molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: تربية الأولاد - خالد بن محمد الشارخ الجمعة 4 نوفمبر - 9:59:16 | |
|
تربية الأولاد
خالد بن محمد الشارخ
الخطبة الأولى
أما بعد, فيا أيها الناس, اتقوا الله يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
أيها الإخوة في الله, لو سألتكم معشر الآباء قائلاً: ما هو أغلى ما تملكون في هذه الدنيا بعد دينكم؟ وما هو أحب شيء لكم في حياتكم؟ ومن هؤلاء الذين تفرحون بفرحهم وتحزنون بحزنهم وتغضبون لغضبهم؟ من هم هؤلاء الذين تسعى طيلة نهارك لتحصِّل لهم معيشتهم وتسعدهم في حياتهم؟ من هم هؤلاء الذين هم عصبة حياتك وعنوان سعادتك وسرورك؟ من هم يا ترى؟ إنكم لو تكلمتم لقلتم بلسان واحد: إنهم أبناؤنا. نعم، إنهم الأبناء فلذات الأكباد، وعصب الحياة. فلفرحهم نفرح، ولسعادتهم نسعد، ولشقائهم تسود الدنيا في وجوهنا، إنهم أبناؤنا زينة حياتنا ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا [الكهف:46].
أيها الإخوة في الله, إن أمانة الأبناء خطيرة وحقهم شديد وعسير، ولقد أولى الإسلام العناية بالأبناء منذ اختيار الأرض التي تبذر فيها، فهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا: ((تخيروا لنطفكم، فإن العرق دساس))، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((تنكح المرأة لأربع: لحسبها وجمالها ومالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)).
وما زال الأنبياء وهم أنبياء معصومون يهتمون بأبنائهم، فهذا الخليل عليه السلام يدعو الله أن يرزقه ولداً صالحاً فيقول: رَبّ هَبْ لِى مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينِ [الصافات:100]، ويقول: وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلاْصْنَامَ [إبراهيم:35]، ويقول: رَبّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلوٰةِ وَمِن ذُرّيَتِى [إبراهيم:40]، ويقول هو وإسماعيل عند بناء البيت: رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ [البقرة:128]، ويقول +ريا عليه السلام: رَبّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَاء [آل عمران:38].
هذا اهتمامٌ من هؤلاء الأنبياء بشأن الذرية قبل وجودها، أما بعد وجودها فكانت تتضاعف جهودهم، ويعظم اهتمامهم بتربيتها وتوجيهها إلى الخير، وإبعادها عن الشر، وأول ما ينصب اهتمامهم إلى إصلاح العقائد، كما قال تعالى: وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرٰهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَـٰبَنِىَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة:132].
وهذا لقمان يوجه إلى ابنه وصايا عظيمة، فينهاه عن الشرك وبين له قبحه لينفر منه، ويأمره بإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على المصائب، وينهاه عن الكبر واحتقار الناس والفخر والخيلاء، إذاً فجميع الأنبياء كانوا يولون قضية تربية الأبناء وتعليمهم أمر دينهم اهتماماً عظيماً.
أيها المسلمون, إن مهمة الآباء مهمة عظيمة يجب على الآباء أن يحسبوا لها حسابها، ويعدوا العدة لمواجهتها خصوصاً في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدت غربة الدين، وكثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده بمثابة راعي الغنم في أرض السباع الضارية إن غفل عنها أكلتها الذئاب، أو انتهشتها السباع.
وأغرب من ذلك أن ترى بعض الآباء هداهم الله يجلب هذه الفتن والمغريات إلى بيته ويوفرها لأبنائه ثم يقول لهم: يا أبنائي كونوا رجالاً صالحين.
وآخر لا يأمر أبناءه بمعروف ولا ينهاهم عن منكر، بل يتركهم وأنفسهم مع الشيطان، فلا يأمرهم بصلاة ولا ينهاهم عن غي وفساد، ولو ناصحته لقال لك: الله الهادي، وهذه فترة شباب وتزول.
