molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الفقه في الصلاة - حسين بن حسن أحمد الفيفي الإثنين 31 أكتوبر - 5:58:39 | |
|
الفقه في الصلاة
حسين بن حسن أحمد الفيفي
الخطبة الأولى
عباد الله، مما يعين على الخشوع في الصلاة ـ وهو من فقه الصلاة ـ تسوية صفوف المصلين، فيجب أن يعلم أن على الإمام مسؤولية تسوية الصفوف، وأن يأمر الناس بذلك، وإذا لم يمتثلوا تقدم هو بنفسه إلى من تأخر عن الصف أو تقدم ليعدله؛ لأن نبينا وإمامنا وقدوتنا كان يسوي الصفوف كأنما يسوي القداح، وكان يمر بالصف يمسح المناكب والصدور ويأمرهم بالاستواء، وسنة النبي أحق أن تتبع.
فعلى الإمام أن يعتني بتسوية الصفوف، فيلتفت يمينًا، ويستقبل الناس بوجهه، ويلتفت يسارًا، ويقول: ((استووا، سووا صفوفكم، لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، تراصّوا، سدوا الخلل))، كل هذه الكلمات وردت عن النبي . وقد ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال: ((ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟)) قالوا: يا رسول الله، كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: ((يسدون الأول فالأول، ويتراصون في الصف)) أخرجه مسلم. وقد خرج يومًا إلى أصحابه بعد أن عقل الناس عنه تسوية الصفوف، وصاروا يسوونها بأنفسهم، فرأى رجلاً باديًا صدره، يعني متقدمًا بعض الشيء، فقال: ((عباد الله، لتسونَّ بين صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)) أخرجه البخاري ومسلم. وفيه وعيد شديد، ومخالفة الله بين الوجوه تحتمل معنيين: إما أن الله يدير وجه الإنسان فيكون وجهه إلى كتفه والعياذ بالله، وإما أن المراد ليخالفن الله بين وجهات نظركم فتفترق القلوب وتختلف، لقوله : ((لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) أخرجه مسلم. وأيًّا كان الأمر سواء ليّ الرقبة حتى يكون الوجه إلى جانب البدن أو أن المراد اختلاف القلوب، فكله وعيد شديد يدل على وجوب تسوية الصفوف، وأنه يجب على الإمام أن يُعنى بتسوية الصف، لكن لو التفت ووجد الصف مستقيمًا متراصًّا والناس متساوون في أماكنهم فالظاهر أنه لا يقول لهم: استووا؛ لأنه أمر بما قد حصل، إلا أن يريد اثبتوا على ذلك، لأن هذه الكلمات لها معناها، ليست كلمات تقال هكذا بلا فائدة.
قال أبو عيسى الترمذي: وقد روي عن النبي أنه قال: ((من تمام الصلاة إقامة الصف)).
وكذلك كان الصحابة من بعده يهتمون بتسوية الصفوف في الصلاة، فقد روي أن أمير المؤمنين عمر كان يوكل رجالا بإقامة الصفوف، فلا يكبر حتى يخبر أن الصفوف قد استوت. وروي عن علي وعثمان أنهما كانا يتعاهدان ذلك، ويقولان: استووا. وكان علي يقول: تقدم يا فلان، تأخر يا فلان.
وعن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه : ((سَوُّوا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة)) رواه البخاري ومسلم، وعنه قال: قال رسول اللّه : ((أتموا الصفوف، فإني أراكم من خلف ظهري))، وفي لفظ: ((أقيموا الصفوف)) رواه البخاري ومسلم، وروى البخاري من حديث حميد عن أنس قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول اللّه فقال: ((أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري))، وكان أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه وبدنه ببدنه، وفي لفظ: وقدمه بقدم صاحبه. فإذا كان تقويم الصف وتعديله من تمامها وإقامتها بحيث لو خرجوا عن الاستواء والاعتدال فذلك يعني أن اعوجاج الصف ينقص من أجر الصلاة.
