molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: استقبال شهر رمضان - حسين بن شعيب بن محفوظ الإثنين 31 أكتوبر - 6:39:55 | |
|
استقبال شهر رمضان
حسين بن شعيب بن محفوظ
الخطبة الأولى
فإن من رحمة الله سبحانه وتعالى الواسعة ولطفه بعباده المؤمنين أن جعل لهم في السنة موسمًا يتزودون فيه بأنواع الطاعات التي تقربهم إلى الله عز وجل، كي ينالوا رضوانه سبحانه وتعالى ويفوزوا بمرضاته ويسعدوا بجزيل ثوابه وكريم عطائه. ومن هذه المواسم التي جعل الله فيها الخير والبر والمعروف والإحسان موسم الصيام في شهر رمضان المبارك.
فها هو هذا الشهر الكريم على الأبواب يطل على المسلمين وهو حامل معه الخيرات والمسرات والبركات والسعادات. شهر في جنباته عبق الإيمان وشآبيب التقوى والإحسان، شهر التوبة والغفران، شهر الصيام والقيام، شهر الذكر والاستغفار وقراءة القرآن، إنه شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
يقول الله تعالى في محكم كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:183، 184].
ففي هذه الآية الكريمة بيان من الله سبحانه وتعالى لعموم المؤمنين أنه كتب عليهم ـ أي: فرض عليهم ـ الصيام كما فرضه على الذين من قبلهم. وقوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ترجِّي في حقهم وتوقّع منهم لا في حقه سبحانه وتعالى لأنه هو الآمر لهم.
وفي الآية دلالة على أن الصيام باعث على التقوى؛ ذلك أنه ـ أي: الصيام ـ مكفر للذنوب، ماح للخطايا، ومضيق لمسالك الشيطان، يدفع الصائم إلى مراقبة الله وخشيته، فكان الصوم جامعًا لكل أبواب الخير، مبعدًا الإنسان عن سفاسف الأمور ورذائلها، وهذا هو التقوى، لأن التقوى هو فعل المأمور واجتناب المحظور.
يقول الله سبحانه وتعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177].
فقوله تعالى: وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ إشارة إلى من توفرت فيهم تلك الصفات الحميدة والخصال المنيفة؛ فالتقوى جامع للخير كله.
ولذلك كان الصيام باعثًا من بواعث التقوى، دافعًا الصائم إلى فعل الخيرات واجتناب المنكرات والسيئات.
فيا عباد الله، إن شهر رمضان خصه الله بمزايا وفضائل عظيمة، يختص بها شهر رمضان عن سائر شهور العام، فحري بنا أن نغتنم قدومه وننتهز فرصة حلوله بين المسلمين، فهو شهر التقرب إلى الله بصالح الأعمال من صيام وقيام و+اة وقراءة قرآن واعتكاف وتهجد وكف عن كل المحرمات وبعد عن المشتبهات.
وكذلك كان من عظيم فضل الله عز وجل وجزيل ثوابه أنه يهيئ لعباده الصائمين في شهر رمضان جو الطاعة، فيفتح الله سبحانه وتعالى أبواب الجنة والرحمة والسماء، ويغلق أبواب جهنم، ويقيد الشياطين ومردة الجن بالسلاسل والأغلال، وكل ذلك هيأه الله سبحانه وتعالى للصائمين؛ ليرغبوا في العمل الصالح ويقل اقترافهم للذنوب والمعاصي، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين)) أي: قيدت بالسلاسل. متفق عليه. وعند الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومردة الجنّ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)) حسنه الألباني.
فتصفد الشياطين ومردة الجن في هذا الشهر الكريم كي لا يغووا الصائمين فيزينوا لهم الباطل، ويتسببوا في صرفهم عن الطاعة، والتصفيد مأخوذ من الصفد وهو القيد والغل أي: تقيد الشياطين ومردة الجن في شهر رمضان بالسلاسل وتوثق بالأغلال فلا يستطيعون الخلاص منه، ولا يتمكنون من الوصول إلى الصائمين لإضلالهم وإغوائهم.
ومن مزايا هذا الشهر الكريم وخصائصه أن الله سبحانه وتعالى يجازي الصائمين جزاء لا يعلمه إلا هو، فعن أبي هريرة عن النبي قال: ((كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك)) متفق عليه.
ففي هذا الحديث ما يدل على عظيم فضل الله سبحانه وتعالى من وجوه:
الأول: أن جميع الأعمال الصالحة تضاعف أجورها، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإن جزاءه عند الله أعظم بغير حساب، والسر في ذلك أن الصوم صبر على الطاعة وصبر عن المعاصي والشهوات، والصابرون يوفيهم الله سبحانه وتعالى أجرهم يوم القيامة بغير حساب، كما قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].
الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أضاف الصيام إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم، ففيه تشريف للصيام وتكريم للصائمين.
الثالث: أن الصائم يدع طعامه وشهوته من أجل الله وامتثالاً لأمره، وهذا باعث على تقوى الله وخشيته ومراقبته في السر والعلن.