وما أدراك أنها ستزول، ولو فرضنا أنها قد تزول هل تضمن أن يعيش ولدك إلى تلك الساعة الموهومة التي سيتوب فيها ويثوب إلى رشده وعقله.
وأدهى من ذلك وأمرّ أن هناك بعض الآباء الصالحين أو ممن يشار إليهم بالصلاح والهداية ومع ذلك لا يعرف عن أبنائه إلا ما يعرفه عن أبناء الجيران، وكل وظيفته يومياً أن يقول لهم: الصلاة الصلاة، ثم ينطلق إلى المسجد ليلحق بالصفوف الأولى ومع ذلك أبناؤه غارقون في وحل المعصية والضياع.
ألا نتقي الله يا معشر الآباء، ألا نخاف الله، والله إنها أمانة سنسأل عنها، وحق لابد أن نؤديه حيث قال رسول الله : ((كلكم راع, وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته))، فهل أدينا حق أبنائنا من التربية؟ وهل أعذرنا أمام الله ببذل ما نستطيع من جوانب التوجيه والتربية الإسلامية لأبنائنا؟
إنه أيها الإخوة كما أن للأب حقاً على ولده ، فللولد حقٌ على أبيه، قال بعض العلماء: "إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، وقد قال تعالى: يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِى أَوْلَـٰدِكُمْ [النساء:11]. فوصية الله للآباء بالأولاد سابقة على وصية الأولاد بآبائهم".
فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى, فقد أساء إليه غاية الإساءة.
وأكثر الأولاد إنما جاءهم الفساد بسبب إهمال الآباء وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينفعوا أنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً.
عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً.
أيها الإخوة في الله, يا معشر الآباء, يا معشر الأولياء, إني سائلكم فمشدد عليكم المسألة فلا تجدوا عليَّ، وكل أب يسأل نفسه عن ذلك ويرى نصيبه من ذلك.
أيها الآباء, هل كسبتم أبناءكم +باً يجعلهم يتقبلون منكم كل نصيحة, أم هو العتاب والسباب والشتائم؟
هل تحببتم لأبنائكم وجعلتم من أنفسكم أصحاباً لهم قبل أن تكونوا رقباء مفتشين؟
اسمح لي أيها الأب فلست أعاتبك تقليلاً من شأنك أو جرأة عليك، كلا وألف كلا، إنما هي حقائق لابد أن نعرفها، وأنا يا إخواني أتكلم لكم من منطلق واقع وليس من نظرة تشائمية أو نظرة مظلمة، إنها حقائق لابد أن يعقلها الجميع، فهل يا أيها الآباء عرفتم أصدقاء أولادكم ومن يجالسون ومع من يتحدثون؟ وهل عرفتم إلى أين يذهبون بسيارتهم أم ألقيت هذه السيارة على ولدك ليخفف عنك كثرة الأشغال وكثرة الطلبات؟
نعم أنا لا أطلب منك أن تكون رقيباً على ولدك بكل حركة وسكنة، كلا، لست أعني هذا، ولكن يكفي أن تتعرف على من يجالسون؟ وما هي ميولهم؟ وما هي اهتماماتهم؟ وما هي سمعتهم وأخبارهم؟
فإذا رأيت ولدك يجالس صديقاً سيئاً نصحته بينك وبينه مع حزم في النصيحة وبينت له إشفاقك عليه مع نصحك له.