قال ابن عثيمين: "فإلصاق القدم بالقدم والمنكب بالمنكب لأمرين: الأمر الأول: تسوية الصفوف واستقامتها، الأمر الثاني: سد الفرج والخلل، كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله. وبذلك يُعلم خطأ من فهم من فعل الصحابة أنهم يفرّجون بين أرجلهم حتى يلزق أحدهم قدمه بقدم صاحبه، مع تباعد ما بين مناكبهم فإن هذا بدعة لا يحصل بها اتباع الصحابة رضي الله عنهم، ولا يحصل بها سد الخلل".
ولذلك فقد نبّه على أهمية تسوية الصفوف في أحاديث كثيرة، ومع ذلك ترى كثيرا من الناس اليوم لا يهتمون بهذا الأمر، بل إن بعضهم إذا حاولت الاقتراب منه وسد الخلل أو تسوية الصف ابتعد عنك، وجعل بينك وبينه فرجه. لذلك ينبغي تعليم الناس وتوجيههم بأهمية تسوية الصفوف وإقامتها، وسد الفرج التي بين المصلين، والاهتمام بالوقوف بين يدي الله تعالى، والمحافظة على المظهر والمخبر، ووجوب المطابقة بينهما ليتجلى صدق التوجه، ويحصل تناسق المظهر وتطابقه مع حضور المخبر، فالقلب مع اللسان، والجوارح مع العقل والجنان، تناسق في الحضور والتوجه والأداء، قال : ((لَتُسَوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)).
فالانسجام والتوافق والترتيب والنظام في المظهر دليل على الاهتمام، كما أن الفوضى والاضطراب وعدم التوافق والانسجام دليل على انصراف النفس وانشغالها وعدم إدراكها وإحساسها، وكما أنه لا يغتفر في أمور الدنيا هذا السلوك من الاضطراب والاختلاف والفوضى ويعد عيبا ومظهرا من مظاهر عدم الاهتمام واللامبالاة، فإن ذلك أشد وأعظم في الصلاة والوقوف بين يدي الله سبحانه، فإن الشرع خاطب العقول السليمة والفِطَر الحكيمة بما جُبِلت عليه من ضرورة ذلك وأهميته في نجاح العبد في أمور دينه ودنياه.
وحرصا منه عليه الصلاة والسلام على تحقيق ذلك كان يباشر هذا الأمر بيده الكريمة، فكان يسوي بين الصدور والمناكب، صح عنه كما في حديث أبي مسعود الأنصاري قال: كان يأتينا فيمسح على عواتقنا وصدورنا ويقول: ((لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)). وبذلك نبههم قولا وأرشدهم فعلا إلى المطلوب. وفَهِم الصحابة رضوان الله عليهم عنه ما أراد، من أن القلب لا بد أن يتفق مع القالب، حتى إذا عقلوا عنه ذلك المطلب في المحافظة على استقامة الصف وعدم اعوجاجه واضطرابه امتثلوا ذلك وطبقوه من بعده، فكان ما طلبه منهم عليه الصلاة والسلام لتحقيق أمور منها:
أولاً: تعديل الصفوف واستقامتها وعدم اعوجاجها.
ثانيًا: استواؤها وعدم اضطرابها بتقدم البعض عن الصف أو تأخر البعض عنه، مما يترتب معه عدم استواء الأقدام والمناكب. وقد روي عنه أنه قال: ((إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج)).
ثالثًا: التقارب بين المصلين في الصف، وعدم ترك الفجوات، فيُحَاذى بين المناكب، ويُقارَب بين الأقدام لتلافي الثغرات التي يتخذ الشيطان منها أوكارًا لإفساد صلاة المصلين والتشويش عليهم وبذر بذور الخلاف بينهم، ولذلك روي عنه أنه قال: ((تقاربوا ولا تدعوا فرجا للشيطان)). وفي الأثر: "إن الشيطان ينفذ من بين فرج المصلين مثل الخذف".
رابعًا: عدم التأخر عن الصفوف الأُول وإدراك فضل الصلاة فيها. عن البراء بن عا+ قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول)) أخرجه أبو داود وصححه الألباني، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار)) أخرجه أبو داود وصححه الألباني، وعن أبي هريرة قال: قال النبي : ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)) أخرجه البخاري ومسلم.
