجاة مفتوحا ما كان هناك توبة لله وإنابة إليه، فباب التوبة غير موصد، وباب الإنابة ما زال مفتوحا على مصراعيه، فالله تبارك وتعالى يقول: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال: ٣٣].
فالاستغفار والعودة الصادقة إلى المولى تبارك وتعالى كفيلة بأن تدفع الأمراض والأسقام والأوبئة، وفي انتشار إنفلونزا الخنازير عظة وعبرة لمن كان له قلب سليم، قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: ٣٧].
كما أن تغيير ما بالنفس من بُعد وإعراض عن الله عز وجل كفيل بأن يدرأ عنا كل مصيبة وكارثة ووباء، فرفع العذاب مقرون بالعمل الصالح والتوبة والإنابة وإصلاح كل سلوك شائن والاستمساك بالعروة الوثقى والمثل العليا، قال تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد: ١١].
كما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له دور، فالواجب على من أراد النجاة لمجتمعه أن يسعى في إنكار المنكر والأمر بالمعروف حسبَ قدرته واستطاعته؛ فإنه متى استجيب له نجا المجتمع جميعًا، ومتى لم يستجب له فإن الله وعده بالنجاة ويهلك الظالمين فقال: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف: 165]، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).
هَذَا، وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالىَ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ في مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا.
اللَّهُمَّ صَلِّ وسلم عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْد...
| |
|