أسألكم يا معشر الآباء سؤالاً وأجيبوا بكل صراحة: ماذا تفعل يا تُرى لو وجدت ولدك يوماً من الأيام نائماً ولم يذهب إلى المدرسة أو وجدته يجوب الشوارع ولم يذهب إلى المدرسة, ليت شعري ماذا ستفعل؟
لكن ماذا لو رأيته أوقاتاً بل وأياماً ولا أقول يوماً أو وقتاً نائماً عن الصلاة، أو رأيته يجوب الشوارع ولم يصلِّ الصلاة إلا بعد خروج وقتها أو لم يصلها بالكلية؟
أيها الآباء, هل بذلتم حقيقة في إصلاح أولادكم، الصلاح الذي يريده الله منا حين خلقنا؟
أعني هل ربيته على الدين وعلى التزام الأوامر واجتناب النواهي، أم قلت له بلسان المقال وخالفت ذلك بلسان الحال؟ فهل أبعدت عنه مواضع الفتن والمغريات والشهوات أم وفرتَ له كل شيء فشاشة وفيديو، وأقراص سوداء وبيضاء، وغناء ولهو باطل, ثم تريد منه بعد ذلك أن يكون لك ولداً صالحاً يرفع ذكرك، في الدنيا والآخرة.
ألم تسمع ـ أخي الأب ـ حديث حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)) وذكر منها ((أو ولد صالح يدعو له)).
أيها الأب الحنون, ألست تسأل ولدك كل يوم عن امتحانه ماذا عمل فيه وبماذا أجاب، وعسى أن يكون الجواب صحيحاً؟ فهل سألته عن أمور دينه يوماً من الدهر؟
ألا يضيق صدرك ويعلو همك حين تعلم أن ابنك قد قصر في الإجابة في الامتحان؟
فهل ضاق صدرك حين قصر في سنن دينه أو واجباته؟
ألست تمنعه من الملاهي التي رَحَّبْتَ بها في بيتك من فيديو أو تلفاز أو صحف أو مجلات ساقطة لئلا تشغله عن المذاكرة والاستعداد للامتحان، فما عساك فاعل ـ أيها الأب الحنون ـ في امتحان ليس له دور ثان ولا إعادة فيه ولا رجعة؟
فيا أيها الآباء, وأنتم تعدّون أبناءكم لامتحانات الدنيا, اتقوا الله فيهم, واعلموا أنتم وعلموهم أن سلعة الله أغلى وأعلى من زخارف الدنيا، وعلموهم أن النجاح الحقيقي هو قصر النفس على ما يرضي الله، علموهم واعلموا أنتم أن السعادة الحقيقية في تقوى الله وطاعته، ثم اعلموا أنتم أيضاً أنه لن ينصرف أحد من الموقف يوم القيامة وله عند أحد مظلمة، سيفرح الأبناء أن يجدوا عند أبيهم مظلمة، تفرح الزوجة أن تجد عند زوجها مظلمة، يأتي الأبناء يوم القيامة يحاجون آباءهم بين يدي الله، قائلين: يا ربنا خذ حقنا من هذا الأب الظالم الذي ضيعنا عن العمل لما يرضيك وربَّانا كالبهائم وأوردنا المهالك، والذي ما من مفسدة إلا وجعلها بين أيدينا، وما من مهلكة إلا وأدخلها علينا، فماذا سيكون الجواب حينئذ أيها الأب الحنون؟
فيا أيها الآباء, اتقوا الله في أبنائكم, وأحسنوا تربيتهم واحفظوهم من الفساد والضياع ما دام الأمر في أيديكم وما دمتم في زمن المهلة قبل أن تندموا وتلوموا أنفسكم في وقت لا تنفع فيه الحسرة ولا الندامة.
أيها الآباء, عذراً إن ندَّت أشارة أو قسَتْ عبارة، فإنها نصيحة مشفق، وعتاب محب، وعذراً عن عتابكم وعفواً على مصارحتكم، فوالله لو عاشرتم الشباب ونظرتم في واقعهم لما لمتمونا ولا أخذتم علينا، ولقلتم: أنتم قد قصرتم في حقنا وواجبنا.
فمَن الشباب إلا ابني وابنك وابن فلان وفلان.
ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا.
اللهم اهد ضال المسلمين وثبت مطيعهم، اللهم أبناؤنا وبناتنا اجعلهم لك من الطائعين وعن نهيك مبتعدين، اللهم اجعلهم هداة مهتدين، اللهم ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه.
أما بعد, فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ, شذ في النار، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة.
وعليكم بسنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ.
| |
|