ولا ينبغي ترك الفجوات بين المصلين، وهذا ما ترجم له البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه فقال: "باب: إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف". وأورد في ذلك حديث النعمان بن بشير قال: رأيت الرجل منّا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعب صاحبه. رواه البخاري. وعن أنس عن النبي قال: ((أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري))، قال أنس: وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه. رواه البخاري.
بارك الله لي ولكم في العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
عباد الله، إنما جعل فقه الصلاة من أسباب الخشوع؛ لأن الجهل بأحكامها ينافي أداءها كما كان النبي يؤديها، ولأن خشوع المسيء في صلاته وهو جاهل بأحكامها لا يفيده شيئًا، ولا تجزئه حتى يقيمها ويؤديها كما ثبت عنه ، قال : ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).
ومن الفقه في الصلاة متابعة الإمام، فإنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جلوسًا فصولوا جلوسًا أجمعون، كما ثبت عنه . قال ابن عثيمين في الشرح الممتع عن وجوب متابعة الإمام: تجب متابعة الإمام وتحرم مسابقته؛ لقوله : ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون)) أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
ومما ابتلي به كثير من الناس اليوم وخاصة من العامة عدم متابعتهم للإمام؛ فترى بعضهم يستعجل في صلاته ويسبق الإمام، وبعضهم يتأخر حتى يؤدي به ذلك إلى ترك متابعة الإمام، وهذا من قلة الفقه في الصلاة، قال : ((ما يأمن الذي يرفع رأسه في صلاته قبل الإمام أن يحول الله صورته صورة حمار)) رواه مسلم، وقال ابن تيمية كلاما في معناه أن النبي إنما شبهه بالحمار لأن مسابقته للإمام تدل على بلادته، فإنه لن يخرج من صلاته إلا بعد سلام الإمام، فعلام يسابقه؟!
وقد قال العلماء: إن للمأموم مع الإمام أربع حالات هي: المسابقة والموافقة والمتابعة والتأخر، فالمسابقة تحرم، والموافقة تكره، والمتابعة هي التي أمر بها في الحديث السابق، أما التأخر فإنه يختلف بحسب ذلك التأخر، فمنه ما يكره، ومنه ما يخرج المأموم عن متابعة الإمام".
ومن الفقه في الصلاة الصلاة إلى سترة، فإن الصلاة إلى سترة والدنو منها له أثر في الخشوع في الصلاة وحضور القلب، فإن ذلك أقصر لنظر المصلي، وأحفظ له من الشيطان، وأبعد له عن مرور الناس بين يديه. ومن العلماء من يرى وجوبها، وقد رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى أنها سنة مؤكدة، يقول : ((إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها)) رواه مسلم، وقال أيضًا: ((إذا صلى أحدكم فليستتر، وليقرب من السترة؛ فإن الشيطان يمر بين يديه)) رواه أبو داود والترمذي. والدنو منها هو أن يكون بينه وبينها ثلاثة أذرع كما ذكر ذلك العلماء.
ويستثنى من ذلك المار بين الصفوف في صلاة الجماعة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جئت أنا والفضل على أتان ورسول الله بعرفة، فمررنا على بعض الصف، فنزلنا فتركناها ترتع، ودخلنا مع رسول الله في الصلاة، فلم يقل لنا شيئًا. وفي رواية أن الأتان مرت بين يدي بعض الصف الأول. أخرجه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو قال: هبطنا مع رسول الله من ثنية أذاخر فحضرت الصلاة، فصلى إلى جدار، فاتخذه قبلة ونحن خلفه، فجاءت بهيمة تمر بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار، ومرت من ورائه). ويؤخذ من ذلك أن المصلي يدفع كل ما يمر بينه وبين سترته حتى لو تحرك ومشى، وليدافعه ما استطاع كل بحسبه، فقد قال : ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين)) رواه مسلم.
وعن أبي صالح قال: رأيت أبا سعيد في يوم الجمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس، فأراد شاب من بني أبي معيط أن يمر بين يديه، فدفعه أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب فلم يجد مساغًا إلا بين يديه، فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فنال من أبي سعيد ثم دخل على مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال: ما لك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ قال: سمعت رسول الله يقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان)).
ألا وصلوا وسلموا على خير الخلق محمد بن عبد الله، عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية أصحاب محمد أجمعين، وعن التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين...
| |
|