molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حادثة الإفك - حسين بن شعيب بن محفوظ الإثنين 31 أكتوبر - 6:38:30 | |
|
حادثة الإفك
حسين بن شعيب بن محفوظ
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن الله سبحانه وتعالى قد أورد في القرآن الكريم نموذجاً من قذف المحصنات الغافلات المؤمنات البريئات، اللواتي قذفن بتهمة الزنا دون جريرة ودون أن يقترفن ما اتهمن به، وكان القصد من هذا الاتهام هو إيجاد البلبلة والإرباك بين المسلمين، وقد بلغت الجريمة من الشناعة أنها تناولت أشرف بيت عرفته البشرية، إنه بيت النبوة على صاحبه أفضل الصلوات والتسليم، وتناولت عرض رسول الله الذي هو أكرم الخلق عند الله، وتناولت عرض زوجه الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين، والتي حلت من قلب النبي محلاً كبيراً من الحب والتقدير، وتناولت كذلك عرض صاحبه عليه الصلاة والسلام وهو أبو بكر الصديق الرجل الوفي الذي كان أول السابقين إلى الإسلام، والذي أحبه النبي حباً ما أحبه رجلاً قط، ولو كان من قرابته ، ولذلك عانى أبو بكر من الألم والقلق والارتباك والشك هو وزوجه ما لم يعانيه من قبل، ولذلك قال: هذا أمر لم نتهم به في الجاهلية، أفنرمى به في الإسلام؟ مما يدل على الألم الذي كان يعتصر قلبه ، وهو يرى ابنته الشريفة قد تناولها الأفاكون بهذه الجريمة البشعة، وتتجلى بشاعتها عندما يقذف رجل من المسلمين ما علم عنه النبي إلا خيراً ذلكم هو الصحابي الفاضل صفوان بن المعطل الذي ظل كذلك يعتصر الألم قلبه، كيف يرمى بخيانة بيت النبوة، ومن يخون رسول الله الذي يحبه حباً عظيماً بعد الله بعد الله عز وجل متقرباً إلى الله عز وجل بحب نبيه، وكذلك أبطأ الوحي شهراً، وعاش المسلمون لحظات رهيبة عصيبة الكل يخوض، وانقسم المجتمع إلى قسمين قسم خاص مع الخائضين، وقسم توقف وقسم كان عنده الورع وإذا به يقول كما قال الله سبحانه وتعالى: سُبْحَـٰنَكَ هَـٰذَا بُهْتَـٰنٌ عَظِيمٌ [النور:16].
إنها حادثة تكشف لنا كثيراً من الصور التي نجليها في مجتمعاتنا ونحن نعيش بين الناس، نستكشف حقائق كثيرة وقبل الخوض في استجلاء تلك الحقائق ندع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تصور لنا ذلك الحادث الذي ظل الناس يخوضون فيه شهراً، وهي تعاني من الألم، والألم يعتصر كبدها وقلبها حتى ظنت أن البكاء قد فلق كبدها فماذا قالت رضي الله عنها.
