molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التوحيد - خالد بن محمد الشارخ الجمعة 4 نوفمبر - 9:51:46 | |
|
التوحيد
خالد بن محمد الشارخ
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوَى الله عزّ وجل، فتقوى الله تعالى هي وصيّته للأولين والآخرين: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا [النساء:131].
أيها الناس، لقد قسّم علماء الإسلام التوحيد إلى ثلاثة أقسام، وإن كانت هذه الأقسام في حقيقتها إنما تصب في قسم واحد. وأما الأقسام فهي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات. وهذه الأقسام الثلاثة كلّها ترجع إلى توحيد الألوهية. فما توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات إلا لتكميل مقام العبودية والألوهية لله رب العالمين.
أما توحيد الربوبية فمعناه أن الله وحده هو الخالق لهذا العالم، وهو الرب والرازق لهم، وهذا النوع من التوحيد لا ينكره المشركون، بل لم تذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم، بل القلوب مفطورة على الإقرار به أعظم من كونها مفطورة على غيره، كما قالت الرسل عليهم الصلاة والسلام فيما حكى الله عنهم: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [إبراهيم:10]، وقال تعالى حاكيًا عن أحوال المشركين وأنهم مقرون له بالخلق والتدبير: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف:10].
وأشهر من عُرفَ تجاهُلُه وتظاهُرُه بإنكار الله عز وجل فرعون اللعين، وقد كان مستيقنًا به في الباطن كما قال له موسى عليه السلام: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ [الإسراء:102]، وفي قراءة ال+ائي من السبعة: لَقَدْ عَلِمْتُ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ليكون هذا من كلام فرعون، أي: أنه مقرّ بذلك وأن الله خالق السموات والأرض، ولكن وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14].
أما توحيد الألوهية ـ أو قل: توحيد العبادة ـ فهو الذي أرسل الله له الرسل وأمرهم بالدعوة إليه، وهو الذي لا يقبل الله من أحد صرفًا ولا عدلاً حتى يقرّ به ويعمل بمقتضاه، وإن أخل بشيء من أركانه فهو خالد مخلد في نار جهنم وبئس المصير.
وهو الأمر الذي قاتل عليه النبي القبائل، وحمل في سبيله السلاح، وراسل الملوك وخاطب الأمراء ودعا القبائل من أجل تحقيقه، وإلا فالكفار كانوا يقرون بأنه لا خالق إلا الله وأنه المصرف لهذا العالم، ومع هذا كله لم يدخلوا في مسمى الإسلام.
بل لا بد من إفراد الله بالعبادة وعبادته وحده لا شريك له، وهذا معنى لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له، ولذلك لما قال النبي لكفار قريش ولصناديدهم: ((قولوا لي كلمة تدين لكم بها العرب والعجم))، فقالوا: نقول وألف كلمة، فما هي يا محمد؟ فقال: ((قولوا: لا إله إلا الله))، فقالوا: إلا هذه، أجعلت الآلهة إلهُ واحدًا؟! فأنزل الله ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:1-5].
فتوحيد الألوهية هو صرف جميع العبادات لله وحده؛ من نذر وذبح وصلاة وصيام وحج وعمرة وغير ذلك من أنواع العبادة.
أما توحيد الأسماء والصفات فعقيدة أهل السنة والجماعة فيه أنهم يثبتون لله سبحانه وتعالى ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله ، من غير تحريف أو تعطيل أو تأويل أو تمثيل، وينفون عن الله من الصفات ما نفاه هو عن نفسه أو نفاه عنه رسوله . وأهل السنة والجماعة إذا أثبتوا الصفة لله لم يمثلوها بصفات خلقه؛ لأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
فيجب عليك ـ أيها المسلم ـ أن تؤمن بكل ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله ، وإن كنت لا تعرف جميع الصفات والأسماء الواردة في الكتاب والسنة، فالواجب عليك أن تؤمن إيمانًا إجماليًا في أسماء الله وصفاته، وأما معرفة ذلك تفصيلاً فهذا لا يلزمك ولا يجب عليك، فإن لهذا أناسا متخصصين وهم أهل العلم، وإن استطعت أن تعرفها تفصيلاً فهذا نور على نور، ولكن ينبغي عليك أن تعتقد من قرارة قلبك أن الله موصوف بصفات الكمال ونعوت الجمال.