الرابع: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، والخلوف هو تغير رائحة الفم بسبب خلو المعدة من الطعام والشراب، وفي هذا تكريم للصائم ما بعده تكريم.
فيا أيها المسلمون، شهر بهذه الخصائص والمزايا والفضائل والنفحات الربانية، حري بنا أن نستقبله استقبالاً يليق بمقامه، ونستعد له استعدادًا يوافي جزيل خيراته وكريم عطاء الله وسجاياه وإحسانه، فلو لم يكن في هذا الشهر الكريم من الخير إلا أن فيه غفران ما تقدم من الذنوب لكفى، كما قال رسول الله : ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه من حديث أبي هريرة. فكيف وهو إلى جانب هذا يحمل معه كل تلك الخيرات والنفحات الإلهية؟!
فتأهبوا ـ يا عباد الله ـ للعمل الصالح في شهر رمضان، وشمروا عن ساعد الجد للاستعداد له بأنواع الطاعات والقربات.
الخطبة الثانية
أما بعد: فقد اعتاد كثير من الناس أن يجعلوا من شهر رمضان المبارك موسمًا لمضاعفة السيئات والاشتغال بالمنكرات والجلوس في مجالس اللهو واللعب والإكثار من القيل والقال، فمنهم من اعتاد النوم في النهار والسهر في الليل فيما لا يجدي ولا ينفع، بل مضرته على الإنسان في دينه ودنياه ظاهر ومعلوم.
فنرى في شهر رمضان المبارك كثيرا من الصائمين يشتغل بلعب البطة أو الدمنة أو الكيرم أو الشطرنج بحجة قتل الوقت زعموا، وما علم هؤلاء المساكين أنهم إنما يقتلون أعمارهم فيما لا طائل فيه، وأنهم يعدون سيئاتهم بدلاً من أن يعدوا حسناتهم.
وإنّ مما عمت به البلوى بين المسلمين انشغال الناس عن الطاعة في هذا الموسم العظيم الذي ينبغي أن يكون فرصة لتصحيح المسارات الخاطئة من حياة الإنسان المذنب العاصي، ولكننا نرى الأمر ع+ ذلك، فإذا بنا نشاهد كثيرًا من الصائمين أضاعوا لياليهم بالسهر أمام شاشات الفضائيات العربية، والتي تفننت في الملهيات ووسائل المغريات المتنوعة، وتخصصت في الوقيعة بالناس في شراك إبليس وحبائل الشيطان الرجيم والعياذ بالله.
انشغل الناس عن القرآن والقيام والذكر والاستغفار إلى متابعة فوازير رمضان ومسابقاته التي تحمل معها الغثاثة الفكرية واللوثة العقدية، ناهيك عن المسلسلات الهابطة والأفلام الخليعة والمسلسلات المتبذلة والأغاني الماجنة والتمثيلات الشيطانية، والتي كانت سببًا في خراب الأمم والشعوب وتدميرًا للأخلاق والسلوك، فقاتل الله هؤلاء القائمين بأمر هذه القنوات الفضائية؛ كيف جعلوا من شهر رمضان موسمًا للازدياد من المعاصي بدلاً من أن يكون موسمًا للتزود من الطاعات؟! فصار استعداد هذا الصنف من الناس ـ لا كثرهم الله ـ هو تضييع الوقت بهذه الرذائل والسفاسف التي تعود على المسلمين بالويلات والمصائب، فإلى الله المشتكى.
فاعلموا ـ يا عباد الله ـ أن صيامنا يجب أن يكون عن كل المفطرات الحسية والمعنوية، فكما نصوم عن الطعام والشراب والشهوات الواجب علينا أن نصوم عن المحرمات، فالصيام وقاية لصاحبه من النار، كما جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله أن النبي قال: ((إنما الصيام جنة ـ أي: وقاية لصاحبه من المعاصي ـ يستجن بها العبد من النار)) رواه الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح.
فيجب عليك أن تصوم جوارحك عن الحرام، فلا تنظر إلى الحرام، ولا تستمع إلى الحرام، ولا تبطش بيدك الحرام، ولا تخط إلى الحرام، فقد قال رسول الله فيما يرويه عن ربه عز وجل: ((وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم)) رواه البخاري من حديث أبي هريرة .
وقد فسر الرفث بفحش القول والعمل، وقيل: إن المراد بالرفث الجماع ومقدماته، ولا شك أن كل ذلك منهي عنه حال الصيام، والصخب هو الصياح والخصومة في الدين أو الدنيا.
فاتقوا الله عباد الله، ولا تصيروا شهر رمضان شهر ذنب وعصيان، بل اجعلوه موسم طاعة وتوبة وقراءة قرآن وذكر وتسبيح وصدقة وقيام، تسعدوا في الدارين، واستقبلوه بالعمل الصالح تفوزوا برضا الرحمن. والحمد لله رب العالمين.
| |
|