أخرج الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها أي خرجت عليها القرعة درج بها معه، وإنه أقرع بيننا في غزوة قيل إنها غزوة بني المصطلق، فخرج سهمي فخرجت معه بعد أن أنزل الحجاب، وأنا أحمل في هودج (والهودج هو شيء يصنع للمرأة تجلس عليه، ثم يوضع على سنام الجمل لكي تقاد المرأة حيث يسافر بها) قالت: وأنا أحمل في هودج، وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك فقفل أي فرجع ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل، أي أنه أعلم أصحابه بالرحيل، فقمت حين أذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت من شأني كأنها ذهبت لتقضي حاجتها، أقبلت إلى الرحل فلمست صدري لأنه كان عندها عقد، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار انقطع يعني ضاع منها، فرجعت فتلمسته فحبسني ابتغاؤه أي تأخرت وهي تبحث عن عقدها، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني أي الذين كانوا يقودون جملها مع هودجها الذي هي فيه، فاحتملوا هودجي هم يظنون أنها في الهودج فاحتملوا هودجي فرحلوه على ظهر بعيري، وهم يحسبون أنني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفاف أي نحيفات لم يثقلهن اللحم، وإنما نأكل العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم حين رفعوه خفة الهودج فحملوه لأنها كانت نحيفة وخفيفة فخفة الهودج لم يثر استغراباً لديهم، فظنوا أنها فيه وكنت جارية حديثة السن أي صغيرة لأن عمرها كما قيل لم يتجاوز السادسة عشر، فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد فتيممت منزلي أي أنها ظلت مكانها، وظننت أنهم سيفقدونني ويرجعون إلي، فبينما أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس وراء الجيش فأدلج، لأن النبي كان يترك في المنزل الذي يرتحلون منه رجلاً في الليل لعل الجيش تخلف منه أحد أو أنهم مثلاً نسوا شيئاً فهذا الذي يبقى في المكان يأتي به بعد أن يسفر الصباح، فأصبح عند منزلي أي عند المكان الذي نامت فيه وهو لم يعلم أن هنا امرأة، فرأى سواد إنسان نائماً فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، أي قبل أن تنزل آية الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه، وحين رآني وعرف أنها عائشة أم المؤمنين استرجع أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي أي اختمرت بجلبابها والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته أي قرب إليها الراحلة فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتيت الجيش بعد أن نزلوا معرسين، أي أن الجيش سار فقطع مسافة ونزلوا في المكان، فلحقهم صفوان بن المعطل براحلته وفيها عائشة أم المؤمنين، قالت: هلك في شأني من هلك، الذي تولى كبر الإثم عبد الله بن أبي بن سلول، فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا أي مرضت بها شهراً، والناس يفيضون أي يخوضون في قول أصحاب الإفك، ولا أشعر وهو يريبني في وجعي، كانت تشك وهي مريضة أني لا أرى من النبي اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلم فيقول كيف تيكم فذلك الذي يريبني منه، ولا أشعر بالشر، مسكينة أن الناس قد خاضوا في عرضها واتهموها في هذه الجريمة البشعة، فقالت: ولا أشعر بالشر حتى نقهت، أي تماثلت للشفاء، فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع كان الناس وبالذات النساء خارج الميدينة يقضين فيه الحاجة فقالت فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع، وهو متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن يتخذ الناس الكنف، أي لا يتخذ الناس الحمامات في البيوت وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، لأن العرب قديماً في الجاهلية ما كانوا يعرفون اتخاذ الحمامات في بيوتهم، فأقبلت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رهم وهي لابن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنها وابنها مسطح بن أثاثة بن عباس بن المطلب، حين فرغنا من شأننا نمشي فتعثرت أم مسطح أي سقطت، لأن ثوبها عثرها فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح، ومسطح ابنها فقالت: تعس مسطح، فقلت لها تقول أم المؤمنين عائشة تقول لأم مسطح: بئسما قلت أتسبين رجلاً شهد بدراً، فقالت: يا هنتاه ألم تستمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك فزدت مرضاً إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل رسول الله فقال: ((كيف تيكم؟)) فقلت: ائذن لي أن آتي أبوي وأنا حينئذٍ أريد أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي فأتيت أبوي فقلت: يا أمتاه ما يتحدث الناس به؟ فقالت: يا بنيّة هوني على نفسك الشأن، فوالله تعلمي ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، فقلت: سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا؟ فقلت: فبكيت تلك الليلة فأصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي فدعا رسول الله علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث أي تأخر الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله، وبما يعلم في نفسه من الود لهم، فقال أسامة: هم أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيراً، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، واسأل الجارية تخبرك قالت: فدعا رسول الله بريرة فقال لها: ((أي بريرة هل رأيت فيها شيئاً يريبك؟)) فقلت: لا والله فوالذي بعثك بالحق نبياً إن رأيت منها شيئاً أغمصه أي أعيبه عليها. أكثر من أنها جارية صغيرة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن أي الشاة في البيت فتأكله، فقالت: فقام رسول الله من يومه واستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول وقال وهو على المنبر: من يعذرني في رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت في أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً أي اتهموا رجلاً ما علمت عنه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، قالت: فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا والله أعذرك إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا فعلتنا فيه، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلاً صالحاً ولكن أخذته الحمية فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله على المنبر، فلم يزل يخفضهم أي يسكتهم حتى سكتوا ونزل، ولا غرابة في ذلك لأن حساسية الموقف وخطورته هو الذي أدى إلى هذه المواقف العصيبة، ذلك أن الذين تولوا كبر هذا الإثم قد حاكوا المؤامرة بخبث ولؤم وكان من الدهاء حيث الذي تولى كبره ما كان يتكلم به عند الناس، إنما كان يتكلم به عند خاصته الذين يسترون أمره ألا وهو عبد الله بن أبي بن سلول لعنة الله عليه، رأس المنافقين، ورسول الله أبطأ عنه الوحي ولا يستطيع أن يبرئ أهله، وهو يعلم فيهم الخير، مما اتهموا به ولا يعلم من هذا الرجل أي صفوان إلا خيراً، لكن البرءاة كيف يكشفها وقد أبطأ الوحي وحساسية الموقف تجعل الإنسان في غاية الارتباك والقلق والشك والأرق، لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يعتصر الألم في صدره إنما كان أبو بكر في موقفه إن لم يكن أشد منه، الذي اتهم هو بيت أبي بكر، التي اتهمت هي الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها الذي اتهم هو رسول الله ونال المنافقون وعصبة اليهود من عرض النبي ، لأنهم لما عجزوا في حرب الإسلام علانية لجأوا إلى هذه الأساليب الخسيسة، والتي بلغت من الجرم والشناعة ما الله به عليم، والمهم أن الاستشارة لأسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب ليس في ذلك غرابة، فإنه قد عانى ما لم يعانيه أحد من قبل وكان الألم يعتصر قلبه وهو يتهم في عرضه وفي عرض من هو أحب إلى قلبه ألا وهي زوجه عائشة رضي الله عنها، كما أن ذلك الاتهام كان اتهاماً للإسلام، ولذلك ما عانى الرسول في كل المواقف التي عاناها منذ أن بعثه الله إلى أن توفاه مثل تلك المعاناة.
ماذا تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في سردها لهذه القصة الغريبة العجيبة، قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم بكيث ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنومٍ، فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوماً، حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي فبينما نحن كذلك، إذ دخل الرسول ثم جلس ولم يجلس عندي من يوم قيل ما قيل قبلها، وقد مكث شهراً ولم يوحَ إليه بشأني في شيء، فتشهد أي شهد الله وأثنى عليه بما هو أهله، فحين جلس فتشهد فقال مخاطباً عائشة: فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله تعالى، وإن كنت أذنبت بذنب فاستغفري الله تعالى وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه، فلما قضى رسول الله ما قالته قلص دمعي حتى ما أحس منه بقطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله فيما قال، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، قالت: وأنا جارية حديثة السن أي صغيرة السن، لا أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت: إي والله أعلم أنكم سمعتم حديثاً تحدث الناس به واستقر في نفوسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقنني، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف، هي من هول القضية والفاجعة نسيت اسم النبي يعقوب، فقالت: ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذ قال: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، ثم تحولت فضجعت إلى فراشي، وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله تعالى ينزل في شأني وحياً يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله تعالى في أمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى النبي في النوم رؤيا يبرئني الله تعالى بها، فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله تعالى على نبيه ، فأخذه ما كان يأخذه عند نزول الوحي فسري عنه وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي: يا عائشة احمدي الله تعالى، فإنه قد برأك، فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله ، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله تعالى، هو الذي أنزل براءتي فأنزل الله تعالى: إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإثْمِ وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11]. فلما أنزل الله تعالى هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق : وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لصلة قرابة منه وفقره والله لا أنفق على مسطح شيئاً بعد ما قال لعائشة رضي الله عنها فأنزل الله تعالى: وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النور:22]. فقال أبو بكر : بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الصدقة التي يجري عليه، قال: والله لا أنزعها منه أبداً، قالت عائشة: وكان رسول الله سأل زينب بنت جحش عن أمري فقال: يا زينب ما علمت وما رأيت فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيراً، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي فعصمها الله بالورع، قالت فطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك في أصحاب الإفك.