فاسمع لما قاله البحر الذي لا تكدّره الدلاء أعني شيخ الإسلام، علَم العِلم والعلماء رحمه الله، قال: ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه ووصفه به رسوله محمد ، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون ـ أي: أهل السنة والجماعة ـ بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون، ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفؤ له ولا ند له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى.
ثم في سنة رسول الله ، فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه". وما وصف الرسول به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك.
فمن ذلك مثل قوله : ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)) متفق عليه، وقوله : ((لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم براحلته)) متفق عليه، وقوله : ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان)) رواه البخاري ومسلم، وقوله في رقية المريض: ((ربَّنا الله الذي في السماء، تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ)) حديث حسن رواه أبو داود وغيره.
قلت: في هذا الحديث إثبات العلو لله: ((ربنا الله الذي في السماء)).
وقوله: ((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء)) حديث صحيح، وقوله: ((والعرش فوق ذلك، والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه )) حديث حسن رواه أبو داود وغيره، وقوله للجارية: ((أين الله؟)) قالت: في السماء، قال: ((من أنا؟)) قالت: أنت رسول الله، قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) رواه مسلم.
إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر فيها رسول الله عن ربه بما يخبر به، فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك كما يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
أيها الناس، إنكم لم تتركوا سدى، وإنكم إذا تركتم اليوم فلن تتركوا غدًا، وإنكم واردو هوةٍ، فأعدوا لها ما استطعتم من قوة. وإن بعد المعاش معادًا، فأعدوا له زادًا.
ألا لا عذر فقد بُيّنت لكم المحجة، وأخذت عليه الحجة من السماء بالخبر، ومن الأرض بالعِبَر. ألا وإن الدنيا دار جِهاز وقنطرة جَواز، من عبرها سَلِم، ومن عمرها نَدِم. ألا وقد نصبت لكم الفخّ، ونثرت لكم الحَبّ، فمن يرتع يقَع، ومن يلقط يسقط.
وكان علي بن الحسين يعظ الناس ويقول: "يا نفس، حتَّامَ إلى الحياة رُكونُك، وإلى الدنيا وعمارتها سكونُك؟! أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك، وبمن وارته الأرض من أُلاَّفِك، ومن فُجِعْت به من إخوانك ونُقِلَ إلى دار البِلى من أقرانك؟!".
فهم في بطون الأرض بعد ظهورهـا مَحـاسنهم فيها بَوَالٍ دواثر
خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم وسـاقتهم نَحو الْمنايا المقادر
وخلَّوا عن الدنيا ومـا جمعوا لهـا وضمتهم تحت التراب الحفائر
كم اختلست أيدي المنون من قرون بعد قرون، وكم غيرت ببلاها وغيبت أكثر الرجال في ثراها.
انظر إلى الأمم الخالية والملوك الفانية، كيف أنستهم الأيام وأفناهم الحِمام، فانمحت آثارهم وبقيت أخبارهم.
يا قوم، الحذر الحذر، والبدار البدار من الدنيا ومكايدها وما نصبت لكم من مصايدها، وتجلت لكم من زينتها، واستشرفت لكم من بهجتها. وكيف يحرص عليها لبيب أو يُسرّ بها أريب وهو على ثقة من فنائها؟!
فإلى متى ـ يا أخي ـ ترقع بآخرتك دنياك وتركب في ذاك هواك؟! إني أراك ضعيف اليقين يا رافع الدنيا بالدين، أبهذا أمرك الرحمن أم على هذا دلك القرآن؟!
تُخرب مـا يبقـى وتعمُرُ فانيـا فلا ذاك موفورٌ ولا ذاك عامـرُ
فهل لـك إن وافـاك حتفُك بغتة ولَم تكتسب خيرًا لدى الله عاذر
أترضى بأن تُقضى الحيـاة وتنقضي وديـنُك منقوصٌ ومـالُك وافر
زينوا العلم بالعمل، واشكروا القدرة بالعفو، وخذوا الصفو ودعوا الكَدَرَ، يغفر الله لي ولكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
| |
|