هذه هي القصة بتمامها والمعاناة بكاملها روتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ولنا وقفات مع هذا الحادث نستجلي منه بعض الحقائق.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو السميع العليم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
إن الله سبحانه وتعالى حين أنزل براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال في أول آية من الآيات العشر من سورة النور وهي نور من أولها إلى آخرها تجلى لنا حقائق كثيرة قال: إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ [النور:11]. يعني أنهم لم يكونوا فرداً ولا أفراداً إنما كانوا جماعة ذات هدف معين يتزعمهم رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول لعنة الله عليه، ومن ورائه عصبة من اليهود الذين ضلوا أن بعث الله نبيه، وهم يتآمرون على الإسلام علانية فلما باءت كل محاولاتهم بالفشل لجأوا إلى هذا الأسلوب الخسيس وإلى هذا الجرم والشناعة أن يشككوا في أطهر بيت وأشرفه عرفته البشرية منذ أن خلق الله آدم وإلى يومنا هذا، بل وإلى قيام الساعة.
ما الذي يفيدنا هذا؟ إن العصبة التي شككت في بيت رسول الله موجودة كما وجدت في زمان النبي موجودة، إلى اليوم نسمع من يرمي أم المؤمنين عائشة بالفحش، نسمع من يسمون أنفسهم بالشيعة الرافضة وبالباطنية الذين يلقون بيننا بحفاوة من قبل كثير ممن أعمى الله سبحاونه وتعالى بصائرهم عن نور الحق، وكانوا مثلهم في الجرم وكانوا مثلهم في البشاعة ومثلهم في الزندقة، بل ومثلهم في الكفر والردة، والذي يرمي أم المؤمنين عائشة بالفحش لا حظ له من الإسلام فهو أول المخالفين للإسلام، فهو أول مكذب بالقرآن، حيث برأ الله عائشة من فوق سبع سموات، لا حظ له من الإسلام، لأنه قد تناول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وتناوله إنما الهدف منه اتهام النبي ، والنيل من رسول الله هو النيل من الإسلام، لأننا إذا اتهمنا عرض أشرف رجل عند الله عز وجل وأكرمه، فماذا بقي بعد ذلك للإسلام من قداسة؟
هؤلاء الزنادقة اليوم ينالون من عائشة ويكدرون عرضها بأنهم ليس لهم حظ من الإسلام، لا نقول: إنه ليس عندهم تقوى إنما التقوى قد تضعف عند أهل الإسلام، لكن هؤلاء وإن تستروا باسم الإسلام، فلا حظ لهم من الإسلام، باطنية المكارم وكذلك البهرة الإسماعيلية القرامطة يعتقدون ما تعتقده الشيعة الإمامية الرافضة في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يلصقون بها الفحش، بعد ذلك يكون لهم موطئ قدم بيننا يكون لهم بين المسلمين مرتع في اليمن، ويلقون الحفاوة من قبل الدولة، كذلك والله إن هذه لجريمة بشعة ما علمت جريمة أبشع منها، كما أن النبي لم يعلم جريمة بشعة نالته ونالت من الإسلام مثل تلك الجريمة، لكن هكذا يدور الزمن دورته وإذا بنا نجد عصبة ذات هدف واحد هدفها النيل من عرض النبي تتمثل بالمنافقين من الباطنية الإسماعلية والشيعة الرافضة وكذلك العلمانيين الذين يكونون مع عصبة اليهود والصليبين يكونون جماعة ذات هدف منظم الهدف منه تشكيك المسلمين في دينهم، وترويج مثل هذه العقائد بين المسلمين.
إن هذا الحادث كما تعلمون أنه قد خاض فيه بعض من الصحابة من أجلاء الصحابة مسطح بن أثاثة الذي شهد بدراً والنبي يقول: ((فلعل الله قد اطلع على أهل بدر فغفر لهم فقال لهم: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم)) غزوة بدر التي أعز الله بها الإسلام والمسلمين بثلة خالصة من المؤمنين، مسطح خاض فيها، سبحان الله، حسان بن ثابت شاعر النبي والذي كان يذب عن الإسلام ويدافع عن الدين ويدافع عن رسول الله بشعره لتكون شرارة يقذف الله سبحانه وتعالى بها على رؤوس الكافرين فتهلكهم وتبددهم، وهو الذي دعا له النبي ونصب له منبراً في المسجد وكان يقول له اهجهم وروح القدس معك، كان من الخائضين، وحمنة بنت جحش أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها صحابية جليلة خاضت مع الخائضين، فهلكت مع من هلك من أهل الإفك، ما الذي يدل هذا الأمر يدل على النفوس الضعيفة وأن الابتلاء هو الذي يمحص النفوس، ونحن أيضاً مبتلون بهذا، إذا كان أصحاب رسول الله تربوا على يديه خاضوا مع الخائضين، وهلكوا مع الهالكين في حديث الإفك، لينالوا من عرض رسول الله وعرض زوجه وعرض كذلك صديقه الصديق أبي بكر ، فإن كثيراً من المسلمين اليوم يجلسون المجالس فيفرون أعراض الناس الأبرياء، ويقذفون المحصنات المؤمنات البريئات بالتهم التي لا طاقة لها ولا فطام، وإذا بهم بعد ذلك يشككون في النوايا، ويقولون: فلان كذا وفلان ضال وفلان أضل من حمار أهله وفلان نيته سيئة، دخلوا في النوايا يفرون أعراض الأبرياء والدعاة والعلماء، لينالوا من الإسلام، لأنهم يفرون إلى الإعلام الكاذب الذي ما دأب إلا أن يشكك في الإسلام عن طريق حملة الشريعة الإسلامية وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ ٱلاْمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلاْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً. [النساء:83].
الحذر الحذر أئمة الإسلام من اللسان فإن اللسان يورد الإنسان الموارد والمهالك، النبي يقول لمعاذ بن جبل: ((كف عليك هذا وأشار إلى لسانه)) فقال: يا رسول الله وإنا لمآخذون بما نتكلم به، قال: ((ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)) اللسان جرمه صغير وشره مستطير، إنه ثعبان لو لدغك فإنه يودي بدينك وبحياتك، ولربما يتكلم الإنسان بكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً، وإنك لترى الرجل يعجبك سمته وخلقه وهديه متورع عن الشبهات فضلاً عن تورعه عن أكل الحرام، ولكنه إذا جلس مجلساً فإنه يفري في أعراض الناس، ويطلق للسانه العنان، فإنا لله وإنا إليه راجعون من هؤلاء الذين ابتلوا في أعراض الأبرياء.
إن هذا الحادث أخيراً يبين لنا أن حملة الدين مستهدفون كم قرأنا وكم سمعنا وكم رأينا وما زلنا نقرأ ونسمع ونرى دعاة صادقين وعلماء أجلاء اتهمهم الطواغيت وأعداء الإسلام من اليهود والنصارى في أعراضهم، حتى إنهم أوذوا بين قومهم، فمنهم من أقيم عليه الحد، ومنهم من نبذهم الناس، ولكن إرادة الله سبحانه وتعالى قاضية أن يمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، فما تدور عجلة الزمان إلا ويبرئ الله سبحانه وتعالى ساحة الأبرياء من أوليائه، ويأخذ الذين تولوا كبر الإثم والجريمة البشعة أخذ عزيز مقتدر.
برأ الله سبحانه وتعالى ساحة أوليائه لأنه هو الذي يدافع عن المؤمنين، فيا عبد الله يا من نيل منك في عرضك يا من اتهمت بتهم بشعة اعتصم بالله وكن به معتصماً، اعتصم بالله وحده واستعن به وحده واعلم أن الله يقول: إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38].
اعتصم بالله وحده وكن بالله معتصماً واذكر قول النبي فيما يرويه عن ربه عز وجل: ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) فإن من هو أفضل منك وأكرم عند الله قد نيل منه أشد ما نيل منك، فليكن ذلك أريحية لك يخفف عنك الألم والتهمة التي يعتصر قلبك منها اعتصاراً، فلا تبتئس بما يقولون، ولا بما كانوا يفعلون.
هذه هي الحقائق والدروس والعبر التي يجب أن نجليها لنستكشف واقعنا، فإن الهول الذي ينتظر الدعاة الصادقين هول عظيم، وهو ابتلاء قدره الله سبحانه وتعالى كوناً وقدراً وشرعاً أن يكون لأوليائه، ليعلم الله سبحانه وتعالى الصادق في دينه والكاذب.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبت قلوبنا على الإيمان والتقوى، وأن يعصم ألسنتنا من الإفك والافتراء والكذب والقذف، وكذلك يعصمنا من الزلل والمعاصي ما ظهر منها وما بطن، فاللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. .
| |
|